الإثنين 15 مايو - 11:57 الإثنين 8 مايو - 22:14 الأحد 19 أغسطس - 16:42 الأحد 19 أغسطس - 15:17 السبت 18 أغسطس - 17:10 السبت 18 أغسطس - 17:00 السبت 18 أغسطس - 16:56 السبت 18 أغسطس - 14:52 السبت 18 أغسطس - 10:07 الخميس 16 أغسطس - 17:02 الخميس 16 أغسطس - 16:54 الأربعاء 15 أغسطس - 18:13 الأربعاء 15 أغسطس - 18:08 الأربعاء 15 أغسطس - 10:21
بحث عن فتح مكة - بحث علمى عن فتح مكة كامل بالتنسيق
كاتب الموضوع
رسالة
Labza.Salem Admin
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
موضوع: بحث عن فتح مكة - بحث علمى عن فتح مكة كامل بالتنسيق الثلاثاء 14 مارس - 11:05
بحث عن فتح مكة - بحث علمى عن فتح مكة كامل بالتنسيق
فتح مكة ويسمى أيضاُ الفتح الأعظم [1] هو حدث تاريخي تم فيه فتح مدينة مكة على يد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في 20 رمضان 8 هـ [2] بعد أن هاجر منها، كانت هجرته للمدينة نواة لتأسيس دولته والعمل على العودة لمكة مجددا. لما كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل، دخلت قبيلة خزاعة في عهد الرسول، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فأغاروا عليها ليلاً، فاقتتلوا، وأصابوا منهم، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة، وأخبر النبي بغدر قريش وحلفائها.[3] وأرادت قريش تفادي الأمر، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين، ولكن دون جدوى ؛ حيث أمر رسول الله المسلمين بالتهيؤ والاستعداد، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، كما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها. سبب الغزوة لمّا صالح رسول الله(صلى الله عليه وآله) قريشاً عام الحُديبية (6ﻫ)، دخلت خزاعة في حلف النبي(صلى الله عليه وآله) وعهده، ودخلت كنانة في حلف قريش. فلمّا مضت سنتان من القضية قعد رجل من كنانة يروي هجاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال له رجل من خزاعة: لا تذكر هذا، قال: وما أنت وذاك؟ فقال: لئن أعدت لأكسرنّ فاك، فأعادها، فرفع الخزاعي يده فضرب بها فاه، فاستنصر الكناني قومه، والخزاعي قومه، وكانت كنانة أكثر، فضربوهم حتّى أدخلوهم الحرم وقتلوا منهم، وأعانتهم قريش بالكراع والسلاح، فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فخبرّه الخبر، وقال أبيات شعر، منها: يا رب أنّي ناشد محمّداً ** حلف أبينا وأبيه الأتلدا أنّ قريشاً أخلفوك الموعدا ** ونقضوا ميثاقك المؤكّدا وقتلونا ركّعاً وسجّدا فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «حسبك يا عمرو»، ثمّ قام فدخل دار ميمونة وقال: «اسكبوا لي ماء» فجعل يغتسل ويقول: «لا نُصرت إن لم أنصر بني كعب». ثمّ أجمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) على المسير إلى مكّة، وقال: «اللّهمّ خذ العيون عن قريش حتّى نأتيها في بلادها»(1). مكاتبة حاطب بن أبي بلتعة كتب حاطب بن أبي بلتعة ـ وكان من أهل مكّة وقد شهد بدراً مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)ـ مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش: إنّ رسول الله خارج إليكم يوم كذا وكذا. وجعل لها جعلاً على أن توصله إليهم، فجعلته في رأسها، فخرجت وسارت على غير الطريق، فنزل الوحي على النبي(صلى الله عليه وآله) فأخبره، فدعا الإمام عليّاً(عليه السلام)، وقال له: «إنّ بعض أصحابي كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت الله عزّ وجلّ أن يعمي أخبارنا عليهم، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها وخلِّ سبيلها». ثمّ استدعى الزبير بن العوام فأرسله معه، فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب فأنكرته، وحلفت أنّه لا شيء معها وبكت، فقال الزبير: ما أرى يا أبا الحسن معها كتاباً، فارجع بنا إلى رسول الله لنخبره ببراءة ساحتها. فقال له الإمام علي(عليه السلام): «يخبرني رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت أنّه لا كتاب معها»!! ثمّ أخرج(عليه السلام) سيفه وتقدّم إليها فقال: «أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنّك، ثمّ لأضربنّ عنقك»، فقالت له: فاعرض بوجهك عنّي، فاعرض بوجهه عنها، فكشفت قناعها، وأخرجت الكتاب من عقيصتها ـ أي ضفيرتها ـ، فأخذه(عليه السلام) وسار به إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)(2). خطبة النبي(صلى الله عليه وآله) في مسجده أمر النبي(صلى الله عليه وآله) أن يُنادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس حتّى امتلأ بهم المسجد، ثمّ صعد المنبر والكتاب بيده وقال: «أيّها الناس، أنّي كنت سألت الله أن يخفي أخبارنا عن قريش، وأنّ رجلاً منكم كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا، فليقم صاحب الكتاب وإلّا فضحه الوحي»، فلم يقم أحد. فأعاد مقالته ثانية، فقام حاطب بن أبي بلتعة ـ وهو يرتعد كالسعفة في يوم الريح العاصف ـ فقال: أنا يا رسول الله صاحب الكتاب، وما أحدثت نفاقاً بعد إسلامي، ولا شكّاً بعد يقيني. فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): «فما الذي حملك على ذلك»؟ قال: إنّ لي أهلاً بمكّة، وليس لي بها عشيرة، فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا، فيكون كتابي هذا كفّاً لهم عن أهلي، ويداً لي عندهم، ولم أفعل ذلك لشك منّي في الدين. فقال عمر بن الخطّاب: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فوالله لقد نافق، فقال(صلى الله عليه وآله): «إنّه من أهل بدر، ولعل الله اطلع عليهم فغفر لهم، أخرجوه من المسجد». فجعل الناس يدفعون في ظهره، وهو يلتفت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليرّق عليه، فأمر بردّه وقال: «قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربّك، ولا تعد لمثل هذه ما حييت»(3). خروج النبي(صلى الله عليه وآله) من المدينة خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) في 2 شهر رمضان 8ﻫ من المدينة المنوّرة مع جيشه وقوّاته إلى فتح مكّة المكرّمة. وقيل: خرج في 10 شهر رمضان، واستخلف على المدينة أبا لبابة ابن عبد المنذر، وقيل: استخلف أبا ذر الغفاري، وقيل: عبد الله بن أُمّ مكتوم. تعداد جيش النبي(صلى الله عليه وآله) بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى من حوله من العرب، فمنهم من وفاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق، وخرج(صلى الله عليه وآله) في عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار ومن انضمّ إليهم في الطريق من الأعراب، وجلّهم أسلم وغفّار ومُزينة وجهينة وأشجع وسليم... وكان المهاجرون سبعمائة، ومعهم ثلاثمائة فرس، والأنصار أربعة آلاف، ومعهم خمسمائة فرس، ومزينة ألف وثلاثة أنفار، وفيها مائة فرس، وأسلم أربعمائة ومعها ثلاثون فرساً، وجهينة ثمانمائة، وقيل ألف وأربعمائة، والباقي من سائر العرب؛ تميم وقيس وأسد وغيرهم. لقاء النبي(صلى الله عليه وآله) بأبي سفيان في الطريق لمّا نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله) مرَّ الظَّهران، وقد غُمّت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خبر، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء؛ يتجسّسون الأخبار. قال العباس: فوالله إنّي لأطوف في الأراك؛ ألتمس ما خرجت له، إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، وسمعت أبا سفيان يقول: والله ما رأيت كالليلة قطّ نيراناً. فقلت: يا أبا حنظلة ـ يعني أبا سفيان ـ، فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، قال: لبّيك فداك أبي وأُمّي، ما وراك؟ فقلت: هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قِبَل لكم به، بعشرة آلاف من المسلمين! قال: فما تأمرني؟ فقلت: تركب عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فوالله لئن ظفر بك ليضربنّ عنقك. فردفني، وركضت البغلة حتّى وصلت خيمة النبي. فقلت: يا رسول الله، إنّي قد أجرته، فقال(صلى الله عليه وآله): «اذهب فقد آمناه حتّى تغدو به عليّ في الغداة». قال: فلمّا أصبح غدوت به على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال: بأبي أنت وأُمّي ما أوصلك وأكرمك وأرحمك وأحلمك! والله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أُحد. فقال: «ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول الله»؟ فقال: بأبي أنت وأُمّي، أمّا هذه فإنّ في النفس منها شيئاً!! قال العباس: فقلت له: ويحك! اشهد بشهادة الحقّ قبل أن يضرب عنقك. فتشهّد. فقال(صلى الله عليه وآله) للعباس: «انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتّى تمرّ عليه جنود الله». قال: فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي، ومر عليه القبائل قبيلة قبيلة وهو يقول: من هؤلاء؟ وأقول: أسلم، وجهينة، وفلان، حتّى مرّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الكتيبة الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد، لا يُرى منهم إلّا الحدق. فقال: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ قلت: هذا رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المهاجرين والأنصار، فقال: يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً! فقلت: ويحك إنّها النبوّة، فقال: نعم إذاً! وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسولَ الله(صلى الله عليه وآله)، وأسلما وبايعاه فلمّا بايعاه، بعثهما رسول الله(صلى الله عليه وآله) بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام. قال العباس: قلت: يا رسول الله، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له شيئاً يكون في قومه، فقال: «من دخل دار أبي سفيان