الإثنين 15 مايو - 11:57 الإثنين 8 مايو - 22:14 الأحد 19 أغسطس - 16:42 الأحد 19 أغسطس - 15:17 السبت 18 أغسطس - 17:10 السبت 18 أغسطس - 17:00 السبت 18 أغسطس - 16:56 السبت 18 أغسطس - 14:52 السبت 18 أغسطس - 10:07 الخميس 16 أغسطس - 17:02 الخميس 16 أغسطس - 16:54 الأربعاء 15 أغسطس - 18:13 الأربعاء 15 أغسطس - 18:08 الأربعاء 15 أغسطس - 10:21
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
موضوع: الدلالات اللفظية "ح" الأربعاء 24 سبتمبر - 2:49
الدلالات اللفظية "ح"
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم :
هذه بعض الفوائد التي يسر الله ، عز وجل ، لي تعليقها على مسألة : "الدلالات اللفظية" وهي وثيقة الصلة بتحديد المعاني التي تدل عليها الألفاظ . أسأل الله ، عز وجل ، أن ينفع بها كاتبها وقارئها .
فدلالة الألفاظ على المعاني تنقسم إلى : دلالة مطابقة : وهي دلالة اللفظ على كل معناه أو الماهية التي يدل عليها ، كدلالة لفظ "البيت" على معنى : البيت بكل أركانه .
&&&&&
ودلالة تضمن : وهي دلالة اللفظ على بعض معناه كدلالة لفظ "البيت" على السقف فهو بعضه . ودلالة لزوم : وهي دلالة اللفظ على معنىً في غيرِه لا ينفك تصوره عنه ، فمتى تصور الذهن الأول أصلا ، تصور الثاني فرعا ، كدلالة لفظ "السقف" على "الحائط" ، فإن السقف لا يقوم إلا على حائط ، فصار الحائط معنىً ملازما للسقف ، وإن اختلفت ماهيتهما .
وعرفها بعض أهل العلم ، بأنها : دلالة النتيجة على سببها ، كقول الأعرابي : البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير ، فإن البعرة : نتيجة تدل على سببها وهو البعير الذي خرجت منه ، والأثر : نتيجة تدل على سببها وهو المسير . وعرفها أيضا بأنها : دلالة المعلول على علته ، فالمعلول نتيجةُ علتِه ، فيكون لازما لها ، كدلالة الولد على الوطء نكاحا أو سفاحا ، فهو معلول : الوطء ، إذ لا ولد بغير وطء إلا خارقة ترد مورد الآية ، فلا يقاس عليها .
وفي التنزيل : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فنفي المعلول : "الولد" يستلزم نفي علته : "الصاحبة" ، إذ الأول يدل على الثاني : لزوما ، ونفي اللازم : نفي لملزومه .
وقد أشار إلى تلك الدلالات إشارة موجزة : شمس الدين البعلي ، رحمه الله ، في "تلخيص الروضة" ، (1/23) .
&&&&&
وأضاف إليها بعض أهل العلم : دلالة الالتزام : وهي عكس دلالة اللزوم فهي دلالة السبب على النتيجة ، كدلالة الوطء على الولد إذا انتفت الموانع الكونية وتهيأت الأسباب فأذن الله ، عز وجل ، كونا ، بوقوع الحمل وتمامه .
