بحث عن ابراهيم خليل الرحمن ، بحث كامل عن ابراهيم خليل الرحمن جاهز بالتنسيق
نبي الله وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، شخصية عظيمة في التراث الإنساني والديانات السماوية.
لا تتوافر مصادر مباشرة عن أخبار إبراهيم الخليل وسيرته ونبوته أو رسالته سوى ما جاء في الكتب المقدسة السماوية (التوراة والإنجيل والقرآن) وهي المراجع الأساسية التي يمكن الرجوع إليها في هذا الموضوع. وتتفق على نبوة إبراهيم عليه السلام كل عقائد المؤمنين الموحدين من مسلمين ومسيحيين ويهود. وفي الكتب المقدسة بعض أخبار أبي الأنبياء وملامح شخصيته ومكانته ودعوته إلى الإيمان بالله ووحدانيته.
وقد نسبت إلى اسم إبراهيم أخبار كثيرة عن مآثر وبطولات ومعتقدات عاشتها شعوب الشرق القديمة. وكان إبراهيم يدعى في الأكدية ثم في الآرامية والكنعانية العبرية «أبرام» ومعناه «الأب يرحم» أو «الأب يحب»، وجاء ذكره في التوراة باسم «أبراهام» أي «أبو جمهور عظيم من الأمم»، وإليه يُنسب العرب من زوجته هاجر المصرية وابنها إسماعيل، كما يُنسب إليه بنو إسرائيل من زوجه سارة وابنه إسحق. وقد أثارت شخصية إبراهيم تساؤلات كثيرة لدى الباحثين وعلماء الدين لعدم توافر الروابط بين أصله الذي يرجع إلى بلاد الرافدين والمناطق التي وجد فيها في أزمنة متباعدة في حران وسورية وفلسطين ومصر والحجاز.
وحاول كثير من الباحثين التحقق من أخبار إبراهيم الخليل في ضوء ما أسفرت عنه التنقيبات الأثرية في مواقع مهمة من الشرق العربي القديم، مثل أور واغاريت وماري، ولكن هذه الدراسات لم تتوصل إلا إلى صزر مقاربة للظروف التاريخية التي يحتمل أن يكون خليل الرحمن قد عاشها في زمن ما في مطلع الألف الثاني أو القرن التاسع عشر ق.م، وفي أمكنة متعددة إلى أن استقر به المقام في مدينة حبرون الكنعانية في فلسطين، ثم نسبت هذه المدينة إليه فسميت «مدينة الخليل»، ومع ذلك لم يتم التوصل إلى نص واحد أو أثر تاريخي مباشر يتعلق به أو بسيرته أو بالأسماء التي يرد ذكرها في الروايات التي تتحدث عن سيرته، وتبقى محاولات وضع الحوادث المتصلة بمآثر إبراهيم الخليل في إطار تاريخي محدد زمنياً قابلة للجدل. ويمكن تأريخ عصر إبراهيم وعصر أبنائه وأحفاده ما بين القرنين 19و15ق.م، وينص العهد القديم على أن اسم أبيه «تارح» وأنه من عشيرة آرامية كانت تسكن «أور» من أرض الكلدان ثم انتقلت إلى حران في الجزيرة الشامية العليا. حيث ولد إبراهيم. وجاء في القرآن أن اسم أبيه «آزر» وربما كان ذلك لقبه أو اسمه الثاني كما هي الحال في يعقوب الذي يسميه اليهود إسرائيل.
