تعليم ، كتب ، الرياضة ، بكالوريا ، نتائج ، مسابقات ، أدب وشعر ، الهندسة الإلكترونية بكل أنواعها ، اللغات ، التعليم التقني والجامعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
style
date الإثنين 15 مايو - 11:57
date الإثنين 8 مايو - 22:14
date الأحد 19 أغسطس - 16:42
date الأحد 19 أغسطس - 15:17
date السبت 18 أغسطس - 17:10
date السبت 18 أغسطس - 17:00
date السبت 18 أغسطس - 16:56
date السبت 18 أغسطس - 14:52
date السبت 18 أغسطس - 10:07
date الخميس 16 أغسطس - 17:02
date الخميس 16 أغسطس - 16:54
date الأربعاء 15 أغسطس - 18:13
date الأربعاء 15 أغسطس - 18:08
date الأربعاء 15 أغسطس - 10:21
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
style

شاطر
 

 بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Labza.Salem
Admin
Labza.Salem

عدد المساهمات : 43954
نقاط : 136533
تاريخ التسجيل : 12/09/2014
العمر : 29
الموقع : سيدي عامر

بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق Empty
مُساهمةموضوع: بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق   بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق Emptyالأربعاء 1 مارس - 16:12

بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق

تعريف القضاء
مقدمة 
شرع الإسلام القضاء؛ لأنه وسيلة لتحقيق العدل والعدالة، ورد الحقوق إلي أصحابها، فينتشر الأمان بين الناس، وتصان دماؤهم وأموالهم وأعراضهم، والقضاء لا يكون في حقوق الناس فقط، بل يكون كذلك في حقوق الله تعالى. 
ولأهمية القضاء وجب علي الحاكم تعيين قضاة له في كل أنحاء البلاد التي يحكمها. 
هذا قد قسمنا هذا الفصل إلى مباحث أربعة. 
المبحث الأول: تعريف القضاء في اللغة والاصطلاح
أولا
القضاء في اللغة: 
يعدّ لفظ القضاء من الألفاظ التي تحمل أكثر من معنى ، إذ وضع العرب - كعادتهم- للفظ القضاء أكثر من معنى فحينما نطلق لفظ القضاء فإنه ينصرف إلى معاني عديدة ، وترجع هذه المعاني كلها إلى لفظ القضاء ؛ على النحو التالي:- 
- بمعنى الأمر ، مثل قوله تعالى (وقضى ربك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه …) . 
-وهو بمعنى فرغ مثل قوله تعالى (فاقض ما أنت قاض) ، وقُضِيَ قَضَاؤكَ: أي فُرِغَ من أمْرِكَ. وهو بمعنى انتهى أجله وانقضى مثل قول العرب عن فلان (قضى نحبه ) أي انتهت حياته . 
-وهو بمعنى الارادة مثل قوله تعالى : (فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) . 
-والقضاء بمعنى الحكم والإلزام مثل : قضيت عليك بكذا ، وقضيت بين الخصمين وعليهما. والقضاء بمعنى الأداء مثل قوله تعالى : (فإذا قضَيْتُم مناسِكَكُم) أي أديتموها. 
-ويطلق لفظ القضاء على الصنع والتقدير كقوله تعالى : (فقضاهنّ سبْعَ سَمَواتٍ في يوْميْن) . 
-وبمعنى أعلمناهم ، كقولُه سُبْحانَه وتعالى: "وقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرَائِيلَ" أي أعْلَمْناهم. 
ولهذا فالقضاء في اللغة يعدّ من الألفاظ ذات المعاني المتعددة والتي يعرّفها العلماء بأنها من المشترك اللفظي. 
ثانيا
القضاء في الاصطلاح: 
ينصرف معنى القضاء إصطلاحا إلى ثلاث مجالات: أولها : في التوحيد والعقيدة : بمعنى أن القضاء من خصائص الألوهية وثانيها في فقه العبادات ، 
القضاء : التي وقعت بعد وقتها ، ووجد فيه سبب وجوبها ، وقيل : إتيان العبادة بعد وقتها المقدر استدراكا لما فات . بمعنى قضاء الفوائت من العبادات ، ثالثهما في مجال الفصل بين الناس في الخصومات لحسم النزاع بالأحكام الشرعية من الكتاب والسنة . والأخير هو نطاق بحثنا و ما سوف نقصده- إن شاء الله تعالى - بالبحث في هذه الدراسة. 
ثالثا
القضاء في الفقه المذهبي: 
والقضاء بمعنى الحُكم بين الناس له تعريفاتٌ متعددة نذكر منها:- 
أولا
تعريف القضاء عند الحنفية:- 
عرّفه ابن عابدين بأنه:- " الفصل ين الناس في الخصومات ، حسما للتداعي وقطعا للنزاع بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة " 
ثانيا
تعريف القضاء عند المالكية :- 
عرّفه ابن عرفة من علماء المالكية بأنه" صفة حكميّة ، توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح ، لا في عموم مصالح المسلمين." 
وعرفه ابن الدردير من علماء المالكية تعريفا طويلا غير مختصر فقال: " حكم حاكم أو محكم بأمر ثبت عنده كدين أو حبس ، وقتل ، وجرح وضرب وسب وترك صلاة ونحوها ، وقذف وشرب وزنا ، وسرقة وغصب وعدالة ، وضدها وذكورة وأنوثة وموت وحياة ، وجنون وعقل وسفه ورشد وصغر وكبر ونكاح ، وطلاق ، ونحو ذلك ، ليرتب على ماثبت عنده مقتضاه ، أو حكمه بذلك المقتضى." 
وعرّفه ابن رشد – أحد فقهاء المالكية – بأنه " الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام " 
ثالثا
تعريف القضاء عند الشافعية:- 
عرّفه بعض فقهاء الشافعية بأنه " فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى ." كما عرفوه أيضا بانه :- " إلزام من له الإلزام بحكم الشرع." وهما تعريفان غير مانعين ، لأنهما يشملان رياسة الدولة والتعريف الأول ينطبق اكثر ويشمل حكم المحكّم أيضا. كما أن سلطة الإلزام ملاحظة في تعريف القاضي بخلاف المفتي ، لأن المفتي وغن كان يتفق مع القاضي في ان كلا منهما مظهر ومبيّن لحكم الشرع ، إلا ان القاضي له سلطة الالزام والإمضاء ، أي تنفيذ الحكم بجانب إظهاره لحكم الشرع ، وأما المفتي فليس له سلطة الإلزام والإمضاء ، وإنما هو مظهر لحكم الشرع في المسألة التي يستفتى فيها ، ولذلك قال بعض العلماء :إن القيام بحق القضاء أفضل من الإفتاء ، وإن كان المفتي أقرب للسلامة وأبعد من القاضي عن الإثم. 
رابعا
تعريف القضاء عند الحنابلة:- 
قد عرفه بعض فقهاء الحنابلة بأنه :" الإلزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات ". كما عرفوه أيضا بانه: " تبيين الحكم الشرعي والإلزام به ، وفصل الخصومات." 
وعرفه الصنعاني بأنه:- " إلزام ذي الولاية بعد الترافع". 
وقد ذكر الصنعاني تعريفا آخر لغيره من العلماء هو انه:" الإكراه بحكم الشرع في الوقائع الخاصة لمعين أو جهة ". ثم أوضح الصنعاني أن المقصود بالجهة كما لوحكم القاضي لبيت المال (الخزانة العامة للدولة) أو عليه. 
المبحث الثاني:المبادئ التي يقوم عليها القضاء في الإسلام
مقدمة
يقوم القضاء في الإسلام على الشخص الذي يؤدي مهمة الفصل بين الناس، ألا وهو القاضي الذي يشترط فيه عددا من الشروط ليكون صالحا للامساك بزمام الولاية العامة لمنصب القضاء والحكم بين الناس،و لأهمية القاضي اجتهد علماؤنا في بيان الشروط الواجبة في شخص القاضي وبيان ما له من الاختصاصات التي هي في الواقع حقوق و التزامات ترتبط بطبيعة ولاية القضاء العامة.وما اجتهد فيه علماؤنا هو في الحقيقة تبيين للمبادئ الأساسية التي لا يقوم القضاء إلا بها كما ذكر الحافظ السيوطي في مقاليد مفاتيح العلوم:« المبادئ ما يتوقف عليها البحث عن ذلك العلم » ولذا ندرسها بقدر مناسب من الإيجاز في مطلبين:أولهما في صلاحية القاضي لتولي منصب القضاء، وثانيهما في اختصاصات القاضي والتزاماته. 
المطلب الأول:في صلاحية القاضي لتولي منصب القضاء
حتى يكون القاضي المنوط به مهمة ولاية القضاء صالحا لهذه الولاية يلزم أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط. فالقاضي هو من يوصف بالإسلام والبلوغ والعقل والحرية والعدالة والذكورة والكفاية والاجتهاد وذي سمع وبصر ونطق غير أمي غير راشي بمال ليتولى القضاء. و هي الشروط اللازمة في حد ذاتها لتولي ولاية القضاء، ويمكن أن يقال عنها بأنها المبادئ الأساسية التي يتوقف عليها البحث في علم القضاء وننقل ما ذكر الكرابيسي صاحب الشافعي في كتاب آداب القضاء. ونقله عنه الحافظ بن حجر العسقلاني – نفعنا الله بعلمه- ببيان متى يستحق الشخص أن يكون قاضيا... قال الكرابيسي –رحمه الله- 
«لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافا أن أحق الناس أن يقضي بين المسلمين من بان فضله وصدقع وعلمه، وورعه، قارئا لكتاب الله، عالما بأكثر أحكامه، عالما بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظا لأكثرها، وكذا أقوال الصحابة، عالما بالوفاق والخلاف، وأقوال فقهاء التابعين، يعرف الصحيح من السقيم، يتبع في النوازل الكتاب، فإن لم يجد فالسنن ، فإن لم يجد عمل بما اتفق علي الصحابة، فإن اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة، ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به، ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم، والمشاورة لهم، مع فضل وورع، ويكون حافظا للسانه، وبطنه وفرجه، فهما بكلام الخصوم، ثم لابد أن يكون عاقلا مائلا عن الهوى.»ثم استطرد الكرابيسي فقال: «هذا وان كنا نعلم انه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات، ولكن يجب أن يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم». 
ولهذا نعرضها من جهة كونها مبادئ فقط ، بالمناسبة لمنهجنا التقديمي في هذه الدراسة حيث لن يتسع المقام لنا لولوجها باستفاضة تُرضي نهم العلم بعمق مباحثها ولهذا نوجز محتواها على النحو التالي: 
شروط صلاحية القاضي لتولي القضاء 
1- أن يكون القاضي بالغًا عاقلا: فلا يصح أن يتولي القضاء طفل أو مجنون. 
2- أن يكون القاضي مسلمًا: فلا يجوز تولية الكافر القضاء بين المسلمين.(ونورد لها بيانا في فرع مستقل) 
3- أن يكون رجلا: فلا يتولي القضاء امرأة، قال ( عندما علم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسري لتحكم: "لن يفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة"[البخاري والترمذي والنسائي وأحمد]. 
ولكن أجاز كثير من الفقهاء قديمًا وحديثًا تولي المرأة القضاء علي أساس أن الولاية المقصودة في الحديث هي الولاية العامة، ولكن لم يُسمع أن امرأة تولت القضاء في عصور الخلافة في الإسلام، وذلك أن القضاء يطلب فيه تحكيم العقل، أما المرأة فغالبًا ما تُحَكِّم الهوي. 
4- أن يكون سليم الحواس: فيسمع ويري ويتكلم، فلا يجوز أن يتولي القضاء أصم أو أعمي أو أبكم. 
5- أن يشهد له بالفطنة والذكاء والخبرة بأحوال الناس: حتى لا يخدعه الظالم، أو أحد المتنازعين. 
6- أن يكون تقيًا عدلا: فلا يتولي القضاء الفاسق، وإلا ضاعت حقوق الناس. 
7- أن يكون عالـمًا: بالقرآن وبالسنة، وبآيات الأحكام وبأحاديثها، وأقوال السلف وما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه، وباللغة، وبالقياس وبآراء الفقهاء. 
8- أن يكون أهلا للقضاء: بمعني أن يكون قويًا قادرًا علي تحمل هذه المسئولية الجسيمة. قال : "من وَليَ القضاء فقد ذُبح بغير سكين" [أبو داود]. 
وطلب أبو ذر من النبي ( أن يُأَمِّره علي بعض البلاد، فقال له النبي: ("يا أبا ذر! إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدي الذي عليه فيها" [مسلم وأحمد]. وعلي القاضي أن يتخلي عن أهوائه، وأن يتجنب القضاء في بعض الحالات، فيتجنب القضاء في حالة الغضب أو القلق أو الجوع الشديد، أو في حالة الخوف المفزع، أو في الحر الشديد أو البرد الشديد، ففي كل هذه الأحوال يكون فكر القاضي مشوشًا، وذهنه غير صاف، فيمكن أن يخطئ في القضاء. قال (: "لا يَقْضِيَنَّ حَكَم بين اثنين وهو غضبان" [رواه الجماعة]. 
9-اجتهاد القاضي: 
وللقاضي أن يُعْمل عقله في الأمور التي ليس فيها نص من القرآن أو السنة أو القياس أو اجتهاد من له حق الاجتهاد، فعندئذٍ يجتهد القاضي برأيه، وله أجر الاجتهاد، قال (:"إن حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ؛ فله أجر" [الجماعة]. 
والمقصود بالأجرين: أجر الاجتهاد في معرفة الحق، وأجر التوصل إلي الحق ومعرفته، فإن أخطأ فله أجر واحد وهو أجر الاجتهاد في محاولة الوصول للحق. وليس عليه ذنب إن أخطأ ما دامت نيته معرفة الحق، إذا كان مالكًا لأدوات الاجتهاد، قال تعالي:{وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورًا رحيمًا}[الأحزاب: 5]. 
الفرع الأول: مدى تحقق شرط الإسلام في القاضي 
لقد اشترط العلماء في القاضي أن يكون مسلما وهو أمر أجمعوا عليه بلا اختلاف ، ولكنهم اختلفوا إذا تولى منصب القضاء شخص من غير المسلمين (أحد الذميين)للفصل في الخصومات بين غير المسلمين ، على رأيين: 
الرأي الأول
رأي جمهور العلماء 
مايراه جمهور العلماء وهو أنه لايصح تولية القضاء غير المسلم ولو كان سيقضي بين غير المسلمين، استنادا إلى : 
أ‌- ضرورة أن يكون العلو في المجتمع الاسلامي للمسلمين.وإلى أن جواز تنفيذ احكام غير المسلمين التي قضوا بها وهو ما يتنافى مع مفهوم الصغار في الآية 29 من سورة التوبة، وعليه لا يجوز توليهم القضاء. 
ب‌- وعملا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الدارقطني في سننه والطبراني في الأوسط، وعلّقه البخاري: الاسلام يعلو ولا يعلى عليه.وهذا الحديث يفيد انه لا ولاية لغير المسلم في دولة الاسلام. 
ت‌- وأنّ القصد من القضاء فصل الأحكام، وغير المسلم جاهل بالأحكام الشرعية. 
ث‌- عن طريق القياس بالأوْلىَ ، أن العدالة من شروط القاضي ولذلك فالفاسق ممنوعٌ من تولي القضاء، ومن ثم غير المسلم يكون ممنوعا من باب أوْلى،ولأن الفاسق أحسن حالاً من غير المسلم وقد مُنع من تولية القضاء لغياب صفة العدالة في شخصه. فحرمان غير المسلم من هذه السلطة أولى لتمكن علة المنع عنده أكثر من الفاسق. 
الرأي الثاني
رأي الحنفية: 
ويذهب إلى أن لغير المسلمين ولاية القضاء بعضهم على بعض.استدلالا بطريق قياس القضاء على الشهادة وأن العرف جرى في البلاد الاسلامية على تعيين قضاة من أهل الذمة ليحكموا بينهم. 
ترجيح مذهب أبي حنيفة
-أولا:أن العرف الذي استند إليه الحنفية له أصل شرعي، وهو أن عمرو بن العاص بعد ما فتح مصر ولى القضاء قضاة من بين النصاري ليحكموا بين أهل ديانتهم، ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب أقره ولم يعلم لهما مخالف من الصحابة في حينه، وهذا هو أصل القضاء الملي في البلاد المصرية. 
- ثانيا: ان المفهوم من كلام فقهاء الحنفية أن القول بجواز تولية غير المسلم القضاء بين أهل ديانته إنما هو نوع من التسامح مع أهل الذمة، فلا ينبغي أن يفهم منه انه يجب على رئيس الدولة الاسلامية أو من له حق تولية القضاة أن يولي غير المسلم، لأن من الأصول المقررة أن كل ولاية عامة في بلاد الاسلام، إنما تستند إلى المسلمين لا إلى غيرهم، كما لا يفهم منها ان غير المسلمين مجبرون على أن يتحاكموا إلى القاضي غير المسلم، لأن لهم الحق في التحاكم إلى القاضي المسلم. 
-ثالثا:- أن هذه التولية لاتنفي الصغار عنهم، لأن هذه التولية ليست على المسلمين، وإنما عليهم أنفسهم وعلى بعضهم البعض،كما انه ليس في هذه التولية علو على المسلمين، لأن العلو لا يتحقق إلا إذا شملت التولية الحكم بين المسلمين، وهذا غير حاصل. 
الفرع الثاني :من الشروط الخاصة عند بعض الفقهاء في صلاحية القاضي
(شرط ألا يكون قد دفع رشوة لتوليه القضاء) 
- قد اشترط المالكية لصحة تولية القاضي الذي لا يتعين عليه القضاء: ألا يكون قد دفع رشوة ليحصل على هذا المنصب، فإن كان ممن لا يجب عليه تولي القضاء ودفع رشوة لكي يحصل على هذا المنصب فلا تنعقد عندهم ولايته، وقضاؤه مردود، حتى ولو وافق الحق، وتوفرت فيه شروط القضاء، هكذا صرح علماء المالكية. 
- أما إذا كان يجب عليه تولي القضاء، فقد اختلف المالكية فيه، فهل يجوز له أن يبذل مالاً ليتقلد منصب القضاء أم لا، على رأيين في الفقه المالكي، أحدهما يفيد الجواز، لأنه إنما بذل المال ليحصل على أمر واجب، والرأي الآخر يفيد بعدم الجواز. 
- وكذلك يرى الشافعية أنه إذا تعين للقضاء واحد لا يصلح له غيره لزمه طلبه.حتى لو توصل الى ذلك بدفع مال فاضل عن قوته، وقوت من تلزمه نفقته، لأن القضاء يترتب عليه مصلحة عامة للمسلمين، فوجب بذل المال للقيام بهذه المصلحة. 
ومال بعض الشافعية إلى أنه يجب عليه طلب القضاء وان كان يظن عدم إجابته طلبه، أخذا من قول العلماء: يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن علم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عدم الامتثال له. 

