بحث عن فتح مصر - بحث علمى عن فتح مصر كامل بالتنسيق
جيوش الإسلام بقيادة عمرو بن العاص تفتح بلاد مصر.
مفكرة الإسلام : لما أتم المسلمون فتح معظم بلاد الشام وخاصة بيت المقدس توجهت همة الخليفة عمر بن الخطاب لفتح بلاد مصر، والذي شجعه على اتخاذ هذه الخطوة عدة أمور، منها:
أ ـ أن معظم فلول جيوش الرومان المنهزمة في دمشق توجهت إلى بلاد مصر، خاصة في وجود قائد روماني داهية، هو الأرطبون.
ب ـ أن عمرو بن العاص قد شجع الخليفة على فتحها مرغبًا فيها، وذكر خيراتها ونيلها وكثرة أهلها.
جـ ـ ما كان عند الخليفة من علم بأفضلية جند مصر ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهلها وبشارته بفتحها، كما ثبت ذلك في الصحيح: 'إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لكم فيها ذمة ورحمًا'. فعندها قرر الخليفة عمر البدء في فتح مصر، فأمر عمرو بن العاص بأن يتوجه بجيوشه من أجنادين ـ وهي أقرب النقاط لحود مصر ـ فتوجه عمرو بن العاص بجيوشه حتى دخل العريش في 10 ذي الحجة سنة 18هـ، وصلى بها العيد، فكانت أول صلاة عيد في مصر.
• توجه عمر بعدها حتى وصل لمدينة الفرما، وهي باب مصر، فبرز له راهبا البلاد، وهما أبو مريم وأبو مريام، ومعهم الأرطبون القائد الروماني الشهير، ودار بين عمرو بن العاص وبين الراهبين حوار انتهى فيه عمرو لإمهالهم خمسة أيام للتشاور مع بقية أهلهم، ولما تشاوروا فيما بينهم اتفقوا على القتال، وخالفوا قائدهم العام المقوقس الذي غادرهم وتوجه إلى حصن بابليون، وخرج الأرطبون والراهبان ومن معهما لقتال المسلمين عند حصن بلبيس، وذلك بعد شهر من الحصار، وانتصر المسلمون انتصارًا باهرًا وقُتل الأرطبون.
• زحف المسلمون بعدها إلى حصن أم دنين [مكان حديقة الأزبكية الآن]، وهو حصن منيع شمال حصن بابليون، فوجدوا حامية كبيرة رومانية، فأحدث المسلمون بهم مقتلة عظيمة، وتوقع الروم عندها أن عمرو بن العاص سوف يتوجه مباشرة نحو حصن بابليون، وهو أقوى حصون مصر ووقوعه يمثل فتح مصر، ولكن عمرو بن العاص توجه غربًا، فعبر النيل، وكأنه يريد أن يوهم العدو أنه منصرف إلى بلاد النوبة، وزاد في مناورته فاتجه جنوبًا ناحية الفيوم، ثم استدار ليهجم على الحصن من ناحية الجنوب، ولكنه فوجئ أن الروم قد أرسلوا إمدادات ضخمة لمصر، فعندها لزم عمرو الصحراء في الفيوم، فلم يبرحها، واستجم قليلاً، وأرسل للخليفة عمر يطلب مددًا.
• أرسل الخليفة عمر بأربعة آلاف مقاتل، على رأس كل ألف رجل يقوم مقام الألف، وهم: المقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، والزبير بن العوام، ومسلمة بن مخلد. وبذلك أصبح جيش المسلمين اثني عشر ألفًا.
• عندها قرر عمرو بن العاص الهجوم على حصن بابليون، فضرب عليه الحصار شهرًا، ولما طال الحصار وضاق الأقباط أرسل المقوقس إلى عمرو يطلب منه مفاوضين للتباحث معهم، فلم يرد عليه عمرو مباشرة، وجعل رسل المقوقس ترى حال المسلمين وزهدهم وحياتهم، فنقلوا ذلك للمقوقس، فازداد منهم رعبًا! وألح على عمرو في أن يرسل إليه رسلاً للتفاوض، فأرسسل عمرو عشرة من خيرة رجاله، على رأسهم عبادة بن الصامت، وكان رجلاً أسمر طويل القامة، متين البنيان، فلما رآه المقوقس ارتاع من هيئته وهابه هيبة شديدة، ودار بينهما حوار طويل انتهى إلى الخيارات الثلاثة الحاسمة: الإسلام، أو الجزية، أو الحرب.
• شدد عمرو من حصاره على حصن بابليون, وطالت مدة الحصار، وقرر عمرو الهجوم الشامل، فهجم بكل قواته، وكان المسلمون في القتال منذ فترة جويلة، فجعل كثير من المسلمين يفر من الزحف، فجعل عمرو يزجرهم ويحثهم على القتال والثبات، فقال رجل يمني: 'إنا لم نخلق من حجارة ولا من حديد!' فقال له عمرو: 'اسكت؛ فإنما أنت كلب!' فقال له اليمني: 'فأنت إذًا أمير الكلاب!' فأعرض عنه عمرو، ونادى يطلب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا عنده، فقال لهم: 'تقدموا، فبكم ينصر الله المسلمين'، فقام الزبير بن العوام، وتسلق سور الحصن، ووقف على رأسه صائحًا بأعلى صوته: 'والله لا أعود حتى يفتح الله الحصن أو أذق مثل ما ذاق حمزة!' واقتحم الحصن، وصال صولة الأسد العاتي حتى خرج من الناحية الأخرى، وكبّر المسلمون وراءه، ودارت رحى حرب طاحنة، رأى المقوقس آلة لا طاقة له بها، فطلب الصلح بعد أن دخل أعداد كبيرة من المسلمين داخل الحصن، فأجابهم عمرو بن العاص للصلح، لذلك اختلف أهل العلم في أرض مصر: هل فتحت عنوة أم صلحًا؟.
• ومن مشاهد الفتح الباهرة أن عمرو بن العاص قد سلم اللواء لمولاه 'وردان'، وجعل على المقدمة ابنه 'عبد الله'، فأصيب عبد الله يومئذ بإصابات بالغة، حتى أخذ دمه يسيل من أنحاء جسمه، فلما اشتدت جراحه قال: 'يا وردان! لو تقهقرتُ قليلاً نصيب الروح [أي نرتاح]؟' فقال وردان وهو يتقدم: 'الروح نريد؛ الروح أمامك وليس خلفك!' فاهتز لهذه الكلمات عبد الله، واندفع يقاتل أعداء الله، وأبدى بطولة نادرة، أسعدت والده عمرًا كثيرًا.
