الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...
قبل أن نشرع فى تفنيد تلبيسات الدكتور غوردو نود فى عجالة ـ وكمقدمة ـ أن نشخص مرض الدكتور غوردو شفاه الله وعافاه ، فهو بعد وقع فى الاعتزال وتابع المعتزلة فى بعض ضلالاتهم ، وقع ـ بقصد أو بدون قصد ـ فى بدعة الأشاعرة إلى شحمة أذنيه فقدم العقل على النقل وهو منهج يقوم على افتراض التعارض بين الأدلة النقلية والعقلية ، ما يستدعي ضرورة تقديم أحدهما ، فصاغ الأشاعرة للتعامل مع هذا التعارض الموهوم قانونا قدموا بموجبه العقل ، وجعلوه الحكم على أدلة الشرع، بدعوى أن العقل شاهد للشرع بالتصديق ، فإذا قدمنا النقل عليه فقد طعنا في صدق وصحة شهادة العقل ، مما يعود على عموم الشرع بالنقض والإبطال .
وتقديم العقل على النقل يفتح المجال لسفلة القوم وحثالتهم للتلاعب بالأدلة والشرعية وإمعان النصوص فيفسدون على الناس دينهم كما تفسد الفويسقة على الناس بيوتهم .
ولذا عد ابن القيم الجوزية – رحمه الله - في كتابه ” الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ” تقديم العقل على النقل من الطواغيت الأربع التي تعمل على هدم الإسلام ورد على هذا الطاغوت من أحدى وأربعين ومائتي وجه في بطلانه علماً أن أغلب أقواله استفادها من كتاب شيخه ابن تيمية الذى يلمزه البائس المسكين ( غوردو ) فى مواضع من كلامه !!
وربما وقوع البائس ( غوردو ) فى مثل هذه الضلالات التى قد تنقل عن الملة والعياذ بالله هو جهله المطبق بأصول الدين وفروعه وتقدمه بين يدى علماء الأمة ولو اتهم نفسه فى ذات الله وعرف قدرها لما كان فى كافة المنتديات يركلونه الجميع بالأقدام كركل الكلب الأجرب فى السوق والله المستعان .
لن نطيل المقدمة ونكتفى بما ذكرنا أعلاه ولن نفد كل الشبه بل نرد على مارأينا فيه نصح لهذا المأفون ولمة الإسلام حتى لايغتر أحد بكلامه ويتابعه على سفاهته وانحطاطه ، فنقول وبالله نستعين :
جاء في موطأ مالك - (ج 6 / ص 91)
… و حَدَّثَنِي مَالِك عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا حَيَّةٌ فَقُمْتُ لِأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ أَنْ اجْلِسْ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ فَبَيْنَا هُوَ بِهِ إِذْ أَتَاهُ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أُحْدِثُ بِأَهْلِي عَهْدًا فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْطَلَقَ الْفَتَى إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعُنَهَا وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِكَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِهَا فَنَصَبَهُ فِي الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْفَتَى أَمْ الْحَيَّةُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ .
رأى الدكتور يحي غوردو :
ليس فى الحديث دليل على أن الجن يتشكل أو يتمثل ، لأن الجآن ـ أيضاً ـ تطلق على الحية أو الأفعى .
والرد على هذه الشبهة ياتى من وجوه :
* وللحديث لفظ فى صحيح مسلم .. فلو كان الحية التى اضطربت حية حقيقية فى حد ذاتها وليس من الجن لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نستأذنها ثلاثاً ، وقتل الحيات فى الأصل جائز بل هى من السنة باستثناء عوامر البيوت ، والمعلوم أن الحيات من جنس الحيوانات ولم نسمع بحيوان أعجمى أسلم ؟ أو نطلق عليه لفظ ” مسلم ” ، لاسيما أن سياق الحديث فيه ( إن فى المدينة جناً أسلموا ) ثم أنّى للحية العادية صفة السمع وليس لها جهاز سمعى فى الأصل حتى تسمع تحريجنا عليها إذا دخلت البيوت ؟
* ولو قلت أنها من الجن ولكن على صورتها وأن بعض الجن نراه هكذا لخالفت المعنى اللغوى عند العرب من كلمة ( جن ) وهو مااستتر وتخفى ، ولخالفت نص الآية ( إنه يراكم وقبيله من حيث لاترونهم ) .