ـ وهي بأعلى مكّة ـ فهو آمن، ومن دخل دار حكيم ـ وهي بأسفل مكّة ـ فهو آمن، ومن أغلق بابه وكف يده، فهو آمن»(4). رجوع أبي سفيان إلى مكّة قال العباس لأبي سفيان: الحق الآن بقومك فحذّرهم. فخرج أبو سفيان سريعاً حتّى أتى مكّة، فصرخ في المسجد: يا معشر قريش، هذا محمّد قد جاءكم بما لا قِبَل لكم به، قالوا: فمه، قال: من دخل داري فهو آمن، قالوا: وما تغني عنّا دارك، قال: ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن. فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة أُمّ معاوية، فأخذت بلحيته ونادت: يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق، هلاّ قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم؟ فقال لها: ويحك أسلمي وادخلي بيتك. وقال: لا تغرنّكم هذه من أنفسكم، فقد جاءكم ما لا قِبَل لكم به(5). دخول النبي(صلى الله عليه وآله) مكّة المكرّمة أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) الزبير أن يدخل مكّة من أعلاها، فيغرز رايته بالحجون، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفل مكّة، ونهى عن القتال إلّا لمن قاتلهم، ودخل هو(صلى الله عليه وآله) من أعلى مكّة، وكانت الراية مع سعد بن عبادة. وقد غلظ سعد بن عبادة على القوم، وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم، فدخل وهو يقول: اليوم يوم الملحمة ** اليوم تُسبى الحرمة. فسمعها العباس فقال للنبي(صلى الله عليه وآله): أما تسمع يا رسول الله ما يقول سعد؟ وإنّي لا آمن أن يكون له في قريش صولة. فقال النبي(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام): «أدرك سعداً فخذ الراية منه، وكن أنت الذي تدخل بها مكّة»، فأدركه علي(عليه السلام) فأخذها منه . ودخل رسول الله(صلى الله عليه وآله) مكّة على ناقته القصواء واضعاً رأسه الشريف على الرحل؛ تواضعاً لله تعالى، ثمّ قال: «اللّهمّ أنّ العيش عيش الآخرة»، فقيل له: يا رسول الله، ألا تنزل دارك؟ فقال: «وهل أبقى عقيل لنا داراً»، ثمّ ضُربت له قبّة في الأبطح فنزل فيها، ومعه زوجتاه أُمّ سلمة وميمونة(6). دخول النبي(صلى الله عليه وآله) إلى المسجد الحرام أقبل(صلى الله عليه وآله) إلى الكعبة فاستلم الحجر الأسود، وطاف بالبيت على راحلته، وعلى الكعبة. وفي رواية حولها ثلاثمائة وستون صنماً، لكلّ حي من أحياء العرب صنم، فجعل كلّما يمرّ بصنمٍ منها يشير إليه بقضيب في يده، ويقول: )جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا((7). فما أشار لصنم من ناحية وجهه إلّا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلّا وقع لوجهه حتّى مرّ عليها كلّها، وكان أعظمها هُبل. وكان المقام لاصقاً بالكعبة، فصلّى خلفه ركعتين، ثمّ أمر به فوضع في مكانه. ثمّ جلس ناحية من المسجد، وأرسل بلالاً إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة، فجاء به ففتح رسول الله(صلى الله عليه وآله) باب الكعبة، وصلّى فيها ركعتين وخرج، فأخذ بعضادتي الباب والمفتاح معه. فخطب الناس فقال: «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كلّ مأثرة أو دم أو مال يُدعى فهو تحت قدمي هاتين، إلّا سدانة البيت وسقاية الحاجّ، فإنّهما مردودتان إلى أهليهما». ثمّ قال: «يا معشر قريش، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خُلق من تراب»، ثمّ تلا: )يَا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ((. ثمّ قال: «يا معشر قريش ويا أهل مكّة ما ترون أنّي فاعل بكم»؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: «اذهبوا فانتم الطلقاء». فأعتقهم وقد كان أمكنه الله من رقابهم عنوة، فبذلك سُمّوا الطلقاء. ثمّ دعا بعثمان بن طلحة فردّ إليه مفتاح الكعبة، وقال: خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها منكم إلّا ظالم. وانتقلت سدانة الكعبة بعد عثمان إلى أخيه شيبة، ثمّ توارثها أولاده إلى اليوم. ودفع السقاية إلى العباس بن عبد المطّلب وكانت لأبيه عبد المطّلب، ثمّ قام بها بعد العباس ابنه عبد الله، وهي أحواض من جلد يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاجّ، ويُطرح فيها التمر والزبيب في بعض الأوقات. وحانت صلاة الظهر، فأذّن بلال فوق ظهر الكعبة، وبثّ(صلى الله عليه وآله) السرايا إلى الأصنام التي حول مكّة فكسرها، ونادى مناديه: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلّا كسره، وأتى الصفا يدعو الله تعالى ويذكره. فقال الأنصار فيما بينهم: أترون أنّ رسول الله إذ فتح الله أرضه وبلده يقيم بها، فلمّا فرغ من دعائه قال: «معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم»(9). عفو النبي(صلى الله عليه وآله) عن أهل مكّة أمر(صلى الله عليه وآله) بقتل جماعة ولو كانوا تحت أستار الكعبة، قيل: ستّة رجال وأربع نساء، وقيل أحد عشر رجلاً . فمن الرجال عبد الله بن أبي سرح، كان قد أسلم فارتدّ مشركاً، ففرّ إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة فغيّبه، ثمّ أتى به رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاستأمن له، فصمت(صلى الله عليه وآله) طويلاً، ثمّ قال: «نعم»، فلمّا انصرف به قال(صلى الله عليه وآله): «لقد صمتّ ليقوم إليه بعضكم فيقتله»، فقال أنصاري: هلا أومأت إليّ؟ قال: «إنّ النبي لا يقتل بالإشارة». وعبد الله بن خطل، كان قد أسلم فبعثه رسول الله(صلى الله عليه وآله) مصدّقاً، وكان معه مولىً مسلم يخدمه، فأمر المولى أن يذبح له تيساً ويصنع له طعاماً، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدا عليه فقتله، وارتدّ مشركاً، وكان شاعراً يهجو رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي، اشتركا في دمه. والحويرث بن نقيد كان يؤذيه بمكّة، قتله علي بن أبي طالب(عليه السلام). ومقيس بن صبابة، كان له أخ يُسمّى هشام، قتله رجل من الأنصار خطأً في غزوة ذي قرد وهو يظنّه من العدوّ، فأعطاه النبي(صلى الله عليه وآله) ديّته، ثمّ عدا على قاتل أخيه فقتله، ورجع إلى قريش مرتدّاً، قتله نميلة بن عبد الله وهو رجل من قومه. وعكرمة بن أبي جهل، هرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أُمّ حكيم بنت عمّه الحارث بن هشام، فاستأمنت له رسول الله(صلى الله عليه وآله) فآمنه، فخرجت في طلبه حتّى أتت به رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأسلم. ووحشي قاتل حمزة(رضي الله عنه)، استؤمن له فآمنه، وقال: «لا تريني وجهك»، فمات بحمص، وكان لا يزال سكران. وكعب بن زهير بن أبي سلمى، كان يهجو رسول الله(صلى الله عليه وآله)، هرب فاستؤمن له فآمنه. وهبار بن الأسود، الذي روّع زينب بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله). والحارث بن هشام أخو أبي جهل لأبويه، وزهير بن أُميّة، وصفوان بن أُميّة، وهؤلاء أسلموا فعفا عنهم. ومن النساء: هند بنت عُتبة أسلمت وبايعت، وقينتان لعبد الله بن خطل ـ فرتنا وقريبة ـ كانتا تغنّيان بهجاء رسول الله(صلى الله عليه وآله)، الذي يصنعه لهما، فقُتلت قريبة وهربت فرتنا، فاستؤمن لها رسول الله(صلى الله عليه وآله) فآمنها، فعاشت إلى خلافة عثمان. وسارة مولاة عمرو بن هاشم بن عبد المطّلب قُتلت يومئذٍ، وقيل استؤمن لها رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأوطأها رجل فرسه في خلافة عمر بالأبطح فقتلها(10). أهمية مكة تعتبر مكة عند المسلمين بيت الله، وهي حرام منذ خلق الله السماوات والأرض، لكن الله أحلها إلى رسوله يوم الفتح: "وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحدٍ بعدي، فلا ينفّر صيدُها، ولا يختلي شوكها، ولا تَحِلُّ ساقطتها إلا لمنشد، ومن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى وإما أن يقتل ".[4] قال رسول الله عن مكة : " والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منك لما خَرجتُ.[4] كما أن الصلاة في المسجد الحرام يضاعف أجرها أضعافاً كثيرة حسب الإسلام، " صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة ".[4] الاستعداد بعدها قام الرسول بتجهيز الجيش للخروج إلى مكة فحضرت جموع كبيرة من قبائل جهينة وقبيلة دوس وبني غفار ومزينة واسد وقيس وبني سليم والأنصار والمهاجرين. وقد دعى الرسول الله قائلا: اللّهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها [5] وقام ابي حاطب بن أبي بلتعة بكتابة كتاب بعث به إلى قريشٍ مع امرأة، يخبرهم بما عزم عليه رسول الله، وأمرها أن تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها أحدٌ. فإذا الوحي ينزل على رسول الله عليه وسلم بما صنع حاطب، فبعث الرسول علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة. وتم القبض عليها قبل أن تبلغ مكة، وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها. فلما عاتب النبي حاطباً اعتذر أنه لم يفعل ذلك ارتداداً عن دينه، ولكنه خاف إن فشل رسول الله على أهله والذين يعيشون في مكة. فقال عمر : " يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق ". فقال رسول الله : " إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله في غزوة بدر. فعفا عنه. مغادرة الجيش المدينة وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة، في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله بعد أن استخلف على المدينة أبا رهم الغفاري. وصلوا " مر الظهران " قريباً من مكة، فنصبوا خيامهم، وأشعلوا عشرة آلاف شعلة نار. فأضاء الوادي. ولما كان بالجحفة لقيه عمه العباس بن عبدالمطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً مهاجراً. وركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، يبحث عن أحد يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله قبل أن يدخل مكة. الفتح