هى المعين الذى لا ينضب ، والزاد الذى لا ينفذ والمعين الذى يجدد الطاقه والزاد الذى يزور القلب ، إنها مفتاح الكنز الذى يغنى ويقنى ويفيض ...................
إنها .................... التى تجعلك تنطلق من حدود الواقع الأرضى الصغير إلى مجال الواقع الكونى الكبير ، إنها الروح والندى والظلال فى الهاجره إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود ، إنها زاد الطريق ومدد الأرواح ، وجلاء القلوب وتفتحه ، إنها توثق الصله ، تيسرالأمر، تشرق بالنور، إنها تفيض بالعزاء والسلوى والراحة والطمأنينة
إنها شئ جميل جدا ...... شئ محسوس ..........
إنها
الصداقه
الصداقة ذات قيمة مالية قـلما يفـطن لها كـثيرون من أرباب العـقـول ، فكـل ابتسـامة صداقة تعـود على صاحبها بالـربح الـذى لم يكن يحلم به ، فإن الشخـص الـذى ينجح أكـثر مـن جميع رفـقائه هو ذلـك الشخص الـذى يجعـل الصداقة ألـفه وياءه فى جميع الأعمال التى يقوم بها ، ولذلك نقول أن الصداقه أفضل رأس مال يتاجر به الانسان فهى قليلة الكلفة كثيرة الربح ، وكل ما يحتاج إليه صاحبها هو
قليل من الشعور........ الهدوء....... ضبط النفس........
أما نتائجها فكثيرة ، عاملة أبدا على إسعاد صاحبها وفلاحه ، وخير القواعد التى يجدر بالانسان أن يعتمد عليها فى حياته القاعده التى تقول :
" استعمل الصداقه ولكن لا تستعمل الأصدقاء "
ولكى ندرك الأسباب التى تجعل الصداقة جزيلة الفائدة فى حياة الناس يجب أن نقف برهة تجاه أساس القضية :
كيف نكسب الأصدقاء ؟ وكيف تكون الصداقة النافعة لصاحبها ؟
بأمر بسيط جدا ولكن مع أنه بسيط إلا أنه ليس بالامر الهين :
" اطراء الفضائل خير من انتقاد الرذائل "
ليس عـلى الانسان أسهـل من أن يجـد الأغـلاط فى غـيره ويعمد إلى انتـقادها وهـذه السهوله التى ترافـق الانتقاد تجعـله عملا دنيئا ، وقـلما تعود على صاحبه بالفائدة فما من رجـل يحصد زرعا صالحا من البذورالتى زرعها بانتـقادها ، فى حين أن الذى يمدح الصالح من أعمال الناس ينال فى الغالب أشهى الاثمار وأطيبها .
ويمكن للبعض أن يفهنى عن طريق الخطأ ويقول : إذا نستعمل النفاق ؟
لكن هذا ليس قصدى وليس هذا ما أريده وأرد عليه بجمله فى غاية السهوله والشمول قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" الكلمة الطيبة صدقة "
ويجب أن نعرف تمام المعرفه بأنه ليس على وجه الكرة الأرضية إنسان بلا عيب وليس فى الوجود شيء يرضينى إذا كنت لا أريد الرضا ، وكل إنسان قادر على أن ينتقد الخليقة كلها ، بل الألعن من ذلك أنه يمكن أن يتدخل فى شئون الخالق سبحانه وتعالى ويبدى بعض الملاحظات .
