العين عند الشعوب المختلفة والخرافات التي قيلت عنها
اختلفت اتجاهات الناس وتسمياتهم في مختلف الشعوب عن العين الحاسدة، فالعامة في منطقة الرياض (نجد) يسمــــون العائن (نحوتاً) ولعل ذلك من نحته بمعنى قَشَّره وبراه, كناية عن الهزال, وهو من نتائج العين, ويسمونه (نضولاً) ويسمون الإزلاق نضلاً, فهذا مأخوذ من المناضلة لأنه مراماة, والعائن يرمي بعينه كما في شواهد الشعر الفصيح, ولعل ذلك مأخوذ من (نضل البعير) بمعنى هَزُل, لأن الهزال نتيجة العين, ويسميه أهل الرياض (بُوَارِدِي) أي أنه من الرماة المصوبين ذوي الكفاءة العالية. وهو إطلاقٌ فيه شيء من السخرية والانتقاد اللاذع, وكثيراً ماالتصقت آثار العين بآثار الجن, وعوام الناس يعبرون عن هذا بقولهم: فلان معه سبب، أي : مس جن على آثار نفس, أي: عين(1), ومما اشتهر عن العين تسميتها بـ ( العين الحارة) وفلان ( عينه حارة ) و ( عين الحسود فيها عود) وهذا المثل الشعبي الذي يردده أبناء الجزيرة العربية المقصود به : العملية التي يتم بها علاج الحسد بإشعال عود البخور وتبخير المريض بهذه الرائحة اعتقاداً بأن الحسد يزول عنه, رغم أن هذه خرافة, وقيل : أن العين الحسود لونها دائماً أخضر وفيها عمق النظرات, وهذه خرافة أخرى, وخرافة ثالثة وهي خرافة الأرنب البري, فمنذ أقدم العصور والشعوب الغربية تنظر إلى الأرنب البري نظرة مزدوجة, فهو من جهة رمز للخصوبة لكثرة تناسله, وهو من الجهة الأخرى مرتبط بالأرواح الشريرة والسحرة والظلام, لكونه يعيش تحت الأرض, وهو فوق كل هذا قادر على إصابة المرء بالعين لأن صغارة تولد بعيون مفتوحة لامغلقة, بعكس صغار الحيوانات الأخرى, والاعتقاد بحدوة الحصان الخارقة اعتقاد قديم جداً يعود إلى أيام الرومان, ويقول البحاثة (توليجا) في كتابه (العادات الغريبة) : أن الناس آمنوا بخصائص حدوة الحصان لأن شكلها يشبه شكل الهلال وشكل الكف وكلاهما يعتبر وقاية ضد عين الحسود عند الشعوب القديمة, والمعروف بهذا الشأن أن تلك الشعوب كانت ترهب الهلال, لأنه في تصورهم يغير شكله ويموت ويحيا مرة أخرى, ويضاف إلى هذا أن الحدوة مصنوعة من الحديد وهو معدن طالما أضفت عليه الشعوب الأروبية القديمة خصائص سحرية لأنه يطبخ في النار التي تُطَهِّر من الأرواح الشريرة في زعمهم, وهناك تفسير آخر يعيد هذا الإيمان العميق بقدرات حدوة الحصان الخارقة إلى كون الشعوب الأوروبية القديمة كانـت - والعياذ بالله- تعبد الحيوانات وخاصة الخيل التي كانت ترتبط في الذهن بالأرواح الشريرة, وهكذا برز الاعتقاد بأن تعليق الحدوة على مدخل البيت يبعد الأرواح الشريرة عن المنـزل, والاعتقاد بتعليق رؤوس الغزلان وجلد الذئب في البيوت, واشتهرت أيضاً عبارة ( عين ماصلت على النبي ) لأنهم في اعتقادهم أنك إن لم تصل على النبي ستصيب عينك وهذا لادليل عليه, أو أن ينصحك أحدهم ( بالإكثار من الصلاة والسلام على الرسول ) وهذا والعياذ بالله من اختلاقات الصوفية, حيث يصرون على إقحام الرسول في كل أمر يستدعي الذكر, وكان أهل الحبشة يقطعون الصلة بالعائن فلا يؤاكلونه ولا يجالسونه, ومما اشتهر عن أهل مصر أنهم ينصحون الشخص عند ذكر محاسنه فيقولون له ( امسك الخشب يافلان) وكانوا ولا زال بعضهم يعلقون على صدورهم وفي أماكنهم التمائم التي تأتي على أشكال عيون زرقاء وحمراء أو قطع خشب أو ماشابه, ومنهم من يذبح ذبيحة إذا نزل منـزلاً جديداً ليدرأ عنه ضرر العين وهذا كله لاشك أنه بدعة وشرك , ومما يُروى عن الشاعر الانجليزي (بايرون) الذي عاش في القرن التاسع عشر أنه كان يرى في بعض الأشخاص المحيطين به قدرة على إيذائه وصفها بأنها : قوة النظر الشريرة, لذلك كان يُخفي مخطوطات قصائدة ومحاولاته الأولى حتى تكتمل وتأخذ شكلها النهائي وعندئذ يحملها إلى صديق يثق به ليقرأها عليه وغالباً مايكون هذا الصديق هو الشاعر (شيلي).. ونستطيع بعد هذا الكلام أن نذكر العبارة المشهورة عند العلماء: ( والفضل ماشهدت به الأعداء).
------------------------------------------
مقتطفات من بحث العـين الحاســدة
دراسة شرعية : نظرية وميدانية
بحــث أعــده
1428هـ
2007م
د.حمدان بن محمد الحمدان
المملكة العربية السعودية
جـامعة الملك سعود
كلية التربية
قسم الدراسات الإسلامية