دخل رسول الله مكة من أعلاها وهو يقرأ من القرآن : ((إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً)). رجع أبو سفيانٍ مسرعاً إلى مكة، ونادى بأعلى صوته : " يا معشر قريش، هذا محمدٌ قد جاءكم فيما لا قبل لكم به. فمن دخل داري فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن ". فهرع الناس إلى دورهم وإلى المسجد. وأغلقوا الأبواب عليهم وهم ينظرون من شقوقها وثقوبها إلى جيش المسلمين، وقد دخل متواضع وقد تكاد لحيته تمس الدابة التي كان يركبها. ودخل جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة الموافق 20 من رمضان من السنة الثامنة للهجرة. دخل الجيش الإسلامي كل حسب موضعه ومهامه، وانهزم من أراد المقاومة من قريش، ثم دخل رسول الله المسجد الحرام والصحابة معه، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه. خاف الأنصار بعد الفتح من إقامة الرسول بمكة، فقال لهم : (معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم).[6] هدم الأصنام وطمس الصور بعد الطواف بالكعبة أمر بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها وكان عددها ثلاثمائة وستون صنماً مثبتة بالرصاص، فجعل يطعنها ويقول : { جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً } الإسراء : 81 [7] ثم دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت.روى الأزرقي أنه "جعلت في دعائمها صور الانبياء وصور الشجر وصور الملائكة.فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن شيخ يستقسم بالازلام، فأمر بطمس تلك الصور فطمست...، وصلى بها.ثم خرج وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع، فقال : (يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم ؟) قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم، قال : (فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه : {لا تثريب عليكم اليوم } اذهبوا فأنتم الطلقاء).وأعاد المفتاح ل عثمان بن طلحة، ثم أمر بلالاً أن يصعد الكعبة فيؤذن. الخطبة حرام الله إلى يوم القيامة ،لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحلل لي قط إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) رواه البخاري. العفو والبيعة بايع الناس رسول الله، فقد جلس عند قَرْنِ مَسْقَلة فجاءه الناس الصغار والكبار، والرجال والنساء، فبايعوه على الإيمان، وشهادة أن لا إله إلا الله. وفما فرغ النبي من بيعة الرجال، أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا، وعمر بن الخطاب قاعد أسفل منه، فبايعهن عنه، وبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئاً، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصينه في معروف. وفي المدارك : روى أن النبي(صلى الله عليه وسلم) لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة، خوفاً من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أن يعرفها، لما صنعت بحمزة، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) (أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئاً )، فبايع عمر النساء على ألا يشركن بالله شيئا فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : (ولا تسرقن ) فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات ؟ فقال أبو سفيان : وما أصبت فهو لك حلال، فضحك رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وعرفها، فقال : ( وإنك لهند ؟ ) قالت : نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك ، فقال : (ولا يزنين ) . فقالت : أو تزني الحرة ؟ فقال : (ولا يقتلن أولادهن ). فقالت : ربيناهم صغاراً، وقتلناهم كباراً، فأنتم وهم أعلم ـ وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدرـ فضحك عمر حتى استلقى فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال : ( ولا يأتين ببهتان ) فقالت : والله إن البهتان لأمر قبيح وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق، فقال : ( ولا يعصينك في معروف ) فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك، ولما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول : كنا منك في غرور. النفر الذين أمر بقتلهم يوم الفتح أمن النبي يوم فتح مكة كل من دخل المسجد أو أغلق عليه بابه، إلا أربعة أمر بقتلهم ولو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة،[8] لكن غفر لكثير منهم في ما بعد: عكرمة بن أبي جهل الذي أمنه الرسول بعد إسلام زوجته ام حكيم وتشفعها له. وصار له دور كبير في قتال المرتدين، وله موقف مشهور في معركة اليرموك قبل أن يستشهد. عبد الله بن خطل، أدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد ابن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيدٌ عماراً وكان أشب الرجلين فقتله. مقيس بن