استخدام وسائل الإعلام في التعليم تطور مفهوم «التربية الإعلامية» لدراسة أثر الإعلام الجديد تربوياً واجتماعياً
كانت تشير في السابق إلى استخدام وسائل الإعلام في التعليم تطور مفهوم «التربية الإعلامية» لدراسة أثر الإعلام الجديد تربوياً واجتماعياً
تسعى لإعداد الشباب على استخدام تقنيات الإعلام بمسؤولية ومهارة والتزام أخلاقي
كشفت دراسة بعنوان «تنمية مهارات النقد والإنتاج للرسائل الاتصالية لدى الجمهور – دراسة تحليلية نقدية لأدبيات التربية الإعلامية» عرضها عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام الدكتور حسن منصور، تطور مفهوم «التربية الإعلامية» منذ الستينات من القرن الميلادي الماضي إلى اليوم، حيث كان يتم التركيز في الماضي من خلال هذا المفهوم على إمكانات استخدام وسائل الإعلام وأدوات الاتصال كوسيلة تعليمية. أما في الفترة القريبة الماضية فقد بات مفهوم «التربية الإعلامية» يتحول للتركيز على دراسة وسائط الإعلام الجديد بحد ذاتها وتكنولوجيا وسائل الإعلام الحديثة وأثرها الاجتماعي والتربوي.
مشروع دفاع
وأشارت الدراسة إلى أن هذا التطور الحاصل في مفهوم «التربية الإعلامية» أدى إلى توسيع مدلولها ومجالاتها لتشمل التعبير عن الذات بوصفه جانبًا من المعرفة الإنسانية الأساسية، وأنها تحولت من مجرد «مشروع دفاع» لحماية الأطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام، إلى أن أصبحت التربية الإعلامية اليوم تعبر عن الانتقال من جانب «الحماية والدفاع» إلى جانب «المبادرة» بهدف إعداد الجمهور وتدريبه على التفكير النقدي والتعرض المسؤول لوسائل الإعلام، وإتقان مهارات التعامل مع وسائل الإعلام بمسؤولية وكفاءة وفعالية.
اتجاهان رئيسيان
أوضحت الدراسة وجود اتجاهين رئيسيين للدراسات والأدبيات العلمية التي تناولت موضوع التربية الإعلامية، الأول يركز عليها من خلال دور المؤسسات التعليمية والمناهج الدراسية، والثاني يتناول التربية الإعلامية بمفهومها الأوسع الذي يستهدف كل أفراد المجتمع.
وفي دراسات المحور الأول كان النصيب الأوفر هو للدراسات والأدبيات الصادرة من باحثين تربويين، ركزت على تقديم التصورات والمقترحات الخاصة بإدماج التربية الإعلامية ضمن المقررات الدراسية في المستويات التعليمية المختلفة، وفي الاتجاه الثاني ربطت الدراسات بين التربية الإعلامية ومفهومي «التعلم بالممارسة» و«التعليم مدى الحياة»، وفصلت في الأدوار المطلوبة من المؤسسات الاجتماعية المختلفة، وخاصة الأسرة، والمؤسسات التعليمية والإعلامية.
مهارات النقد
وفي مجال تنمية مهارات نقد الرسائل الاتصالية لدى الجمهور، اكتفت بعض الدراسات والأدبيات العلمية بالتأكيد على أن تنمية تلك المهارات هي من صميم التربية الإعلامية، لكنها لم توضح تفاصيل تلك المهارات أو أساليب واستراتيجيات تنميتها، وحاولت دراسات أخرى استكمال هذا الجزء، وأشارت إلى مهارات عديدة مثل مهارات المشاهدة والتفكير الناقد، ومهارات الاختيار والاتصال والإبداع والتقويم والتحليل والتركيب والمقارنة.