القضاء في الاسلام
تقرير عن القضاء في الاسلام , القضاء فى الاسلام , نبذة عن القضاء في الاسلام , بحث عن القضاء فى الاسلام , بحث عن القضاء بالاسلام , نبده عن القضاء فى الاسلام , نبدة عن القضاء بالاسلام , انواع القضاء فى الاسلام , انواع القضاء بالاسلام, موضوع عن القضاء فى الاسلام , القضاء فى الاسلام

حكــم القضاء فى الاسلام

يختلف حكم القضاء باعتبار القائمين على تعيين القضاة، وباعتبار المكلفين به، وبحسب هذا الاعتبار الأخير، فإن المكلفين به إما أن يكونوا متعيّنين له، وإما أن يكونوا غير متعيّنين، وإن كانوا غير متعيّنين للقضاء، فإما أن يكونوا متساوين في الأهلية له، وإما أن يكونوا غير متساوين، وإن كانوا متساوين فإما أن يقبلوه جميعاً، وإما أن يقبله بعضهم ويزهد فيه الآخرون، وعليه فسنذكر حكم القضاء في كل حالة من هذه الحالات، من حيث طلبه بشكل عام، ومن حيث طلبه وقبوله في كل حالة منها على حدة.
أولاً: حكم القضاء باعتبار القائمين عليه: ويُقصد بالقائمين على القضاء هم أولياء الأمر، وأصحاب السلطة العليا في الدولة، حيث تعيين القضاة فرض عين على رئيس الدولة أو ولي الأمر،بحيث لا ينبغي أن تخلو مدينة من قاضٍ يفضّ الخصومات بين الناس[1].
ثانياً: حكم القضاء باعتبار المكلفين به: هو فرض كفاية في حق القادر عليه؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما من فروض الكفاية[2].

حكم طلب القضاء وقبوله

إذا كان الشخص أهلاً للقضاء فإنه قد يكون هو وحده المتفرد بهذه الأهلية، أو يكون معه غيره يصلح لتولي هذا المنصب، وبناء على هذا فإن الحال من حيث طلب القضاء وقبوله عند عرضه لا يخـلو من الأمور التالية:
1 ـ إن تعين شخص للقضاء لزمه طلبه وكذلك قبوله.
2 ـ وإن كان يصلح له معه غيره:
فإن كان غيره أصلح منه ويقبل توليه لو عُرض عليه فهل يقبله المفضول أم لا؟ قولان:
ï الأول: له قبولـه، ودليل ذلك أن النبي r ولى عتاب بن أسيد قضاء مكة وكان في الصحابة من هو أفضل منه.
ïالثاني: قيل لا يقبل ويحرم طلبه وتوليته، وكأن صاحب هذا القول استدل بما جاء عن النبي r “من ولى رجلاً على عِصابة وهو يعلم أن فيهم من هو أرضى منه لله ورسوله فقد خان الله ورسوله والمؤمنين“[3].
وعلى الأول يكره طلبه وقيل يحرم، ودليل الكراهة ما رواه أنس عن النبي r أنه قال: “من ابتغى وسأل فيه شفعاء وُكل إلى نفسه، ومن أُكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده“[4]، وأما الفاضل فيندب له الطلب، وقيل يلزمه القبول ويستحب له الطلب.
وإن كان الأصلح لا يرغب في تولي القضاء فهو كالمعدوم.
3- وإن تعين شخص للقضاء وكان غيره مثله: فله القبول، ويندب له الطلب إن كان خاملاً يرجو نشر العلم، أو كان محتاجاً إلى الرزق، فإن لم يكن كذلك فالأولى له تركه.
وعند النووي في هذه الصورة أنه يكره له الطلب والقبول على القول الصحيح، ومقابله أنهما خلاف الأولى.
والاعتبار في التعيين وعدمه بمحل السكن؛ أي عند تعيين القضاة ينبغي أن ينظر للبلد الذي يتمّ فيه هذا التعيين، فيقدم القضاة من ساكنيه على غيرهم[5].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.sidiameur.info
Labza.Salem
Admin
Labza.Salem

عدد المساهمات : 43954
نقاط : 136533
تاريخ التسجيل : 12/09/2014
العمر : 29
الموقع : سيدي عامر

بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق Empty
مُساهمةموضوع: رد: بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق   بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق Emptyالأربعاء 1 مارس - 16:13

دليل مشروعية القضاء فى الاسلام

هو مشروع بالقرآن والسنة والإجماع على النحو التالي:
1 - القرآن الكريم:
‌أ) قوله تعالى ( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)[6]، فهذا أمر من الله ـ تعالى ـ لنبيّه داود عليه السلام بتولي منصب الحكم بين الناس، وهو نصّ صريح في مشروعية القضاء، ووجوب توليه.
‌ب) وقوله- تعالى - {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ}[7].
‌ج) وقوله - تعالى -{فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}[8].
‌د) وقوله تعالى{ إنَّا أنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ لتحكمَ بينَ الناسِ بما أراكَ اللهُ } [9]، فالنصوص الثلاثة الأخيرة كلها توجيه للنبيِّ r أن يقوم بمهمة الحكم بين الناس، ولو كان القضاء غير مشروع لما كُلِفَ به r .
2- السنة النبوية: ومنها قوله r:
‌أ) ‌عن النبي r قال: ” قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار: فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، وأما الذان في النار: رجل عرف الحق وجار في الحكم، ورجل قضى في الناس على جهل“[10]، دلّ هذا الحديث على مشروعية القضاء بتقريره أجراً للقاضي الذي يحكم بين الناس بالحق.
‌ب) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: “إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد“[11]، ويقـال في هذا الحديث ما قيل في سابقه.
‌ج) “إذا جلس الحاكم للحكم بعث الله له ملكين يسددانه ويوفقانه: فإن عدل أقاما، وإن جار عرجا وتركاه“[12]، فتسديد الله تعالى وإعانته للحاكم العادل دليل على مشروعية عمله.
وفي الأثر عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: “لأن أجلس قاضياً بين اثنين بحق واجب، أحبّ إليَّ من عبادة سبعين سنة”[13] ، وهذا دليل على أن الصحابة رضي الله عنهم قد عرفوا مشروعية وفضله.