إبراهيم عند العرب وفي الإسلام
يصف القرآن الكريم إبراهيم صدّيقاً نبياً وداعياً إلى الإيمان بالله الواحد المنزه عن التجسيم وإلى نبذ الأصنام، وهو أسبق الأنبياء إلى الإسلام، وقد التمس معرفة الإله الخالق طويلاً من مظاهر الكون إلى أن أيقن أن الله موجود وأنه خالق تلك المظاهر، فاصطفاه الله نبياً ورسولاً، فراح يدعو قومه إلى عبادة «رب السموات والارض الذي فطرهن»، ولاقى في سبيل دعوته هذه عنتاً وعذاباً، وسعى قومه، وفيهم أبوه، إلى إحراقه جزاء له على تنكره لآلهتهم ولكن الله نجاه، وأمره بالتوجه إلى الارض التي بارك الله فيها للعالمين، ثم بشره على الكبر بذرية صالحة ورزقه بغلام حليم هو ابنه إسماعيل، ثم بشره بإسحق من زوجته سارة، وإلى ابنه إسماعيل ينتسب العرب المستعربة أو العدنانية، ومنها قريش صفوة بني عدنان، وبنو هاشم صفوة قريش.
انتشرت دعوة إبراهيم في جزيرة العرب بعد أن قدم مكة مع زوجه هاجر وابنه إسماعيل، فأقام في أم القرى قواعد البيت العتيق ورسم أسس الدين الحنيف الذي توارثه العرب من بعده. وكانت قريش قد استأثرت قبل الإسلام بالوظائف الدينية الكبرى في مكة المكرمة وبسدانة الكعبة وسقاية الحجيج. وغدت مكة مركز الثقل الديني ومجمع المواسم الدينية لأكثر القبائل العربية، واختلطت موروثات الحنيفية من ملة إبراهيم برواسب وثنية مختلفة، ولما غلب الشرك على الإيمان بواحدنية الله ظهر الإسلام وتنزلت آيات القرآن الكريم على النبي العربي محمد بن عبد الله (ص). فكانت رسالته متممة لرسالة خليل الرحمن ومؤيدة لها.
ورد ذكر إبراهيم في خمس وعشرين سورة في القرآن الكريم، وأفردت له المصادر العربية والإسلامية مكانة مميزة وفي مقدمتها الحديث الشريف وكتب التفسير التي استعانت بالتراث الشعبي المتناقل والكتب المقدسة الأخرى لتوضيح بعض غوامض سيرته وشخصيته. كذلك جعل القرآن الكريم لإسماعيل بن إبراهيم مكانة تفوق ما للآخرين من بنيه وذريته في حين قللت أخبار العهد القديم من شأنه وشأن والدته. وتؤكد المصادر الإسلامية والعربية أن إسماعيل هو الذبيح الذي همَّ إبراهيم بالتضحية به حين أوحي إليه بالمنام، ولكن الله تعالى افتداه بذبح عظيم.
وفي خبر طويل عن ابن عباس عن رسول الله (ص) أن إبراهيم صحب امرأته هاجر وابنهما إسماعيل وهو رضيع إلى واد قفر عند دوحة مرتفعة كالرابية، وليس بمكة يؤمنذ ساكن، وليس فيها زرع ولا ضرع، ثم انصرف عنهما بعد أن دعا الله: «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات» (إبراهيم 37). وراحت أم إسماعيل تسعى بين الصفا والمروة تبحث عن الماء لتروي ظمأ ابنها وهي تدعو، فاستجابت السماء لدعائها وتفجر الماء عند قدمي الغلام فكانت عين زمزم، وجاء قوم من جرهم (من العرب العاربة) فآووهما، وشب إسماعيل بينهم وتكلم بلغتهم وأصهر إليهم فصار أصل العرب المستعربة، وظل إبراهيم يتردد إلى بيت ابنه إسماعيل وقد ماتت هاجر، واختار في إحدى المرات نشزاً مرتفعاً من الارض فبنى فوقه بيتاً لله ورفع قواعده بمساعدة ابنه إسماعيل وهما يدعوان: «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم» (البقرة 127) وتقبل الله دعاءهما فجعل البيت مثابة للناس وأمناً لهم، وجعل مقام إبراهيم مصلى، وعهد إليه وإلى ابنه: «أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود» (البقرة 125) ورسمت بذلك أولى مناسك الحج وشعائره. وفي دعاء إبراهيم وهو يبني البيت قوله: «ربنا واجعلنا مسلمَيْن لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم» (البقرة 128-129)، وغدا البيت الحرام