صبابة، أدركه الناس في السوق فقتلوه. عبد الله بن سعد بن أبي السرح. وقد لجأ إلى عثمان بن عفان، أخيه بالرضاعة، الذي تشفع له لدى النبي وعفا عنه النبي، ويقال أن النبي عفا عنه ممتعضاً، وصار عبد الله بن سعد بن أبي السرح بعدها والياً على الصعيد السوداني من قبل عمر بن الخطاب، وبعدها ولاه عثمان على مصر، وهو صاحب معركة ذات الصواري المشهورة ضد الروم. الحارث بن نفيل بن وهب مقيس بن صبابة هبار بن الأسود قينتان لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب . خيانة قريش لصلح الحديبية تحالفت قريش مع قبيلة بني بكر، وقتلوا عددًا من رجال قبيلة خزاعة، وبذلك خانت قريش العهد الذي بينها وبين رسول الله ، ومن ثَمَّ أخذ الرسول القرار بفتح مكة، والاستعداد لعملية كبرى من العمليات العسكرية، أو أكبر عملية عسكرية في تاريخ المسلمين حتى هذه اللحظة. وفي الواقع أن قريشًا بعد أن قامت بهذه الجريمة، وساعدت بني بكر على قتل رجال خزاعة داخل الحرم، جلست قريش مع نفسها تتشاور في هذه القضية الخطيرة لنقضهم الصلح مع المسلمين. قريش تدرك الخطأ الذي وقعت فيه عُقد مجلس استشاري كبير، جلس فيه أبو سفيان مع قادة مكة؛ مع عكرمة بن أبي جهل، ومع صفوان بن أمية، ومع سهيل بن عمرو، ومع غيرهم من رجال مكة وزعمائها، وبدءوا يفكرون فيما سيفعلونه نتيجة نقض المعاهدة، لوجود انطباع عند قريش وخاصةً عند أبي سفيان أن المسلمين وصلوا إلى مرحلة كبيرة من القوة، وكان من الواضح في صلح الحديبية نفسه أن الغلبة للمسلمين، والقوة والبأس لصالح المسلمين، والتفريط والتنازل في صالح قريش، التي ما كنت تسلِّم بذلك الأمر لولا أنها رأت قوة المسلمين في بيعة الرضوان أو في صلح الحديبية. ثم إن أبا سفيان قد سافر إلى غزة للتجارة، وهناك التقى مع هرقل في اللقاء العجيب، وخرج أبو سفيان من هذه المحاورة بانطباع هائل عن رسول الله ، لدرجة أنه خرج يضرب يدًا بيد ويقول: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة[1]، إنه يخافه ملكُ بني الأصفر (هرقل)[2]. ثم إن أبا سفيان ومن معه من قريش شاهدوا الانتصارات الإسلامية هنا وهناك في خيبر، وكانت انتصارات كبيرة وضخمة، ولا يتخيلها أهل قريش. ثم أسلمت الدول والقبائل المحيطة بمكة المكرمة؛ فقد أسلمت اليمن، وأسلمت البحرين، وأسلمت عُمان، وغير ذلك من القبائل، وكل هذا ترك انطباعًا بالرهبة والهلع عند قريش من مقابلة المسلمين. أضف إلى ذلك أن قريشًا أصبحت تبحث عن الفوائد المحققة من مساعدتها لبني بكر وخيانتهم لصلح الحديبية، وقتل مجموعة من رجال خزاعة، فلم تجد قريش أي نوع من الفائدة تحققت، فكانت هذه المساعدة تهورًا ملحوظًا، وكان هناك آثار ضخمة سوف تتلو هذا الحدث دون فائدة لقريش تذكر، إضافةً إلى خلفية عمرة القضاء؛ فإنه منذ أقل من سنة واحدة قَبِل أهل مكة بمنتهى الضعف أن يدخل إليهم الرجل الذي طردوه وعذبوه وأساءوا إلى سمعته وحاربوه بكل طاقاتهم، وقَبِلوا أن يدخل مكة ومعه ألفان من أتباعه لأداء العمرة، بينما هم يخلون له مكة تمامًا، فهذا -لا شك- قد ترك انطباعًا نفسيًّا قاسيًا عند أهل قريش. ولا ننسى أيضًا مظاهر القوة التي حرص أن يظهرها في هذه العمرة، ولا ننسى انبهار قريش بقوة المسلمين، وتعليقات قريش عندما رأوا جيش المسلمين وقوة المسلمين في عمرة القضاء؛ فهذه الأشياء كانت تمهيدًا نفسيًّا إيجابيًّا للمسلمين، وكانت تمهيدًا نفسيًّا سلبيًّا للمشركين، وهذا كله من تدبير الله . وقد أدركت قريش في اجتماعهم أن احتمال الحرب وارد، واحتمال غزو مكة أمر محتمل، وبناءً على هذا الاجتماع أخذت قريش قرارًا صعبًا، بل من أصعب القرارات في تاريخ قريش، وهو الذهاب إلى المدينة المنورة لاستسماح الرسول أن يتغاضى عن هذا الخطأ، وأن يطيل الهدنة. أبو سفيان يذهب لطلب العفو من النبي اختارت قريش أبا سفيان وهو سيد مكة وزعيمها، وهو ليس مجرد سفير ترسله مكة، ولكنه زعيم مكة بكاملها، وزعيم بني أمية، وله تاريخ طويل وحروب متتالية مع المسلمين. وهنا يتنازل أبو سفيان عن كبريائه، وعن كرامته، ويذهب إلى المدينة المنورة، ويطلب من الرسول أن يطيل الهدنة مع قريش، وهذا شيء كبير! ولعلها المرة الأولى في تاريخ قريش التي تقدِّم فيها تنازلاً بهذه الصورة، ولكن أبا سفيان ذهب بالفعل إلى المدينة المنورة، وحاول قدر المستطاع أن يمنع الرسول من الانتقام لخزاعة، والثأر لكرامة الأمة الإسلامية، وأن يطيل المدة بأيِّ ثمن. وهنا نأخذ قاعدة مهمة في حياتنا الآن وإلى يوم القيامة، وهي أنه إذا كان عدوك حريصًا على السلام، وحريصًا على تجنُّب الصدام بكل ما أوتي من قوة، ويدفعك إليه دفعًا، فاعلم أنه ضعيف، أو على الأقل يخشى قوتك، فلا تضعف ولا تجبن. وهنا يحاول أبو سفيان قدر المستطاع أن يتجنب الصدام مع المسلمين. مثل رائع في حب الرسول ! وصل أبو سفيان إلى المدينة المنورة وذهب إلى ابنته أم المؤمنين أم حبيبة رضوان الله عليها، وهي بنت