3. مقولة " الهيكل " وهّم وتضليل (2)
متابعة لما قلت في الحلقة السابقة ما زلت أؤكد أن الادعاء بوجود " هيكل " كان تحت الأقصى المبارك أو في حرمه في الماضي ، إن هذا الادعاء هو باطل ، وهو وهم وتضليل ، فهو وهم لأنه ادعاء باطل لا بقوم على أي دليل ديني أو تاريخي أو دليل من علم الآثار ، وهذا الادعاء الباطل هو تضليل لأن الذين يصرون على هذا الإدعاء يعلمون في قرارة أنفسهم بطلان ادعائهم هذا ، ومع ذلك يصرون عليه كي يطالبوا بحق سياسي موهوم قائم على هذا الادعاء الباطل ، وواقع اليوم هو أوضح شاهد على ما أقول ، فأن المؤسسة اليهودية الدينية وغير الدينية والرسمية وغير الرسمية باتت تطالب ببناء " هيكل " على حساب الأقصى ، وهذا ما تجري عليه المباحثات الآن في أثينا وباريس وإحدى الدول العربية بين طرف عربي وآخر إسرائيلي.
متابعة لما قلت في الحلقة السابقة ما زلت أؤكد أن الأبجديات العلمية تؤكد أن الأقصى المبارك كان أول مسجد على وجه أرض القدس منذ فجر التاريخ ، ، فكان الأقصى المبارك ولم يكن شيء اسمه " هيكل " ، ولم تكن قبيلة يهودا يومها ولم يكن التاريخ اليهودي أصلاً ، لذلك فإن القول بوجود " هيكل " كان تحت الأقصى في يوم من الأيام هو باطل وضلال ، وإن الأبجديات العلمية تصفع قائلة كائناً من كان ، وأن الشواهد الدامغة والكثيرة تؤكد على ذلك .
2. يتحدث سفر ( التثنية ) أنه كان هناك معبد ، وإن هذا المعبد يجب أن تتوفر فيه هذه الشروط :
× أن يقع غرب نهر الأردن ، في أرض الكنعانيين ، الساكنين في العربة مقابل الجلجال ، بجانب بلوطة مورة ، ومن الواضح أن القدس الشريف كانت لليبوسيين ولم تكن للكنعانيين ، ومن الواضح أن هذه الأسماء التي وردت كشروط لموقع المعبد لم تكن في يوم من الأيام في القدس ، فكيف لأي عاقل على وجه الأرض أن يرضى لنفسه أن يتجاهل كل هذه الشواهد كي يصر مستكبراً على باطلة ويقول مما حكا أن هيكلاً كان تحت الأقصى أو في حرمه ، أو حتى في رحاب القدس الشريف .
4. يقول أحبار التلمود أن داود عليه السلام قد عرف مكان الهيكل منذ صباه ، وعرف أن الهيكل سيبنى على جبل موريا ، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تتحدثون في موقع آخر ، إن داود عليه السلام ذهب إلى عين حطام التي كانت تقع جنوب بيت لحم – وفق اعتقاد البعض – وهناك حفر أساسات البناء ، فخرجت المياه من هذه العين ، عندما فهم داود أن هذا المكان ليس هو مكان الهيكل ؟ كيف نجمع بين الروايتين ؟ بل كيف نجمع بين رواية أحبار التلمود ورواية التوراة التي تقول أن داود عليه السلام قد عرف مكان الهيكل فقط بعد نزول النار ( ودعا الرب فأجابه بنار من السماء على مذبح المحرقة ) !!
إن تناقض كل هذه الروايات يجعلنا نؤكد أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ، لذلك فإن هذه المصادر التي كتبت بعد مئات السنين من الأحداث التي وردت فيها ، أن هذه المصادر تقوم على الخيال والتوهم أو على الذاكرة الضعيفة والمضطربة في أحسن الأحوال ، وبالتالي فهي ليست مصادر استقراء للحقيقة العلمية .
5. ورد في التوراة : " حينئذ بنى يشوع مذبحاً للرب إله إسرائيل في جبل عيبال كما أمر موسى عبد الرب بني إسرائيل .. مذبح حجارة صحيحة لم يرفع عليها أحد حديداً وأصعدوا عليه محرقات للرب وذبحوا .. وكتب هناك على الحجارة نسخة توراة موسى .. " ولي أن ذلك يعني أن الهيكل قد قام على جبل ( عيبال ) !! وهنا اسأل سؤال آخر .. هل يوجد في كل جغرافية القدس شيء اسمه جبل ( عيبال ) ؟ قطعاً لا .. إذن لماذا هذه المماحكة الواهنة ؟ لماذا هذا الادعاء الباطل القائل أن هيكلاً كان تحت الأقصى أو في حرمه ؟
6. ورد في التوراة : " فخرج يعقوب من بئر السبع وذهب نحو حاران وصادف مكاناً وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت ، وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه فاضطجع في ذلك المكان ، ورأى حلماً وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء ، وهو ذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليه ، وهو ذا الرب واقف عليه ، فقال : أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق .. فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقاً أنا الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم وخاف وقال ما أرهب هذا المكان ، ما هذا إلى بيت الله وهذا باب السماء ، وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عموداً وصب زيتاً على رأسه ، ودعا اسم ذلك المكان بيت أيل .. " ، ووفق هذه الرواية أقول : أن معنى ( بيت أيل ) هو ( بيت الله ) ، وهذا هو المصطلح المرادف لمقولة ( الهيكل ) عند أحبار اليهود ، بمعنى أن ( الهيكل ) قائم في ( بيت أيل ) وفق هذه الرواية ، والواضح أن ( بيت أيل ) ليست هي القدس وليست هي الأقصى فلماذا كل هذه المماحكات والإصرار الباطل على أن الهيكل كان تحت الأقصى أو في حرمه أو في رحاب القدس الشريف ؟ وأعود وأتساءل من يحل لنا لغز هذه التناقضات التي تتحدث تارة عن مكان الهيكل في ( عيبال ) ، وتارة في ( جرزيم ) ، وتارة في ( بيت أيل ) وتارة أخرى في جبل ( موريا ) ، أليست هذه التناقضات تؤكد إلغاء بعضها لبعض ، بمعنى أنها كلها ليست مصادر للحقيقة إطلاقاً !!
7. لقد ربط أحبار اليهود بين مكان الهيكل ومكان مدينة داود ، لذلك فإن تحديد مكان مدينة داود يعني تحديد مكان الهيكل على ضوء الربط بينهما عند أحبار اليهود ، ولكن إذا لم ينجح أحد بتحديد مكان مدينة داود فكيف يمكن أن يحدد مكان الهيكل ؟!
هذا أحد الباحثين ( بيرتش ) يرى أن مدينة داود تقع على " الأوفل " ، أي جنوب الحرم ، وهذا ( كوندر و روبنسن ) يقولان أنها تقع على جبل صهيون ، فأمام هذه التناقضات وأمام كل التناقضات السابقة ، هل يوجد عاقل يسمح لنفسه القبول بذاك الإصرار الباطل والقول أن هيكلاً كان تحت الأقصى أو في حرمه أو في رحاب القدس الشريف .
8. يقول أحد الباحثين ويدعى " كورنفلد " :
أن قطر الهيكل أكبر من قطر الصخرة ، حيث أن قطر الصخرة هو 50 متراً ، أما عرض الهيكل كان 56 م ، فلو أن الهيكل قد دمر أو حرق في هذه المنطقة ، لتغطت الصخرة المشرفة بآثار الحريق ، ولبقيت الآثار تحت الصخرة أو حولها ، أو لبقيت حجار محروقة أو تربة مع رماد من المنطقة ، وبما أنهم لم يجدوا شيئاً يدل على ذلك ، فهذا إثبات على أنه لم يحدث أي حريق في هذه المنطقة ، الأمر الذي يدل على عدم وجود هيكل على أرض هذه المنطقة .. لقد أثبتت هذه الحفريات أن لون التربة هو اللون الأصلي لتراب تلك المنطقة والحجارة التي أخرجت عند الحفريات كانت باللون الطبيعي لتلك الحجارة ، ولم تكن محروقة " .
9. يقول الباحث " مازار " :
أن الحفريات التي أجراها بن دافيد شرق الحرم القدسي لم تثبت أي آثار أو وجود لليهود من زمن الهيكل الأول أو من أيام رجوع اليهود إلى القدس بعد السبي البابلي ، وفي الناحية الجنوبية للحرم اكشفوا بئر ماء محفورة بالصخر وبها 15 أداه من الفخار كانت تستعمل في ذلك الوقت وسقطت في البئر ، ويرجع تاريخ هذه الأدوات إلى سنة 900 ق.م ، أما في الناحية الجنوبية الغربية فوجدت آثار مدينة من العصر الأموي " .
10. قام الدكتور محمود مصالحة بإجراء مقابلة مع الكاهن عبد المعين صدقة – رئيس الطائفة اليهودية السامرية في نابلس في تاريخ 13/3/97 ، وقد أورد الدكتور محمود هذه المقابلة في كتابه " المسجد الأقصى المبارك وهيكل بني إسرائيل " ، ومما ورد في هذه المقابلة ما يلي :
يقول الكاهن عبد المعين صدقة : " في ديننا لا يوجد هيكل ، وإنما توجد خيمة الاجتماع أو ( المشكان ) التي كانت مكونة من الخشب والجلود والذهب ، بناها سيدنا موسى عليه السلام ، عندما كان اليهود في الصحراء ، وخيمة الاجتماع بنيت لكي يكلم الله من داخلها سيدنا موسى عليه السلام ، عندما عبر بنو إسرائيل نهر الأردن توجهوا إلى " شكيم " ( نابلس ) إلى جبل جرزيم ، حيث وضعت خيمة الاجتماع هنا على جبل جرزيم وليس في القدس ، وهذا دليل قاطع على أن القدس غير مقدسة عندنا قطعياً .. " .
وفي موضع آخر من المقابلة يقول : " .. أما القدس فلم يرد لها ذكر عندنا في التوراة بتاتاً .. " ، وكذلك يقول في موضع آخر في المقابلة : " .. أكرر وأقول : " نحن لا نؤمن بالقدس ، لا يوجد قدس في التوراة ، لم يرد للقدس ذكر في الخمسة أسفار ، وهي : التكوين ، الخروج ، لاويين ، عدد ، تثنية الاشتراع " .
يتبع
4. ما بني على باطل فهو باطل
كنت قد بينت خلال الحلقات السابقة أن القول بوجود " هيكل " كان تحت الأقصى أو في حرمه هو وهم وتضليل، وقد أوردت كثيراً من الأدلة والشواهد الدينية والتاريخية والأثرية التي تؤكد على ذلك ، وأتابع وأقول أن القول بوجود " هيكل " كان تحت الأقصى أو في حرمه هو باطل ، وما دام باطلاً فما بني على باطل فهو باطل ، وأقصد بذلك أن الادعاء بعد ذلك بوجود آثار ل " هيكل " تحت الأقصى أو في حرمه هو باطل كذلك ، ومعنى ذلك أن القول بوجود شيء اسمه " مبكى " على اعتبار أنه من آثار " هيكل " هو باطل ، لأنه لم يكن – أصلاً – " هيكل " تحت الأقصى أو في حرمه ، والقول بوجود نفق اسمه " نفق الحشمونائيم " على اعتبار أنه من آثار " هيكل " هو باطل لنفس السبب لأنه لم يكن – أصلاً – " هيكل " تحت الأقصى أو في حرمه ، والقول بوجود إسطبلات اسمها " إسطبلات سليمان " على اعتبار أنها من آثار " هيكل " هو أمر باطل ، لنفس السبب ، والقول بوجود بوابة اسمها " بوابة خلده " أو بوجود آبار مياه على اعتبار أنها من آثار " هيكل " هو أمر باطل لنفس السبب ، لذلك فالادعاء بعد ذلك أن لليهود حق الصلاة في حرم الأقصى هو أمر باطل ، لأنه بني على باطل ، والمطالبة الشاذة التي نسمعها اليوم والتي تنادي ببناء " هيكل " على حساب الأقصى هو أمر باطل ، لأنه بني على باطل ، والسعي المحموم إلى إدخال حرم الأقصى في دائرة المفاوضات الجارية اليوم حول القدس الشريف هو أمر باطل ، لأنه بني على باطل ، وحول هذا الموضوع هناك بعض الملاحظات الني أريد أن أذكر بها :
1. كتبت صحيفة " يديعوت أحرونوت " في تاريخ 7/6/1998 ، على لسان عالمي الآثار البروفيسور " إسرائيل فنقلشطين " و " دافيد اوسيشقين " ما يلي : " القدس في أيام الملك سليمان كانت تجمعاً صغيراً ، ولم تكن عاصمة لإمبراطورية ، كما هو وارد في " المقراة " – كتاب ديني يهودي – لذلك هناك تساؤل كبير : هل الملك سليمان بنى الهيكل الأول كما هو وارد في " التناخ " – كتاب ديني يهودي – ؟
واضح أن هذا التساؤل ينكر القول الوارد في بعض الكتب الدينية اليهودية أن الملك سليمان بنى الهيكل الأول ، وواضح أننا إذا أضفنا هذا الشاهد إلى بقية الشواهد التي أوردتها في الحلقات السابقة ، فلنا أن نتساءل بكل موضوعية ، لماذا هذه المماحكة الباطلة وتسمية " التسوية الشرقية " التي تعرف باسم " المصلى المرواني " ، وهي جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى ؟ لماذا هذه المماحكة الباطلة وتسميتها باسم " إسطبلات سليمان " وكأنها بقايا " هيكل " من عهد الملك سليمان – عليه السلام – علماً أن هذين البروفيسورين اليهوديين من جامعة تل – أبيب يؤكدان أن الملك سليمان – عليه السلام – لم يبن هيكلاً .
طبعاً غني عن البيان أني لا أستند إلى هذا الشاهد لهذين البروفيسورين فقط ، فقد أوردت أدله وشواهد كثيرة في الحلقات السابقة ، ولكن من باب التأكيد أورد هذا الشاهد فقط !!
2. مع كل ما ذكرته في الحلقات السابقة فإن صحيفة " هآرتس " كتبت تقول في تاريخ 1/10/1999: " التسوية النهائية التي سيتم التوصل إليها بين الإسرائيليون والفلسطينيين المتعلقة بـ "الحرم القدسي" – المسجد الأقصى المبارك – قد تضم عناصر تحوي تغييراً للوضع القائم منذ عام 1967 ، هذا ما يتضح من المحادثات التي أجراها مؤخراً إسرائيليون وفلسطينيون في أثينا وباريس والأردن تحت رعاية مراكز أبحاث وبعلم من المستوى السياسي بمجريات فحوى وجوهر المحادثات " .
3. تضيف صحيفة " هآرتس " وتقول في نفس العدد : " هذا وتطالب إسرائيل الفلسطينيين أنه في كل تسوية أيا كانت ، يجب حفظ حق توجه اليهود إلى ( جبل الهيكل ) – الأقصى المبارك – وذلك وفقاً لترتيبات زمنية يتم الاتفاق عليها بين الطرفين ، وكذلك تطالب إسرائيل بأن تحتفظ قواتها الأمنية بحق استعمال القوة داخل الحرم إذا ما تعرض إسرائيليون للخطر داخله ".
4. تقول صحيفة " هآرتس " في نفس العدد : " وتطالب إسرائيل أنه مقابل رفع العلم الديني – الفلسطيني في الموقع ، أو رفع العلم الفلسطيني السياسي – الأمر الذي يعني تنازلاً يؤدي إلى السيادة الفلسطينية رسمياً وليس فقط عملياً – تطالب أن يوافق الفلسطينيون على تخصيص إسرائيل قطعة ( مساحة ) أرض ليصلي عليها اليهود " .
5. وتضيف صحيفة " هآرتس " في نفس العدد وتقول : "كذلك وتقترح إسرائيل على السلطة أن يتم الاتفاق بينهما على أن لا يستعمل الحرم لأهداف دينية وتمنع داخله أي فعالية سياسية ، أو ذات السيادة ، هذا بالإضافة إلى مطالبة إسرائيل بمنحها حق " الفيتو " (الاعتراض ) على كل عمل في مجال البناء أو الهدم داخل الحرم وحق مراقبة ذلك " .
6. وحول مفهوم مساحة الأرض التي يطالب بها الطرف الإسرائيلي كي يؤدي عليها اليهود صلاتهم ، فإن صحيفة " هآرتس " تقول في نفس العدد : " ومن أجل تحقيق هذه الإمكانية فقط طرح على السطح العديد من الأماكن في إطار مخططات احتياطية مختلفة تمثل بدائل:
§ المصلى المرواني : وهذا البديل لم يعد بديلاً مقبولاً وحيوياً ، بعد أن أقام فيه المسلمون مسجداً .
§ المنطقة المحاذية للبوابات الثلاثية : تطل على المسجد المرواني ، وكذلك الأمر فهناك أقسام في هذه المنطقة لم تعد صالحة لهذا الغرض بعد أن سيطر الوقف عليها مؤخراً ، بتشجيع من الحركة الإسلامية ، هذا فضلاً عن أن هذا البديل في قسم منه لم يعد حيوياً ، كما كان في السابق .
§ المدرسة العمرية : في سنوات السبعينات نظم الراب " شلومو غورن" الصلاة في هذا المكان المطل على ( جبل الهيكل ) "الحرم" ، إذ إن قسماً من المدرسة جزء من أرض ( جبل الهيكل ) "الحرم" ، والهدف من طرح هذا البديل للعمل على إيجاد نقطة مطلة على المنطقة – "الحرم" – وإيجاد مكان للصلاة فيها سواء للجمهور أو للأفراد .
7. وهناك فرضية إسرائيلية أخرى لإيجاد مكان صلاة لليهود ، توردها صحيفة " هآرتس " في نفس العدد وتقول: " كذلك يقترح " زيلبرمان " فحص إمكانية الفصل في منطقة الصلاة بين المسطح العلوي لـ "الحرم" والتي يستغلها المسلمون للصلاة ، وبين المواقع الأرضية الواقعة تحت المسطحات العلوية لـ "الحرم"، ويؤكد " زيلبرمان " إن الطريقة الوحيدة للتوصل إلى إمكانية استغلال هذه المساحات الأرضية للصلاة فيها من قبل اليهود يتم فقط عبر المفاوضات مع الفلسطينيين والأردن ، ويبدو أن هذا الاستعداد من قبل الفلسطينيين والأردن ، على الأقل في المرحلة المراهنة غير وارد " .
8. في المقابل فإن صحيفة " هآرتس " تتطرق في هذا العدد إلى ما يطالب به الطرف الإسرائيلي ، حيث تقول : " ويتضح أن الفلسطينيين يطالبون في محادثاتهم باستعادة المحكمة المطلة على المسجد الأقصى من الجهة الشمالية واستعادة باب المغاربة ، والذي تسيطر عليه شرطة إسرائيل منذ عام 1967 " .
9. في تاريخ 22/8/1999 تكتب صحيفة " هآرتس " وتقول : " ومع ذلك فإن هناك مجموعة صغيرة من أنصار جبل الهيكل ، هم من هامش الصهيونية المتدينة وخريجي مدرسة " ليحي " يؤلمهم ويقض مضاجعهم مصير جبل الهيكل ، وهذه المجموعة ترى في قضية الهيكل المحور المركزي لعملها ، فهم يتدربون على إعداد القوانين وبناء المذبح وإعداد الأواني اللازمة للمعبد ، وفي الأيام الأخيرة بُشرنا بأنه تم إعداد كنز الهيكل والإعلان عن إنشاء جمعية رسمية مهمتها جمع الأموال لبناء الهيكل الثالث " .
10. بقي أن أقول أن كل هذه المطالب الإسرائيلية باطلة ، لأنها مبنية باطل على باطل ، لا بل أن أصل هذه المحادثات الأكاديمية باطلة ، لأنها تهدف إلى زج الأقصى المبارك في دائرة المفاوضات ، ولكن من الجدير أن نسأل : من هو الطرف الإسرائيلي الذي يتبنى هذه المطالب التي أوردتها صحيفة " هآرتس " ؟ هل هم عدد هامشي ديني ؟ أم أن هناك مطلباً رسمياً حكومياً ومطلباً شعبياً عاماً في المجتمع اليهودي المعاصر ؟ سنجيب على ذلك في الحلقة القادمة بإذن الله .
5. من الساعي إلى بناء ( الهيكل ) في هذه الأيام
بينت خلال الحلقات السابقة أن مقولة " الهيكل " وهم وتضليل ، وبينت الأدلة والشواهد التي تؤكد ذلك ، وبينت أن هدف المتمسكين بمقولة " الهيكل " هو فرض " حق باطل " لهم ، لأنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنه لم يكن " هيكل " في يوم من الأيام تحت الأقصى المبارك أو في حرمه ، ولكنهم يدركون في قرارة أنفسهم كذلك أن تمسكهم بهذا الأمر الباطل هو الطريق الوحيد لفرض " حقهم " الباطل ، التي بات يتبلور خلال هذه الأيام بالدعوة الصريحة إلى بناء " هيكل " على الحساب الأقصى المبارك !! لذلك أعود وأطرح السؤال الضروري في هذه القضية : من الساعي إلى بناء " هيكل " في هذه الأيام ؟
قبل أن أبين الجواب على هذا السؤال ، وكي أنعش " ذاكرة " الجميع أذكر أن هناك مقولة " القدس الكبرى " أو " القدس التاريخية " وهي محل إجماع قومي وديني لدى شرائح المجتمع اليهودي ولدى كل مركبات قوسه السياسي ، ولا أدل على ذلك من هذه التصريحات القديمة الجديدة التي سأورد عينة منها :
1. ذكرت صحيفة " هآرتس " في تاريخ 8/6/1997 قول " ديان " عندما كان عند حائط البراق : " لقد وحدنا من جديد القدس المبتورة عاصمة إسرائيل المشطورة ، رجعنا إلى قدس أقداسنا ، عدنا إليها ولن نتركها إلى أبد الآبدين " .
2. ذكرت صحيفة " معاريف " في تاريخ 31/10/1995 قول " بن غورين " بعد 1967 : "يجب أن لا نتنازل عن شبر واحد من القدس لأنها مهجة قلب الشعب اليهودي " .
3. ذكرت صحيفة " الاتحاد " في تاريخ 31/1/1995 قول " رابي " لطلاب ثانويين : " أنا وضعت لنفسي سلم أفضليات ، أولاً وقبل كل شيء القدس والحفاظ على وحدتها ، وتعزيز وتقوية هذه الوحدة ، إنها القدس فوق أي اعتبار " .
4. ذكرت صحيفة " معاريف " في تاريخ 16/5/1996 خبراً اقتطفت منه ما يلي :
" كان بيرس قد أكد أمام الكنيست أن حكومته تؤكد على وحدة القدس ، وأنها لن تقسم ولن تكون في يوم من الأيام عاصمة لفلسطين ، وستظل تحت السيادة اليهودية " .
5. ذكرت صحيفة " الاتحاد " في تاريخ 9/6/1999 قول " حاييم رامون " – وهو أحد وزراء حكومة براك كما نعلم : " نحن في ( يسرائيل أحات) وإيهود يراك من ضمننا نؤمن بأن القدس بشقيها الغربي والشرقي يجب أن تبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية ، وعليه الخط الأخضر لا وجود له في القدس .. هذا هو موقف حكومة إسرائيل الحالية في الطريق إلى مباحثات الحل الدائم .. ) .
6. ذكرت صحيفة ( كل العرب ) في تاريخ 2/7/1999 قول " يوسي بيلين " – أحد وزراء حكومة براك كما نعلم : " هناك اتفاقية بيني وبين "أبو مازن" ، سيكون هناك اهتمام بشكل جدي بالمواطنين العرب سكان مدينة القدس ، يمكن أن تكون لهم ما يشبه شبه مدينة داخل مدينة القدس الكبرى ، القرار النهائي فيما يتعلق بالقدس الشرقية سيؤجل إلى وقت غير محدد".
7. ذكرت صحيفة " الاتحاد " في تاريخ 13/7/1999 قول " أبراهام بورغ " – رئيس الكنيست في دورتها الحالية : " علمت بتفاهم بيلين – أبو مازن حول أبو ديس – عاصمة الدولة الفلسطينية " .
8. ذكرت صحيفة " هآرتس " في تاريخ 22/8/1999 قول " شلومو بن عامي – أحد وزراء حكومة براك كما نعلم: " القدس عام 1967 ليست كالقدس 1999 ، ولذلك علينا أولاً وقبل كل شيء أن نحدد لأنفسنا ماذا نعني بالقدس ، فليس هناك فلسطيني لا يعرف أن المستوطنات اليهودية القائمة في شرقي المدينة هي القدس ، في مثل هذه القدس الكبيرة نسعى للتوصل إلى تسوية تحقق عدم تقسيمها ، السيادة الإسرائيلية ما وراء هذه القدس قابلة للحديث .. " .
9. ذكرت صحيفة " الأيام " في تاريخ 15/9/1999 قول " إيهود براك " : " بإمكاني أن أؤكد لكم أن " معاليه أدوميم " ستبقى تحت سيادة إسرائيل مهما كان الاتفاق النهائي مع الفلسطينيين".
10. ذكرت صحيفة " الأيام " في تاريخ 15/9/1999 قول " إيهود براك ": " وحدة القدس وسيادتنا فيها يتمتعان بإجماع في المجتمع الإسرائيلي ، وإن حكومات إسرائيل المتعاقبة دعمت هذا الموقف ".
نعلم أن مشروع " تهويد القدس " يقوم على خطة تعرف ب " خطة الأحزمة " وهي ليست حبراً على ورق ، بل هي ما يجري تنفيذه من مشاريع استيطانية في القدس في هذه الأيام ، وتقوم " خطة الأحزمة " على ما يلي :
• بناء حزام استيطاني يحاصر البلدة القديمة ، مثل حي المغاربة والشرف.
• بناء حزام استيطاني يحاصر الأحياء العربية خارج أسوار البلدة القديمة، مثل حي سلوان ووادي الجوز.
• بناء حزام استيطاني يتاخم حدود القدس الكبرى، مثل مشروع " أبو غنيم"، مع التنبيه إلى أن الأقصى المبارك واقع لا محالة في مركز كل هذه الأحزمة الاستيطانية ، بمعنى الأقصى محاصر لا محالة بثلاثة أحزمة استيطانية، وهذا ما يجعل الأقصى وحيداً، عرضه لأن يبنى على حسابه " هيكل " كما نسمع في هذه الأيام .
كتبت كل هذا كي أنبه أن هناك ارتباط بين الحديث عن " القدس الكبرى " والحديث عن بناء " هيكل " على حساب الأقصى المبارك، وكي نستوثق من ذلك أورد هذه الشواهد :
1. ذكرت صحيفة " يديعوت أحرونوت " في تاريخ 10/8/1999 قول وزير رفيع المستوى في حكومة براك : " لقد تأخرنا في السيطرة على جبل " الهيكل"، فإن " جبل الهيكل " ليس معنا – يقصد بجبل " الهيكل " الأقصى المبارك .
2. ذكرت صحيفة " الاتحاد " في تاريخ 11/8/1999 قول " إيهود براك " : " إن فتح الباب في جبل " الهيكل " غير شرعي ، وخطوة أحادية الجانب لن تمر بسهولة ، أنا مسرور لتصرف الشرطة السليم " .
3. ذكرت نشرة " نكوداة " قول " يهودا عتصيون": " قضية السيطرة على جبل " الهيكل " ستحسم ملكية البلاد لأبناء إسحاق أم لأبناء إسماعيل " .
4. الكل يذكر مقولة " بن غورين " : " لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون " الهيكل " .
5. عندما ابّن " مناحيم بيجن " أحد رجالاته العسكريين الذي قتل في حرب لبنان عام 1982، وهو المدعو " يكوتئيل آدم " ، ابنه " بيجن " وقال : " لقد ذهبت إلى لبنان من أجل إحضار خشب الأرز لبناء " الهيكل " .
6. كلنا سمعنا عن هدية " نتنياهو " – رئيس حكومة إسرائيل السابق ، للمطران سلوم ، فقد أهدى إليه مجسماً لمدينة القدس ، وقد اختفى الأقصى المبارك ، ووضع بدلاً منه مجسم خيالي ل " هيكل " !!
7. أعود وأذكر بجملة سمعتها من أحد المسؤولين الكبار الفلسطينيين قالها له أحد المفاوضين الفلسطينيين على لسان أحد الوزراء الكبار في حكومة براك : " لا تتوقعوا حلاً نهائياً لقضية القدس إلا إذا سمحتم ببناء "هيكل " في ساحات الأقصى " .
هذه شواهد مختلفة تجسد إجماعاً قومياً ، دينياً ، رسمياً وشعبياً في المجتمع اليهودي ، تبين طمعهم وسعيهم لبناء " هيكل " في الوقت الذي يرونه مناسباً على حساب الأقصى ؟! ولكن يبقى سؤال يفرض نفسه : هل هذه الأقوال والشواهد مجرد أحلام يقظة ، أم أن هناك سعياً ومبادرات لتنفيذها ؟ سنجيب على هذا السؤال في الخلقة القادمة بإذن الله تعالى .