كم تمنيت أن استرسل فى دحض شبه أهل الجهل والسفسطة ـ وإن كنت لست بالأعلم ـ ولكن الوقت ضيق ولى مشاغلى ، فسأكتف برد بعضها وأختصر القول ..
روى الإمام البخاري في باب الوكالة وغيرها :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاجٌ، وعلي عيالٌ، وبي حاجةٌ شديدةٌ، فخليت عنه، فأصبحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجةً وعيالاً، فرحمته، فخليت سبيله. فقال: أما إنه قد كذبك ويعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاجٌ، وعلي عيالٌ لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله شكا حاجةً وعيالاً فرحمته، فخليت سبيله، فقال: إنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة. فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا آخر ثلاث مراتٍ أنك تزعم أنك لا تعود، ثم تعود ! فقال: دعني فإني أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هن ؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخليت سبيله. قال: ما هي ؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: ” الله لا إلهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ الْقَيُّومُ ” وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظٌ، ولن يقربك شيطانٌ حتى تصبح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوبٌ، تعلم من تخاطب منذ ثلاثٍ يا أبا هريرة ؟ قلت: لا، قال: ذاك شيطانٌ ))
رأى الدكتور يحي غوردو فى الحديث :
يرى أن الشيطان المذكور هنا فى الحديث هو شيطان إنس وليس شيطان جن ودلّل الجاهل على ذلك بأمور منها :
* أن السرقة تمت فى رمضان ورمضان تصفد فيه الشياطين ، فهو إنسى قطعاً !!
* أن الشيطان لايستطيع فتح باب مغلق ذكر اسم الله عليه !!
ولو قلنا إنه شيطان جنى ـ فى نظر الدكتور غوردو ـ هذا يعنى أن الإحاديث تتعارض ، ولنخرج من التعارض نقول الشيطان إنسى وتصبحون على خير مع تمنيات الدكتور غوردو لكم بأحلام سعيدة !!
وهذا قول ساقط ـ كصاحبه ـ من وجوه :
* تصفيد الشياطين فى رمضان لأهل العلم فيها كذا قول وليس قولاً واحداً كما ادعى غوردو منها أنهم مردة الجن ، ومنها أنه قرين الشخص الذى يضعف بزيادة الطاعات وهكذا .. وإلا نرى قى رمضان من يصرع ويتخبط وينطق الجنى على لسانه .
* الذى لايعرفه غوردو أن الجن إذا تشكل حكمته غالب خصائص الصورة التى تشكل فيها أو تمثل أو تصور على اختلاف الألفاظ ، فلو تشكل على صورة إنس حكمته خصائص الإنس ، وخرج من بعض خصائص الجن وعدم قدرته على فتح الباب المغلق منها .
* الحادثة تكررت مع معاذ بن جبل رضى الله عنه جاءه على صورة ” فيل ” وفى الرواية ( فأقبل فى صورة فيل ، فلما انتهى إلى خلل الباب ، دخل من خلل الباب فى غير صورته … ) فلم يكن الباب مغلقاً وإلا لما دخل من الخلل ، ثم أنه جاء فى صورة فيل والفيل لايسعه خلل الباب فاضطر إلى أن يغير صورته ليدخل وهذه ليست من أفعال الإنس !
وتكررت الحادثة مع أبى بن كعب رضى الله عنه وجاءه فى صورة دابة تشبه الغلام المحتلم وسأله أبى رضى الله عنه ( ماأنت جن أم إنس ؟ ) فقال : ” جن ” !
فلو لم يكن التشكل والتصور تواتر فى زمن أبى بن كعب رضى الله عنه لما سأله أأنس أنت أم جن ؟
* قول غوردو ـ الجاهل ـ أن الشيطان هنا إنسى يعمل بعمل الشيطان يلزم منه لازم باطل لايعتقده مسلم يشهد أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإخبار الشيطان بتأثير آية الكرسى على الشيطان أمر تعبدى ، فلو كان القائل إنسى لكان هناك نبى آخر يوحى إليه مع محمد صلى الله عليه وسلم ، وإلا فأمور الدين المبلغ لها عن ربه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فدلّل ذلك على أن القائل ـ قطعاً ـ من الجن لما يراه من تأثيرها عليهم فى عالمه وعلى بنى جنسه وقبيله فأخبره بذلك ، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
يتبع إن شاء الله ...