الشروط الواجب توافرها في من يتولى القضاء فى الاسلام
1- الإسلام: فلا يولاه الكافر لنقصه بالكفر، ولأنه ولاية على أخطر أمور المسلمين، وولاية الكافر على المسلم ممنوعة بالنص، وذلك قوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً )[14]، ولإن الكافر بجهل أحكام الإسلام، ولكن إن كان ذلك فهو تقليد سياسة لا ولاية، وإن التزم حكمه فهو من باب الطاعة التي يقتضيها دفع الضرر الأشد بالضرر الأخف، لا من باب أهليته للحكم[15].
2- التكليف: وهو يعني البلوغ والعقل، وعلى ذلك فلا يصح القضاء من الصبي؛ لأنه لا يلي أمر نفسه، ومن باب أولا ألاّ يلي أمر غيره، وكذلك الحال بالنسبة للمجنون، وأن تولى هؤلاء القضاء فلا تصح ولا يتهم ولا تنفذ أحكامهم[16].
3- الحرية: فلا يتولاه الرقيق لنقصه ولعدم ولايته على نفسه، فلا يصح أن يكون والياً على غيره.
4 -الذكورة: لا تجوز ولاية المرأة لعدم تمكنها من القيام بأعباء القضاء، حيث فيه مزاحمة الخصوم من الرجال ومغالبتهم، كما أن فيه نظراً في قضايا ينبغي أن تتنـزه المرأة عن النظر فيها؛ كقضايا الزنا وما شابهها، ثم إن فيه النظر في قضايا الجنايات من قتل واعتداء على الأنفس والأطراف، والمرأة قد لا تقوى على النظر في هذه الأمور لعدم كفايتها، وذلك لقول النبيr “ناقصاتُ عقلٍ ودين“[17]، ولقوله r : “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”[18] ، ولأنه لم يرد أن النبي r أو أحداً من أصحابه رضي الله عنهم ولوا امرأة القضاء[19].
5 _ العدالة[20]: فلا يولاه فاسق، والعدالة هي: اجتناب الكبائر وتوقي الصغائر،أو أن تكون الطاعة غالب حال العدل، أو أن يكون مؤدياً للأمانة مجتنباً للكذب، أو أن يكون العدل ذا مروءة[21]، والمروءة هي الاستقامة، أي استقامة الشخص على أخلاق أمثاله[22]، ودليل هذا الشرط قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)[23]، حيث أمر النص بالعدل عند الحكم بين الناس، وهذا لا يكون إلا ممن توفر فيه شرط العدالة، أما الفاسق فلا يصح قضاؤه، وذلك لأن الله تعالى أمرنا بالتثبت من خبره بقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)[24]فكيف يثق الخصوم بحكم من أمروا بتبيّن خبره.
6 _ سلامة الحواس (السمع والبصر والنطق): فلا يتولى القضاء أخرس أو أعمى أو أطرش، ولا يضرّ أن يكون سمعه ثقيلاً، أو أن يكون بعين واحدة، أو أن يرى في الليل دون النهار، أو النهار دون الليل، وقيل في هذه الحالة لا يحكم إلا في الوقت الذي يبصر فيه، وإن قيل إن النبيrولّى ابن أم مكتوم المدينة وهو أعمى، نقول إن هذا مردود بما يأتي:
1) أنه ولاه على إمامة الصلاة فقط.
2) أن هذه الولاية كانت قبل عماه.
3) أو أن ذلك كان خصوصية لهذا الرجل بالذات.
4) أو أن هذا الحكم منسوخ[25] .
7) الكفاية: مقدرة القاضي على القيام بمنصب القضاء، بأن يكون شجاعاً قوياً فطناً يقظ النفس، فلا يكون جباناً مغفلاً ضعيف النفس، مختل النظر (الفكر) بكبر أو هرم[26].
- ودليلها ما جاء عن النبي r مخاطباً أبا ذر الغفاري _ رضي الله عنه _ “يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأمّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلينَّ مال يتيم“[27].
- وأيضاً ما رواه أبو ذر _ رضي الله عنه _ قال: قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: “يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها“[28].
Cool الاجتهاد[29]: وشرطه أن يكون المجتهد عالماً بما يتعلق بالأحكام من القرآن والسنة من مثل الخاص والعام والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ ومتواتر السنة والآحاد والمتصل والمرسل وحال الرواة قوة وضعاً ولسان العرب لغة ونحواً وصرفاً، وأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم في المسألة محل النظر فلا يخالفهم في شيء، والقياس بأنواعه[30].
- ودليل الاجتهاد ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه عن رسول الله r قال: “إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد“[31]هذا يدل على أنه لا بد من توفر أهلية الاجتهاد في القاضي حتى يصح حكمه بين الناس، ذلك لأنه رتب الأجر على اجتهاده[32]
حكم تعذر اجتماع الشروط السابقة في رجل بعينه:

إن تعذر وجود هذه الصفات في رجل معين ثم ولّى الحاكم ذو الشوكة رجلاً فاسقاً أو مقلداً نفذ قضاؤه لئلا تتعطل مصالح الناس[33] . 
أنواع القضاء في الإسلام [34

اراء الفقهاء في تخلف شرط الذكوره
في من يتولى القضاء

بيان مذاهب العلماء في حُكم تولية المرأة القَضاء
أولاً: مَذْهب الجُمهُور:
ذَهَب جمهور العلماء - وفيهم الشافعية، والحنابلة، وجمهور المالكية[1]، وغيرهم – إلى: أنَّه لا يجوز تولية المرأة القضاء، في أي نوع من أنواع القضايا، سواء أكانت في قضايا الأموال، أم في قضايا القِصاص والحدود، أم في غير ذلك منَ القضايا، ولو وُلِّيَتْ، كان مَن وَلاَّها آثمًا، ولا ينفذ قضاؤُها، ولو كان موافقًا للحَقِّ.

ثانيًا: مذهب الحنفيَّة:
أمَّا الحنفيَّة، فنرى بعض الكتَّاب في الفقه الإسلامي، ينسبون إليهم أنهم يرون جواز أن تَتَوَلَّى المرأةُ القضاء، في الأمور التي يصِحُّ لها أن تشهدَ فيها، وهي ما عدا مسائل الحدود والقِصاص[2].
بينما يرى البعض: أنَّ حقيقة مذهب الحنفيَّة غير ذلك؛ لأنَّ الحنفية يقفون مع الجمهور في القول: بِعَدَم جواز تولية المرأة القضاء؛ لكنهم زادوا على ذلك أنها لو وُلِّيَتْ أَثِمَ مَن ولاَّها؛ لكن قضاءها ينفذ مع إِثْم المُولِّي بشرطينِ:
1- أن يوافقَ قضاؤها كتاب الله، وسنَّة رسوله.
2 - أن يكونَ القضاء في غير الحدود والقِصاص؛ إذ لا تُقْبَل شهادتها فيهما[3]؛ ويستدل لذلك بنصوص الحنفية أنفسهم، كمِثْل ما قَرَّرَهُ صاحب "مجمع الأنهر"؛ حيث يقول: "يجوز قضاء المرأة في جميع الحقوق؛ لكونِها مِن أهل الشهادة، لكن أَثِم موليها؛ للحديث: ((لن يفلحَ قوم وَلَّوا أمرهم امرأة))[4]في غير حدٍّ وَقَوَد؛ إذ لا يجري فيهما شهادتها، وكذا قضاؤها في "ظاهر الرِّوايَة".

وهو أيضًا ما أثبته الكمال ابن الهُمام[5]،في سياق رَدِّه على استدلال الجمهور على عدم نفاذ حكمها إذا ولِّيتْ؛ حيث يقول: "والجواب: أن ما ذكر غاية ما يفيد منع أن تَسْتَقْضِيَ وعدم حِلّه، والكلام فيما لو وليتْ، وأَثِم المقلد، أو حكمها خصمان، فقضتْ قضاء موافقًا لدِين الله، أكان ينفذ أم لا؟ لم ينتهِضِ الدليل على نَفْيه بعد موافقته ما أنزل الله، إلاَّ أن يثبت شرعًا سَلْب أهليتها، وليس في الشرع سوى نُقصان عقلها، ومعلوم أنه لم يصل إلى حدِّ سلب ولايتها بالكُلية، ألا ترى أنها تصلح شاهدة... وذلك النُّقْصان بالنِّسبة والإضافة، ثم هو منسوب إلى الجِنْس، فجاز في الفرد خلافه... ولذلك النقص الغريزي نَسَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَن يوليهنَّ عدم الفلاح[6]، فكان الحديث متعرِّضًا للمُولِّين ولَهُنَّ بنَقْص الحال، وهذا حق؛ لكن الكلام فيما لو وليتْ فقضتْ بالحق، لماذا يبطل هذا الحق[7]؟

مع أنَّ الكمال نفسه قد قال قبل هذا الموضع في الكتاب نفسه: "وأما الذكورة، فليستْ بشرط إلاَّ للقضاء في الحدود والدِّماء، فتقضي المرأة في كل شيء إلا فيهما[8]". 

فالكمال هنا لا ينفي كون الذكورة شرطًا للتَّوْلية؛ بل مراده - والله أعلم - أنها ليست شَرْطًا لصحة الحكم إلاَّ في قضايا الحدود والدماء، حيث إنَّ الذكورة عندهم لا تؤثِّر على نفاذ الحكم، فهو شرط جواز، لا شرط صحة، وقد صَرَّح هو نفسه عن هذا المراد عند مناقشته استدلال القائلين بعدم نفاذِ حكم المرأة إذا وليتْ، ومثل هذه العبارة يوهم بأنَّ المراد غير ذلك.

ثمَّ يواصِل مَن ذهب إلى هذا الرَّأي القِراءة في كُتُب الحنفيَّة؛ ليثبت أنَّ بعض عباراتهم يوهم ظاهرُها جواز التقليد، من ذلك قول المِرْغِينَانِي[9]: "ويجوز قضاء المرأة في كلِّ شيء؛ إلاَّ في الحدود والقِصاص"[10]، ومع أنه عبر بقوله "قضاء"، ولم يعبِّرْ بكلمة تقليد أو تولية، فإنَّه بتعبيره هذا لا يخرج عما هو عليه مذهب الحنفية - كما يرى هذا الكاتب - في الواقِع من أنَّه لا يجوز تولية المرأة القضاء؛ لكنها لو وليتْ مع الإثم، صَحَّ قضاؤُها فيما تصح فيه شهادتها، إذا كان موافِقًا للحَقِّ.

ثم يقول بعد هذا: مع أن تعبيره لا يخرج عنِ المذهب؛ إلاَّ أنه يوهِم، والعبارة التي لا توهم أَوْلَى؛ لِعَدَمِ احتياجها إلى تدقيق وتمحيص وبحث عنِ المراد[11]، وإلى مثل هذه العبارات ينسب هذا الكاتب الخطأ الذي يقع فيه بعض الحاكين لمذهب الحنفية منَ الكُتَّاب؛ حيث إنَّ بعض المصادر القديمة في كتب الحنفيَّة أنفسهم، وفي كتب غيرهم ممن حكى مذهبهم، يفهم من ظاهر عباراتها: أنَّ المرأة يجوز توليتها القضاء في غير قضايا الحدود والدِّماء.

