الحضانة - بحث علمى عن الحضانة كامل بالتنسيق , دور الحضانه
الحضانة فى اللغة العربية هى: ضم الشىء إلى الحضن وهو الجنب أو الصدر والعضدان وما بينهما.. يقال: حضن الطائر أفراخه واحتضنها: إذا ضمها إلى جناحه.. وحضنت الأم طفلها: ضمته فى جنبها أو صدرها.. ومن معانيه النصرة والإيواء.. يقال: حضنه واحتضنه أى أواه ونصره.. والحضانة فى اصطلاح الفقهاء هى التزام الطفل لتربيته والقيام بحفظه وتدبير شئونه (60).
ولقد عنيت الشريعة الإسلامية بالأسرة ورسمت لها الطريق السوى، كى يدوم الصفاء وتستمر الألفة والمحبة وتسود الرحمة والمودة، حتى يعيش الأولاد فى أحضان الأبوين عيشة كريمة، بعيدة عن النكد والشحناء.. فأمرت برعاية الولد والمحافظة على حياته وصحته وتربيته وتثقيفه بين الأبوين.. وهذا ما يعرف بالحضانة، ولكن عندما تنفصم عرى الزوجية وينفصل الزوجان.. لا تترك الشريعة الأولاد للضياع والتشرد.. وإنما تعمل على تربيتهم وحمايتهم والمحافظة عليهم، حتى يصلوا إلى مرحلة تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم وإدراك مصالحهم.
والأوامر والتوجيهات الواردة بهذا الشأن، تكشف عن عناية الإسلام بهذه المرحلة القلقة، واهتمامه برفع العوائق، وإزالة العقبات من طريق الطفل، ليتربى وينشأ نشأة سليمة.
ومرحلة الحضانة هذه قد حافظ فيها الإسلام على مصلحة الولد أولا، وعطف فيها على الأم ثانيا، رعاية لحنانها، وتقديرا لعاطفتها الفياضة التى ترى فى الولد أنه جزء منها حقا.. فجعل للأم ثم لقرابتها الأقرب فالأقرب، حضانة الطفل حتى يبلغ سبع سنين، وبعدها يدخل مرحلة أخرى يصدر فيها حكما، يجعله لأبيه أو لأمه أو يخير بينهما، وذلك عدل ورحمة ووضع للأمور فى مواضعها (61).
أهمية الحضانة ومكانتها ومجال تطبيقها:
للحضانة شأن آخر خلاف الإرضاع، لها أحكام تخالف أحكام الإرضاع، ولكن لا يرد تطبيق أحكام الحضانة غالبا، إلا فى حالة الفرقة بين الزوجين ووجود أولاد دون السن التى يستغنى فيها الصغير عن النساء، وذلك أن الولد يحتاج إلى نوع من الرعاية والحماية والتربية والقيام بما يصلحه وهذا ما يعرف بالولاية. ويثبت على الطفل منذ ولادته ثلاث ولايات.
الولاية الأولى: ولاية التربية والحفظ والرعاية.
الولاية الثانية: وهى الولاية على النفس.
الولاية الثالثة: الولاية على ماله إن كان له مال.
الحضانة وأقسام الولاية:
الحضانة ولاية على الصغير قصد الشارع بها مصلحة الصغير والنظر له، ولكن هل هى حق للصغير، أو حق للحاضن، أو حق لكليهما؟
للإجابة على هذا التساؤل، نقول: إن الفقهاء ذكروا أنواع الولايات الشرعية على الصغير، فقالوا: إن الإنسان منذ مولده تثبت عليه ثلاث ولايات:
الأولى: ولاية التربية والحفظ.. وهى القيام على شئونه منذ نزل من بطن أمه، وهى المسماة بالحضانة. ولا شك أن الأم هنا أحق بقيامها على تربيته، فإنها قد ضمته بين جوانحها وهو جنين، وغذته بدمها من جسمها، ولما نزل من بطنها وعاش فى حجرها، غذته بلبنها وهو فى المهد صبى، وأفاضت عليه من حنانها وحبها، وعملت على حفظه وتربيته.
وفى هذا الدور كان للرجال والنساء أهمية فى تربية الولد، ولكن الأم مقدمة على الأب فى هذا المجال، لكمال شفقتها وما يلقاه الطفل منها من حب وعناية، لما تحمله من أنواع الرقة والعطف. قال النبى عليه الصلاة والسلام: "أنت أحق به ما لم تنكحى " رواه أحمد وأبو داود (62).
الولاية الثانية: الولاية على النفس- وهى التصرف فى شئون الغير جبرا عليه، وذلك بنفاذ الأقوال والتصرفات فى كل أمر يتعلق بنفس الصغير المولى عليه. وبين الولاية الأولى وهى الحضانة، وبين هذه الولاية مشاركة زمنية تنتهى بانتهاء مدة الحضانة.
على أن هذه الولاية قد تكون من القوة بحيث تخول بالمولى إجبار المولى عليه على الزواج أو الاعتراض على سلوكه فيه واختياره له، والحيلولة بينه وبين التصرفات الضارة.
الولاية الثالثة: الولاية على المال- وهى تختص بإدارة أمواله ودفع الزكاة عنه- عند من يرى وجوب الزكاة على الصغير- وصيانته وتنميته إلى أن يبلغ الصغير الرشد عملا بقوله تعالى: ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) (63).
ثم ورد النهى عن رفع المال إلى من ليس أهلا لحفظه وصيانته، بل ينتهز الفرصة فى إتلاف المال وإضاعته، وهذا الصنف قد عبر عنه القرآن بقوله:
( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) (64).
فقد قسم الله الناس فى هذا المجال ( المولى عليهم) إلى من علم عنه حسن التصرف فى ماله فيدفع الأولياء إليهم أموالهم بعد الاختبار ومعرفة الأهلية للحفظ والصيانة، وإلى صنف آخر لم يبلغ الرشد بعد، بل يتصرف فى المال تصرف السفهاء، ثم حث الأولياء على تنمية الأموال التى تحت أيديهم، لتكون الحاجات من المكسب ويبقى رأس المال سليما، بقوله تعالى: ) وارزقوهم فيها ( ولم يقل منها لئلا تنتهى الأموال بالإنفاق منها.
الولاية من حيث الولى:
نوعان:
- نوع يقدم فيه الأب على الأم ومن فى جهتها، وهى ولاية المال والنكاح.
- ونوع تقدم فيه الأم على الأب، وهى ولاية الحضانة والرضاع.
ويقدم كل من الأبوين فيما جعل له من ذلك لتمام مصلحته، والولد تتوقف مصلحته على من يلى ذلك من أبويه، ويحصل به صلاح أمره.
ولما كانت النساء أعرف بالتربية وأقدر عليها وأصبر وأرأف وأفرغ لها، وأكثر رقة وحنانا وشفقة، قدمت الأم فيها على الأب.
ولما كان الرجال أقوم بتحصيل مصلحة الولد، وأكثر دراية بمعرفة بواطن الأمور، وأبعد نظرا فى جلب المصالح ودفع المضار، والاحتياط له فى اختيار الأفضل، قدم الأب على الأم فى ولاية المال والنكاح.
فتقديم الأم فى الحضانة من محاسن الشريعة والاحتياط للأطفال والنظر لهم.
وتقديم الأب فى ولاية المال والتزويج مما يدل على عناية الشارع بالولد وحمايته، حتى يكتمل نضجه وإدراكه ويستقل بتدبير حياته.
شروط الحضانة:
لما كانت الحضانة من الأهمية بحيث يعتمد عليها الطفل فى مستقبله، ولها شأن فى تكوينه وبناء شخصيته، كان لابد من توفر شروط تؤهل الشخص للحضانة منها:
أولا: ألا تكون الأم متزوجة بأجنبى عن الصغير المحضون، مع أهليتها للتحمل، ونظافة سلوكها وتدينها، وذلك توفيرا للجو الصالح الذى يكفل للطفل نشأة مستقيمة. وغير الأم من النساء، يشترط أيضا ألا تكون متزوجة بأجنبى عن المحضون، لأن الطفل إذا فقد حنان الأبوين باجتماعهما، فلا أقل من أن يكون بعيدا عمن يبغضه، ويكون مظنة لإيذائه فالأجنبى لن يطعمه إلا نزرا ولا ينظر إليه إلا شزرا.
ثانيا: الأمانة: بأن تكون أمينة عليه، فتكون أمينة على نفسه وأدبه وخلقه، فإن كانت فاسقة مستهترة، لا تؤمن على أخلاق الطفل وأدبه، ولا على نفسه، فإنها لا تكون أهلا للحضانة.
ثالثا: العدالة: إذا كانت الحضانة لغير الأبوين، فإذا كان الحاضن معروفا بالانحراف وسوء السلوك بحيث يخشى على الطفل الانحراف إذا ترك عنده، فلا يكون له حق حضانته، أما إذا كان ما هو عليه شئ لا يترتب عليه ضياع الطفل، فإنه يبقى عنده إلى الحد الذى يخشى فيه أن يتأثر بفعله، وحينئذ ينزع منه.
رابعا: القدرة على التربية.. فإذا كان القريب مريضا أو هرما.. فلا حق له فى الحضانة.
خامسا: أن تكون الحاضنة حرة بالغة عاقلة، لأن الأمة لا تفرغ لخدمة الطفل، والصغيرة لا تستطيع القيام بشئون نفسها، فأولى ألا تستطيع القيام بشئون غيرها، والمجنونة كذلك بل أشد (65).
سادسا: ويشترط فى الحاضنة أن تكون ذات رحم محرم للطفل، كأمه وأخته وخالته وعمته، فلا حضانة للقريبة غير المحرم كبنات الأعمام والعمات وبنات الأخوال والخالات.
كما لا يثبت الحق فى الحضانة للمحارم غير الأقارب كالأم والأخت من الرضاعة، ومن باب أولى، إذا لم تكن قريبة أو محرما.
سابعا: يشترط فى الحاضنة ألا تكون مرتدة، لأن المرتدة تفسد المحضون ويخشى عليه منها، ولأن الواجب فى حقها أن تحبس وتستتاب.
وأما الشروط التى يلزم توافرها فى الرجل الذى له حق حضانة الطفل لعدم وجود أهل لحضانته من النساء فهى:
1- الحرية.
2- العقل.
3- البلوغ.
4- القدرة على تربية الطفل ورعايته.
5- الأمانة عليه، فلا حق فى حضانة الصغير والصغيرة للفاسق الماجن الذى لا يبالى بما يصنع وإن كان قريبا محرما لهما.
6- أن يكون عصبة للطفل، يقدم من يكون مقدما فى الميراث.
7- أن يكون ذا رحم محرما إذا كان الطفل أنثى، فليس لابن عمها حق حضانتها.
8- أن يتحد دينهما الاتحاد الذى يثبت به التوارث بينهما، فلا يكون للرجل حق حضانة الطفل ولا ضمه، إذا خالف دينه دين الطفل بالإسلام وغيره.. وجميع الديانات غير الإسلام تعتبر دينا واحدا هنا كما فى الميراث (66).
حكم الحضانة:
الحضانة حق للمحضون، وواجبة (67) على الحاضن، لأنها حق للطفل فتجبر الحاضنة عليها، وليس لها الحق فى التخلى عن هذا الواجب، وهذا الرأى هو الراجح، وقد حفظ عن الإمام أبى حنيفة أنه قال:" لو اختلعت المرأة على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع جائز والشرط باطل، إن هذا حق الولد، أن يكون عند أمه ما كان إليها محتاجا ".
والذى يبدو، أن العلماء متفقون على إجبار الأم على الحضانة إذا لم يوجد للطفل حاضنة أخرى من المحارم.
أما إذا وجد من المحارم غيرها، فلا ينبغى إجبارها، ولعل الحق فى هذه المسألة هو أن يقال: إن الحضانة حق الحاضنة وحق الطفل أيضا.
فالأم لها حق حضانته لا ينازعها فيها أحد متى كانت أهلا لذلك، والطفل له حق أن يكون محضونا عند محرم ترعاه وتشفق عليه، فحقه فى الحضانة غير عينى ، أى أنه لا يتعلق بحاضنة معينة متى كان هناك عدد من المحارم آهلا للحضانة، فإذا كان له أم وجدة وخالة وعمة وكن جميعا أهلا للحضانة، كان حقه الحتمى أن يكون محضونا عند واحدة من هؤلاء، ولا يتعين حقه عند الأم، فلا تجبر حينئذ على حضانته متى أمكن أن تحضنه واحدة من الأخريات. أما إذا امتنعن عن حضانته ولم يكن هناك إلا الأجنبيات أو القريبات غير المحارم، ففى هذه الحالة تجبر الأم على حضانته، ويتعين حقه حينئذ عند الأم حتى لا يضيع، وكذلك إذا كان محارمه غير أهل للحضانة، فإنهن يكن بمنزلة المعدومات، ويتعين حقه على الأم فتجبر عليه.
أدلة ثبوت الحضانة:
أولا: من الكتاب:
قال الله تعالى: ) والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما أتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير( (68).
وهذه الآية يأتى الاستدلال بها لثبوت الحق فى الرضاع، وبيان مدته، وما تستحقه المرضع من النفقة والكسوة، ويستدل بها أيضا على ثبوت الحق فى الحضانة.
ثانيا من السُّنة:
ثبت فى الصحيحين عن البراء بن عازب رضى الله عنه أن ابنة حمزة، اختصم فيها على وجعفر وزيد، فقال على: أنا أحق بها، وهى ابنة عمى، وقال جعفر: ابنة عمى وخالتها تحتى ، وقال زيد: ابنة أخى. فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال "الخالة بمنزلة الأم "(69)
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله.. إن ابنى هذا كان بطنى له وعاء، وثديى له سقاء، وحجرى له حواء، وأن أباه طلقنى، فأراد أن ينزعه منى؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنت أحق به ما لم تنكحى " (70).
ثالثا: ثبوت الحضانة بالإجماع:
عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال:" طلق عمر بن الخطاب امرأته الأنصارية- أم ابنه عاصم- ولقيها تحمله بمحسر (71) وقد فطم ومشى، فأخذه بيده لينزعه منها، ونازعها إياه حتى أوجع الغلام وبكى، وقال أنا أحق بابنى منك، فاختصما إلى أبى بكر؟ فقضى لها به، وقال: ريحها وفراشها وحجرها، خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه ".
وروى عن أبى بكر رضى الله عنه أنه قال: لما قضى فى عاصم بن عمر: الأم أعطف وألطف وأرحم وأحن وأخير وأرأف، هى أحق بولدها ما لم تتزوج.
وقد رضى عمر بقضاء أبى بكر، وسلم بهذا القضاء، فقد كان فى خلافته يقضى به ويفتى. وقد كان هذا الحكم إجماع، ولم يعرف له مخالف من الصحابة ( 72).
وجاء فى الفقه الحنبلى: (كفالة الطفل وحضانته واجبة، لأنه يهلك بتركه فيجب حفظه من الهلاك، كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك )(73).
وجاء فى الفقه المالكى: (الإجماع قائم على وجوب كفالة الأطفال الصغار، لأنهم خلق ضعيف يفتقر لكافل يربيه ، حتى يقوم بنفسه، فهو فرض كفاية، إن قام به قائم سقط عن الباقي) (74).
ولما كان الطفل عاجزا عن تحقيق مصالحه كان لابد له من تعيين من يقوم عليه برعاية مصالحه ويحفظه حتى لا يضيع، وهذا يتحقق بثبوت الحق له فى الحضانة.
وقت حضانة الطفل:
الزمن من حين ولادة الطفل إلى بلوغه مبلغ الرجال ينقسم إلى مرحلتين:
الأولى: مرحلة الحضانة، وهى التى يحتاج فيها الطفل إلى نوع من الخدمة والرعاية، لا يحسنه فى الغالب إلا النساء، لما يتطلبه من الجلد والصبر وكمال الشفقه ، ولهذا كان الحق الأول فيها للنساء. وتنتهى هذه المرحلة بالنظر إلى الغلام- سواء كانت الحاضنة هى الأم أو غيرها ببلوغه حدا يستقل فيه بخدمة نفسه بعض الاستقلال، وذلك بأن يأكل وحده، ويلبس وحده، وينظف نفسه وحده.. وقدره بعض الفقهاء ذلك بسبع سنين، وقدره بعضهم بتسع سنين.
أما بالنظر إلى البنت، فيفرق بين حضانة الأم والجدة وحضانة غيرهما. فإن كانت الحاضنة الأم أو الجدة بقيت البنت عندها حتى تبلغ مبلغ النساء وإن كانت الحاضنة غيرهما، بقيت عندها إلى سن المراهقة، وهى تسع سنين على المفتى به عند الحنفية ورواية عن الإمام أحمد، وقيل إحدى عشرة سنة.
ولعل سبب التفرقة بين الغلام والبنت فيما تنتهى به حضانتها، أن الغلام بعد حد الاستغناء عن خدمة النساء، يحتاج إلى نوع آخر من التربية والتأديب والتعليم والتخلق بأخلاق الرجال- وهذه هى- مهمة الرجل، يقدر فيها على ما لا تستطيعه المرأة، فينتقل الصبى عند ذلك إلى:
المرحلة الثانية: وهى مرحلة ضمه إلى وليه الذى يرعاه ويقوم على تأديبه بأنواع التربية والتهذيب، أما البنت فهى- بعد حد الاستغناء الذى تشارك فيه - الغلام- فى حاجة إلى تدريبها على ما يلزم المرأة من أنواع تدبير المنزل وتنظيمه، وتعويدها ما يحسن من عادات النساء وآدابهن، فإذا بلغت أو كادت كانت فى حاجة إلى الحفظ والصيانة، ولا شك أن الرجال على ذلك أقدر من النساء، فتنتقل إلى المرحلة الثانية، مرحلة الضم إلى الولى.
والحق فى ذلك للعصبة من الرجال، يقدم الأقوى عصوبة على غيره على الترتيب فى حضانة العصبة. وهو أيضا حق البنت والغلام فيجبر العاصب على ضمها بعد انتهاء حضانتها.
صاحب الحق فى الحضانة:
الأصل فى الحضانة أن تكون للنساء، لأن المرأة أقدر وأصبر من الرجل على تربية الطفل، وأعرف بما يلزمه وأعظم شفقة عليه، وأكثر جلدا وأعظم صبرا على تحمل أعباء الطفل.
ولكن النساء لسن فى مرتبة واحدة فى استحقاق الحضانة، بل بعضهن أحق بها من بعض بسبب تفاوتهن فى الشفقة والرفق بالصغير.
فأولى النساء بحضانة الطفل أمه النسبية، سواء كانت زوجيتها لأبيه قائمة أم لا، متى توافرت فيها الشروط اللازمة للحضانة.
وتقديم الأم أمر متفق عليه لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت:" يا رسول الله.. إن ابنى هذا، كان بطنى له وعاء، وحجرى له حواء، وثديى له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه منى. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحى". رواه أحمد وأبو داود ولكن فى لفظه "وإن أباه طلقنى وزعم أن ينتزعه منى" (75).
وقد أجمع العلماء على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل: "أن الأم أحق به ما لم تنكح".
ولكن هل قدمت الأم لكون جهتها مقدمة على جهة الأبوة فى الحضانة فقدمت لأجل الأمومة، أو قدمت على الأب لكون النساء أقوم بمقاصد الحضانة والتربية من الذكور، فيكون تقديمها لأجل الأنوثة؟.
وللعلماء قولان فى هذا، ويظهر أثرهما فى تقديم نساء العصبة على أقارب الأم وبالعكس، كأم الأم وأم الأب، والأخت من الأب والأخت من الأم، والخالة والعمة وخالة الأم وخالة الأب، ومن يلى من الخالات والعمات بأم ومن يلى منهن بأب، ففى ذلك روايتان عن الإمام أحمد:
الاولى: تقديم أقارب الأم على أقارب الأب.
الثانية: وهى أصح دليلا- تقديم أقارب الأب.
وعند الإمام ابن تيمية أن جهة الأبوة راجحة على جهة الأمومة فى الحضانة، وأن الأم إنما قدمت لكونها أنثى، لا لتقديم جهتها، إذ لو كانت جهتها راجحة لترجح رجالها ونساؤها على الرجال والنساء من قبل الأب، ولما لم يترجح رجالها اتفاقا، فكذلك النساء.
وأيضا فإن الشريعة تقدم الأب وعصبته فى الولاية على النفس والمال، وفى الزواج والميراث والعقل والنفقة- وهذا ما تشهد به أصول الشرع وقواعده، ولم يعرف أن قدم الشارع قرابة الأم فى أى حكم من هذه الأحكام.
أجرة الحضانة:
أجرة الحضانة تكون عن الحضانة ذاتها بصفتها عملا تقوم به الحاضنة، وقد تكون شاملة لمسكن الحضانة.
فتجب للحاضنة الأم الأجرة إن لم تكن الزوجية قائمة بينها وبين أبى الولد، ولم تكن معتدة من طلاقه الرجعى.
أما إذا كانت الزوجية قائمة، أو كانت أم الولد معتدة من طلاق أبيه، فإنها لا تستحق أجرة على الحضانة، لأن النفقة ثابتة لها بمقتضى الزوجية القائمة أو وجود العدة، إذ أنه لا يجوز أن تأخذ نفقتين من شخص واحد فى وقت واحد وإن تعدد السبب.
وإذا لم تكن الأم زوجة ولا معتدة من أبى المحضون، وجبت لها الأجرة كالأجنبية، لأنها حبست نفسها لأجله عن التزوج.
وكذلك تجب الأجرة إذا كانت الحاضنة غير الأم. وللحاضنة الحق فى أجرة السكن إذا لم يكن لها مسكن تسكنه، فعلى من تجب عليه نفقة الصغير إعداد المسكن.