وفصلت دراسات أخرى في مقترحات عملية تصب في تنمية هذه المهارات، إلا أنها تظل مقترحات متفرقة لا يجمعها إطار متكامل، مثل الإرشادات والخطوات المقترحة التي قدمتها بعض الدراسات في مساعدة الأسرة على استخدام التلفزيون كأداة تثري خبرات الطفل وتنمي لديه القدرة على الاختيار الناقد والمشاهدة الناقدة، وتكسبه القدرة على الاختيار والحوار.
ربط منطقي
وربطت معظم الأدبيات العلمية الخاصة بالتربية الإعلامية بين تنمية مهارات نقد الرسائل الاتصالية لدى الجمهور وتحفيز الجمهور على إنتاج رسائل اتصالية مسؤولة، وهو ربط منطقي بين التحليل النقدي والإنتاج الإبداعي، وأضافت دراسات أخرى بعداً آخر يتعلق بتنمية استراتيجيات القيام برد الفعل تجاه وسائل الإعلام من خلال تكوين جماعات ضغط أو السعي لمقاطعتها.
وقدمت بعض الدراسات مقترحات وأساليب لتحفيز الجمهور وخاصة الطلاب على إنتاج رسائل اتصالية مسؤولة، إلا أنها أيضا كانت مقترحات متفرقة لا يجمعها إطار متكامل، مثل تشجيع الأطفال على تكوين بيئة إعلامية إيجابية في المنزل وتنمية مهارات الإبداع من خلال تدريبهم وتشجيعهم على تصميم إعلان تجاري للمنتج الذي يفضلونه، أو تصميم إعلانات مضادة للمنتجات الضارة كالسجائر. إضافة لمقترحات بتشجيع الطلاب في المدارس على إنتاج لعبة فيديو أو صحيفة أو صفحة على الإنترنت تخصص لطلاب آخرين لمشاهدتها، وتشجيع الطلاب على استخدام وسائل الإعلام المحلية في مخاطبة الناس من خلال تسجيل ومشاركة مقابلات وتغطية أحداث محلية، وكل ذلك في إطار مفهوم التعليم بالممارسة الذي يتم أيضا داخل المدارس والجامعات.
التلفزيون
وقد ركزت أدبيات ودراسات التربية الإعلامية على «التلفزيون» حتى وقت قريب، بينما بدأ الاهتمام بالإعلام الجديد بمظاهره المتنوعة وخاصة شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة، وإجمالاً فإن التركيز على التلفزيون فقط عند الحديث عن التربية الإعلامية قد يرجع إلى انتشاره كأهم وسيلة إعلامية وتعرض الجمهور له لسهولة الوصول إليه بدرجة حدت بالبعض إلى الأخذ في الاعتبار التربية الخاصة بالتلفزيون فقط على أساس أنها الجوهر في التربية الإعلامية، إلا أن الوضع اختلف في السنوات الأخيرة وبدأ الاتجاه نحو التربية الإعلامية والمعلوماتية «Media and Information Literacy» والتربية الإعلامية في زمن الإعلام الجديد «New Mwdia Literacy Education».
توصيات ومقترحات
من التوصيات والمقترحات التي قدمتها الدراسة أن تتجه الجهود البحثية المستقبلية إلى محاولة الوصول إلى إجابات تفصيلية للسؤال التالي: كيف يمكن أن تسهم التربية الإعلامية في زمن الإعلام الجديد في إعداد الجمهور وجيل الشباب على وجه التحديد على استخدام تقنيات الإعلام الجديد بمسؤولية ومهارة والتزام أخلاقي ذاتي؟ ومناقشة دور التربية الإعلامية في تنمية مهارات النقد والإنتاج لدى فئات أخرى في المجتمع، وخاصة قادة الرأي المحليين مثل الدعاة وخطباء المساجد والقيادات المحلية، وأن تسعى المؤسسات العربية المعنية بالتربية الإعلامية إلى تنسيق جهودها لبلورة رؤية عربية إسلامية متكاملة، ذلك أن التجارب الأوروبية والآسيوية والأمريكية تشير إلى أهمية مراعاة البعد الثقافي والواقع المحلي عند صياغة أهداف التربية الإعلامية ومبادراتها ومشاريعها.