فمثلاً يقول في "البدائع": "وأما الذكورة، فليستْ مِن شرط جواز التقليد في الجملة؛ لأن المرأة من أهل الشهادات في الجملة، إلاَّ أنها لا تقضي بالحدود والقصاص؛ لأنه لا شهادة لها في ذلك، وأهليَّة القضاء تدور مع أهليَّة الشَّهادة"[12].

ثم يُبَرِّر هذه العبارة: بأنَّ المُرَاد منها أنَّ الذكورة ليستْ شَرْطًا بِكُل ما يتصل بمسألة قضاء المرأة؛ إذ إنها لا تشترط في صِحَّة حُكمها في الأمور التي يجوز لها أن تشهدَ فيها، وهي عند الحنفيَّة وجمهور العلماء ما عدا القِصاص والحدود، فالمرأةُ إذا حكمتْ فيما يصح لها أن تشهدَ فيه، كان حكمُها صحيحًا عند الحنفيَّة، مع إِثْم مَن وَلاَّها مَنْصب القَضاء.

ثم يقول: "ونظير هذا التعبير في كلام العلماء - وهو تعبير في الجملة - ما قالَه العلماء عند بَحْث مسألة تصرُّفات الصبي المميز، قال العلماء: إنَّ تصرُّفات الصبي المميّز جائزة بالجملة، يريدون بذلك أنها تجوز في بعض الأحيان"[13].

ثم يُقَسِّم تصرُّفات الصَّبي المُميز إلى ثلاثة أقسامٍ:
1 - تصرُّفات جائزة، ولو خالف الولي، وهي ما كانت نافعة نفعًا مَحْضًا للصَّبِي؛ كالاصطياد، وقَبول الهدية.
2- تصرُّفات غير جائزة، ولو أجازها الولي، وهي ما كان فيها ضَرر مَحْض للصبي؛كالطلاق والهِبة.
3- تصرُّفات متوقِّفة على إجازة الولي، وهي ما كانتْ مُترَدِّدة بين النَّفع، والضَّرر، وذلك كالبَيْع والشِّراء.

وبعد هذا التَّقسيم يقول: "فإذا قال العلماء: إنَّ تصرُّفات الصَّبي المميز جائزة في الجملة، فإنهم يريدون أنها في بعض الحالات تكون جائزة، فلعل المراد من عبارة: "وأما الذكورة فليستْ من شرط جواز التقليد في الجملة"، أن الذُّكُورة ليست شرطًا في كلِّ ما يتصل بمسألة قضاء المرأة؛ لأنها لا تشترط في صحة حكمها في الأمور التي يجوز لها أن تشهدَ فيها"[14].

ثمَّ ينقلنا هذا الكاتب إلى مصادر لغير الحنفيَّة؛ لنجد مثل هذه العبارات، ويُبَرِّر لكلِّ عبارة، فمَثَلاً: ابن رشد في كتابه "بداية المجتهد" يقول: "وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكونَ المرأة قاضيًا في الأموال"[15]، ولعَلَّ المراد مِن هذه العبارة صِحَّة القضاء، وليس صحة التَّولية، على أنَّ الملاَحَظ مِن ابن رشد أنَّه أخطأ حكاية المذهب، فالحنفية يرون صِحَّة قضائها مع الإثم، فيما عدا الحدود والقصاص، وليس في الأموال فقط؛ كما يقول ابن رشد.

وقال أبو حنيفة: يجوز أن تقضيَ المرأة فيما تصح شهادتها، ولا يجوز أن تقضيَ فيما لا تصحُّ فيه شهادتها"[16]. ويمكن أن نُوَجِّه إلى هذه العبارة الملاحَظة السابقة نفسها.

وكذلك نجد ابن حجر العسقلاني[17] في كتابه "فتح الباري" يقول: "واتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي إلاَّ عند أبي حنيفة، واستثنوا الحدود"، ولا تسلم عبارته منَ المُلاحَظة نفسها.
ولعلَّ الصَّنعاني قدْ أخطأ في حكاية مذهب الحنفيَّة؛ حيث قال: "وذهبَ الحنفيَّة إلى جواز توليتها الأحكام إلاَّ في الحدود"[18]؛ لأنَّهم لا يقولون بجوازها، لا في الحدود، ولا في غيرها.

الكلام نفسه يُوجه إلى ما قاله ابن حزم[19] في "المُحَلَّى": "وجائز أن تلي المرأة الحكم، وهو قول أبي حنيفة"[20]،فهذه العبارات وأمثالها توهم بأنَّ الحنفيَّة يُجيزون تولية المرأة القضاء، ولعلَّ أوضح بيان لما ذَهَب إليه الحنفيَّة - كما يرى - هو ما ذَكَرْناه مِن عبارة كلٍّ منَ الكَمَال ابن الهمام، وصاحب "مجمع الأنهر"[21].

هذا ما يراه هذا الكاتب، وفيه نظر؛ لأنَّ كلامَه هذا إنما يصح إذا قرأنا مذهب الحنفيَّة من وجهة نظر شافعية، أما إذا قرأناه من وجهة نظر حنفيَّة، فلا يكون فيه أي إشكال؛ لأنَّ هذا الحكم من قبيل المكروه تحريمًا، ومثل هذا حكمه عند الحنفيَّة أنه يصحُّ مع الإثم؛ لأنه ثبت النَّهي عنه بطريقِ الآحاد، وبهذا فلا غُبار على أيِّ مِن عبارات الحنفيَّة، أو مَن نقل عنهم؛ وإلا فهل منَ المعقول ألاَّ يسلم أيٌّ من عبارات الحنفيَّة إلا عبارتين أو ثلاثة؟
أم هل يُعقل أن يخالفَ الكمال نفسه في موضعين غير متباعدين؟ ثم إن صاحب "مجمع الأنهر" نفسه يقول: ويجوز قضاء المرأة... لكن أَثِم موليها؛ للحديث ((لن يفلحَ قوم ولوا أمرهم امرأة))، في غير حد وقود[22].

ثم إنَّ الذين نقلوا مذهب الحنفيَّة من غير الحنفيَّة، هم من أئمة علماء الإسلام؛ مثل: ابن حجر العسقلاني، وابن رشد، والماوردي، وابن حزم، وغيرهم، فهل كل هؤلاء الأعلام وهموا في حكاية مذهب الحنفية؟!

غالب الظَّن: أن مثل هذا لا يقع، أما إذا قلنا: بأنَّ حكم تولية المرأة القضاء في مذهب الحنفية مكروه تحريمًا، فلا نحتاج إلى تأويل معظم عبارات الحنفية، وجميع عبارات غير الحنفية ممن نقل عنهم.

ويرى باحث آخر[23]:أنَّ عبارات الحنفيَّة ليس فيها أي إشكال، وإنَّما الخطأ من غير الحنفيَّة في فَهْم عبارات الحنفيَّة، حيث فهم بعضُهم أنه يجوز للمرأة أن تَتَوَلَّى القضاء؛ بناءً على أنه المُراد بِلَفْظ القضاء: التَّوْلية والتَّقليد.

وفَهِم البعض الآخر: أنَّ المراد بالقضاء الحكم، ولما كان حكمها جائزًا نافِذًا، كانتْ توليتها جائِزة؛ إذْ جواز الحكم ونفاذه فَرْع جواز التَّولية وصحتها، وإذًا فيلزم من جواز حكمها ونفاذه جواز توليتها، وهذا غير صحيح؛ إذ قد تكون توليتها غير جائزة، ويكون قضاؤُها بناء على هذه التولية جائزًا؛ اعتمادًا على قواعد الحنفيَّة، وذلك أنهم يقولون: إنَّ النَّهي عنِ الشيء إذا لم يكن لذاته؛ بل كان لأمر مجاور له - أفاد المشروعية مع الكَرَاهة؛ بمعنى: أنَّ المكلف لو فعل الشيء المنهي عنه، فإن فعلَه يكون صحيحًا، تَتَرَتَّب عليه الأحكام الشرعية مع الإثم، وذلك كالوطء حال الحيض، فإنَّ الرَّجُل آثِم؛ لكن هذا الوطء تَتَرَتَّب عليه جميع الأحكام المشروعة له مِن ثُبُوت النَّسَب، وحلها للزَّوج الأول، وتكميل المهر، والعِدَّة؛ لأنَّ النَّهي عنِ الوطء حال الحيض، لا لذات الوَطْء؛ بل لأمر مجاورٍ له، وهو الأذى.

ثم يقول هذا الباحث: والنَّهي عنْ تولية المرأة القَضَاء، المستفاد من قوله - صَلَّى الله عليه وسلم -: ((لن يفلحَ قوم ولَّوا أمرهم امرأة)) من هذا القبيل؛ لأن النَّهي عنِ التولية ليس لذات التَّولية؛ لأن تولية القضاء مشروعة بأصلها، إنما النهي جاء لأمر مجاور، وهو مظنة التقصير في الحكم؛ بسببِ النُّقصان الطبيعي لدى المرأة عنِ الرجل، وانسياقها وراء العاطفة، وما يعتريها منَ العوامل الطبيعية بتوالي الأشهر، والسنين من حمل، وولادة، وحيض... إلخ، مما يؤثِّر في انتظام قيامها بالقضاء على الوجه الكامل، وفي إصابة الحق.

وتطبيقًا للقاعدة المذكورة عند الحنفيَّة، أنه لو قام ولي الأمر بتولية المرأة القضاء، أَثِم بهذه التولية؛ لارتكابه أمرًا غير مشروع، ولكن قضاءها يكون صحيحًا نافذًا في غير الحدود والقصاص، إذا وافَق الحق.

هذا ما يراه بعض الباحثين، وفيه نظر؛ فإن كلامه في هذه المسألة يمكن تقسيمه إلى شِقَّيْنِ:
الشق الأول: أنَّ الخطأ في فهم غير الحنفية لعبارات الحنفية، وأنه لا يفهم منَ القضاء التولية، ولا منَ التولية القضاء، وأن كلامهم - بناء على ذلك - لا يحتاج إلى تأويل.

ونقول: إنَّ هذا الكلام إذا صدق على عبارة المِرْغِينَاني: "ويجوز قضاء المرأة في كل شيء؛ إلاَّ في الحدود والقصاص"[24]، وعبارة الكمال: "وأما الذكورة، فليستْ بشرط إلاَّ للقضاء في الحدود والدِّماء، فتقضي المرأة في كل شيء؛ إلاَّ فيهما"[25]، فإنه لا يصدق على عبارة الكاساني في "البدائع": "وأما الذكورة، فليست من شرط جواز التقليد في الجملة"[26]؛ إذْ تفيد جواز التقليد صراحَةً.

الشق الثاني: أنه جَعَل النَّهْي المستفاد منَ الحديث نهيًا لِوَصْفٍ مجاور؛ كالنَّهي عنِ الاتصال بالزوجة أثناء الحيض.

وهذا غير دقيق، والدِّقَّة أن يكونَ هذا النهي من قبيل النَّهي عنِ الشيء لوصفٍ لازم؛ كربا الفضل[27]؛ لأنَّ عِلَّة التحريم هي الأُنُوثة؛ لانْضِباطها واطِّرادِها، بخلاف مظنة التقصير، فإنها لا تصلح مناطًا للحكم؛ لأنَّها غير مُطردة، كما سيأتي في مناقَشة أدلة المذاهب - إنْ شاء الله تعالى.

مما سَبَق يَتَبَيَّن: أنَّ مذهب الحنفية صحة تولية المرأة القضاء، مع إِثْمِها، وإثم مَن وَلاَّها، وهذا ما يسمى عند الحنفية بالمكروه تحريمًا، كما يَتَبَيَّن أنَّه لا تناقض في عبارات الحنفية، ولا غيرهم، ولا يحتاج شيء منها للتأويل، كما ذهب أكثر العلماء والباحثين.

ثالثًا: رأي ابن جرير الطبري:
نُقل عن ابن جرير الطبري المُؤرِّخ، والمفسر، والفقيه المعروف، أنه قال بِجَوَاز أن تَتَوَلَّى المرأة القضاء في كل شيء، بدون حَدٍّ، أو قَيْدٍ، في كل أنواع القضايا.
يقول الحافظ في "الفتح": "واتَّفَقُوا على اشتراط الذكورة في القاضي، إلاَّ عند أبي حنيفة، واستثنوا الحدود، وأطلق ابن جرير[28]، كما نقله عنه ابن رشد في "البداية"، بقوله: "وقال الطبري: يجوز أن تكون المرأة حاكمًا على الإطلاق في كل شيء"[29].