محور الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية في بلاد العرب، وتؤكد هذه الحقيقة الآيتان الكريمتان: «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات، مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين» (آل عمران 96-97). وأدعية الصلاة والحج طافحة بذكر إبراهيم وآل إبراهيم، ومن شعائر الحج محاكاة رمزية لما قامت به هاجر أم إسماعيل في سعيها بين الصفا والمروة، وفي التضحية بالهدي بعد عرفة تجديد لذكرى ذبيحة إبراهيم وفداء ابنه إسماعيل. وقد جعل القرآن الكريم رسالة إبراهيم عليه السلام من صلب الإسلام، ونفى عنه انتسابه إلى غير ذلك في قوله تعالى: «ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين» (آل عمران 68) فالإسلام الذي يعني التوحيد، ودعا إليه خليل الرحمن، أسبق من اليهودية والمسيحية بقرون، أما الإسلام الذي أُوحي به إلى محمد بن عبد الله (ص) فيطرح نفسه على أنه دين إبراهيم ومتمم لـه، ومصدق لما جاء به الرسل من بعد إبراهيم، وآخر الرسالات السماوية إلى بني البشر.
سيرة إبراهيم في أسفار التوراة
سجلت أسفار العهد القديم كثيراً من موروث الشرق القديم عن النبوة والأنبياء. وترد سيرة إبراهيم عليه السلام مفصلة تفصيلاً مستفيضاً في سفر التكوين (الإصحاحات 11-24) فهو إبراهيم بن تارح ولد ونشأ في حران، وكانت مركزاً لعبادة النجوم والأصنام، وتلقى فيها أمراً إلهياً بالانتقال مع أهله إلى أرض كنعان (فلسطين)، ثم توجه منها إلىمصر في نفر قليل من أهله ومعه زوجه سارة، وفي مصر صار قومه أمة كبيرة، وتعرض فيها إلى محن قاسية ثم طابت الأمور لـه فغادرها معززاً مكرماً من فرعونها. وتختلط قصة خروج إبراهيم من مصر هنا بقصة خروج قوم آخرين وصفوا بأنهم من ذريته، وأنهم لاقوا شدة في خروجهم إلا أن الله نجاهم حتى دخلوا أرض كنعان من جديد، وكانت بلاداً عامرة فوهبها الله لهم. وهذه الرواية ليست خبراً تاريخياً، ولم يثبت أصل لها في أي مصدر تاريخي أو أثري، ولكنها تتحدث عما يعتقده اليهود عن أصل بني إسرائيل وعن صلتهم بإبراهيم، وقد صيغت في القرن السابع ق.م لتسويغ تاريخ الإسرائيليين الذين تدل كتبهم على أنهم فرع متأخر من نسل إبراهيم، وتسند هذه الرواية إلى إبراهيم دوراً أساسياً في البحث عن مكان يستقر القوم فيه وأنه اختار «ممراً» قرب حبرون بعد طول تجوال، وهناك تلقى وعداً من الرب بإعطائه الارض له ولنسله من بعده، ولم يكن له حينئذ من الولد إلا ابنه البكر إسماعيل من امرأته الثانية هاجر المصرية، وتتحدث الرواية عن حمل سارة بإسحق ابنها وهي في سن التسعين وكانت من قبل عاقراً وكان عمر إبراهيم مئة سنة وعمر إسماعيل ثلاث عشرة سنة. وينظر التوراتيون إلى نسل إبراهيم من «هاجر»، وهم العرب، نظرتهم إلى أبناء الجارية، لأن «هاجر كانت جارية لسارة» وهي التي قدمتها إلى زوجها لتلد له ولداً، وعلى هذا النحو يكون أولادها أولاداً لسيدتها ولو اعترف الأب بوليده البكر إسماعيل. وهذا عرف مشابه لما جاء به تشريع حمورابي، إلا أن التشريع البابلي ينص على إشراك جميع الأولاد بالإرث ويمنح البكر منهم امتياز البكورة، في حين اهتم المصدر التوراتي كثيراً بتسويغ وضع إسحق في قضية الإرث في هذه الرواية، وفيها تصريح بماكان يعتمل في نفس سارة من غيرة وبغض حتى إنها أكرهت زوجها على طرد إسماعيل وأمه لإبعادهما عن الإرث، وتجدر الإشارة هنا إلى أن تشريع حمورابي البابلي والتشريع الحوري ـ الميتاني وكانا من التشريعات السائدة في زمن صوغ الرواية، يحرمان طرد الجارية التي منحت بعلها ولداً.
وفي قصة أخرى من سفر التكوين أيضاً (الإصحاح 14) أن إبراهيم سارع إلى نجدة ابن أخيه لوط الذي احتشدت لحربه أربعة جيوش يقودها أربعة ملوك، ولم تعثر البحوث التي جرت حول تاريخ فلسطين على أي شاهد أثري أو تاريخي يمكن أن يساعد في معرفة هوية هؤلاء الملوك. وتعزو القصص التوراتية، التي تغلب عليها السمة الملحمية الأدبية، إلى إبراهيم توسطه عند الرب لإنقاذ لوط وأهله من كارثة طبيعية هي، على الأرجح، زلزال مدمر ضرب المنطقة الواقعة جنوب البحر الميت، وتدل الظواهر الطبيعية والجغرافية على حدوث ثورات عنيفة للطبيعة عند موقع جبل «سدوم» فيه مسلات ملحية ضخمة غريبة الأشكال. ويبدو أن اسم إبراهيم أقحم هنا في الروايات الشفهية التي تناقلتها أجيال ما بعد الكارثة، وهي تتحدث عن عقاب إلهي ضرب الظالمين من أهل سدوم وفيهم امرأة لوط.
وفي الإصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين رواية مستفيضة عن المحنة الكبرى التي امتحن الله بها إيمان إبراهيم إذ أمره بذبح ولده، وقد صدع إبراهيم للأمر من دون تردد وهمَّ بذبح ابنه ـ والذبيح هنا هو إسحق، إلا أن العناية الإلهية افتدته بكبش ذي قرون، وتعكس هذه القصة تقاليد محلية سادت بلاد كنعان إلى وقت متأخر من القرن الثاني قبل الميلاد.
ومن قصص إبراهيم الأخرى في العهد القديم شراؤه مغارة «المكفيلة» والحقالمحيط بها عند حبرون من عفرون بن صوحر الحثي ليدفن زوجه سارة فيها وقد أدى ثمنها بحسب ما جرى عليه العرب آنئذ في العقود الحثية والحورية. وقد اختار إبراهيم هذه المغارة مدفناً له ولأسرته في أرض كنعان، ودفن فيها بعد أن عاش عمراً مديداً (175 سنة) كما دفن فيها إسحق وزوجه رفقة ويعقوب وزوجته ليئة، وبقيت للمكان قداسته وصار محجاً للناس قروناً قبل أن تقام هنالك منشآت دينية في عصور متعاقبة يمكن تبين آثارها، ومنها ما يعود إلى أيام هيرودس الأدومي (ق 1م) وإلى أيام بيزنطة، وإلى أيام العرب المسلمين، وكلها شاهد على وحدة الاعتقاد بين أمم أجمعت على الانتماء إلى إبراهيم الخليل والإيمان برسالته.