يقول ابن تيمية رحمه الله : "فالماهية التي يعنيها المتكلم بلفظه دلالة لفظه عليها دلالة مطابقة ودلالته على ما دخل فيها دلالة تضمن ودلالته على ما يلزمها وهو خارج عنها دلالة الالتزام" . اهـــ ويضرب مثلا بــ : "الحيوان الناطق" فيقول : "فمن تصور حيوانا ناطقا فقال إنسان كانت دلالته على المجموع مطابقة وعلى أحدهما تضمن وعلى اللازم مثل كونه ضاحكا التزام وإذا تصور إنسانا ضاحكا كانت دلالة إنسان على المجموع مطابقة وعلى أحدهما تضمن وعلى اللازم مثل كونه ناطقا التزام" . اهـــ
وفي هذا المقام ينبغي التفريق بين : الدلالة الوضعية للفظ ، والدلالة المعنوية ، فاللفظ قد يوضع لمعنى ، فيصح بداية القول بأن دلالته الوضعية على ذلك المعنى : دلالة مطابقة ، كلفظ : "الحش" فإنه وضع لمعنى : البستان ، فصح أن يقال : دلالة لفظ "الحش" الوضعية على كل أجزاء البستان : أرضا وماء وزرعا وحائطا ....... إلخ : دلالة مطابقة ، ودلالته على أحدها : دلالة تضمن ، فهو يدل على الزرع بمفرده دلالة تضمن ، ودلالته على مالكه : دلالة التزام ، إذ لا بد من كونه مملوكا لمالك بعينه . ولكن العرف قد نقله إلى معنى آخر مجازي ، عند من يقول بوقوع المجاز في اللغة ، وهو : مكان التخلي وقضاء الحاجة ، حتى صار ذلك المعنى المجازي هو الأصل ، فنزل منزلة : الحقيقة العرفية ، إذ المجاز المشتهر كما قرر البلاغيون ينزل منزلة : الحقيقة العرفية ، والحقيقة العرفية مقدمة على الحقيقة الوضعية ، فيقال حينئذ : قد تغيرت دلالة المطابقة للفظ تبعا لتغير حقيقته من : وضعية إلى عرفية ، فصار دالا بالمطابقة على مكان التخلي وقضاء الحاجة بعد أن كان دالا على البستان ، فمناط المسألة : مراد المتكلم : هل أراد الحقيقة أو المجاز ، هل أراد المعنى الأصلي أو المعنى الثانوي ، فدلالة ألفاظه تدور حول مراده دوران القمر التابع حول الكوكب المتبوع .
يقول ابن تيمية رحمه الله : "وليست دلالة المطابقة دلالة اللفظ على ما وضع له كما يظنه بعض الناس ولا دلالة التضمن استعمال اللفظ في جزء معناه ولا دلالة الالتزام استعمال اللفظ في لازم معناه بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ وبين ما يحمل المستمع عليه اللفظ فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في معنى فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ وسمي معنى لأنه عني به أي قصد وأريد بذلك فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه ثم قد يكون اللفظ مستعملا فيما وضع له وهو الحقيقة وقد يكون مستعملا في غير ما وضع له وهو المجاز ................ وكل لفظ استعمل في معنى فدلالته عليه مطابقة لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان سواء سمي ذلك حقيقة أو مجازا" . اهـــ
وفي باب الأسماء والصفات يقال : دلالة أسماء الله ، عز وجل ، تكون : مطابقة : فكل اسم يدل على معنى بعينه غير المعاني التي تدل عليها بقية الأسماء ، مع كونه علما على الذات القدسية ، فاجتمعت له : العلمية والوصفية ، فصار دلالته على كليهما : دلالة مطابقة ، فيقال في اسم الله : "الرحمن" : هو دال على ذات الله ، عز وجل ، دلالة الاسم على مسماه ، فهذا وجه كونه علما ، فالعلم كما عرفه ابن مالك رحمه الله : اسم يعين المسمى مطلقا ******* علمه : كجعفر ، وخرنقا وهو في نفس الوقت دال على صفة الرحمة العامة التي اشتق منها ، فكونه وصفا يلزم منه أنه مشتق من مصدر يدل على معناه ، فـــ : "الرحمن" مشتق من المصدر : "رحمة" التي يدل على معنى "الرحمة" ، فدلالة المصدر على معناه : دلالة مطابقة ، إذ المصدر أصل المشتقات على الراجح من أقوال النحاة ، فـــ : "رحمة" تدل على معنى الرحمة ، و : "علم" يدل على معنى العلم ................. إلخ .
وتضمنا : فدلالة اسم الرحمن على صفة الرحمة أو ذات الله عز وجل المتصفة بها : دلالة تضمن . ولزوما : فدلالة اسم الرحمن على صفة الحياة : دلالة لزوم ، إذ لا تتصور رحمة بلا حياة ، فصفة الحياة : هي أصل الصفات ، فكل الصفات تدل عليها لزوما ، إذ الحياة : أصل صفات الذات ، كما أن القيومية : أصل صفات الأفعال .
ومن ذلك أيضا : أسماء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي وردت في حديث جبير بن مطعم ، رضي الله عنه ، مرفوعا : "لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ" . فهي تدل على ذاته الشريفة : دلالة تضمن ، وعلى الصفات التي اشتقت منها : دلالة تضمن ، أيضا ، فصفة الحمد غير صفة محو الكفر غير صفة الحشر .............. إلخ ، وتدل على كليهما : دلالة مطابقة ، وتدل على صفة الحياة : دلالة لزوم ، إذ تلك الأوصاف مما لا يقوم إلا بحي .
ومنه أيضا : أسماء القرآن : فهي تدل على مسمى واحد من جهة علميتها ، وعلى الصفات التي اشتقت منها : تضمنا ، وعلى كليهما : مطابقة . فـــ : "القرآن" ، و : "الفرقان" ، و : "الهدى" ، و : "الشفاء" ، و : "البيان" ، و : "الكتاب" ، أعلام على الوحي المنزل ، ولكن كل اسم يدل على وصف بعينه يميزه عن بقية الأسماء . فالقرآن : من القرء وهو الجمع فحروفه مجموعة خطا ، أو القراءة ، فيكون من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول : "المقروء" ، فحروفه وكلماته وآياته وسوره مجموعة إلى بعضها نطقا . والفرقان : من جهة كونه فرقانا بين الحق والباطل . والهدى : من جهة كونه هاديا للناس هداية دلالة وإرشاد . والشفاء : كما في قوله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) ، فـــ : "من" في : "من القرآن" : جنسية لا تبعيضية ، فهو شفاء للأرواح والأبدان . والبيان : فعبارته مبينة لا لبس فيها ولا تقعر ولا غموض . والكتاب : من الكتب وهو الجمع فحروفه وكلماته وآياته وسوره مجموعة إلى بعضها خطا . فاتفقت هذه الأسماء من جهة العلمية وافترقت من جهة الوصفية ، فكل منها يدل على : المسمى العام والوصف الخاص دلالة مطابقة ، وعلى أحدهما : دلالة تضمن .
ومنه أيضا : أسماء السيف : الحسام والمهند والصارم : فهي أيضا : تدل على مسمى واحد من جهة علميتها ، وعلى الصفات التي اشتقت منها : تضمنا ، وعلى كليهما : مطابقة . فالصارم مشتق من وصف الصرم ، والمهند منسوب إلى الهند ، والحسام مشتق من وصف الحسم وهو القطع كما في : "لسان العرب" . فاتفقت هذه الأسماء أيضا من جهة العلمية وافترقت من جهة الوصفية ، فكل منها يدل على : المسمى العام والوصف الخاص : دلالة مطابقة ، وعلى أحدهما : دلالة تضمن .
وإلى ما تقدم أشار ابن تيمية ، رحمه الله ، في "الرسالة التدمرية" بقوله : "والله سبحانه أخبرنا أنه عليم قدير ، سميع بصير ، غفور رحيم ، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته . فنحن نفهم معنى ذلك ونميز بين العلم والقدرة ، وبين الرحمة والسمع والبصر ، ونعلم أن الأسماء كلها اتفقت في دلالتها على ذات الله ، مع تنوع معانيها فهي متفقة متواطئة من حيث الذات ، متباينة من جهة الصفات ، وكذلك أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب . وكذلك أسماء القرآن مثل القرآن والفرقان والهدى والنور والتنزيل والشفاء ، وغير ذلك ، ومثل هذه الأسماء تنازع الناس فيها هل هي من قبيل المترادفة لاتحاد الذات ، أو من قبيل المتباينة لتعدد الصفات ؟ كما إذا قيل : السيف والصارم والمهند ، وقصد بالصارم ، معنى الصرم ، وفي المهند النسبة إلى الهند ، والتحقيق أنها : مترادفة في الذات ، متباينة في الصفات" . اهـــ
ويشير إلى طرف من ذلك في معرض بيان النوع الأول من أنواع اختلاف التنوع في أقوال السلف في تفسير الكتاب العزيز فيقول : "أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه ، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة كما قيل في اسم السيف : الصارم والمهند ، وذلك مثل أسماء اللّه الحسنى ، وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأسماء القرآن ، فإن أسماء اللّه كلها تدل على مسمى واحد ، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادًا لدعائه باسم آخر ، بل الأمر كما قال تعالى : {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } [ الإسراء : 110 ] . وكل اسم من أسمائه يدل على الذات المسماة ، وعلى الصفة التي تضمنها الاسم ، كالعليم يدل على الذات والعلم ، والقدير يدل على الذات والقدرة، والرحيم يدل على الذات والرحمة . ومن أنكر دلالة أسمائه على صفاته ممن يدعي الظاهر ، فقوله من جنس قول غلاة الباطنية القرامطة الذين يقولون : لا يقال : هو حي ، ولا ليس بحي ، بل ينفون عنه النقيضين ؛ فإن أولئك القرامطة الباطنية لا ينكرون اسمًا هو علم محض كالمضمرات ، وإنما ينكرون ما في أسمائه الحسنى من صفات الإثبات ، فمن وافقهم على مقصودهم كان مع دعواه الغلو في الظاهر موافقًا لغلاة الباطنية في ذلك" . اهــــ "شرح مقدمة أصول التفسير" ، ص21 ، 22 .
ويوجز ابن القيم ، رحمه الله ، ما تقدم ، في كلمة جامعة في "بدائع الفوائد" فيقول : "إن الاسم من أسمائه له دلالات دلالة على الذات والصفة بالمطابقة ودلالة على أحدهما بالتضمن ودلالة على الصفة الأخرى باللزوم" . اهــ
ونحوها قول ابن تيمية رحمه الله : "إن كل اسم من أسمائه يدل على ذاته ، وعلى ما في الاسم من صفاته ، ويدل أيضًا على الصفة التي في الاسم الآخر بطريق اللزوم" . اهـــ
ومن أمثلة ذلك في علم النحو : دلالة العلم المنقول من : وصف ، أو مشتق منه ، أو اسم جامد ، على مسماه : فالوصف كـــ : "الفضل" إذا سمي به فإنه يدل على المعنى المقصود الذي دلت عليه : "أل" التي يلمح بها الأصل : دلالة مطابقة ، إذ المصدر يدل على المعنى دلالة كلية ، فلا يدخل في أصل وضعه : دلالة على ذات فاعلة له أو متصفة به ، أو زمن يحصل فيه المعنى الذي يدل عليه . والمشتق كـــ : "الحارث" إذا سمي به فإنه يدل على المعنى المقصود الذي دلت عليه : "أل" التي يلمح بها الأصل : دلالة تضمن ، إذ اسم الفاعل المشتق يدل على معنى وذات فاعلة له أو متصفة به . والاسم الجامد كـــ : "النعمان" إذا سمي به فإنه يدل على المعنى المقصود الذي دلت عليه : "أل" التي يلمح بها الأصل : دلالة التزام ، فإنه موضوع للدم والحمرة ، وهي الوصف المقصود ، لازمة له . كما أشار إلى ذلك الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد ، رحمه الله ، في حاشيته : "منحة الجليل" على "شرح ابن عقيل" رحمه الله .
ومن ذلك أيضا : دلالة الفعل :فهو يدل على المعنى الذي اشتق منه : دلالة تضمن ، وكذلك يدل على زمن وقوعه : دلالة تضمن ، ويدل على كليهما : دلالة مطابقة ، ويدل على الذات التي قام بها : دلالة لزوم فهي خارجة عن ماهيته ، ولكن لا يتصور انفكاكهما ، فلكل فعل فاعل ، ولكل حدث محدِث ، ولكل سبب مسبِب .
فالفعل : "رحم" : يدل على صفة الرحمة : دلالة تضمن ، وعلى وقوعها في الزمن الماضي أيضا : دلالة تضمن ، وعلى كليهما : دلالة مطابقة ، وعلى ذات الراحم التي قام بها وصف الرحمة : دلالة لزوم .
والفعل : "يرحم" : يدل على صفة الرحمة : دلالة تضمن ، وعلى وقوعها في الزمن الحاضر أو المستقبل أيضا : دلالة تضمن ، وعلى كليهما : دلالة مطابقة ، وعلى ذات الراحم التي قام بها وصف الرحمة : دلالة لزوم . وعلى هذا فقس .
ولذلك كان الفعل أثقل من الفعل لازدحام الدلالات فيه ، فهو يدل بوضعه على : حدث وزمن ، فدلالته ثنائية .