ولكننا نجد أنَّ بعض العلماء منَ القدامى والمعاصرين، كأنهم اعتبروا رأي ابن جرير خلافًا، وليس اختلافًا، كما يفهم من سياق عباراتهم، فنرى الماوَرْدِي يقول: وشَذَّ ابن جرير الطبري، فجَوَّز قضاءها في جميع الأحكام، ولا اعتبار بقولٍ يردُّه الإجماع، مع قوله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}[30]؛ يعني: في العقل والرأي، فلم يجز أن يقمْنَ على الرجال[31].

وأيضًا: جاء في "أحكام القرآن"، بعد نقل رأي ابن جرير: "ولم يصح ذلك عنه، ولعلَّه كما نقل عن أبي حنيفة"[32]، فنراه ينفي صحة النقل، ويحاوِل التأويل.

وإذا انتقلنا إلى بعضِ الكُتَّاب المعاصرين، بعد أن ساق هذا الرأي يقول: "وهذا الرأي منَ الشذوذ ومخالفة الإجماع؛ بحيث لا يُلْتَفَتُ إليه"[33]، ويقول غيره: "واعتبر الفقهاء رأي ابن جرير الطبري خلافًا لا اختلافًا؛ لأنه يصادِمُ الأدلة الشرعية، فهو قولٌ شاذ"[34]. 
تحديد مذاهب العلماء من خلال ما سَبَق:
نستطيع مما سَبَق أن نُحَدِّدَ مذاهب العلماء في حكم تَوْلية المرأة القضاء، وأن نُقَسِّمها إلى ثلاثة مذاهب رئيسة:
المذهب الأول: ذَهَبَ الجمهور - وفيهم الشافعية[38]، والحنابلة، والشيعة الزَّيديَّة[39]، وجمهور المالكيَّة – إلى: أن المرأة لا يجوز توليتها القضاء، فلو وليتْ لم يصح قضاؤها مع إثمها، وإِثْم مَن وَلاَّها، ولا ينفذ قضاؤها، ولو فيما يصح فيه شهادتها، ولو وافق الحق.

المذهب الثاني: ذَهَبَ الحنفيَّة إلى: أنَّ تولية المرأة القضاء مكروه تحريمًا فيما يصح شهادتها، فينفذ فيه قضاؤها إذا وافق الحق، مع إثمها وإثم من ولاها، أما فيما لا شهادة لها فيه - وهو الحدود والقصاص - فلا تجوز توليتها، ولا ينفذ قضاؤها، ولو كان موافقًا للحق. 

المذهب الثالث: ذهب محمد بن جرير الطبري، وابن حزم الظاهري، إلى: أنه يجوز تولية المرأة القضاء في كل ما تصح فيه شهادتها، ولها أن تشهدَ في كل شيء دون حد أو قيد.


الفصل الثاني
في أدِلَّة مذاهب العلماء في حكم تولية المرأة القضاء
أولاً: أدِلَّة أصحاب المَذْهب الأول:
ذَهَب الجمهور - كما ذَكَرْنا سابقًا – إلى: أنه لا يجوز تولية المرأة القضاء، ولا ينفذ ما قضت به لو وُليت، مع إثْمها، وإثم مَن ولاها، واستدلوا لمذهبهم هذا بأدِلَّةٍ منَ القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس، والمعقول.

الدليل الأول: القرآن الكريم
استدلوا بقوله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}[40].

وجه الدلالة: ووجه الدلالة منَ الآية الكريمة هو أنها أفادتْ حصر القِوامة في الرِّجال دون النساء، واستفدنا الحصر من تعريف الرِّجال بلام الجنس؛ إذ إن لام الجنس إذا دخلتْ على المبتدأ قصرته على الخبر، كما تقول: الخطيب فلان، وهذا الحصر يسمى حصرًا إضافيًّا؛ أي: بالنسبة للنساء، ويستفاد مِن هذا الحصر أنَّ الله - سبحانه - جَعَل الرِّجال قوامين على النساء ولا عكس، فعلى هذا لا تَصِحُّ ولاية المرأة القضاء؛ لأن في قضائها قوامة على الرجال، وهذا مما يَتَعَارَض مع الآية الكريمة.

الدليل الثاني: السُّنَّة الشَّريفة: 
استدل الجمهور منَ السُّنَّة الشَّريفة بدليلينِ:
أ- عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: "لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل، بعدما كدتُ أن ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس مَلَّكوا عليهم بنت كسرى، قال: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))[41].

وجْه الدلالة: ووجْه الاستدلالِ بهذا الحديث ظاهِر في مَنْع المرأة مِن تولِّي القضاء؛ حيث أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم الفلاح لِمَن يُوَليها، وهذا التعبير من قبيل الخبر بمعنى الإنشاء؛ أي: هو خبري لفظاً، إنشائي معنى، وحتى لو قلنا بأن هذا الكلام خبر حقيقة، فإنه إخبار بعدم الفلاح لمن يقوم بهذا الفعل، وعدم الفلاح ضَرر، والضرر منهيٌّ عنه شرعًا، وهذا الضرر متمَثِّل في تولية المرأة الولايات العامَّة، فتكون هذه التولية غير جائزة.

والأقرب أنَّ هذه الجملة مِن حيث المعنى إنشاء يَنْهَى به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عما يؤدي إلى عدم الفلاح، وهو تولية المرأة الولايات العامة؛ إذ إن كلمة (أمرهم) مفرد مضاف إلى معرفة، وهو صيغة من صيغ العموم، تدل على أن المراد جميع الأمور والشؤون، فتكون شاملة للقضاء وسائر الولايات الأخرى، حتى ولو كانت ولايات خاصة؛ لكن الإجماع قام على استثناء الولايات الخاصة كالوصاية على اليتامى، والولاية الأسرية فجاز إسنادها للمرأة، وتبقى الولايات العامة على عموم الدليل وهو المنع، فتكون المرأة ممنوعة منَ الولايات العامة ومنها القضاء، دون الولايات الخاصة.

ب - عن بُرَيْدة بن الحصيب يرفعه: ((القضاء ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجل عَرَف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار))[42].

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.sidiameur.info
Labza.Salem
Admin
Labza.Salem

عدد المساهمات : 43954
نقاط : 136533
تاريخ التسجيل : 12/09/2014
العمر : 29
الموقع : سيدي عامر

بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق Empty
مُساهمةموضوع: رد: بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق   بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق Emptyالأربعاء 1 مارس - 16:13


وجه الدلالة: ووجه الدلالة منَ الحديث أنَّه نصَّ على كون القاضي رجلاً، فيدل الحديث بمفهومه المخالف على خروج المرأة، وعدم صلاحيتها للقضاء.

الدليل الثالث: الإجماع:
ادَّعى أصحاب هذا الرأي الإجماع على مَنْع المرأة مِن تولِّي القضاء، وقالوا بأن الإجماع قائم على منعها قبل ظهور الخلاف، فلا يُعتد بمخالفة مَن خالف؛ لأنه قول من غير دليل، ومخالفته تعتبر خرقًا للإجماع فلا تُقبل، خاصة إذا ظهر هذا الرأي بعد عصر المجمعين.

ثانيًا: أدلَّة أصحاب المذهب الثاني: 
وهو مذهب الحنفيَّة القائلين بأن قضاءها يصح مع الإثم، فيما يحل لها أنْ تشهدَ فيه إذا وافق الحق، واستدلوا لذلك بدليلين:
الدليل الأول: 
استدلوا أولاً على التأثيم بحديث الجمهور ذاته، وهو: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))[46]، إنَّما أثبتوا به الكراهة التحريميَّة، ولم يثبتوا التحريم؛ لأنه دليل ظني، والحرام لا يثبت عندهم إلاَّ بدليلٍ قَطْعِي. 

الدليل الثاني:
واستدلوا بهذا الدليل على صحة ما قضتْ به في غير مسائل القِصاص، والحدود، وكان استدلالهم بالقياس، قالوا: إنَّ القضاء يُشارك الشهادة في باب الولاية، والمرأة يصح لها أن تشهدَ في غير الحدود والقصاص، فيصح أنْ تكون قاضيةً في غير الحُدود والقصاص، وإن أثِم موليها للدَّليل السابق، بشرط أن يوافق قضاؤها الحق[47].

ثالثًا: أدلة أصحاب المذهب الثالث:
وهو مذهب ابن جرير الطبري، وابن حزم الظاهري، القائل بجواز تولية المرأة القضاء مطلقًا، واستدلوا لمذهبهم بما يأتي:
الدليل الأول:
الأصل: أن كل مَن تكون عنده مقدرة على الفصل بين الناس، يكون حكمُه جائرًا، وهذا الأصل عام تدخل فيه جميع الولايات، وقد خُصص هذا العامُّ بإجماع العلماء، فأجمعوا على منع المرأة من ولاية رئاسة الدولة؛ استنادًا إلى حديث: ((لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأةً)) المفيد لهذا الحكم، فيستثنى من الأصل العام، ويبقى ما عداه على حكم الأصل، فنصل إلى أنه يجوز للمرأة أن تتولى القضاء، ولا تعتبر أنوثتها مانعًا؛ لأنها لا تؤثر في فهمها للحجج، وفصلها في الخصومات[48].

الدليل الثاني: 
قياس القضاء على الشهادة، قالوا: بما أن الشهادة ثابتة للمرأة بنص القرآن الكريم في قوله - تعالى -: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، فيجوز للمرأة أن تتولى القضاء، قياسًا على قبول شهادتها؛ بجامع الولاية في كلٍّ.

الدليل الثالث:
قياس القضاء على الولاية الأسرية، حيث إن الشرع أعطى المرأة حقَّ الولاية على بيت زوجها، وقيامها على إدارته، وتدبير شؤونه؛ بدليل ما روى ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلكم راعٍ، ومسؤول عن رعيته... والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها))[49]، فيجوز توليتها القضاء، قياسًا على ولايتها بيت زوجها؛ بجامع الولاية في كل.

الدليل الرابع:
قياس القضاء على الحِسبة، فيما أن المرأة يجوز لها القيام بالحسبة؛ لما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أنه ولَّى أم الشفاء - امرأة من قومه - السوق (ولاية الحسبة)، فدل هذا على جواز توليتها الحسبة، فيقاس عليها القضاء؛ بجامع أن كلاًّ منهما ولاية عامة.

الدليل الخامس:
قياس القضاء على الإفتاء، فكما أن المرأة يجوز لها أن تكون مفتية، فإنه يجوز لها أن تكون قاضية؛ بجامع أن كلاًّ من الإفتاء والقضاء مظهر لحكم الشرع.

الدليل السادس:
أن القاضي أجيرٌ وعامل للأُمة كباقي الموظفين، والأجير يجوز أن يكون رجلاً، كما يجوز أن يكون امرأة؛ لقوله - تعالى -: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]، فالقاضي يخبر عن الحكم الشرعي، والحاكم هو المنفذ فعليًّا؛ ولذا ينطبق عليه تعريف الإجارة، وهو: عقد على منفعة بعوض[50].
الفصل الثالث
في مناقشة أدلة المذاهب
أولاً: مناقشة أدلة أصحاب المذهب الأول:
1- أما استدلالهم بالآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، وأن الآية الكريمة حصرت القِوَامةَ في الرجل - فلا يصح تولية النساء؛ فنوقش من ناحيتين:
الناحية الأولى:
أن الآية الكريمة ليست في محل النزاع؛ لأن المراد منها القوامة الخاصة، وهي القوامة الأسرية التي أشار إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثه، حيث قال: ((والرجل راعٍ في أهله، ومسؤول عن رعيته))، وهي أن يطاع، ويستأذن، ويملك حق التأديب.

وليس المراد هنا القوامة العامة التي تشمل القضاء وغيره، والذي يدل على أن المراد بالقوامة: القوامة الأسرية - ثلاثةُ أمور:
أ- سبب نزول الآية؛ فقد روي عن الحسن أنه قال: "جاءت امرأة إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقالت: إن زوجي ضربني، قال: ((بينكما القصاص))، فأنزل الله - عز وجل -: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114]، فأمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أنزل الله - تعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}".
إذًا؛ فسبب النزول يدل على أن الآية نزلت في الولاية الأسرية، بقوامة الرجل على المرأة بالتأديب.