أما من وجهة البحث التاريخي فإن أخبار إبراهيم في العهد القديم وضعت لتكون مسوغاً لتاريخ لاحق بعد أن أقام بنو إسرائيل مملكة لهم في بعض أنحاء فلسطين، ولتحدد علاقاتهم مع سكان البلاد الأصليين الذين خالطوهم من كنعانيين وأدوميين وآراميين وفلسطينيين ولتكون حجة لهم في مطالبتهم بالارض ، وهي سرد من جانب واحد لمرحلة غيبها التاريخ وتختلف عن روايات الأطراف الأخرى التي عاصرت الأحداث وورد ذكرها في السياق، وفي هذه الرواية ثغرات كبيرة لا تتفق مع حقائق التاريخ وما توصل إليه الباحثون من دراسة تراث حضارات الشرق القديم. وقد ربطت هذه الرواية وروايات أخرى بما جاءت به الديانة الموسوية اليهودية التي تبدأ بموسى عليه السلام لغايات تقصّدها كتّاب التوراة، وهي تدعو إلى الإيمان بالله الواحد الذي صار اسمه «يَهوَه» بعد أن كان اسمه مغفلاً في سيرة إبراهيم، ويرى «أندريه كاكو» أن الشعائر الدينية اليهودية اقتبست عن الشعائر السابقة لها في فلسطين في مرحلة من مراحل التاريخ القديم وتطورت عنها ثم أحدثت تغييراً في هويتها، فتحولت الأماكن المقدسة القديمة إلى أماكن مقدسة يهودية كما حدث في شكيم وبيت إيل وحبرون وغيرها.
إبراهيم في التراث المسيحي
تعد الديانة المسيحية إبراهيم مثلاً أعلى للإيمان والأب الروحي للمؤمنين جميعاً، فهو صاحب مواعيد البركة والخلاص لهم ولسائر الأمم. وفي التعاليم المسيحية تثبيت للسمة الإنسانية في الرسالة الإبراهيمية، وهي عنصر مشترك بين المؤمنين لأن الإيمان بالله يوحد الناس الذين يعتقدون بالله جميعاً، وهي تأكيد لانتماء الناس جميعاً إلى إبراهيم في مفهوم روحاني كما جاء في قول بولس الرسول للرومانيين: «إن إبراهيم أب لنا جميعاً، والله جعله أباًً لأمم كثيرة». والمسيحية إذ تضع الوعد الإلهي الذي قطعه الله لإبراهيم في إطار ينفي التمايز بين الناس، فإنها ترد بذلك على مقولة المتهودين الذين يحصرون البر بمن يتبع شريعة موسى. وهذا ما يفهم من قول السيد المسيح مخاطباً اليهود: «ولو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون عمل إبراهيم». وقد ورد ذكر إبراهيم في أكثر من موضع في العهد الجديد، وفيه تأكيد أن البر عند إبراهيم مرتبط بالإيمان والخضوع الشخصي التام لله العلي مهماكان جنس المؤمن، فكل مؤمن هو من ذرية إبراهيم، وإن المتمثلين إيمان إبراهيم هم ورثة الوعود التي قطعت له، ومنزلة إبراهيم لاتضاهيها منزلة. وقد تركت رسالة إبراهيم عليه السلام في الفكر المسيحي وفي الفن أثراً عميقاً، فاستوحيت من سيرته وإيمانه وما روي عنه أمور كثيرة، فقد جعله الفيلسوف كيركغارد الرمز الإنساني للخوف من الله، وصوره رامبرانت وهو يهم بالتضحية بولده، في لحظة من لحظات الإيمان المطلق، في واحدة من أشهر لوحاته، واختاره كثير من المصورين والنحاتين والموسيقيين والأدباء موضوعاً لإبداعهم الفني تصويراً ونحتاً على أبواب الكنائس وجدرانها وفي الأيقونات، وفي مؤلفاتهم الموسيقية وأناشيدهم الدينية ومسرحياتهم، ويطيب لكثير من المسيحيين المؤمنين أن يروا في صورة ذبيح إبراهيم رمزاً لتضحية المسيح على الصليب.