بحث عن تعريف العلمانية ومفهومها - بحث مفصل عن تعريف العلمانية ومفهومها
المبحث الأول
تعريف العلمانية في اللغة والاصطلاح
العلمانية لغة : لم توجد لفظ العلمانية في معاجم اللغة العربية القديمة، وقد وردت في بعض المعاجم الحديثة ومن ذلك:
أ– ما ورد في معجم المعلم البستاني: "العلماني: العامي الذي ليس بإكليريكي" .
ب- وفي المعجم العربي الحديث: "علماني: ما ليس كنسياً ولا دينياً" .
ج- وفي المعجم الوسيط "العلماني نسبة إلى العَلم بمعنى العالم، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي" .
ولعل المعنى الصحيح لترجمةكلمة "العلمانية"هى "اللادينية" أو "الدنيوية" وليس المعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى ما لا صلة له بالدين، يتضح ذلك مما تورده دوائر المعارف الأجنبية للكلمة:
تقول دائرة المعارف البريطانية: "هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا وحدها" .
وتقول دائرة المعارف الأمريكية: "الدنيوية هى: نظام أخلاقي أسس على مبادئ الأخلاق الطبيعية ومستقل عن الديانات السماوية أو القوى الخارقة للطبيعة.." .
والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو فصل الدين عن الدولة.
وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة .
والعلمانية في الاصطلاح:
هي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، وتعنى في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهى اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم والمذهب العلمي .
ولاشك أن كلمة العلمانية اصطلاح جاهلي غربي يشير إلى انتصار العلم على الكنيسة النصرانية التي حاربت التطور باسم الدين .
التضليل والخداع في تسميتها
وقد أدرك أعداء الإسلام أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بما قرراه من تشريع هما مصدر قوة المسلمين، وأنه لا أمل في القضاء على الإسلام والمسلمين مادام المسلمون يطبقون إسلامهم تطبيقاً عملياً في كل حياتهم.
ومن هنا وضعوا أسلوبا جديداً لمقاومة الإسلام وهو: محاولة إبعاده عن مجال الحياة وإحلال القوانين الوضعية الغربية مكانه، ليصلوا بذلك إلى ما يريدون من هدم العقيدة الإسلامية، وإخراج المسلمين من التوحيد إلى الشرك.
وهذا ما قصده أعداء الإسـلام حين نادوا في المجتمعات الإسلامية بفكرة إبعاد الإسلام عن مجال التطبيق، والاستعاضة عنه بنظام الغرب وقوانينه. وهو ما عرف في التاريخ "بالفصل بين الدين والدولة" .
وإمعاناً في التضليل والخداع سماها الفكر الغربي "بالعلمانية" وهو اصطلاح يوحي بأن لها صلة بالعلم حتى ينخدع الآخرون بصواب الفكرة واستقامتها، فمن الذي يقف في وجه دعوة تقول للناس إن العلم أساسها وعمادها.
ومن هنا انطلى الأمرُ على بعض السذج وأدعياء العلم، فقبلوا المذهب منبهرين بشعاره دون أن ينتبهوا إلى حقيقته وأبعاده.
والحق أن الإسلام لا يصدُّ عن العلم والانتفاع به، ولكن أي علم هذا الذي يدعيه دعاة العلمانية، ويزعمون أنه سندها وأساسها؟. إنه العلم الذي يكون بعيداً عن الدين أو الفصل الكامل بين الدين والحياة.
والعلمانية بهذا المفهوم تعتبر في ميزان الإسلام مفهوماً جاهلياً؛ إذ تعني عزل الدين عن شئون الحياة، وذلك أن الإسلام دين متكامل جاء لينظم الحياة بأوجه نشاطها ويوجه الناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وإبعاد الدين عن الحياة وعن شئون الدنيا، وعزله عن العقيدة والشريعة والاقتصاد والسياسة والتعليم والأسرة والمجتمع وغيرها، إنما يعـني في الإسلام الكفر وحكم الجاهلية والصد عن سبيل الله، وتعطيل حدوده..
.............................. .............................. .....................
=
انظر: الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة ص 103.
انظر: احذروا الأساليب الحديثة د/ سعد الدين السيد صالح ص 193، وأخطار الغزو الفكري على العالم الإسلامي ص 208.
مراحل العلمانية أو (صورها)
ذهب البعض إلى أن الفكر العلماني الأوروبي مرَّ بمرحلتين:
المرحلـة أو (الصورة) الأولى:مرحلة العلمانية المعتدلة، وهي مرحلة القرنين السابع عشر والثامن عشر - وهى وإن اعتبر الدين فيها أمراً شخصياً - لا شأن للدولة به إلا أن على الدولة - مع ذلك - أن تحمي الكنيسة، وبالأخص في جباية ضرائبها. والتفكير العلماني في هذه المرحلة وإن طالب بتأكيد الفصل بين الدولة والكنيسة إلا أنه لم يسلب المسيحية كدين من كل قيمة لها. وإن كان ينكر فيها بعض تعاليمها، ويطالب بإخضاع تعاليم المسيحية إلى العقل، وإلى مبادئ الطبيعة مما نشأ عنه المذهب المعروف باسم مذهب الربوبيين، وهو مذهب يعترف بوجود الله كأصل للعالم، ولكنه ينكر الإعجاز والوحي وتدخل الله في العالم.
ومن دعاة هذه المرحلة: فولتير (1694-1713م) في فرنسا، وشفتسيري (1671-1713م) في إنجلترا، وليسنج (1729-1781م) في ألمانيا، والفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632-1714م)، وهوبز (1588-1679م)، وديكارت، وبيكون، وسبينوزا، وجان جاك روسو، وأضرابهم .
المرحلة أو (الصورة) الثانية:وهي مرحلة العهد المادي أو ما يسمى بالثورة العلمانية، وهى مرحلة القرن التاسع عشر ومابعده، وعلمانية هذه المرحلة هى مرحلة إلغاء الدين - أي دين إلغاءً كلياً وعدم الإيمان بالأمور الغيبية - وليس فصلاً بينه وبينه الدولة كما هو المفهوم في المرحلة الأولى، واعتبار أن الموجود الحقيقي هو المحسوس فقط، والدافع عليها هو الاستئثار بالسلطة، ولذلك كانت العلمانية غير مساوية لمفهوم الفصل بين الكنيسة والدولة، بل كانت إلغاء للدين كمقدمة ضرورية إلى السلطة المنفردة التي هى سلطة جماعة العمل أو المجتمع أو الدولة أو الحزب حسب تحديد بعض هؤلاء الشيوعيين اليساريين.
ومن دعاة هذه المرحلة: هيجيل وفيرباخ وكارل ماركس وأضرابهم.
لعلمانية ص36، النصرانية لأبي زهرة ص84 وما بعدها، المسيحية لأحمد شلبي ص 110.
انظر: كواشف زيوف لعبد الرحمن الميداني ص 23.
انظر: العلمانية ص128، والهرطقة - كما فهمتها الكنيسة إذ ذاك - هي: مخالفة رأي الكنيسة، فرأي يراه عالم في العلوم الكونية هرطقة، ومحاولة فهم الكتاب المقدس لرجل غير كنسي هرطقة، وانتقاد شيىء يتصل بالكنيسة هرطقة.انظر: المسيحية، لأحمد شلبي ص 256.
انظر: العلمانية ص 128.