• ومن الجدير بالذكر أن أهل مصر كانوا على الحياد في هذا القتال؛ وإنما تركوا الرومان يتقاتلون مع المسلمين، لما كان عندهم من غيظ وكره للرومان، ولطبيعة الشعب المصري الذي يميل للحياد، ثم السير في ركاب المنتصر.
• مالبث أهل مصر أن دخلوا في دين الله أفواجًا، وصاروا خير أجناد الدولة الإسلامية، واستطاعت حضارة الإسلام أن تهضم الحضارات المصرية القديمة التي ظلت صامدة أمام حضارات الغزاة السابقين، وصار المصريون عربًا خالصي العروبة والإسلام.
الفتح العربي الإسلامي لمصر
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب قام القائد المسلم العربي عمرو بن العاص بضم مصر لدولة الخلافة الإسلامية فيما عرف بالفتح الإسلامي لمصر[1][2] بعد أن أتم ضم فلسطين من يد الرومان وكان يهدف لتأمين الفتوحات وكان الخليفة عمر بن الخطاب يخشى على الجيوش الإسلامية من الدخول لإفريقيا ووصفها بأنها مفرقة أما القائد عمرو بن العاص فكان مغرما بمصر قبل الإسلام وبعد أن حقق انتصارا على الروم في معركة أجنادين استأذن الخليفة في غزو مصر الذي أبدى الرفض في البداية وما لبث أن وافق عمرو بن العاص وأرسل له الإمدادات وتوجه عمرو بن العاص بجيشه صوب مصر عبر الطريق الحربي البري مجتازا سيناء مارا بالعريش والفرما ثم توجه الي بلبيس والتي كانت حصينة وشهدت معارك عنيفة[3] ثم حاصر حصن بابليون واستولى عليه وكان يحكم مصر ذالك الوقت الرومان متخذين من الإسكندرية عاصمة للبلاد مقيمين حصون عسكرية بطول البلاد وعرضها بها حاميات رومانية وكان أقوى هذه الحصون حصن بابليون الذي ما أن سقط حتى تهاوت باقي الحصون في الدلتا والصعيد أمام الجيوش الإسلامية وقد تم لعمرو بن العاص الاستيلاء على مصر بسقوط الإسكندرية في يده عام 21 هـ وعقد مع الروم معاهدة انسحبوا على أثرها من البلاد وأنتهي الحكم الروماني لمصر وبدأ الحكم الإسلامي بعصر الولاة وكان عمرو بن العاص أول الولاة المسلمين. وتختلف الرويات الإسلامية والقبطية في سرد حوادث الفتح وتجتمع على أن الرومان عذبوا المصريين أثناء حكمهم وجعلوا مصر ضيعة للإمبراطور الروماني وعرفت بمخزن غلال روما وكان اختلاف عقيدة المصريين عن حكامهم سببا في اضطهادهم من قبل الرومان مرتين مرة لاختلاف الدين فالدولة الرومانية كانت وثنية والمصريين مسيحيين ولما أعترفت الدولة الرومانية بالمسيحية أعتنقوا مذهبا مغايرا للمذهب الذي عليه المصريين.
أحوال مصر قبل الفتح الإسلامي
كانت مصر أثناء الحكم البيزنطي خاضعة مباشرةً للامبراطور البيزنطي في القسطنطينية، وذلك لأهميتها الاقتصادية للدولة الرومانية في الشرق والغرب، حيث كانت مصر تعتبر مخزن غلال الامبراطورية وذلك خلافاً لبقية مقاطعات الدولة الرومانية والتي كانت خاضعة لحكم مجلس الشيوخ.[4] وكان اختلاف عقيدة المصريين عن حكامهم سببا في اضطهادهم من قبل البيزنطيين وذلك لاختلاف عقيدة المصريين الذين رفضوا قرارات مجمع خلقيدونية (451) عن عقيدة البيزنطيين الذين قبلوا بقرارات هذا المجمع.
دوافع فتح مصر
هناك عدة دوافع دفعت المسلمين إلي الاتجاه إلي فتح مصر ومنها
الدافع الديني: وهو ضرورة نشر الإسلام في مصر وأفريقيا، وقد سبق للمسلمين في عهد النبي محمد دعوة المقوقس إلى الإسلام سلميا، فقد أرسل له النبي الصحابي حاطب بن أبي بلتعة، وكذلك أبو بكر الصديق أرسل إليه حاطبًا مرة أخرى، وفي عهد عمر بن الخطاب أرسل إليه كعب بن عدي بن حنظلة التنوخي، فما كان من المقوقس إلا أن اكتفي بالرد الحسن. وكانت مصر خاضعة للإمبراطورية البيزنطية المسيحية فلا يمكن للمسلمين الدعوة إلي الإسلام فيها دون المواجهة مع البيزنطيين، وتمثل مصر مكانة كبيرة لدي المسلمين بسبب ذكرها العديد من المرات في القرأن الكريم وتبشير النبي محمد للمسلمين بفتحها وتوصيته بأهلها خيرا كل ذلك جعل المسلمين حرصين علي ضم مصر إلي الدولة الإسلامية [5].
الدافع العسكري: لأن مصر هي الامتداد الطبيعي الجنوبي لفلسطين التي سيطر عليها المسلمون وقد إنسحب إليها أرطبون قائد بيت المقدس لإعادة المقاومة، واسترجاع الشام مرة أخرى، هذا ما جعل المسلمون يسارعون في دخول مصر، وأيضا الاستيلاء علي ما في مصر من ثغور وسفن سوف يمكِّن المسلمين من إخضاع مدن الشام الشمالية الواقعة على البحر المتوسط، ففتح مصر ضرورة حربية ملحة تكميلا لفتح بلاد الشام؛ هذا لأن الإمبراطورية الرومانية كانت تسيطر علي مصر والشام وبلاد المغرب والتي تعتبر منطقة عسكرية واحدة، وأيضا خوفا من أن يهاجم البيزنطيون دار الخلافة في الحجاز عن طريق البحر الأحمر، وأيضا حاول البيزنطيون استرداد الشام من المسلمين مرة أخرى وعرقلة توجههم جنوبا فهاجموهم من شمال الشام فشعر المسلمون أنهم محاصرون بين قوات بيزنطة في آسيا الصغرى وقواتهم في مصر. وأيضا قلة التحصينات بمصر جعل مهمة الفتح سهلة وكان أغلب المشاركين في الفتح من من قبيلتي غافق وعك اليمنيتين وكان لديهم مهارة في قتال الحصون الساحلية، واشتركوا مع عمرو في فتح الحصون ببلاد الشام، كما كانوا على دراية ببناء المدن واختطاطها، والإلمام بالزراعة[5].