أبي سفيان، وزوجة الرسول ، والتقى أبو سفيان بأم حبيبة رضي الله عنها، وكان هذا اللقاء بعد غياب ستة عشر عامًا متصلة؛ لأن أم حبيبة -رضي الله عنها- ظلت فترة طويلة من الزمن في الحبشة مهاجرة هناك مع زوجها عبيد الله بن جحش الذي تنصَّر هناك، ومات كافرًا، فتزوجها الرسول ، ثم أتت إلى المدينة المنورة، ولم تدخل مكة طوال هذه المدة الطويلة، وكانت العَلاقة بينها وبين أبيها منقطعة، فكان أبو سفيان يظن أن أم حبيبة سوف تستقبله استقبالاً حافلاً. وما إن اقترب أبو سفيان من الفراش ليتحادث مع ابنته، فإذا بها تطوي الفراش، وتمنعه من الجلوس عليه، فتعجب أبو سفيان وقال لها: يا بُنَيَّةُ، ما أدري أرغبتِ بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟! أي: لم تجلسيني على هذا الفراش لأنه مكرَّم عندك أكثر مني، أم لأنك تريني رجلاً عظيمًا لا أقعد على هذا الفراش المتواضع فراش الرسول . فقالت السيدة أم حبيبة في صلابة وفي قوة: "هو فراش رسول الله ، وأنت مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراشه". فقال أبو سفيان: يا بنية، والله لقد أصابك بعدي شرٌّ[3]. ثم خرج من عندها. ونحن نحتاج أن نقف هنا وقفة مع موقف السيدة أم حبيبة رضي الله عنها، والمحلل لهذا الموقف قد يقول: إن هذا الموقف فيه نوعٌ من الغلظة غير المقبولة من السيدة أم حبيبة مع أبيها أبي سفيان. وهذه المعاملة قد تكون غلظة إلا في هذا الظرف؛ لأن أبا سفيان هو زعيم مكة المكرمة، والجميع في المدينة يعلم أن هناك نقضًا للمعاهدة التي تمت بين المسلمين وقريش، وأنه قد جاء إلى المدينة المنورة لكي يطيل المدة، وخاصةً أن الرسول أنبأهم بقدوم أبي سفيان قبل أن يأتي في معجزة نبوية ظاهرة، قال : "كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ يَشُدُّ فِي الْعَقْدِ، وَيَزِيدُ فِي الْمُدَّةِ"[4]. فالناس يعرفون الغرض الذي أتى بأبي سفيان إلى المدينة المنورة؛ لذلك أرادت أم حبيبة -رضي الله عنها- أن تقف هذه الوقفة الصلبة الجريئة القوية مع أبيها؛ ليعلم أبو سفيان أن المسلمين جميعًا صفٌّ واحدٌ، وأنهم جميعًا على قلب رجل واحد، حتى ابنته أم حبيبة رضي الله عنها وقفت مع الرسول ضد أبيها أبي سفيان. وقد ترك هذا الأمر انطباعًا سلبيًّا كبيرًا عند أبي سفيان، وعرف أنه يقف أمام مجموعة من الصعب أن يحاربهم، وهذا ليس هو السلوك الإسلامي العام مع الرَّحِم المشرك، أو الرحم غير المسلم؛ لأن الله أمر بمصاحبة الآباء والأمهات المشركين بالمعروف، قال الله : {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]. ويؤكد هذا المعنى ما روته السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، عندما قالت - والحديث في البخاري -: قَدِمتْ عليَّ أمي، وهي مشركة في فترة صلح الحديبية، فاستفتت السيدة أسماء رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: "نَعَمْ صِلِيهَا"[5]. فهذا هو الأصل في المعاملة، ولكن موقف أبي سفيان حالة خاصة، وموقف مختلف، وكان موقف السيدة أم حبيبة صحيحًا؛ بدليل سكوت الرسول عن هذا التصرف من السيدة أم حبيبة رضي الله عنها، وخرج أبو سفيان من عند السيدة أم حبيبة بهذه الصدمة الكبيرة. واتجه أبو سفيان بعد ذلك إلى الرسول ؛ ليحاول أن يطيل المدة، وتحدث مع الرسول عن رغبته في إطالة مدة الصلح، ولكن الرسول رفض تمامًا أن يردَّ عليه، ولم يكن هذا هو التصرف المعتاد من رسول الله ؛ لأننا نعلم أن رسول الله كان دائمًا يحسن استقبال الضيوف، ويكرم الضيوف، وخاصةً أن هذا الرجل زعيم من زعماء قريش، وكان الرسول يستمع منه ويتحاور معه قبل ذلك، ولكن هذا لم يحدث في هذا الموقف؛ ليُشعِر أبا سفيان بمدى الجرم الذي أقبلت عليه قريش؛ ولأن الرسول يريد أن يفتح مكة وأن يستغل هذه الفرصة السانحة، ولا يريد لكلمات أبي سفيان أن تؤثر فيه بأيِّ صورة من الصور. ومع ذلك هو لم ينفعل على أبي سفيان، ولم يقل له فعلتم كذا وكذا، ولم يذكر كلامًا شديدًا لأبي سفيان؛ وذلك لكي لا يلفت نظر أبي سفيان إلى أن المسلمين يفكرون في فتح مكة، وأن الهجوم على مكة أصبح وشيكًا، فآثر أن يسكت، ولم يرد على أبي سفيان بكلمة واحدة. وكانت هذه إهانة كبيرة لكرامة أبي سفيان، وذلك بأن يأتي إلى رسول الله ثم لا يقبل الرسول أن يرد عليه. أبو سفيان يذهب إلى أبي بكر وعمر وعلي خرج أبو سفيان بهذه الهزيمة النفسية الكبيرة إلى أبي بكر الوزير الأول لرسول الله ، وكنا نتوقع من أبي سفيان أن يرجع أدراجه إلى مكة المكرمة. وأبو سفيان لم يغضب غضبًا شديدًا، ولم يحدث ثورة كبيرة، ولم ينقلب بجيشه على المدينة المنورة، وهذا لم يحدث؛ لأنه في موقف الضعيف، ويعلم أنه أمام هذه الصلابة الإسلامية الواضحة؛ ومن ثَمَّ ذهب أبو سفيان إلى أبي بكر، وطلب منه أن يتوسط له عند الرسول ، وأن يجدد المسلمون العهد مع قريش، ولكن الصِّدِّيق t قال له في صرامة واضحة: ما أنا بفاعل، فلن أتوسط بينك وبين