ولقد رد الله سبحانه وتعالى على ذلك فى كتابه الكريم :
" ولَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ "
(المؤمنون : 71 )
ولكن لماذا تنتقى العيوب دون المحاسن ؟
إن انتقاد الأغلاط وتسمية الذنوب والسقطات سهل جدا ، ولا يقدم عليها غير سخيفى العقول ،أما اطراء الفضائل والاهتداء إلى الخصال الطيبه فيحتاج إلى الذكاء والفطنه ولذلك يتزاحم عليها الحكماء
ففى كل إنسان مسحة من الصلاح وفى كل شئ جزء من النفع وكل إنسان تقابله فى هذه الحياه يحمل لك شئ ثمين إذا عرفت كيف تقبل هذا الشئ منه وإذا تأملت النظر نحوك تجد أننا بالحقيقة نعيش فى وجود ملؤه الصداقة ، بل إن حجارة الشوارع التى تدوسها بقدميك تصرخ نحوك بأعلى صوت قائله :"ان لنا سرنا المختص بنا ، نحن مدوسات بالاقدام ،ولكننا طبقات طبقات كأجناد الملائكه وفى أعماق صمتنا نترنم بأناشيد المحبه والاتحاد
وصدق الله إذ يقول فى كتابه الكريم :
" كُلٌّ قَدْعَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ"
(النور : 41 )
ولكن كيف أعرف ذلك؟
تعرف ذلك بقوة شعورك الداخلى ، وليست هذه المعرفة من الحقائق الملموسة المادية بل هى نتيجة للعـادة والميل الشخـصى ،فـمثـلا : إذا قرأت كتابا فادرس قـبل كـل شئ قصد كاتبه ، فما من كتاب تنفعـك مـطالعـته ما لم تفهم الحقيقة التى يحملها اليك ، خل عنك النقد وتفنيد الاغلاط فهم ينالون أجورباهظة على هذا العمل وأما النقد للهزء والتسلية فليس بالعمل المحبوب.
إذا لقـيت شخـص لأول مرة فـلتكن عنايتك منحـصرة فى إيجاد ما تعـجب به فى شخصيته ولو كان من أبسط الامور، ضع نصب عينيك ان فى أعماق كل انسان نصيب من المناقب وأريدك أن تتذكر دائما :
- أن احمق البلهاء يستطيع أن يجد الخطأ فى الحكيم الفهيم ،ولكن الاهتداء الى
الصواب فى الناس يحتاج الى الفكر الراجح والعقل الصحيح .
- إن من يكثر أعداءه بسوء تصرفاته يقضى على جميع أعماله قضاءا مبرما
(مؤكدا).
الطمأنينة فى الصداقه
ومن حسنات الصداقة أنها تزيد فى راحتك وطمأنينة قلبك فإذا استثمرنا بغير انقطاع العادة القاضية بالثناء والاطراء ازدادت دواعى مسرتنا فى العالم وقويت رغبتنا فى الحياة والتمتع بأفراحها من منا لا يريدأن يكون له مائة شخص يفكرون فيه ويذكرون أسمه بالثناء والمديح ، وإن تعرض أحد لـذمه أومضايقـته هبوا يدافعون عنه كأنهم يدافعـون عـن ذواتهـم ، إن مـائة صديق مخلص هى بالحـقيقة أثمن فى حياتنا من كل ثمين ننفق العمر فى الحصول عليه .
وأقول أنه فى مقدرة (وسع) كل منا أن يحصل على قلوب هؤلاء الاصدقاء فى مدة قصيرة.
وها أنا أقدم لك الطريقة المثلى لذلك : كلما سمعت أسما تعرفه يذكر أمامك اطر لمن يحادثـك ما تعلمه عن فضائل صاحبه ، ولا تتـلفـظ بكلمه مذمه ولا تشارك أحـدا فى الانتقاد ، حافظ على هذه الطريقة ، ابـذل قصارى جـهدك كى تهـتدى ولوإلى حسنة واحـدة فى الرجـل واحـصر كل حـديثـك فيها ، وأنـت ولا شـك واجد نتيجة صالحة لجهودك ، وحـيثما تسير فى الشـوارع ترى من عطف الناس وإكرامهـم ما لم تكـن لتحلم به ، لأن الناس يعشقون الفضيله ولا يبخسون الفضلاء حقهم من الاكرام حتى المتشـائمين يجـدون أنفسهـم فـى مثـل هذه الحاله مضطرين إلى إعـطائك قـسط مـن الإحترام كل هذا يعمل على سعادتك ويرفعك فى نظر نفسك ، ويزيدك إعجابا بما فيك من الصلاح ، فتواصل العناية بتنمية أخلاقك ، فتصبح فى النهاية سيد نفسك وسلطان فكرك ، وما من رأى فاسد يستطيع آنئذ أن يتسلط عليك لأن الصالح فى إرادتك يكبح جماح الطالح فى جميع الأحوال .
فى مثل هذى الحاله الهنيئة تذهب الى فراشك عند المساء فتنام ناعم البال مطمئن القلب تكتنفك الاحلام اللذيذة والمشاهد الشريفه لما ظهر منك من مظاهر الرجولة والشهامة ، فتنهض عند الصباح بعد أن نلت كفايتك من الـراحه هـاشا فـرحا شاكرا كل هذا يكون لك بسهولة إذا عرفت كيف تطرى حسنات الناس ، ولا يخطر لك البته أنك محتاج الى الكذب فى عملك ، لأن الحكيم يستطيع أن يجد فى الشيطان نفسه بعض الخصال التى تستحق الثناء والاطراء ، ولا تنس أن جميع الناس يحبون الاطراء ولو قليلا ، فقد قيل : " ان الرجل الذى فاخر بأنه لا يحب الاطراء ولا يقبل مدحا من أحداعلى فضائله إنما يتشوق من أعماق قلبه أن يسمع منك أن رغبته عن اطراء فضائله هى حلية الفضائل التى تعجب بها وتحترمها ".
ونحن لانستطيع أن نفهم فن الصداقة الحقيقية ما لم نقر فى ذواتنا أن نرضى بالناس كما هم من غير أن نترقب العبقريين والمتفوقين لنتخذهم أصدقاء لأنفسنا
وقد قيل أنه : " ما من قوة فى الحياة تخولنا الحق بأن نحتم أن يكون جميع الناس الذين نجتمع بهم مثلا عليا فى عواطفهم وأخلاقهم " .
وقيل أيضا : " إذا كنت لأجل تعزيتك على ميلادك فى هذا العالم تترقب الاجتماع بالعظماء الذين يلبسون عواطفهم الداخلية أثوابا من كمال الأخلاق وسامى المناقب فالأجدر بك الا تنتظر مثل هذه التعزية ، بل سر فى طريقك واخنق نفسك ولكن اذا كنت ترضى ببضعة رجال تغلب عواطفهم الداخليه النبيله على أعمالهم فى غالب الاحيان مقتنعا بالأغلبيه الساحقه من الناس الذين يقتفون آثارهم بين الحين والآخر فخير لك أن تقلع عن آرائك المظلمه فى الناس ."
وأريدك أن تعرف أنه ما من رجل صالح كمال الصلاح على الارض ، وما من رجل ردئ ردئ على الارض ، بل الجميع هم بين هذا وذاك ، تأمل جيدا ما فى أعماقك من مزيج الرغبات الصالحه والطالحة ، من الشجاعة والجبانة ، من الأمانة والخيانة ،من الحلاوة والمرارة ، من الذهب والتراب ، وعندما تخرج لمعاشرة الناس تذكر جيدا قبل أن تدين أحدا منهم أنهم مركبون من نفس العناصر التى تتركب منها أنت مع اختلاف قليل أو كثير فى الكميات ، وشرالرذائل التى تسود حياة الانسان كائنة فى الطريقة التى يعامل بها أحبابه وعشراءه وما أعظم البركة التى تشملنا لو ظهر كل منا بمظهره الحقيقى من غير أن يلبس نفسه أقنعة التصنع ويصبغ آدابه بصبغة التقاليد ، فيدرك إذ ذاك الصلاح ، والفضيله ، واللطف ، والحلاوة ، التى فى الناس كما هم ويعرف أن الله عندما خلق عامة الناس أوجد لنا أعظم وأكمل وأنبل من هذه الصور المزيفه التى ترسمها لنا ريشة أفكارنا عن أصدقاءنا .
استخدام مهارة الصداقة فى إسعاد الناس
ليس بين عطايا الحياة أحب على قلب أى انسان من المهارة فى تسكين النفس المضطربه وكما يقال إن قطرة صغيرة من الزيت تزيل صفير(صرير) الباب والقليل من اللطف والمهارة يهدئ حدة القلوب الثائره .
انت تحتاج الى إسعاد غيرك إلى القليل جدا : ربتة لطيفة اذا عرفت كيف تربتها ملامسة ناعمه إذا عرفت كيف تلمسها ، كلمة واحده إذا عرفت كيف تتلفظ بها ، حيلة بسيطه إذا عرفت كيف تحتالها فى إصلاح جزء متعطل عن القيام بوظيفته فى الآلة الدقيقة التى تدير مجارى الروح الانسانية .
فى العالم كثيرون ممن أوتو هذه العطيه ، فليباركهم الله فهناك الشقيقة فى البيت، والأم الحنون التى لا ينضب معين صبرها وحكمتها ، والأب الرقيق القلب الهادئ الفكر، إن مثل هذه الاسرة هى بالحقيقة أفضل نموذج وجد على الارض ولا ننسى الصديق الوفى وقت الشده ، والحبيب المخلص وقت الازمات ، إن الاكثرية يننا صالحة بنوايا قلوبها ، والصعوبة فى القضيه أن أكثرنا قاصرون فى التعبير عن هذا الصالح الذى فينا ، نحن جهلاء لا نعرف المهارة فى محبتنا وما أسعد الرجل الذى يستطيع أن يكون فنانا عبقريا فى محبته للرجال والنساء وتحويل حياتهم الى موسيقى آليه وسعادة أبديه فأن معرفة أسرار القلوب وطرقها ومسالكها فن عظيم يليق بصاحبه الفخر والإعجاب ، حدث نفسك ونقب فى داخلك عما فيها من أشخاص أو معارف ستجد فيها من يكون دأبه (طريقه) صنع السلام بين جيرانه ، ستجد أنه معشوق الجميع ، والانسانيه جميعها تفخر به وبأمثاله وتقيم له التماثيل ، ولا أستطيع أن أصف لك بالكلام عن مبلغ الاسرار التى يحملها فى قلبه العميق وثورات الغضب التى يزيلها والجراح الخطرة التى يضمدها فى قلوب معارفه والمهارة الشديدة التى يحول بها مرارة المصائب إلى حلاوة لذيذة ، أو الحقد المذيب الذى يستأصل جذوره من أذهان الناس ، ولعله بذلك لن يصل الى قمة الشهرة البشرية ولكن الملائكة تعرفى وعين القديرتنظره.
والدليل على ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا أحب الله العبد نادى جبريل : إن الله يحب فلانا فأحببه ، فيحبه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض".
وكلما رأيت الاولاد فى الشوارع يلعبون افكر فى الوسائل البسيطة القليلة التى تجعل الولد فرحا ، ولكن هناك الكثير من الرجال والنساء القساة الملتهبين بنار الأنانية الذين ينفقون المئات بل الألوف على ملذاتهم الشخصية ويضنون بالقليل على مسرات أولادهم ، مثل هؤلاء مجرمون ضد ذاتهم وضد الانسانيه قاطبة
فادرس يا صاح فن الصداقة جيدا ولتكن عنايتك موجهة بنوع خاص لكل ما تستطيع أن تقدم به السعادة لغيرك من الناس فليس فى الحياة عمل أشرف وألذ من هذا العمل ، ولا غاية أنبل من هذه الغاية .
وكما يقال :
إن قليل من أشعة الشمس ..... وقليل من مياه الأمطار ..... وقليل من الرياح
يعيد للأشجار نضرتها وللحقول خضرتها
فأيضا :
قليل من المحبه ..... وقليل من الثقه ..... وقليل من العطف والشعور .....
يعيد الحياة الجافة كالصحراء الى حياة آخرى أنضر من الحقول الخضراء وأصفى من الورود البيضاء .