الدافع السياسي الاقتصادي: فقد تَجَمَّع لدى المسلمين من معلومات أن الأوضاع الاقتصادية في مصر كانت متردية وكانت ثروات البلاد تذهب إلي روما، وأيضا أوضاع المصريين الأقباط الذين كانوا يعانوا من الأضطهاد الديني المذهبي من قبل البيزنطيين، وأدركوا أن ضم مصر إلي دولة الإسلام سينعش اقتصاد المسلمين ويضعف البيزنطييين حيث أن مصر كانت مصدرا رئيسيا لتمويل بيزنطة بالقمح[5].
دخول المسلمين مصر
إتساع الدولة الإسلامية منذ نشأتها حتى نهاية العصر الأموي. تحت حكم محمد، 622-632 تحت حكم الخلفاء الراشدين، 632-661 تحت حكم الدولة الأموية، 661-750
اجتياز الحدود
ذكر خليفة بن خياط وابن خلدون وكذلك الطبري عن ابن اسحاق وذكر ابن الأثير في الكامل أن عمر بن الخطاب قد أمر عمرو بن العاص بعد فروغه من الشام أن يسير إلى مصر سنة 20 هـ ديسمبر 639 م، وقيل إحدى أو اثنين أو خمس وعشرين كما ذكر ابن خلدون في تاريخه، وهناك رواية تقول ستة عشرة أوردها ابن الأثير.[6][7][8][9]
وكان عمر بن الخطاب متوجساً من دخول جيوش العرب إلى إفريقيا عن طريق مصر حيث كان يظن ان خطر مثل هذه الخطوة ليس صغيرا وفشلها سيؤثر بالسلب على الدولة الإسلامية التي ما زالت في طور النمو، كما تناقش مع عثمان بن عفان وحذره عثمان من طبيعة عمرو بن العاص الجانحة للمخاطرة. ولكنه وافق على مضض بعد إلحاح عمرو بن العاص عليه فسار عمرو في جيش صغير من 4000 جندي أكثرهم من قبيلة عك وإن كان الكندي يقول أن الثلث كانوا من قبيلة غامق، ويروي ابن دقماق أنه كان مع جيش العرب جماعة ممن أسلم من الروم وممن أسلم من الفرس، وقد سماهم في كتابه، سار بهم من عند الحدود بين مصر وفلسطين حتى صار عند رفح وهي على مرحلة واحدة من العريش بأرض مصر، فأتت عند ذلك رسل تحمل رسالة من الخليفة، ففطن عمرو إلى ما فيها، وظن أن الخليفة لابد قد عاد إلى شكه في أمر دخول مصر. فلم يأخذ الرسالة من الرسول حتى عبر مهبط السيل الذي ربما كان الحد الفاصل بين أرض مصر وفلسطين، وبلغ بسيره الوادي الصغير الذي عند العريش، وهناك أتى له بالكتاب فقرأه ثم سأل من حوله أنحن في مصر أم في الشام ؟ فقيل له نحن في مصر. فقرأ على الناس كتاب الخليفة ثم قال: إذن نسير في سبيلنا كما يأمرنا أمير المؤمنين، وكان الخليفة يأمره بالرجوع إذا كان بعد في فلسطين، فإذا كان قد دخل أرض مصر فليسر على بركة الله ووعده أن يدعوا الله له بالنصر وان يرسل له الإمداد.[10]
الاستيلاء على بلوز وسقوط حصن بلبيس
في يناير 640م وصل العرب إلى مدينة بلوز، واسمها بالمصرية "برمون" ويسميها العرب "الفرما" في نهاية سنة 639م. وكانت مدينة بلوز مدينة قوية بها حصون وبها كثير من الآثار المصرية والكنائس والأديرة. وكانت تعتبر مفتاح مصر الشرقي. فبرز له راهبان، احدهم هو الجاثليق أبو مريم، ومعهم المقوقس والأرطبون القائد الروماني الشهير الذي هرب من الشام، ودار بين عمرو بن العاص وبين الراهبين حوار عرض فيه عمرو عليهم الإسلام أو الجزية وأخبرهم بوصية محمد في أقباط مصر، فطلبوا منه مهلة فأمهلهم ثلاثة أيام يقول الطبري قالوا زدنا فزادهم يومين، ولما تشاوروا فيما بينهم خمسة أيام اتفقوا على القتال ورفض الجزية أو الإسلام، وخالفوا قائدهم العام المقوقس الذي أراد الاستسلام ودفع الجزية. فغادرهم المقوقس وتوجه إلى حصن بابليون، وخرج الأرطبون والراهبان ومن معهما لقتال المسلمين عند حصن بلبيس، وذلك بعد شهر من الحصار، فانتصر المسلمون وقُتل الأرطبون.[7][8][9][11][12][13][14]
وقد ساهمت أرمانوسة ابنة المقوقس في مقاومة العرب في بلوز، فلما سقطت أسيرة في أيدي العرب، أمر عمرو بن العاص بارسالها إلى أبيها في حصن بابيلون مكرمة مع جميع ما معها وذلك مكافأة للمقوقس الذي كان أرسل هدية للنبي محمد عندما راسله وطالب منه أن يسلم هو وقومه.[15][16]
بعد ذلك انقسم جيش المسلمين إلى ثلاثة أقسام توجه القسم الأول إلى عين شمس بقيادة عمرو بن العاص والزبير بن العوام وظل أبرهة بن الصباح لحصار بلوز وأرسل عوف بن مالك إلى الأسكندرية. يقول بعض المؤرخين أن الحرب استمرت متقطعة بين العرب بقيادة أبرهة بن الصباح وبين حامية مدينة بلوز مدة تترواح بين شهر و3 أشهر. واستولى العرب بعدها على بلوز بعد قتال عنيف، وهدموا الحصن، وأحرقوا السفن وخربوا الكنائس الباقية بها[14][17]. وعلى النقيض من ذلك هناك روايات مثل رواية الطبري تقول أن أبرهة بن صباح وعوف بن مالك كليهما عرضا الأمان على أهل المدينتين فقبلوا بذلك ودخلوهما بدون مقاومة[7].
أما في عين شمس فقد قرر المقوقس مقاومة المسلمين فقاتلوهم حتى هُزموا وارتقى الزبير سورها فشعر المصريون أنهم على وشك الهزيمة فقبلوا بالجزية حسب ابن الأثير والطبري، ويقول ابن خلدون أن حاصرهم المسلمون مدة ثم اتفقوا على الجزية. عقد الصلح بين المسلمين والمصريين اتفقوا فيه على رد ما أُخِذَ منهم عنوة والإبقاء على السبايا وأجروا من دخل في صلحهم من الروم والنوبة مجرى أهل مصر، ويقول ابن الأثير أن عمر رد سبايا من لم يقاتلهم.[7][8][9]
ونص الصلح كما أورده الطبري في تاريخه ونقله عنه ابن خلدون:
«بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الامان على أنفسهم ودمهم وأموالهم وكافتهم وصاعهم ومدهم وعددهم لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يساكنهم النوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نصرتهم فان أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدرهم وذمتنا ممن أبى برية وان نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم اثلاثا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا وكذا وكذا فرسا على ان لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة»
ويقول ابن خلدون أمضاه لهم عمر بن الخطاب وأشهد عليه الزبير وعبد الله ومحمد ابناه.
سار عمرو بجيشه حتى وصل إلى بلهيب، فعرض حاكم الإسكندرية الجزية على المسلمين مقابل الأمان ورد السبايا، فأرسل عمرو بن العاص أو الزبير بن العوام إلى عمر بن الخطاب بالعرض فأرسل إليهم أن يقبلوا بالجزية وأن يخيروا السبايا بين الإسلام وبين الجزية فمن قبل بالجزية ردوه ومن بقي بالإسلام بقي، واستثنى من ذلك من كان قد وصل من السبايا إلى المدينة واليمن. ثم تحرك عمرو بالجيش إلى أن وصل مشارف الإسكندرية فتحصن الروم في حصن بابليون، فحاصرهم عمرو بن العاص حتى استطاعوا اقتحامه، بعد أن ارتقى الزبير بن العوام أسوار الحصن كما قال بن الخياط.[6][7][8][9]
بعض الروايات تشير إلى أن مصر فتحت عنوة بلا عهد ولا عقد وقد أورد بعضها ابن خياط في تاريخه نذكر منها ما رواه عن عمرو بن العاص أنه قال: « لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد إن شئت قتلت وإن شئت بعت وإن شئت خمست، إلا أهل طرابلس فإن لهم عهدا يوفى به»، وتقول روايات أخرى أن الإسكندرية فقط فتحت عنوة وردت في المصدر السابق (1/99):(1/100)، أما السيوطي فقد قال في حصن المحاضرة (1/43):«فتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهروا الروم على المسلمين: سليطس، ومصيل، وبلهيب». وقد اعترض بعض المؤرخين على هذة الروايات مثل الطبري الذي اعتبرها كاذبة.
ويصف المؤرخ القبطي يوحنا النقيوسي الذي عاصر دخول العرب مصر أحداث هذه الحقبة قائلاً:
"إن العرب استولوا على إقليم الفيوم وبويط، وأحدثوا فيهما مذبحة هائلة، مات فيها خلق كثيرون من الأطفال والنساء والشيب".[18]
"في زمن الصيف سار عمرو إلى سخا وطوخ دمسيس أملا في إخضاع المصريين قبل الفيضان ولكنه فشل، وكذا صدته دمياط حيث أراد أن يحرق ثمار المزارع وأخيرا عاد إلى جيوشه المقيمة في بابيلون مصر، وأعطاهم الغنيمة التي أخذها من الأهالي الذين هاجروا إلى الإسكندرية، بعد أن هدم منازلهم وبنى من الحديد والأخشاب التي جمعها من الهدم قنطرة توصل بين قلعة بابيلون ومدينة البحرين ثم أمر بحرق المدينة كلها، وقد تنبه السكان إلى هذا الخطر فخلصوا أموالهم وتركوا مدينتهم، وقام العرب بحرقها، ولكن السكان عادوا إلى المدينة وأطفؤوا الحريق، ووجه العرب حملتهم على مدن أخرى ونهبوا أموال سكانها وارتكبوا ضدهم أعمالا عنيفة.".[19]
"أتى المسلمون بعد ذلك إلى نقيوس واستولوا على المدينة ولم يجدوا فيها جنديا واحدا يقاومهم، فقتلوا كل من صادفهم في الشوارع وفي الكنائس، ثم توجهوا بعد ذلك إلى بلدان أخرى وأغاروا عليها وقتلوا كل من وجدوه فيها، وتقابلوا في مدينة صا باسكوتارس ورجاله الذين كانوا من عائلة القائد تيودور داخل سياج كرم فقتلوهم، وهنا فلنصمت لأنه يصعب علينا ذكر الفظائع التي ارتكبها الغزاة عندما احتلوا جزيرة نقيوس في يوم الأحد 25 مايو سنة 642 في السنة الخامسة من الدورة".[20]
أحوال مصر بعد الفتح
لم يقسم المسلمون أرض مصر بين الفاتحين ولكن إكتفوا بفرض الضرائب علي المصريين، وتركوها في أيدي الشعب يتعهدها فتثمر. وفي زمن الخلفاء الراشدين مسحت الأراضي، واحتفظت الحكومة بسجلاتها، وأنشأت عدداً كبيراً من الطرق وعنيت بصيانتها، وأقيمت الجسور حول الأنهار لمنع فيضانها [21].
كما أعاد عمرو بن العاص البطريرك بنيامين والذي كان فارا من اضطهاد الرومان لكرسي بابويته [2]. كما أعاد عمرو بن العاص حفر قناة سيزوستريس وعرفت بخليج أمير المؤمنين [22].
كما أبطل المسلمون إحدي العادات السيئة التي كانت موجودة قبل الفتح وهي عادة ما تسمي بعروس النيل وهي إلقاء فتاة بكر في النيل في شهر بؤونة حتي يجري ويفيض:
«لما فتحت مصر أتى أهلُها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنَّةُ لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك ؟ قالوا: إذا دخلت ثنتا عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، قال لهم: إن هذا لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤونة، وأبيب، ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيرًا حتى همَّوا بالجلاء عنها فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر: "إنك قد أصبت لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وكتب بطاقة داخل كتابه وكتب إلى عمرو: "إني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة فإذا فيها: «من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك.»[23] فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السُّنَّةَ السُّوء عن أهل مصر إلى اليوم [24].»
الجدل حول الفتح الإسلامي لمصر
المنتقدون
ما ذكره الطبري والبلاذرى في تاريخهما أنه عندما حان عام الرمادة بالمدينة المنورة طلب عمر بن الخطاب مضاعفة كميات القمح المرسلة للمدينة من خراج مصر أضعافا وقال: "أخرب الله مصر في عمار المدينة وصلاحها، فعالجه عمرو وهو بالقلزم، فكان سعر المدينة كسعر مصر، ولم يزد ذلك مصر إلا رخاء." [25][26].
عندما تولى عثمان بن عفان الخلافة بعد مقتل عمر بن الخطاب، أراد عثمان أن يكون عمرو بن العاص على الحرب وأن يكون عبد الله بن سعد على الخراج (أي الضرائب والجزية)، فرفض عمرو قائلاً "أنا إذا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها" مشبهاً بذلك مصر بالبقرة الحلوب التي تدر الخيرات على العرب.[27].
يذكر حنا أسقف نقيوس -يوحنا النقيوسي- الذي عاصر دخول العرب إلى مصر في الفصل (113)
احتلال العرب لأتريب ومنوف:
«أن عمرو بن العاص قبض على القضاة الرومانيين وقيد أيديهم وأرجلهم بالسلاسل والأطواق الخشبية، ونهب أموالا كثيرة وضاعف ضريبة المال على الفلاحين وأجبرهم على تقديم علف الخيول، وقام بأعمال فظيعة عديدة. وحدث الرعب في كل المدن المصرية وأخذ الأهالي في الهرب إلى مدينة الإسكندرية تاركين أملاكهم وأموالهم وحيواناتهم. وانضم إلى الغزاة الكثيرون من سكان مصر الأجانب الذين أتوا من الأقطار المجاورة واعتنقوا دينهم، ودخل الغزاة المدن واستولوا على أموال كل المصريين الذين هربوا". وفي الفصل (121) يقول يوحنا النقيوسي: "ويستحيل على الإنسان أن يصف حزن وأوجاع المدينة بأكملها فكان الأهالي يقدمون أولادهم بدلا من المبالغ الضخمة المطلوبة.»
أما المؤرخ المصري المسلم ابن عبد الحكم فيقول في كتابه فتوح مصر (ص ٨٧):
«إن عمرو قال للقبط: إن من كتمني كنزا عنده (ثروته) فقدرت عليه قتلته. وسمع عمرو أن أحد أهالي الصعيد اسمه بطرس كان عنده كنز، فلما سأله أنكر ولما تبين لعمرو صحة ما سمع أمر بقتله. فبدأ القبط بإخراج (إظهار) ثرواتهم خوفا من القتل.»
وفي نفس الكتاب (ص ١٥٣) يقول ابن عبد الحكم:
«أن بعض الأقباط ذهبوا لعمرو بن العاص طالبين أن يخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصير لها"، فأجاب عمرو: "لو أعطيتني من الأرض إلي السقف ما أخبرتك ما عليك. إنما أنتم خزانة لنا إن كُثّر علينا كثّرنا عليكم وإن خُفف علينا خففنا عليكم".»
المؤيدون
في حين يرى البعض الآخر أن دخول المسلمين مصر كان له إيجابيات عديدة منها:
يذكر الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني في كتاب وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها [1]
«أيضا وإن كنا نذكر مظالم العرب الفاتحين فلابد -إنصافا للحقيقة- أن نقول أن هذه المظالم لم تكن عامة أو شاملة خاصة في الفترة الأولي للفتح العربي فقد اكتشف البروفسير جروهمان وثيقتين برديتين يرجع تاريخهما إلى سنة 22 هـ - 642 م، مكتوبتين باليونانية، وملحق بهما نص آخر بالعربية :
الوثيقة الأولى: إيصال حرره على نفسه أحد أمراء الجند يدعى الأمير عبد الله بأنه استلم خمساً وستين نعجة لإطعام الجند الذين معه، وقد حررها الشماس يوحنا مسجل العقود، في اليوم الثلاثين من شهر برمودة من السنة المذكورة أولاً، وقد جاء بظهر الورقة ما يلي : "شهادة بتسليم النعاج للمحاربين ولغيرهم ممن قدموا البلاد وهذا خصماً عن جزية التوقيت الأول".
أما الوثيقة الثانية: فنصها "باسم الله، أنا الأمير عبد الله أكتب إليكم يا أمناء تجار مدينة بسوفتس، وأرجو أن تبيعوا إلى عمر بن أصلع، لفرقة القوطة، علفاً بثلاث دراهم كل واحد منها (بعرورتين) وإلى كل جندي غذاء من ثلاثة أصناف" ويعلق الأستاذ جروهمان على الوثيقتين بقوله : (إن هذه المعاملة إزاء شعب مغلوب، قلما نراها من شعب منتصر))[1].»
ويذكر يوحنا النقيوسي في نفس الكتاب (ص 64) :
«كان البابا بنيامين (البطريرك الـ 38) هارباً من قيرس (المقوقس) البطريرك الملكاني، وبعد الهزيمة التي مني بها الروم ورحيل جيشهم عن مصر، غدا القبط في مأمن من الخوف، وبدأوا يشعرون بالحرية الدينية، ولما علم عمرو باختفاء البابا القبطي بنيامين نتيجة الظروف التي كان يمر بها الأقباط، كتب كتاب أمان للبابا بنيامين يقول فيه: "الموضع الذي فيه بنيامين بطريرك النصارى القبط، له العهد والأمان والسلامة من الله، فليحضر آمناً مطمئناً ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته"..، كما يقال: (أن عمرو وهو في طريق عودته بعد فتح الإسكندرية، خرج للقائه رهبان وادي النطرون، فلما رأى طاعتهم سلمهم كتاب الأمان للبابا، فلم يلبث عهد الأمان أن بلغ بنيامين، إلا وخرج من مخبئه وعاد إلى الإسكندرية ودخلها دخول الناصرين وفرح الناس برجوعه فرحا عظيما بعد أن ظل غائباً ثلاثة عشر عاماً....، -ثم يستطرد الراهب أنطونيوس الأنطوني- كل ذلك حدا بالمؤرخ بتلر أن يقول عن البطريرك بنيامين "ولقد كان لعودة بنيامين أثر عظيم في حل عقدة مذهب القبط، إن لم تكن عودته قد تداركت تلك الملة قبل الضياع والهلاك"[1]»
ومن فضائل الفتح الإسلامي لمصر على المصريين آنذاك إعادة عمرو بن العاص للبطريرك بنيامين والذي كان فارا من اضطهاد الرومان لكرسي بابويته [2]. كما أعاد عمرو حفر قناة سيزوستريس وعرفت بخليج أمير المؤمنين.
ويقول القس منسي يوحنا في كتابه تاريخ الكنيسة القبطية [28] (ص 306):
«"وكان جيش العرب في فاتحة هذا القرن، حاملاً لواء الظفر في كل مكان، وظل يخترق الهضاب والبطاح، ويجوب الفيافي والبلاد، حتى وصل إلى حدود مصر تحت قيادة عمرو بن العاص، فدخل مدينة العريش وذلك سنة 639، ومنها وصل إلى بلبيس وفتحها بعد قتال طال أمده نحو شهر، ولما استولى عليها وجد بها (أرمانوسة) بنت المقوقس فلم يمسها بأذى، ولم يتعرض لها بشرِّ، بل أرسلها إلى أبيها في مدينة منف، مكرمة الجانب، معززة الخاطر، فَعَدَّ المقوقس هذه الفعلة جميلاً ومكرمة من عمرو وحسبها حسنة له." - ثم يستطرد منسي قائلاً في (ص 307)- "فجمع المقوقس رجال حكومته، وذهب للتفاوض مع رسل من قِبَل عمرو، فبدأ وفد الروم بالتهديد والوعيد للمسلمين، بقتلهم وإفنائهم وأنه لا بديل أمام المسلمين غير الموت أو الرحيل، فلما بدأ وفد المسلمين، فلم يفعل كوفد أهل الصليب إنما طرح أمامهم ثلاثة بدائل: أولها الإسلام وثانيها الاستسلام مع دفع الجزية لقاء قيام المسلمين بتسيير أمور البلاد، ثم كان الخيار الثالث والأخير وهو الحرب والقتال الذي طرحة جيش الصليبيين الروم المحتلين لمصر كاختيار لا بديل. فاتفق رأيهم على إيثار الاستسلام والجزية، واجتمع عمرو والمقوقس وتقرر الصلح بينهما بوثيقة مفادها: أن يُعطَي الأمان للأقباط، ولمن أراد البقاء بمصر من الروم، على أنفسهم، وأموالهم، وكنائسهم، وفي نظير ذلك يدفع كل قبطي "دينارين" ماعدا: الشيخ، والولد البالغ 13 سنة، والمرأة". - ثم يستطرد منسي قائلاً - "وذكر المؤرخون أنه بعد استتباب السلطان للعرب في مصر، وبينما كان الفاتح العربي يشتغل في تدبير مصالحه بالإسكندرية، سمع رهبان وادي النطرون وبرية شيهات، أن أمة جديدة ملكت البلاد، فسار منهم إلى عمرو سبعون آلفاً حفاة الأقدام، بثياب ممزقة، يحمل كل واحد منهم عكاز... تقدموا إليه، وطلبوا منه أن يمنحهم حريتهم الدينية، ويأمر برجوع بطريركهم من منفاه، أجاب عمرو طلبهم، وأظهر ميله نحوهم فازداد هؤلاء ثقة به ومالوا إليه". - ويقول القس منسي - (خصوصاً لما رأوه يفتح لهم الصدور، ويبيح لهم إقامة الكنائس والمعابد، في وسط (منطقة) الفسطاط التي جعلها عاصمة الديار المصرية ومركز الإمارة، على حين أنه لم يكن للمسلمين معبد، فكانوا يصلون ويخطبون في الخلاء). - ويستطرد منسي قائلاً في(ص209)- "أنه قَرَّب إليه الأقباط، وردّ إليهم جميع كنائسهم التي اغتصبها الرومان".[28]»
ويذكر ابن عبد الحكم عما وصلت إليه العدل في الدولة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقتص لأحد المصريين من ابن أمير مصر عمرو بن العاص:
«فأتى رجل من أهل مصر كما حدثنا عن أبي عبدة عن ثابت البناني وحميد عن أنس إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال عذت معاذا قال سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط ويقول أنا ابن الأكرمين فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه ويقدم بابنه معه فقدم فقال عمر أين المصري خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر اضرب ابن الأليمين قال أنس فضرب فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه ثم قال عمر للمصري ضع على صلعة عمرو فقال يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيت منه فقال عمر لعمرو مذكم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا قال يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني [29]»
كما يعترض الكاتب جمال بدوي [30] على بعض مكتبه المؤرخ القبطي يوحنا النقيوسي قائلاً انه برغم أهمية يوحنا النقيوسي حيث انه أحد الشهادات القليلة القبطية المعاصرة لهذا الزمن إلا أن كتابته ليست دقيقة حيث:
يظهر اعتماده على الغيبيات أكثر من الحقائق التاريخية. مثل تأثير الشيطان في تصرفات الناس وتأثره بالكتابات التاريخية التي شاعت في العصور الوسطي عن حياة القديسين.
تحيزه الشديد لمذهبه واعتباره الديانة الصحيحة الوحيدة وان كان المترجم الدكتور عمر صابر عبد الجليل الذي اقتبس منه جمال بدوي يقول ان هذه كانت سمة مؤرخي هذا العصر ولكن أدى هذا في رأيه الي تناقض احكام النقيوسي من أحداث الفتح فهو يتحدث تارة عن قسوة المسلمين، ويتحدث عن رحمتهم تارة اخري، كما يكيل لهم الشتائم بدون مناسبة تارة ثالثة.
لم تصلنا النسخة الاصلية لكتاب النقيوسي بل وصلتنا النسخة الوحيدة عن طريق مترجم أثيوبي يصفه الدكتور عمر صابر عبد الجليل بأنه قد عبث بالنص والحقائق التاريخية به بما يعكس تحيزه للمسيحية وهذا كان في ظل صراع في عصر المترجم بين اثيوبيا المسيحية وجيرانها المسلمين.
كما ذكر المؤوخ ألفرد بتلر في كتابه فتح العرب لمصر أنه تم ترجمة نسخة أثيوبية من "ديوان أخبار حنا أسقف نقيوس" إلي لغة أوروبية - وحنا كان يعيش في النصف الثاني من القرن السابع - أن هناك مواضع منه شوهت فيها النسخة المخطوطة تشويها وأن فيه بغض أغلاط وفيه مواضع لا يتفق ما يذكره فيها ما سائر الحوادث [31].
حادثة سرقة رأس مارمرقس
ويذكر المؤرخ المسيحي ساويرس بن المقفع في كتابه "سير الأباء البطاركة" أنه عنما احرق عمرو بن العاص بعض كنائس الإسكندرية أثناء دخوله المدينة ومنها كنيسة مارمرقس لم تمس النار رفات مارمرقس البشير - رسول المسيح حسب عقيدة المسيحيين - فدخلها بعض السارقين وسرقوا أغطية الجثة من التابوت الذي يحتوي على جسد مارمرقس حيث فتحوه ظانين أن فيه مالا. ثم اتى قائد سفينة شنودة وبحث بالتابوت فلم يجد غير الرأس فأخذها [32][33]. وجاء بعد ذلك شنوده (وكان أحد الأقباط وقد أستخدمه عمرو بن العاص لإدارة حملته البحرية ضد ليبيا والخمسة مدن الغربية) وأصدر أمره للسفن بالتحرك ولكن مركبا لم يتحرك فأوقف جميع المراكب بما فيها مركب شنودة وفتش المركب وحقق مع الجنود وعرف بأمر رأس القديس مارمرقس فمضى وأخبر كلا من عمرو والبابا بنيامين وكان البابا شاهد في رؤيا أن القديس مرقس يطلب منه أن يبنى كنيسه له وقيل أن عمرو بن العاص أمر أن تبنى الكنيسه على نفقته وأعطاه 10000 دينارا لكى يبنى كنيسه أحتراما للرأس وسميت هذه الكنيسه بالمعلقه وكان موقعها جنوب الإسكندريه بالقرب من المسله الأثريه.
«"خرج عمرو في حملته الثانيه 644م-645م متجها إلى بنتابوليس [الخمسة مدن الغربية] عن طريق البحر - عن طريق حمله بحريه قادها سانوتيوس [شنوده] المحب للمسيح. وعندما اوشكت السفن للاقلاع من الاسكندريه فإن السفينه التي عليها شنوده أبت ان تبحر أو تتحرك لان أحد بحارتها قد احضر معه خلسه رأس مرقس البشير (رسول المسيح إلى مصر - حسب عقيدة المسيحيين -) بعد أن حصل عليها من قبره. وكانت رفات مرقس رسول المسيح إلى مصر موضوعا في الشرق من الكنيسه المبنيه على البحر وهو الموضع الذي كان فيه. وبتفتيش السفينه عثر على الرأس وعاد البطريرك إلى الإسكندريه والرأس في حضنه وصنع لها تابوتا صغيرا من الأبنوس وكانت الكنيسه مبنيه على مكان مرتفع فوق أسوار الكنيسه. وصار كل البطاركه الذين يرسمون يضعون الرأس أمامهم أثناء تكريسهم ثم يقدمونها إلى الشعب للتبارك منها أو يقبلونها".[32][34]»
ويذكر البطريرك شنودة الثالث في كتابه مرقس الرسول القديس والشهيد [35](إن أحد البحارة سرق رأس مار مرقس الرسول من كنيسة بوكاليا بالأسكندرية التي كان بها رأس وجسد مرقس الرسول الذي ادخل المسيحية إلي مصر وأبلغ الأنبا بنيامين البطريرك 38 للكرازة المرقسية عمرو بن العاص حاكم مصر في عام 644 م الذي فتش في كل السفن الموجودة بالإسكندرية حتي عثر عليها عمرو بن العاص في إحدي السفن، وتم تسليم رأس مارمرقس الرسول إلي البطريرك ويسلمه كذلك عمرو بن العاص مبلغ عشرة آلاف دينار لعمل كنيسة لرأس مارمرقس الرسول وهذه الكنيسة موجودة حتي الآن باسم المعقلة بالإسكندرية الكائنة بشارع المسلمة واستقر رأس مرقس الرسول بها)
«"عندما عزم عمرو بن العاص على المسير، تقدمت المراكب كلها وخرجت من الميناء، ما عدا المركب التي كان يوجد بها الرأس المقدس مخبأ فيها. فإن هذه المركب لم تسطيع مغادرة الميناء إطلاقاً على الرغم من كل محاولات البحارين في بذل جهدهم لإخراجها! عند ذلك علموا أن في الأمر سراً. ويتابع ابن السباع روايته فيقول: فأمر عمرو بن العاص بتفتيشها، فوجدوا الرأس في تلك المركب مخبأ. فأخرجوه، فخرجت المركب حالاً لوحدها. ففهم عمرو بن العاص وكل من معه. وللوقت استحضر من كان سبباً في تخبئة هذه الرأس. فاعترف بعد وقت بسرقته، فضربه وأهانه." [35][36].»
هذا ويستشهد الباحث د.نبيل لوقا بباوي بهذا الكتاب للبابا شنودة في إحدى مقالاته بجريدة الأهرام[36] حيث يقول أن السارق كان مسيحي كاثوليكي بالرغم من عدم ذكر هذا الكتاب لكلمة "كاثوليكي".
موقف المصريين من الفتح الإسلامي
يذكر بعض المؤرخين أن من أبرز أسباب نجاح الجيوش الإسلامية في هزيمة البيزنطيين هو استقبال المصريين المسيحيين للعرب على انهم منقذين لهم من تعذيب الرومان. ومن مؤيدي هذا الرأي المؤرخ البريطاني إدوارد جيبون في كتابه "تاريخ سقوط الإمبراطورية الرومانية" سنة 1782.[37]
وينقل السيوطي عن ذكر الخلاف بين العلماء في مصر هل فتحت صلحا أو عنوة؟ "فتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهروا الروم على المسلمين: سليطس، ومصيل، وبلهيب" [38].
أما الفرقة الأخرى من المؤرخين فترى أن المصريين قاوموا العرب وحاربوا إلى جانب البيزنطيين. ومن مؤيدي هذا الرأي المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي والأستاذة سناء المصري والمؤرخ البريطاني الفريد بتلر والدكتورة سيدة إسماعيل كاشف والقس منسى يوحنا والأب بيجول باسيلي.
فيروي المقريزي عن قتال أهل بعض المدن المصرية إلى جانب البيزنطيين ضد العرب قائلاً: "أن أهل سلطيس وقرطيا وبلهيب ظاهروا الروم على المسلمين في جمع كان لهم فلما ظهر عليهم المسلمون، استحلوهم وقالوا : هؤلاء لنا فئ مع الإسكندرية، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه عمر، أن تجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمة للمسلمين، وتضرب عليهم الخراج، ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط قوة للمسلمين على عدوهم، ولا يجعلون فيئا ولا عبيدا ففعل ذلك ويقال إنما ردهم عمر رضى الله عنه لعهد كان تقدم لهم."[39]
أما الاستاذة سناء المصري فتقول في كتابها "حكايات الدخول: هوامش الفتح العربى لمصر" ص ٦١: "في طريق الجيش العربى المنطلق من قرية إلى أخرى، ومن مدينة إلى التي تليها كانت جموع الشعب المصري العُزًل من السلاح ترقب بحذر وهلع أخبار المعارك الدائرة بين العرب والروم، ويكاد الخوف من الجانبين يعتصرهم، وذكرى حروب الروم والفرس لم تجف دماؤها بعد، وقد فضلت بعض قرى أسافل مصر (الوجه البحرى) الانضمام إلى جيش الروم، تقاتل معهم جيوش الغزو العربى".[40]
أما المؤرخ البريطاني الدكتور ألفريد بتلر فيتحدث عن المقاومة التي لاقاها العرب من قبل المصرين في مصر السفلى فيقول
«
"ويرد مع هذه الأخبار ذكر غزوة للقرى التي على فرع النيل الشرقي، قيل ان العرب قد بلغوا فيها مدينة دمياط، ولعل تلك الغزوة كانت على يدي سرية عمرو في هذا الوقت نفسه. ولم يكن من أمرها غير إحراق المزارع، وقد أوشكت أن ينضج ثمرها، فلم تفتح شيئا من المدائن في مصر السفلى. ولنذكر أن العرب قضوا في عملهم في هذا الإقليم اثني عشر شهرا إلى ذلك الوقت. وبعد تلك الغزوة التي أوقع فيها عمرو بالبلاد وغنم منها عاد إلى حصن بابليون ومن معه دون أن يجني كبير فائدة. وان لنا لدلالة في غزوته تلك في مصر السفلى، وما لاقاه فيها من القتال في مواضع كثيرة، وعجزه في جل ما حاوله من الفتح في بلاد الشمال القصوى. فان ذلك يزيدنا برهانا على ما تحت أيدينا من البراهين على فساد رأيين يذهب إليهما الناس: أولهما أن مصر أذعنت للعرب بغير أن تقاتل أو أن تدافع. وثانيهما أن المصريين رحبوا بالفاتحين ورأوا فيهم الخلاص والنجاة مما هم فيه".[41]»
كما تقول الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف أستاذة التاريخ الإسلامي بكلية البنات جامعة عين شمس:" على أننا لا نجد في المراجع القديمة ما يشير إليه بعض المحدثين من أن الأقباط استنجدوا بعمر بن الخطاب لينقذهم من ظلم الروم ".[42]
كما يرفض الكاتب والباحث القبطي الأب بيجول باسيلي ما يسوقه البعض من مزاعم ترحيب المصرين بالعرب فيقول
«
"كذلك فقد رفض الأقباط بشدة جميع أنواع وطرق فرض الحماية عليهم أو إنقاذهم من ناحية جميع المستعمرين والغزاه الذين جاؤا يتذرعون بمقولة حماية الأقباط، رغم ما كان يعانيه الأقباط من الظلم والاضطهاد والقسوة. والحقيقة أن أكذوبة الترحيب هذه، هي الأكذوبة الشهيرة التي يتذرع بها ويطلقها دائما كل مستعمر أو فاتح أو محتل، يكاد لا يشذ عنها أحدا منهم على مدى التاريخ وفي كل مكان، هي ستار شفاف يحاول الفاتح أو الغازي أو المحتل أن يغطي به دوافعه الحقيقية، متوهما أنه قد استطاع أن يخفي الحقيقة، وأن يضفي على وجوده صفة الشرعية بأن الأهالي هم الذين استنجدوا ورحبوا به، ولا مانع عنده من أن يلصق بالمواطنين تهمه الخيانة ليسقط عن نفسه جريمة الاغتصاب. حدث هذا ويحدث ليس فقط مع من فتحوا أو احتلوا أو استعمروا مصر، بل مع غالبية الشعوب التي نكبت بالفتح أو تعرضت للغزو أو الاستعمار، هي نفس الحجة والأكذوبة وهو هو نفس الأسلوب الملتوي والمخادع لتبرير الأحداث.[43]»
كذا يروي القس منسى يوحنا في كتابه "تاريخ الكنيسة" عن مقاومة المصريين في مصر السفلى لجيش عمرو بن العاص فيذكر:
«واحتلت جيوش العرب الوجه البحرى فصاروا يرتكبون فيه الفظائع فوقف في وجههم اثنان من الأقباط هما مينا وقزمان وترأسا جماعة مدربة فكانوا يدافعون عنهم غائلة الاعتداء الأجنبى عربيا كان أم رومانيا. وقيل أن عمرو عندما وصل إلى نقيوس فتك بأهلها فتكا ذريعا ولم يبق أحدا ممن كانوا في الشوارع أو الكنائس.[44]»