ب- أن الآية نازلة في الولاية الأسرية؛ لأن تركيب الآية وسياقها يدلان على ذلك؛ مِن ذلك قولُه - تعالى -: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] يدل على النفقات والمهر، كما فيها إشارة إلى ما يجب للزوج على زوجته من طاعة وأمانة؛ وهو قوله - تعالى -: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34]، وفيها إشارة أيضًا إلى السلطة المخولة للأزواج على زوجاتهم، وهو قوله - تعالى -: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]؛ وعلى هذا فالآية في الولاية الأسرية، وليست في الولايات العامة.

ج- أن المرأة تصلح لأنْ تكون وصية على اليتامى، وناظرة في مال الوقف، وهذا يدل على صلاحية المرأة للولايات الخاصة؛ لأنها قادرة على أن تقوم بأمور هذه الولاية، فجاز إسنادها إليها، فالآية إذًا لا تفيد العموم؛ ومن هنا يجوز إسناد الولايات العامة إليها، ما دام مناط الحكم - وهو القدرة - متحققًا، ولا تأثير لعموم الولاية أو خصومها، بعد أن تتحقق علة الحكم، وهي قدرة المرأة على ممارسة الولاية، إلا أن الإجماع قام على عدم جواز تولي المرأةِ رئاسةَ الدولة وما هو بمثابتها، استنادًا إلى النص الوارد في رئاسة الدولة، المانع من تولي المرأة إياها، ولولا قيام الإجماع، لجاز تولية المرأة الولاياتِ العامةَ أيضًا.

الناحية الثانية:
لو سلمنا جدلاً أن الآية تفيد العموم، فإن الاستدلال بها لا يسلم؛ لأن الدليل يجب أن ينتج تمام الدعوى، أما هنا فقد أنتج أخص من الدعوى، وبيان ذلك: أن الدعوى هي أنه لا يجوز تولي المرأة القضاء مطلقًا، لا على الرجال، ولا على النساء، ولا على الصغار، والدليل هنا لا يدل إلا على منع توليتها على الرجال، أما الصغار والنساء، فلم يَرِد الدليل عليهم؛ وبهذا يكون الدليل غير منتج لتمام الدعوى، فلا يصح الاستدلال به[51].

الرد على هذه المناقشات:
أما الناحية الأولى - وهي أن الآية الكريمة ليست في محل النزاع - فيرد عليهم بما يلي:
أ- أما المناقشة بسبب النزول، وأنه يدل على تخصيص الآية، فيجاب بأن أكثر العلماء - والمعتمد عند الأصوليين – على: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأما التخصيص بسبب النزول، فلا يسلم إلا على رأي ضعيف[52]، وأيضًا فإن حذف متعلق القوامة يؤذِن بعمومها.

ب- وأما المناقشة - بأن الآية فيها ما يشير إلى الولاية الخاصة، وهي ولاية الأسرة - فيجاب عنها بأن مثل هذا لا يكون مخصصًا؛ لأنه من باب إفراد فرد من أفراد العام، وهذا يعني تخصيص بعض العام بالذِّكر، أو بعبارة أخرى: النص على بعض ما تضمنه هذا العام، والحكم عليه بما حكم على العام، وهذا لا يكون تخصيصًا عند جمهور العلماء، والدليل على ذلك: أن الحكم على الواحد لا ينافي الحكم على الكل؛ لأنه لا منافاة بين بعض الشيء وكله؛ بل الكل محتاج إلى بعضه، وإذا لم توجد المنافاة، لم يوجد التخصيص؛ لأن المخصص لا بد أن يكون منافيًا للعام[53].

ج- وأما المناقشة - بأن الآية لا تفيد العموم - فيجاب عنها: بأن حاصلها يرجع إلى معارضة دليلٍ، بقياس الولايات العامة على الولايات الخاصة، وهذا القياس باطل؛ لأنه مع الفارق، حيث إن الولاية الخاصـة لا تحتاج إلا إلى مجرد القدرة، بخلاف الولايات العامة، فإنها تحتاج إلى قدرة عالية، تتناسب وأعباءَ هذه الولاية، ومن البدهي أن مَن يقدر على عمل بسيط، قد لا يقدر على عمل معقد، فإن جاز للمرأة أن تشرف على يتيم، أو تتصرف في ربع دار موقوفة مثلاً، فهذا لا يكون دليلاً على أنها قادرة على تسلم الولايات العامة المتشعبة والمعقدة.

إذًا؛ فمناط الحكم في الولايات الخاصة - وهو مجرد القدرة - لا يوجد في الولاية العامة، التي تحتاج إلى القدرة العالية، لا مجرد القدرة، هذا إذا سلمنا أن مناط الحكم في تولي الولايات، هو القدرة، لكن لا نسلم هذا؛ لأنه يشترط في العلة التي هي مناط الحكم، أن تكون وصفًا، ظاهرًا، منضبطًا، والقدرة ليست كذلك؛ لأنها وصف مضطرب، ليس له مقاييس أو موازين مضبوطة، وإذا نظرنا في الحديث الشريف: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))، فإنا نرى أن العلة التي جُعلت مناطًا لعدم الفلاح هي الأنوثة؛ لأنها مظِنة الإخلال أو عدم الكمال في القيام بالأعباء العامة؛ وعلى هذا فإن وُجدت الأنوثة، فقد وُجد المانع من تولي الولايات العامة، ومنها القضاء، ولولا أن الإجماع قد قام على جواز تولية المرأة الولايات الخاصة، لقلنا بعدم جواز أن تسند الولايات الخاصة إلى المرأة[54].

وبهذا يثبت أن الآية في محل النزاع، وليسـت خاصة في الولاية الأسرية، حتى لو سلمنا جدلاً بأن الآية مقصورة على المسؤولية في الأسرة، لكانت أبلغ في الدلالة على عدم صلاحية المرأة لتولي القضاء؛ لأنها لو عجزت عن إدارة أسرة، تشتمل على جماعة محدودة، فالأَولى أن تكون عاجزة عن إدارة شؤون الناس، وحلِّ مشاكلهم، والنظر في مصالحهم، والفصل في منازعاتهم، والحكم في خصوماتهم[55].

وأما الناحية الثانية - وهي أن الاستدلال غير صحيح؛ لأنه لا ينتج تمام الدعوى - فيرد عليها بما يلي:
1- أن الدليل أنتج مساوي الدعوى؛ وذلك للمساواة بين الرجال والنساء والأحداث، أما القضاء فلا يوجد فارق بين الرجال وغيرهم في مجال الخصومة والتقاضي، ومؤاخذتهم على ما يصـدر منهم، فإلحاق النساء والصغار بالرجال، إنما هو قياس بمعنى الأصل، أو هو قياس جلي.

2- أما استدلال الجمهور بحديث: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))، فنوقش بأنه لا يصلح للاسـتدلال؛ وذلك لأنـه وارد في غير محـل النزاع؛ لأن الحديث وارد في الولايـة العظمى، وهي رئاسة الدولة، فلا يدل على ولاية القضاء، ويكون الدليل مقصورًا على تلك الولاية، والدليل على أن الحديث وارد في الإمامة العظمى أمران:
الأمر الأول: سبب ورود الحديث، وهو أنه ورد في نوران بنت كسرى، عندما تولت منصب الملك في بلاد فارس بعد موت أبيها، فجاء نص الحديث مبينًا حكمَ مثل هذه التولية.
الأمر الثاني: أن كلمة ((أمرهم)) الواردة في الحديث، صيغة عموم وشمول، والأمر الذي يعم ويشمل جميعَ شؤون الدولة، هو رئاسة الدولة، فيكون المنع مقصورًا على الإمامة العظمى.
الرد على هذه المناقشة:
أ- أما بالنسبة للمناقشة بسبب ورود الحديث، فقد مر معنا من قبل: أن التخصيص بسبب النزول، لا يسلم إلا على رأي ضعيف، وأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ب- وأما بالنسبة للمناقشة بعموم كلمة ((أمرهم)) الواردة في الحديث؛ فيجاب عنها بأن هذه الكلمة من قبيل المفرد المضاف إلى معرفة، وهو صيغة من صيغ العموم؛ كما هو الراجح عند علماء الأصول، وقد أجمع الأصوليون على: أن الحكم الواقع على العام في أي قضية واقعٌ على كل فرد من أفراد هذا العام، فإذا قال شخص: جاء أولادي، كان هذا في قوة قضايا بعدد أولاده، فكأنه قال: جاء فلان، وجاء فلان، وهكذا.

وعلى هذا؛ فيكون الحديث بقوة قضايا بعدد ولايات الدولة العامة، فكأنه قال: لن يفلح قوم ولوا الخلافةَ امرأةً، ولن يفلح قوم ولوا الوزارة امرأة، ولن يفلح قوم ولوا القضاء امرأة، وهكذا إلى سائر ولايات الدولة، وبهذا نصل إلى أن الحديث لا يمكن حصره في الولاية العظمى فقط؛ بل يكون في سائر الولايات[56].

3- وأما استدلالهم بحديث: ((القضاة ثلاثة))، وأن الحديث نص على أن القاضي يكون من الرجال، ودل بمفهومه على منع المرأة - فنوقش بما يلي:
أ- أن هذا الاستدلال من قبيل الاستدلال بمفهوم المخالفة، ومفهوم المخالفة ليس دليلاً متفقًا عليه عند جميع العلماء، فلا يستدل به لمذهب على مذهب، خاصة وأن المخالفين - سواء أكانوا حنفية أم كانوا ظاهرية - لا يصحِّحون العمل بالمفهوم المخالف، وفي هذا يقول الكردري من الحنفيـة: "تخصيص الشيء بالذِّكر لا يدل على نفي الحكم عمَّا عداه في خطابات الشارع"[57]، ويقول ابن حزم الظاهري: "هذا القول الذي لا يجوز غيره، وتمام ذلك في قول أصحابنا الظاهريين: إن كل خطاب وكل قضية، فإنما تعطيك ما فيها، ولا تعطيك حكمًا في غيرها"[58].

ب- أن تخصيص الرجل بالذِّكر، لا يفيد منع المرأة مِن تولي القضاء؛ لأنه قد جيء به لبيان الغالب، لا للتخصيص، ولأن خطابات الشارع، سواء خوطب بها الرجال، أو خوطب به النساء، فإن الجميع مخاطب بها؛ إلا إذا وجد قرينة تمنع دخول غير المذكور في الحكم، فيختص به، ولا قرينة هنا تمنع من دخول النساء، فالحديث عام في الرجال والنساء معًا، والحديث الذي معنا غاية ما يفيد - كما قال في "عون المعبود" - أنه لا ينجو من النار من القضاة إلا مَن عرَف الحق وعمِل به، فإن من عرف الحق ولم يعمل به، فهو ومَن حَكَمَ بجهلٍ سواء في النار،[59] فلا يصلح الحديث للاحتجاج على عدم جواز تولية المرأة.

4- وأما استدلالهم بالإجماع، وأنه قام على منع المرأة مِن تولي القضاء - فنوقش بما يلي:
أ- لا يمكن لنا أن نعلم يقينًا حدوث الإجماع، فربما وجد مخالف في ذلك العصر ولم تصلْنا هذه المخالفةُ، ومن أين لنا أن نعلم أن ابن جرير الطبري غير مسبوق إلى ما قاله؟! وعلى تسليم إمكانية تحقق الإجماع، فإن الإجماع هنا لا يصح الاستدلال به؛ لأنه لم يثبت إجماع على منع المرأة من تولي الولايات العامة؛ فقد ثبت: أن السيدة عائشة - رضي الله عنها - قد تولت قيادة جيش، وتزعمت الثورة ضد علي بن أبي طالب، ومعها من خيرة الصحابة أمثال: الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله، وغيرهما، ولم ينكروا عليها، فهذا دليل على عدم صحة دعوى الإجماع، وفي نفس الوقت دليل على جواز تولية المرأة القضاء؛ لأنه أقل خطرًا من قيادة الجيوش، وتزعم الثورات[60].