الرسول . فخرج أبو سفيان من عند أبي بكر بالصدمة الثالثة، ومع ذلك لم ييئس أبو سفيان واتجه إلى الوزير الثاني في الدولة الإسلامية، إلى عمر بن الخطاب t، وليته ما فعل، فعندما ذهب وطلب منه أن يتوسط له عند الرسول ، ليجدد العهد بين قريش وبين المسلمين، قال عمر بن الخطاب بمنتهى القوة: أنا أشفع لكم عند رسول الله ! فوالله لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به. أي لو معي جيش من النمل لأقاتلنكم به. ولننظر إلى قوة وصلابة عمر بن الخطاب t. وخرج أبو سفيان من عند عمر بن الخطاب، واتجه إلى علي بن أبي طالب t، وعلي t متزوج من السيدة فاطمة بنت الرسول ، فدخل عندهما، وكان عندهما الحسن t يلعب بينهما، فقال: يا علي، إنك أَمَسُّ القوم بي رَحِمًا، وأقربهم مني قرابة، وقد جئتُ في حاجة، فلا أرجعَنَّ كما جئت خائبًا -ولننظر إلى الذل الذي وصلت إليه قريش- فاشفعْ لي إلى رسول الله . فقال علي بن أبي طالب: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله على أمرٍ ما نستطيع أن نكلمه فيه. أي أن الرسول وصل إلى درجة من الغضب عندما سمع بخيانة بني بكر وقريش وقتل رجال من خزاعة، ولا نعلم ما سيفعل ، فلا أستطيع أن أكلمه أبدًا. فقال أبو سفيان للسيدة فاطمة رضي الله عنها: يا بنت محمد، هل لك أن تأمري بُنَيّك هذا -ولننظر إلى أيِّ درجة من المهانة والذل حينما يطلب أبو سفيان من السيدة فاطمة أن تأمر ابنها الحسن، وكان وقتها طفلاً صغيرًا يلعب بينها وبين علي بن أبي طالب- فَيُجِيرَ بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ أي يخرج الغلام الطفل الصغير الحسن بن علي -رضي الله عنهما- ليجير أبا سفيان وقريشًا. فقالت السيدة فاطمة لتعطيه الضربة السادسة: والله ما بلغ بُنَيّ ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحدٌ على النبي . فقال أبو سفيان: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدت عليَّ فانصحني. فقال له علي: والله لا أعلم شيئًا يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فَأَجِرْ بين الناس، ثم الْحَقْ بأرضك. أي قم وسط الناس واطلب الإجارة، ولعل أحد الناس يتشفع لك عند رسول الله . فقال أبو سفيان: أوَترى ذلك مُغْنِيًا عني شيئًا؟ قال علي بن أبي طالب في وضوح: لا والله ما أظن، ولكن لا أجد لك غير ذلك[6]. ومع هذا الإحباط الذي أصاب أبا سفيان إلا أنه قام في المسجد، وقال: يا أيها الناس، إني قد أَجَرْتُ بين الناس. فلم يقم أحد من المسلمين، إنها سبع ضربات متتالية لأبي سفيان زعيم قريش. أبو سفيان يفشل في مهمته ركب أبو سفيان بعيره راجعًا إلى مكة، فمر على سلمان وصهيب وبلال y، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. وبدأ يتكلم سلمان وصهيب وبلال، وكانوا جميعًا من الذين يباعون ويشترون في مكة قبل الهجرة، وكان أبو بكر الصديق t يمر بجوارهم، فقال: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟! أي أن أبا بكر نفسه تأثر بأزمة أبي سفيان، وذهب إلى الرسول يشكو له ما قال سلمان وصهيب وبلال، فما كان رد فعل الرسول ؟ قال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ". ولم يقف الرسول مع أبي بكر الصديق في رأفته ورحمته بأبي سفيان، وإنما وقف مع سلمان وصهيب وبلال يقدِّر موقفهم، فقال: "يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ". فأتاهم أبو بكر، وقال لهم: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفرُ الله لك يا أُخَيَّ[7]. إن الموقف الآن ليس موقف دعوة، ولكنه موقف تجهيز للحرب، وإن الأموال والديار والحقوق المسلوبة آن لها أن ترجع، وإن كنا قد قَبِلنا في الحديبية أن نقرَّ الهدنة دون عودة كامل الحقوق، فإن ذلك كان لظروف المرحلة السابقة، وتقديرنا لقواتنا وقوة عدونا في ذلك الوقت، أما الآن فالظروف قد تغيرت، ولن نقبل بما قبلنا به قبل ذلك أيام الحديبية؛ لذلك كان رد الفعل القوي من الرسول والصحابة y، ورجع أبو سفيان إلى مكة، وفشلت المهمة التي قام بها فشلاً ذريعًا، وعاد إلى مكة، فقال له زعماء قريش: ما وراءك؟ فقال أبو سفيان: جئت محمدًا فكلمته، فوالله ما ردَّ عليَّ شيئًا، ثم جئت ابن أبي قحافة، فوالله ما وجدتُ فيه خيرًا، ثم جئت عمر فوجدته أدنى العدو[8]، ثم جئت عليًّا فوجدته ألين القوم، وقد أشار عليَّ بأمر صنعته، فوالله ما أدري هل يغني عني شيئًا أم لا؟ فقالوا: فبماذا أمرك؟ فقال: أمرني أن أُجِيرَ بين الناس، ففعلت. قالوا: فهل أجاز ذلك محمدٌ؟ قال: لا. قالوا: ويحك! ما زادك الرجل على أن لعب بك. فقال أبو سفيان: لا والله ما وجدتُ غير ذلك[9]. وهكذا وُضعت قريش في مأزق خطير، وعلمت قريش أن هناك احتمالاً كبيرًا لغزو مكة، وبدأت قريش تترقب قدوم المسلمين، وهي لا تعرف ماذا تصنع؛ فلم يبقَ من أعوانها إلا بني بكر، ولم يعُدْ أمامها إلا الانتظار.
بحث عن فتح مكة - بحث علمى عن فتح مكة كامل بالتنسيق