بخلاف الاسم فإنه : إن كان دالا على معنى كالمصدر : فلا يدل بوضعه إلا على ذلك المعنى فقط ، فدلالته الوضعية : أحادية ، بخلاف دلالة الفعل الثنائية . وإن كان دالا على ذات دلالة العلم على مسماه : فلا يدل ، أيضا ، إلا على ذلك المسمى فقط ، وإن كان في نفسه مشتقا يدل على معنى اشتق منه ، كــ : "كريم" ، فإنه مشتق من معنى الكرم ، ولا التفات إلى ذلك إذا نظرنا إلى دلالته العلمية دون دلالته الوصفية ، فهو أحادي الدلالة ، أيضا ، إذ قد يسمى أبخل الناس : كريما ، فيكون الاسم المشتق دالا عليه دلالة الاسم الجامد على مسماه ، فلا التفات إلى الاشتقاق عندئذ ، وهذا إن جاز في حق البشر ، فإنه لا يجوز في حق رب البشر ، عز وجل ، فأسماؤه كما تقدم : أعلام وأوصاف تدل على قيام المعاني التي اشتقت منها بذاته القدسية : قيام الصفات بالموصوف . وإن كان دالا على ذات دلالة العلم على مسماه مع النظر إلى المعنى الذي اشتق منه : فإنه يكون أضعف من الفعل ، وإن كانت دلالته في تلك الحال : ثنائية كالفعل ، فهو يدل على ذات ووصف ، كــ : "قاتل" إن أطلق على شخص بعينه قام به معنى القتل ، وسبب ضعفه : أنه فرع على الفعل في العمل ، بدليل أنه لا يعمل مطلقا كالفعل ، بل يعمل بشروط قررها النحاة من قبيل : اشتراط اتصاله بـــ : "أل" الموصولة ليعمل مطلقا ، أو اعتماده على أمور إن جرد عنها ، وبطلان عمله في الزمن الماضي إن كان مجردا ، فدلالته الزمنية أضيق من دلالة الفعل الزمنية ، فلا يعمل عندئذ إلا إذا دل على زمن حاضر أو مستقبل ، وعليه خرج النحاة عمله في قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) ، على استحضار الصورة المنقضية ، فآل الكلام إلى : وكلبهم يبسط ذراعيه ، فلا يعمل في صورة ماضية إذا كان مجردا إلا بهذا التأويل .
ويقال كذلك بأن من أمارات ضعفه : عدم تغير ضميره المستكن فيه بتغير سياق الكلام من : تكلم إلى خطاب إلى غيبة ، فالضمير المستكن فيه في جميعها : ضمير مستتر تقديره : "هو" ، ففي قولك : أنا كريم ، أو : أنت كريم ، أو : هو كريم ، الضمير المستتر في "كريم" في جميعها تقديره : "هو" ، بخلاف الضمير المستتر في نحو : أنا أسافر ، و : أنت تسافر ، و : هو يسافر ، فهو في الأول : "أنا" ، وفي الثاني : "أنت" ، وفي الثالث : "هو" ، فتغير تبعا لتغير سياق الكلام ، ولذلك كان مما يحتاج إليه في الإعراب ، بخلاف الضمير المستتر في اسم الوصف فإنه لجموده على صورة واحدة لا تتغير : لا يحتاج إليه في الإعراب فلن يضيف جديدا يميز إعراب ما استكن فيه . وهذا الضعف عند التحقيق راجع إلى كونه : فرعا على عامله ، فضعف ضميره في مقابل ضمير عامله فرع على ضعفه في مقابل عامله .
ومن أمارات ضعفه أيضا : أنه لا يعمل إلا في الظاهر ، كقولك : أقائم الزيدان ؟ ، بخلاف الفعل فإنه لقوته وعراقته في الباب يعمل في : المضمر والمظهر . فتقول : قام فيستتر فيه الفاعل : الضمير المستتر ، فهو مما يحتاج إليه في الإعراب بخلاف الضمير المستكن في المشتق فإنه ضعيف لا يحتاج إليه في الإعراب كما تقدم . وتقول : قام زيد ، فيرفع الفاعل الظاهر .
ومنه دلالة العلم واللقب :فإن العلم يدل على الذات مطابقة فـــ : "محمد" علم يدل على الذات المسماة به دلالة مطابقة ، بينما اللقب أعم من جهة دلالته على المسمى وعلى وصف قائم به ، كوصف "محمد" بأنه : "كريم" ، فإن اللقب دال على الذات التي أطلق عليها والمعنى الذي اشتق منه ، على كليهما : دلالة مطابقة ، وعلى أحدهما : دلالة تضمن ، ولذلك حسن في لسان العرب تقديم العلم على اللقب ، فتقول : جاءني محمد الكريم ، ليكون في الكلام تأسيس فائدة جديدة ، فيذكر العلم أولا مجردا مطلقا ، ثم يذكر ثانيا مقيدا باللقب ، فيستفيد المخاطب فائدة جديدة ، إذ اللقب ، كالخبر ، حكم يتأخر عن المحكوم عليه ، على تفصيل في ذلك ، بخلاف ما لو ذكر اللقب أولا ، فإن المخاطب يحصل الفائدة ابتداء ، فيكون ذكر الموصوف مطلقا بعد ذكره مقيدا بالوصف تكرارا لا يفيد جديدا ، وإذا دار الكلام بين تأسيس فائدة جديدة وتوكيد ما تقدم بالتكرار ، فحمله على التأسيس أولى ، فيترجح ذكر العلم مؤسسا لفائدة الدلالة على الذات ، ثم اللقب مؤسسا لفائدة جديدة : فائدة وصفه بالمعنى الذي اشتق منه اللقب .
ومن ذلك أيضا : دلالة الكناية : فإن الكناية كما عرفها البلاغيون : انتقال من ملزوم إلى لازمه ، كما تقول : فلانة بعيدة مهوى القرط ، كناية عن طول عنقها ، فإن فيه انتقالا من بعد مهوى قرطها الذي يتدلى من أذنها إلى لازم ذلك من طول العنق ، وهي دلالة اقترانية فلا ينفك فيها الملزوم عن لازمه مع جواز إرادة المعنى الحقيقي ، كما في الصورة السابقة : فهي كناية عن طول العنق وإن لم يكن قرط في الأذن ، ومع ذلك لا يمتنع ذلك ، بل إن وجوده أظهر للمعنى المكنى عنه . وهذا مما فرق به البلاغيون ، كما ذكر صاحب الجواهر رحمه الله ، بين : الكناية والمجاز ، فإن إرادة المعنى الحقيقي في المجاز غير متصور ، وإلا كان حقيقة لا مجاز فيه !! ، فالمجاز قسيم الحقيقة فلا يجتمعان .
ومن ذلك أيضا : دلالة الربوبية على الألوهية ، ودلالة الألوهية على الربوبية : فدلالة الربوبية على الألوهية : دلالة التزام ، إذ يلزم من أقر بربوبية الله ، عز وجل ، أن يقر بألوهيته فرعا عليها ، فعلة كونه الإله المعبود أنه الرب الخالق البارئ المصور الملك المالك المدبر الرازق ................ إلخ من أوصاف الربوبية ، ولكن قد يقر كثير من البشر ، بالملزوم دوم لازمه ، كما في قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، فقد أقروا بالعلة ولم يقروا بالمعلول ، واعترفوا بصحة المقدمة ، وطعنوا في النتيجة ، في تناقض يظهر بأدنى تأمل . بينما دلالة الألوهية على الربوبية : دلالة تضمن ، إذ لا يتصور أن يقر العبد بأن الله ، عز وجل ، هو الإله المعبود دون أن يسبق ذلك إقرار بكونه الرب ، إذ التصور يسبق الحكم ، فلا يتصور حكم الألوهية دون سبق تصور الربوبية .
ومن ذلك أيضا : دلالة الكلام على : اللفظ والمعنى : وهي المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أصحاب المقالات : فأهل السنة : يقولون : الكلام لفظ ومعنى ، فدلالته على كليهما : دلالة مطابقة ، وعلى أحدهما : دلالة تضمن . بينما المتكلمون يقولون : الكلام هو المعنى الواحد ، القائم بالذات ، فدلالته على المعنى عندهم : دلالة مطابقة ، إذ ليس اللفظ جزءا من مسماه ، وإنما يدل عليه التزاما ، فالقرآن الذي بين أيدينا هو حكاية لما قام بذات الله ، عز وجل ، من كلام نفسي ، والحكاية غير المحكي .
والفصل بين اللفظ والمعنى أمر يخالف الشرع والعقل ، إذ لا انفكاك بينهما إلا في الذهن ، ولذلك عرف النحاة الكلام بأنه : لفظ مفيد ، كما ذكر ذلك ابن مالك ، رحمه الله ، في مطلع ألفيته ، فاللفظ جزء من مسمى الكلام ، والفائدة وهي لا تكون إلا معنى تدركه العقول جزء ثان ، فيكون الكلام : لفظا ومعنى .
ومن فروع هذا البحث : مسألة : الترجيح بين الدلالات عند التعارض : فدلالة المطابقة تقدم على دلالة التضمن ودلالة التضمن تقدم على دلالة الالتزام . ومن صور ذلك : الترجيح بين دلالة المصدر على المعنى ، ودلالة الفعل أو الوصف عليه : فالمصدر يدل على المعنى : دلالة مطابقة ، بينما الفعل يدل عليه دلالة تضمن ، إذ الفعل يتضمن : المعنى والزمن ، وكذلك الوصف كاسم الفاعل فإنه يدل على المعنى : دلالة تضمن ، إذ اسم الفاعل يتضمن الدلالة على : المعنى والذات الفاعلة التي وقع منها الفعل .
فـــ : "الرحمة" ، و "رحم" و "راحم" : تدل على معنى الرحمة ، ولكن المصدر : "الرحمة" : يدل عليها دلالة مطابقة ، بينما الفعل : "رحم" : يدل عليها دلالة تضمن إذ الفعل الماضي يدل على وقوع المعنى في الزمن الماضي فهو يدل عليه مقيدا بزمن حدوثه ، لا مطلقا كالمصدر ، والدلالة المطلقة أقوى من الدلالة المقيدة ، وكذلك اسم الفاعل : "راحم" : يدل عليه أيضا : دلالة تضمن ، إذ اسم الفاعل يدل على ذات قام بها الفعل ، فهو يدل عليه مقيدا بفاعله ، لا مطلقا كالمصدر ، والدلالة المطلقة أقوى من الدلالة المقيدة كما تقدم .
ومن صور ذلك أيضا : تخصيص الاسم بعلامة الإسناد ، فالإسناد لا يكون إلا لاسم ، وعلة ذلك : أن الإسناد خبر ، والخبر لا يكون إلا عن ذات ، ففي قولك : جاء محمد ، أسند فعل المجيء إلى الذات التي دل عليها اسم "محمد" ، ودلالة الاسم على الذات : دلالة مطابقة بخلاف دلالة الفعل على الذات فهي دلالة التزام إذ لا بد للفعل من فاعل ، وإن كان الفاعل خارجا عن ماهية الفعل المتضمنة : حدثا وزمنا ، كما تقدم ، فلما كانت دلالة الاسم على الذات التي يسند إليها : دلالة مطابقة ، بخلاف دلالة الفعل عليها فهي دلالة التزام ، صار الإسناد أليق بالاسم منه بالفعل ، إذ دلالة المطابقة أقوى من دلالة الالتزام . بتصرف من حاشية : "منتهى الأرب على شرح شذور الذهب" ، للشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد ، رحمه الله ، ص42 .
ومن ذلك أيضا : دلالة الاسم الجامد على كالعلم على صفة اشتهر صاحبه بها كدلالة : "حاتم" وهو علم جامد على وصف الكرم فإن دلالته عليه دلالة التزام ، بخلاف دلالة اسم الوصف المشتق : "كريم" على وصف الكرم فإن دلالته عليه دلالة تضمن إذ يدل على ذات الموصوف والصفة معا : دلالة مطابقة ، وعلى أحدهما دلالة تضمن ، بخلاف الاسم الجامد فإن دلالة المطابقة فيه تكون على الذات فقط ، وعليه يقال : دلالة "كريم" على وصف الكرم أقوى من دلالة "حاتم" عليه ، لأن دلالة التضمن أقوى من دلالة الالتزام ، كما أن "كريم" يتحمل الضمير تحملا أظهر من تحمل الاسم الجامد المؤول