والإجابة عن المناقشة:
أجيب عن منع إمكانية تحقق الإجماع بأنه بعد بذل الجهد في البحث، والتحري عن المخالف لرأي الجمهور - لم نعثر إلا على قول بالجواز منسوب إلى ابن جرير، وقد سبق مناقشة هذا القول في محله.

الرد على هذه الإجابة:
أ- من الممكن الرد على هذه الإجابة بأنه قد نُقل عن الحسن البصري: أنه قال بجواز تولي المرأة القضاء مطلقًا،[61] وقد ثبت عن عدد من كبار علماء المسلمين النقلُ عن ابن جرير الطبري، وهم موضع الثقة والاطمئنان، كما ثبت هذا القول عن ابن حزم، فابن حزم وابن جرير مسبوقان بقول الحسن البصري في جواز تولية المرأة القضاء.

ب- ويجاب عن منع صحة الاستدلال بالإجماع لفعل السيدة عائشة: بأن السيدة عائشة لم تخرج زعيمة لثورة، ولا قائدة لجيش، إنما خرجت بتأثير عدد من الصحابـة، وما كان قصدها من الخروج إلا الإصلاح، فلم تكن زعيمة لثورة؛ لأنه لم ينقل عن أحد من المؤرخين أن عائشة ومَن معها نازعوا عليًّا على الخلافة، وأما أنها لم تخرج قائدة لجيش؛ لأن الذين طلبوا منها الخروج كان مرادهم التوفيق بين الناس، وأن يزيلوا ما بينهم من أسباب الخلاف، ورأوا أن وجود السيدة عائشة معهم - وهي أم المؤمنين - أدعى إلى انضمام الناس إليهم.

يقول ابن العربي: "وأما خروجها إلى حرب الجمل، فما خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها، وشكوا إليها ما صاروا إليه مِن عظيم الفتنة، وتهارج الناس، ورجوا ببركتها الإصلاح، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت مقتضيـة بالله في قولـه: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114]، وبقوله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]".

ثم كان ما كان من الحرب والفتنة؛ بسبب دعاة الفتنة، ولو سلمنا جدلاً أنها خرجت قائدة الجيش، أو زعيمة لثورة، فإن هذا كان اجتهادًا منها، وقد ثبت رجوعها عنه، وخطَّأت نفسها فيما ذهبت إليه، فلا حجة في فعلها؛ فقد روي أنه ذُكر لعائشة يوم الجمل، قالت: "وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي"[62].

5- وأما استدلالهم بالقياس - وهو قياس القضاء على الإمامة العظمى بجامع الولاية في كل - فنوقش كما يلي:
إن وصف الأنوثة يصلح علة للمنع من رئاسة الدولة؛ وذلك لخطورة هذا المنصب، واحتياج القائم به إلى الثبات والحزم، والهيبة والعزة، وهي أمور لا تتوافر في المرأة غالبًا، حتى إن بعض الرجال تنهار أعصابهم إذا تعرضوا لموقف من المواقف التي تتعرض لها بعض الدول، فكيف تكون المرأة في مثل هذا الموقف؟

ولكن إن صح كون الأنوثةِ علةً في رئاسة الدولة، فلا يلزم صحته في سائر الولايات العامة ومنها القضاء؛ بل يكون وصف الأنوثة هنا لا أثر له؛ إذ قد ثبت بالإجماع أن الأنوثة لا تأثير لها في الولايات الخاصة، فكذلك القضاء؛ لأن مناط الحكم هنا هو القدرة لا غير.

الرد على هذه المناقشة:
إن القول بالفارق بين القضاء ورئاسة الدولة نوعٌ من التحكم بدون دليل؛ لأن كلاًّ منهما من الولايات العامة، فلا يصح الاعتراض به، ثم كيف يكون القضاء مختلفًا عن رئاسة الدولة، ثم يكون مساويًا للوصاية على يتيم مثلاً؟

والواقع أن هذا تحكم محض لا يستند إلى دليل، وهذا مرفوض في البحث العلمي،[63] ولو سلمنا جدلاً بوجود الفارق بين القضاء ورئاسة الدولة، فإن الأنوثة مظنة الإخلال، وعدم القيام بكامل الأعباء، وعلى هذا فلا يجوز تولية المرأة أي ولاية من الولايات، حتى ولو كانت خاصة، لكن الإجماع قائم على جواز توليها للولايات الخاصة، فاستثنيت من عموم الدليل.

ثانيًا: مناقشة أدلة أصحاب المذهب الثاني - وهم الحنفية -:
وقد استدلوا على صحة ما قضت به في غير مسائل القصاص والحدود، وكان استدلالهم بقياس القضاء على الشهادة؛ بجامع الولاية في كل، ونوقش هذا الدليل بما يلي:
أن الولاية في الشهادة تغاير الولاية في القضاء، وهذا يستلزم أن تكون الأهلية في الشهادة مغايرة للأهلية في القضاء، فيكون هذا القياس قياسًا مع الفارق؛ فلا يصح الاستدلال به، والذي يدل على أن ولاية الشهادة تغاير ولاية القضاء ثلاثة أمور:
1- أن الولاية في القضاء عامة وشاملة، بخلاف الولاية في الشهادة، فإنها قاصرة خاصة، وليس كل من يصلح للأمور الخاصة يصلح للأمور العامة.
2- أن ولاية القضاء تلزم الحق بدون واسطة، بينما ولاية الشهادة لا تلزم الحق إلا بحكم القاضي بها.
3- أن شهادة المرأة تقبل حالَ الضرورةِ والحاجة، أما القضاء فليس هناك حاجة تدعو إلى ترك الرجال وتولية النساء.
4- أن أدلة الجمهور أفادت المنع، والمنع يقتضي عدم الجواز، وهذا يستتبع نفي الصحة، وعدمُ صحة حكمها يستلزم عدم نفاذ ما قضت به.

الرد على هذه المناقشة:
وفي الرد على هذه المناقشة يقول الكمال ابن الهمام: "والجواب: أن ما ذكر غاية ما يفيد منعُ أن تستقضي وعدمُ حِلِّه، والكلام فيما لو ولِّيت، وأثم المقلد... فقضت قضاء موافقًا لدين الله: أكان ينفذ أم لا؟ لم ينتهض الدليل على نفيه بعد موافقته ما أنزل الله، إلا أن يثبت شرعًا سلب أهليتها، وليس في الشرع سوى نقصان عقلها، ومعلوم أنه لم يصل إلى حد سلب ولايتها بالكلية، ألا ترى أنهـا تصلح شاهدة؟ وذلك النقصان بالنسبة والإضافة، ثم هو منسوب إلى الجنس؛ فجاز في الفرد خلافـه... ولذلك النقص الغريزي نسب - صلى الله عليه وسلم - لمن يوليهن عـدم الفلاح، فكان الحديث متعرضًا للمولِّين ولهن بنقص الحال، وهذا حق، لكن الكلام فيما لو ولِّيت فقضت بالحق: لماذا يبطل هذا الحق؟"[64].



الإجابة على هذا الرد:
ويجاب عما ردَّ به الحنفية بأنه لم يقل أحد بسلب ولايتها في الولايات الخاصة، وإنما النزاع في توليتها الولايات العامة، ومن الواضح أنه لا يلزم من صلاحيتها للولايات الخاصة، صلاحيتها للولايات العامة، كما أنه لا فارق بين الإمامة العظمى والقضاء في مناط الحكم، وهو الأنوثة؛ لأنه واحد فيهما[65].

ثالثًا: مناقشة أدلة أصحاب المذهب الثالث:
وذهب أصحاب المذهب الثالث إلى جواز تولية المرأة القضاء مطلقًا، دون شرط أو قيد، واستدلوا بأدلة، نوقشت كالتالي:

1- أما استدلالهم بأن الأصل في الحكم القدرة على الفصل؛ فيناقش بما يلي:
أ- أن المرأة غير قادرة على الفصل مقدرة تامة؛ وذلك بسبب طبيعتها، ولأنها غالبًا ما تنساق وراء عاطفتها، وما يعتريها من حمل وولادة وإرضاع، يؤثر في فهمها لحجج المتخاصمين، وهذا بدوره يؤثر في تكوين الحكم الكامل لديها.

ب- أن هذا القول منقوض برئاسة الدولة، إذ إن بعض النساء قد تكون لهن المقدرة التامة على رئاسة الدولة من بعض الرجال، ومع ذلك فإن الإجماع قائم على منعها من تولي هذه الولاية.

الرد على هذه المناقشة:
يمكن الرد على هذه المناقشة: بأن رئاسة الدولة مستثناة هنا؛ للإجماع المستند إلى نص، ولولا هذا الإجماع لجازت تولية المرأة الإمامة العظمى.

2- وأما استدلالهم بقياس القضاء على الشهادة؛ فيناقش بأنه قياس مع الفارق؛ لشمول ولاية القضاء، ولأنها تلزم الحق بدون واسطة، بخلاف ولاية الشهادة، كما مر بيانه سابقًا عند مناقشة أدلة الحنفية.

3- وأما استدلالهم بقياس القضاء على الولاية الأسرية، فيناقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الولاية الأسرية خاصة، وولاية القضاء عامة؛ فلا يصح الاستدلال بالقياس.

4- وأما استدلالهم بقياس القضاء على الحسبة؛ لفعل عمر كما سبق - فنوقش بما يلي:
أ- أن فعل عمر ليس حجة، كما هو الراجح عند علماء الأصول؛ لأنه لا حجة في كلام أحد أو فعله؛ سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يَدَّعِ أحد الإجماع، أو عدم وجود المخالف، حتى يكون إجماعًا تثبت به الدعوى.

ولو سلمنا حجية فعل عمر، فإن هذا الحديث لم يثبت عنه، يقول ابن العربي في "تفسيره": "وروي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق، وهذا لا يصح، فلا تلتفتوا إليه، إنما هو من دسائس المبتدعة"[66].

الأول: أنه مخالف للحديث المتفق على صحته، ولا يعقل أن يخالف عمرُ الحديثَ.
الثاني: على فرض عدم وصول هذا الحديث لسيدنا عمر، فإن فكرة الحجاب صدرت أساسًا عن عمر، حيث أشار على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحجاب، فنزلت آية الحجاب وصارت تشريعًا، فهل يعقل أن ينقض عمر هذه الفكرة بتعيين امرأة تمكث طوال يومها تخالط الرجال في الأسواق، وعنده من الرجال مَن يقوم بحمل هذا العبء وزيادة؟![67].

5- وأما استدلالهم بقياس القضاء على الإفتاء، فيناقش بأنه قياس مع الفارق؛ فلا يصلح الاستدلال به، والفارق من ناحيتين:
الناحية الأولى: أن القضاء ولاية، بخلاف الفتيا، فإنها ليست ولاية.
الناحية الثانية: أن حكم القضاء ملزم، أما الفتيا فلا إلزام فيها، فيجوز للمستفتي أن يأخذ بالحكم أو يتركه.

الرد على هذه المناقشة:
ويرد على هذه المناقشة بأن الفتوى قد تكون ملزمة، وذلك فيما إذا لم يوجد إلا واحد يصلح للإفتاء، ومع ذلك لم تُستثن هذه الحالة من أهلية المرأة، فتكون الفتيا ولاية في الجملة.

الإجابة على الرد:
ويجاب على هذا الرد بأن الإلزام هنا للضرورة، ومن المعروف أن الضرورة لها أحكامها الخاصة التي تخالف أحكام حالة الاختيار، وموضوع الخلاف مفروض في حالة الاختيار؛ ولهذا لو وجدت حالة الضرورة في قضاء المرأة، بأن ولاها سلطان ذو شوكة، فإنه ينفذ قضاؤها؛ لئلا تتعطل مصالح الناس، وبهذا تكون حالة الضرورة في قضاء المرأة حالة استثنائية[68].

6- وأما استدلالهم بأن القاضي أجير عند الدولة، ولا فرق بين الرجال والمرأة في الإجارة - فيناقش بأنه قياس مع الفارق، فلا يقاس القضاء على تولي المرأة في عصرنا الحاضر بعض الأعمال الإدارية العامة؛ لأن القضاء له طبيعة خاصة، ليست من جنس العمل الإداري العادي، كما أن العمل الإداري يخضع في النهاية لرقابة القضاء، أما عمل القاضي فيكتسب الحجة، ويصبح عنوان الحقيقة، ولا رقيب عليه، فقوله نهائي بات.


