دراسة مقارنة في التربية في الإسلام و قبل الإسلام - التربية في الإسلام
تمهيد
الاسرة هي المؤسسة الاولى والاساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المتعددة المسؤولة عن إعداد الطفل للدخول في الحياة الاجتماعية ، ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في إدامتها على أساس الصلاح والخير والبناء الفعّال . والاسرة نقطة البدء التي تزاول انشاء وتنشئة العنصر الاِنساني ، فهي نقطة البدء المؤثرة في كلِّ مراحل الحياة ايجاباً وسلباً ، ولهذا أبدى الاِسلام عناية خاصة بالاسرة منسجمة مع الدور المكلفة بأدائه ، فوضع القواعد الاساسية في تنظيمها وضبط شؤونها ، وتوزيع الاختصاصات ، وتحديد الواجبات المسؤولة عن أدائها ، وخصوصاً تربية الطفل تربية صالحة وتربية سليمة متوازنة في جميع جوانب الشخصية الفكرية والعاطفية والسلوكية . ودعى الاسلام إلى المحافظة على كيان الاسرة وإبعاد أعضائها من عناصر التهديم والتدمير ومن كلِّ ما يؤدي إلى خلق البلبلة والاضطراب في العلاقات التي تؤدي إلى ضياع الاطفال بتفتيت الكيان الذي يحميهم ويعدّهم للمستقبل الذي ينتظرهم . وجاءت تعليمات الاِسلام وإرشاداته لتخلق المحيط الصالح لنمو الطفل جسدياً وفكرياً وعاطفياً وسلوكياً ، نموّاً سليماً يطيق من خلاله الطفل أو إنسان المستقبل مقاومة تقلبات الحياة والنهوض بأعبائها ، ولهذا ابتدأ المنهج الاسلامي مع الطفل منذ المراحل الاولى للعلاقة الزوجية مروراً بالولادة والحضانة ومرحلة ما قبل البلوغ وانتهاءً بالاستقلالية الكاملة بعد الاعتماد
المنهج التربوي العام في العلاقات الاَُسرية
العلاقات الاَُسرية لها دورٌ كبير في توثيق بناء الاسرة وتقوية التماسك بين أعضائها ولها تأثيراتها على نمو الطفل وتربيته ، وايصاله إلى مرحلة التكامل والاستقلال .
والاَجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الاَُسرة للطفل تمنحه القدرة على التكيّف الجدّي مع نفسه ومع اسرته ومع المجتمع ، ومن هذا المنطلق فان الاسرة بحاجة إلى منهج تربوي ينظم مسيرتها ، فيوزع الادوار والواجبات ويحدّد الاختصاصات للمحافظة على تماسكها المؤثر في انطلاقة الطفل التربوية .
وتتحدد معالم المنهج التربوي بما يلي :
أولاً : الاتفاق على منهج مشترك
للمنهج المتبنّى في الحياة تأثير على السلوك ، فهو الذي يجعل الايمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع ويحوّل هذه الحركة إلى عادة ثابتة ، فتبقى فيه الحركة السلوكية متفاعلة مع ما يُحدد لها من تعاليم
وبرامج ، ووحدة المنهج تؤدي إلى وحدة السلوك ، فالمنهج الواحد هو المعيار والميزان الذي يوزن فيه السلوك من حيثُ الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة ، فيجب على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدّد لهما العلاقات والادوار والواجبات في مختلف الجوانب ، والمنهج الاسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تبنيها في الاسرة المسلمة ، فهو منهج ربانّي موضوع من قبل الله تعالى المهيمن على الحياة بأسرها والمحيط بكل دقائق الامور وتعقيدات الحياة ، وهو منهج منسجم مع الفطرة الاِنسانية لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يُطاق ، وهو موضع قبول من الاِنسان المسلم والاَُسرة المسلمة ، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوتها وفاعليتها من الله تعالى ، وهذه الخاصية تدفع الاسرة إلى الاقتناع باتباع هذا المنهج وتقرير مبادئه في داخلها ، فلا مجال للنقاش في خطئه أو محدوديته أو عدم القدرة على تنفيذه ، فهو الكفيل بتحقيق السعادة الاُسرية التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة وسليمة ، وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الادوار ، فان تعاليم المنهج الاسلامي تتدخل لانهائه وتجاوزه .
والمنهج الاسلامي وضع قواعد كلية في التعامل والعلاقات والادوار والسلوك ، امّا القواعد الفرعية أو تفاصيل القواعد الكلية ومصاديقها فانها تتغير بتغير الظروف والعصور ، فيجب على الوالدين الاتفاق على تفاصيل التطبيق ، وعلى قواعد ومعايير ثابتة ومقبولة من كليهما ، سواءً في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الاطفال والاسلوب التربوي الذي يجب اتّباعه معهم ؛ لانّ الاختلاف في طرق التعامل وفي اسلوب
العلاقات يؤدي الى عدم وضوح الضوابط والقواعد السلوكية للطفل ، فيحاول إرضاء الوالد تارة والوالدة تارة أُخرى فيتّبع سلوكين في آنٍ واحد ، وهذا ما يؤدي إلى اضطرابه النفسي والعاطفي والسلوكي . (فان الاطفال الذين يأتون من بيوت لا يتفق فيها الاب والام فيما يخص تربية اطفالهم يكونون اطفالاً معضلين أكثر ممن عداهم)(1).
ثانياً : علاقات المودّة
من واجبات الوالدين إشاعة الودّ والاستقرار والطمأنينة في داخل الاسرة ، قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة..) (2).
فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين علاقة مودّة ورحمة وهذه العلاقة تكون سكناً للنفس وهدوءاً للاعصاب وطمأنينة للروح وراحة للجسد ، وهي رابطة تؤدي إلى تماسك الاسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموّحد ، والمودّة والرحمة تؤدي إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعي في حل جميع المشاكل والمعوقات الطارئة على الاسرة ، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل ، يقول الدكتور سپوك
التربيه في عصر ماقبل الاسلام
في الجاهلية: لم تمنع حياة البداوة والتقشف التي عاشها العرب قبل الإسلام أن يسهموا بقسط وافر في أدب الأطفال، وذلك أن الاهتمام بهذا الأدب يمتزج مع غريزة البنوة التي فطر عليها الإنسان، وهذا الاهتمام يتم في سياق التوجهات والغايات التي يراد تنشئة الطفل عليها.
ففي حياة العرب قبل الإسلام مقاصد اختلفت عن تلك التي جاء بها الإسلام في تربية النشء على العصبية، وتدعيم أركان القبيلة، والمفاخرة بالأحساب والأنساب، ومن هنا كان الحرص على تقويم اللسان وتنمية الفروسية، وغرس قيم البطولة، ونصرة الجار وابن العم .. ويشهد التاريخ لهذا الأدب بكذب ادعاء كثير من المستشرقين من أمثال ((رينان)) الفرنسي حين يقول: ((لا مكان لبلاد العرب في تاريخ العالم السياسي والثقافي والديني قبل ذلك الانقلاب المفاجئ الخارق للعادة الذي صار به العرب أمة فاتحة مبدعة، ولم يكن لجزيرة العرب شأن في القرون الأولى من الميلاد حين كانت غارقة في دياجير ما قبل التاريخ، ولم يظهر بأسها وبسالتها إلا بعد القرن السادس من الميلاد)) .. ومما يجدر ذكره في الرد على مثل هذه الآراء ذلك الانتقاد الذي وجهه كبار المستشرقين وعلى رأسهم ((جوستاف لوبون)) الذي رأى أن حضارة العرب بعد الإسلام، هي وليدة التطور البطيء، وثمرة حضارية لماض طويل لا ننكره لجهلنا به لعدة أسباب منها: طول العهد به، ونظرة المسلمين لهذا التاريخ بعد الإسلام وتبديل الإسلام لكثير من قيم الجاهلية حتى تواكب حضارة الإنسان المسلم الجديدة .. بالإضافة إلى هذه الأسباب ما ذكره (سعيد إسماعيل) في قوله: ((إننا لسنا هنا أمام حدث بشري يصح عليه قانون النمو البطيء للحضارات، وإنما أمام حدث إلهي يختلف كلية عما كان قائماً .. والصحيح أن نقول: إن تلك الحضارة التي أبدعها العرب إذا كانت قد اعتمدت على الإسلام في روحها واتجاهاتها فهي تعني قدرة العرب على الإبداع والابتكار، وقابليتهم لحمل لواء التمدن والتطور)) .. وينبغي أن نشير إلى الخطأ الذي وقع فيه العرب بعد الإسلام ويتمثل ذلك في عدم تدوينهم للآداب والأشعار، وإهمالهم لتسجيل الحوادث، وهذا الخطأ نابع من فهمهم لعدم التدوين إلى ما سمعوه من الأحاديث التي نهت عن عدم الكتابة لغير القرآن الكريم، كما روى مسلم في صحيحه: ((لا تكتبوا عني غير القرآن، ومَن كتب عني غير القرآن فليمحه)) ولعل هذا الفهم الخاطئ للأحاديث الناهية عن تدوين القصص إلى جانب الآيات القرآنية في عهدهم الأول كان مصدره خشية رسول الله (ص) من اختلاط الأمر على المسلمين فيجعلون ما ليس من القرآن قرآناً.
ـ أدب الأطفال في الشعر الجاهلي والإسلامي:
إن الذاكرة العربية احتفظت بشيء غير قليل مما ساد من الأشعار والحكم في آداب الطفولة، وترقيص الأطفال ومداعبتهم بالأغاني والأهازيج، وقد أدرك هؤلاء العرب في جاهليتهم وإسلامهم أن الأهازيج التي يداعبون بها أبناءهم تدخل الفرحة والسرور على هؤلاء الصغار، وتجعل نفوسهم أكثر صفاءً وأشد بهجة .. فنرى الواحد منهم يخاطب صغيره ويُسمعه ما يتمناه له في مستقبله، ويرسم له خطة في الحياة، على ضوء الإمكانات التي يوفرها له، وعلى ضوء المعطيات الاجتماعية التي تسمح بها أعراف المجتمع آنذاك .. من ذلك ما روته ((نُتَيلةُ النمرية)) زوجة عبدالمطلب ابن هاشم حين دفعت بابنها العباس إلى أبيه عبدالمطلب ليقول فيه شيئاً من الشعر، فأخذه وجعل يرقصه ويلاعبه ويقول:
ظني بعباس حبيبي إن كبر
أن يمنع القوم إذا ضاع الدبر
وينزع السجل إذا اليوم اقمطر
---------------------------
1) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 111 ـ دار العلم للملايين 1985 ط11 .
(2) الروم 30 : 21 ، يراجع الميزان .
(3) مشاكل الآباء في تربية الابناء ، للدكتور سپوك : 44 ـ المؤسسة العربية للدراسة والنشر 1980 ط3.