الفصل الرابع
في الترجيح والاختيار
اختلف العلماء المعاصرون في ترجيح مذهب معين - في حكم تولية المرأة القضاء - بين مؤيد ومعارض، حيث جوز بعضهم توليتها القضاء مطلقًا، من حيث النظر إليها ذاتيًّا؛ إذ إن بعض النساء لهن القدرة على القضاء، أو حتى على إدارة شؤون البلاد، أكثر من الرجال، ولتطور إدراك المرأة في العصر الحديث عنه في سالف العصور، فلماذا نمنع مثل هؤلاء النسوة مِن تولي مثل هذا المنصب؟[69].

كما ذهب بعض الكتَّاب المحدَثين إلى: أنه يصح تولية المرأة في القضايا التي يكون فيها طرفا الخصومة من النساء، بشرط أن يكون ذلك في غير مسائل الحدود والقصاص، ووجهة نظره في هذا أن القضاء هو إظهار حكم الشرع في قضية من القضايا، لكنه يخالف الفتوى بأن القضاء فيه إلزام، ولكن هذا الإلزام بعد حكم القاضي إنما جاء من الشرع، لا من القاضي، وواسطة التنفيذ هنا هو الحاكم، فأشبه الفتوى[70].

غير أن معظم الباحثين والعلماء المعاصرين ذهبوا إلى ترجيح مذهب الجمهور، القائل بمنع تولية المرأة منصب القضاء مطلقًا؛ وذلك لأسباب عديدة ذكروها، نجملها فيما يلي:
السبب الأول: أن معظم أدلة المخالفين مبنية على القياس، والقياس هنا لا يقوى على مواجهة النصوص من الكتاب والسنة التي استدل بها الجمهور؛ لأنه لا قياس في معرض النص، وخاصة إذا لم توجد ضرورة تدعو إلى ترك هذه الأدلة والخروج عليها[71].

السبب الثاني: أن شهادة المرأة فيها الكثير من القيود، حيث إنها لا تُقبَل شهادتها في القصاص والحدود، وإنما تقبل شهادتها فيما لا يطلع عليه إلا النساء للضرورة، وأيضًا لا تقبل شهادة المرأة منفردة، ولو كان معها ألف امرأة مثلها؛ ما لم يكن معهن رجل، فلا تتولى القضاء من باب أولى[72].

السبب الثالث: لو جاز ذلك لما خلا جميع الزمان، لكنه لم يُؤثَر منذ بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى نهاية الخلافة الإسلامية، أنه تولت امرأة هذا المنصبَ، على اختلاف آراء العلماء في ذلك، واختلاف الأئمة وولاة التعيين من عصر إلى عصر.

السبب الرابع: أن القضاء قد يتطلب أن تخالط المرأة الرجالَ، فيما لو وليت هذا المنصب، وهذا مما نهى عنه الشرع، وما يؤدي إلى المحظور محظورٌ.

السبب الخامس: أن القضاء قد يتطلب خلوة القاضي بمعاونيه، أو الشهود، أو الخصوم، أو الوكلاء، أو الخبراء، فلو كان القاضي امرأة، والمذكورون من الرجال، لكانت الخلوة بهم محرمة، فيتعطل جانب كبير من القضاء.

السبب السادس: أن المرأة بتكوينها النفسي والعاطفي، قد تضعف عن النظر في جريمة من الجرائم، فقد نشرت صحيفة الاتحاد التي تصدر في أبو ظبي، يوم الثلاثاء الموافق للثالث والعشرين من شهر شباط في سنة 1988م: أن قاضية في روما أصيبت بالإغماء، عند سماع تفاصيل جريمة قتل رهيبة حدثت في إيطاليا، قام فيها المجرم بتقطيع أوصال المجني عليه قبل أن يفارق الحياة، ولك أن تتصور ما يحدث في جلسة قضاء، عندما تصاب القاضية بالإغماء.

السبب السابع: أن سماع تفاصيل الشهود لوصف جريمة الزنا، يؤدي إلى إيذاء مشاعر المرأة، وخدش حيائها، وجرح أنوثتها.


الخاتمة
وفي نهاية المطاف أذكر أهم النتائج المستخلصة من البحث، أجملها فيما يلي:
1- اختلف العلماء في حكم تولية المرأةِ القضاءَ؛ وذلك تبعًا لاختلافهم في الشروط المؤهلة لتولي هذا المنصب.

2- ذهب الجمهور إلى: أنه لا يجوز تولية المرأة القضاء، في مقابل قول الظاهرية وابن جرير الطبري وغيرهم، بأنه تجوز توليتها القضاء مطلقًا.

3- بعد التحقيق في مذهب الحنفية، تبيَّن أنهم يقولون بجواز قضائها مع الإثم، وقالوا: إن قضاءها ينفذ بشرطين:
أ- أن يكون قضاؤها فيما تصح فيه شهادتها، وهو كل شيء ما عدا الحدود والقصاص.
ب- أن يوافق قضاؤها الحق.

4- اختلف المتأخرون في نسبة قول ابن جرير الطبري، حيث نُقل عنه جواز تولية المرأة القضاء مطلقًا، فصحح نسبته البعض، ومنعها آخرون، كما ذهب بعضهم إلى أن قول ابن جرير - وإن ثبت - يعتبر خلافًا لا اختلافًا، فلا يعتد به؛ لمخالفته الإجماع.
5- استدل الجمهور بالقرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والإجماع، والقياس، والمعقول.

6- واستدل الحنفية على نفاذ قضائها، بقياس القضاء على الشهادة؛ بجامع الولاية في كل، كما استدلوا على التأثيم بالسنة النبوية الشريفة.

7- كما استدل الظاهرية ومَن معهم بالقياس والمعقول، فاستدلوا بخمسة أقيسة، وهي: قياس القضاء على الشهادة، وعلى الولاية الأسرية، وعلى الحسبة، وعلى الإفتاء، وعلى الإجارة.

8- بعد سرد الأدلة ومناقشتها، اختلف العلماء[73] المعاصرون في ترجيح مذهب على مذهب، فرجح بعضهم مذهب الظاهرية، وبعضهم رجح قضاءها في مسألة جزئية، ورجح البعض الآخر مذهب الجمهور، مع ذكر كلِّ مرجحٍ بعضَ الأسباب التي تقوي هذا الترجيح.











فهرس المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم.
2- الإبهاج في شرح المنهاج؛ لعلي بن محمد السبكي، مراجعة شعبان إسماعيل، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
3- الأحكام السلطانية؛ لعلي بن محمد الماوردي، دار الفكر، لبنان، بيروت.
4- الإحكام في أصول الأحكام؛ لعلي بن محمد الظاهري، إشراف أحمد شاكر، مطبعة العاصمة - القاهرة.
5- أحكام القرآن؛ لأبي بكر ابن العربي، دار الكتب العلمية، بيروت.
6- أصول الفقه الإسلامي؛ د. محمد زكي الدين شعبان، دار الكتاب الجامعي - القاهرة.
7- أصول المحاكمات الشرعية والمدنية، د. محمد مصطفى الزحيلي1993، جامعة دمشق.
8- الأعلام؛ لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت.
9- البحر الزَّخار؛ لأحمد بن يحيى بن المرتضى، دار الحكمة اليمانية، صنعاء.
10- بدائع الصنائع؛ لعلاء الدين الكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت 1982، ط 2.
11- "بداية المجتهد"؛ لمحمد بن أحمد بن رشد، تحقيق: ماجد الحموي، دار ابن حزم.
12- تاريخ الفقه الإسلامي؛ د. محمد أنيس عبادة، 1980، مطبعة الإخوة الأشِقَّاء - القاهرة.
13- التعليقات السنية؛ لمحمد عبدالحي اللكنوي، مطبوع مع الفوائد البهية، دار الكتاب الإسلامي.
14- التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي؛ د.محمد الزحيلي، دار الفكر، دمشق.
15- تيسير التحرير؛ لمحمد أمين، المعروف بأمير بادشاه، دار الفكر، بيروت.
16- حاشية الدسوقي؛ لمحمد عرفة الدسوقي، دار الفكر.
17- خلاصة تهذيب تهذيب الكمال؛ لصفي الدين الخزرجي، تحقيق: محمود فايد، مطبعة الفجالة - القاهرة.
18- سبل السلام؛ لمحمد بن إسماعيل الصنعاني، تحقيق: فواز زمرلي، 1987، دار الكتاب العربي.
19- السلطة القضائية وشخصية القاضي، لمحمد عبدالرحمن بكر، الزهراء، القاهرة.
20- سنن أبي داود؛ لسليمان بن الأشعث، دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد محيي.
21- شرح مختصر الخرقي؛ لشمس الدين الزَّرْكشي الحنبلي، مكتبة العبيكان، الرياض، تحقيق: عبدالله الجبرين.
22- شرح مختصر المنتهى؛ لعضد الدين الإيجي، مكتبة الكليات الأزهرية، مراجعة: شعبان محمد إسماعيل.
23- شرح فتح القدير؛ لكمال الدين ابن الهمام، إحياء التراث العربي.
24- صحيح البخاري؛ محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، 1987، ط 3، تحقيق د: مصطفى البغا.
25- طبقات المفسرين؛ لجلال الدِّين السيوطي، دار الكتب العلمية.
26- طبقات المفسرين؛ لمحمد بن علي الراودي، مكتبة وهبة، القاهرة.
27- عون المعبود في شرح سنن أبي داود؛ لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، دار الفكر.
28- فتح الباري؛ لأحمد بن حجر العسقلاني، دار الريان، القاهرة، ط 2، 1407هـ - 1987م.
29- الفوائد البهيَّة في تراجم الحنفية؛ لمحمد عبدالحي اللكنوي، دار الكتاب الإسلامي، مراجعة: محمد النعساني.
30- مجمع الزائد؛ لعلي بن أبي بكر الهيثمي، 1967، دار الكتاب العربي.
31- المحصول؛ لفخر الدين الرازي، تحقيق: طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة.
32-المحلى؛ لعلي بن حزم الظاهري، دار الآفاق الجديدة.
33- المغني؛ لعبدالله بن قدامة المقدسي، دار الفكر، بيروت،1405، ط1.
34- معني المحتاج؛ لمحمد الخطيب الشربيني، دار الفكر، لبنان.
35-مواهب الجليل لشرح مختصر خليل؛ محمد بن عبدالرحمن الحطاب 1978، دار الفكر.
36- نظام القضاء الإسلامي؛ د. إسماعيل إبراهيم البدوي، جامعة الكويت.
37-نظام القضاء في الإسلام؛ أحمد بن عبدالعزيز آل المبارك، 1980، دار ظفير، أبو ظبي.
38- نظام القضاء في الشريعة الإسلامية؛ د. عبدالكريم زيدان 1995، مؤسسة الرسالة.
39- النظام القضائي في الإسلام؛ د. عبدالعزيز محمد عزام، المؤسسة العربية الحديثة.
40- النظام القضائي في الفقه الإسلامي؛ د.محمد رأفت عثمان، دار البيان، القاهرة.
41- نهاية السول؛ عبدالرحيم الإسنوي؛ مكتبة صبيح، القاهرة.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.sidiameur.info
 
بحث عن القضاء - بحث تعليمى عن القضاء وتعريفة كامل بالتنسيق
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بحث عن السرطان وتعريفة واسبابة - بحث علمى عن السرطان وتعريفة واسبابة كامل بالتنسيق
» بحث علمى عن السرطان وتعريفة واسبابة كامل بالتنسيق
» بحث عن جون لوك - بحث تعليمى عن جون لوك كامل بالتنسيق
» بحث عن مسألة تولية المرأة القضاء - بحث علمى عن مسألة تولية المرأة القضاء كامل بالتنسيق
» بحث عن المشكلة السكانية فى مصر - بحث تعليمى عن مشكلة الاسكان فى مصر كامل بالتنسيق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
سيدي عامر إنفو :: القسم الدراسي والتعليمي :: التوظيف والمسابقات دروس و البحوث :: البحـوث والكتب الجـامعية والمـدرسيـة الشـاملة-
انتقل الى: