هل العائن يعالج كما يعالج المعيون؟
إن صفة الحسد ، تعتبر صفة غريزية فطرية مغروسة في كل نفس إنسانية قبل أن تكون رذيلة مذمومة. فأصل الحسد هو حب الذات ، وحب الذات لا يوصف بالرذيلة ولا الفضيلة ، فهو صفة فطرية جبلية ، توجد مع الإنسان منذ ولادته ، فالطفل أناني بطبعه ، يتجلى ذلك عندما يستأثر بلعبه على غيره ولو لم يكن بحاجة إليها . والله سبحانه وتعالى ركب فينا صفات فطرية غريزية قابلة للتطور نحو الكمال أو الانحطاط. والمطلوب أن يرتقي المسلم بهذه الصفات إلى الحسن ثم الأحسن وفي ذلك مشقة وعناء ، وهو ابتلاء من الله تعالى لعباده أيهم أحسن عملا. فمثلا حب المال غريزة ترسو في أعماق الإنسان – كل إنسان - *وإنه لحب الخير لشديد* والإنفاق في سبيل الله تهذيب لهذه الغريزة والسير بها نحو الاتجاه الصحيح ، حتى يصل بمجاهدة النفس إلى تحقيق بمعنى قول الله تعالى * لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون * . وكذلك حب الذات إذا زاد عن حده انقلب إلى حسد وكره واستنكار للنعمة على الآخرين ، وإذا نقص عن حده انعدم معه الاحساس بالذات ، والذي يفقد الاحساس بذاته فهو جدير بألا يحس بذوات الآخرين، فحب الذات لابد أن يكون كما أراده الله لنا مبعثا للتنافس في ميادين الخير والعمل الصالح ومع مرور الزمن ودوام المراقبة والمحاسبة يصبح المرء محبا للآخرين ، ومغرما بزرع الجميل في أرجاء هذا الكون بل يقوده ذلك إلى الإيثار والتضحية من أجل الآخرين ، وهو كمال الصفات الإنسانية ، قال تعالى *ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاءولائك هم المفلحون*، إذا فالحسد ، ليس صفة وراثية ، ولا صفة فطرية من أساسها ، بل هي مكتسبة من المحيط والمجتمع ، ومن ثم فعلاجها ممكن إذا توافرت الشروط اللازمة لذلك ، وهي كالتالي :
1- لابد أن يكون العائن مقتنعا بأنه مريض ، وأن مرضه خطير ، على نفسه – أولا- حيث يثقل ميزان سيئته على ميزان حسناته ، فالحسد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .- وثانيا- أن خطره على المجتمع بإلحاق الضرر بأفراده من غير ذنب ولا جريرة ، وربما أودى بحياة بعضهم.
2- أن يقتنع بأن هذا المرض ممكن علاجه كباقي الأمراض .
3- أن تتوافر لديه الرغبة في العلاج ، وهذه الرغبة غالبا ما تتولد من إحساسه بالذنب . وأي ذنب أقبح من الحسد؟ ومحاولته لتغيير نظرة المجتمع – الدونية-إليه
4- العزم على العلاج: وذلك ببذل الجهد في البحث عن طرق العلاج .فإذا توفرت لدى العائن هذه الشروط نقول له فالعلاج يكون كالتالي:
1- الدعاء الصادق : حيث يلجأ إلى الله في خشوع وخضوع ، معلنا توبته الصادقة ، ويطلب منه أن يشفيه من هذا المرض الفتاك ، وليتحين الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء ، مثل ثلث الأخير من الليل وبين الآذان والإقامة...الخ
2- الدعاء بالبركة : فعلى العائن أن يدعو بالبركة على كل شيء تقع عليه عينه فيعجبه ويستحسنه فإن ذلك يمنع إلحاق الضرر بالآخرين – بإذن الله- ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي مر بنا لسيدنا عامر بن ربيعة لما عان سيدنا سهلا بن حنيف : <ألا بركت> ؟ يعني ادع له بالبركة ، والدعاء بالبركة من العائن (كما قال الإمام المناوي ) يكون ذلك رقية منه وليدع بهذه الألفاظ ، أو غيرها مما شابهها : <اللهم بارك عليه> أو <تبارك الله أحسن الخالقين> أو<ما شاء الله لا قوة إلا بالله> أو<ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن تبارك الله أحسن الخالقين> أو <اللهم أحفظه في ماله وأهله وولده> أو < اللهم أبعد عنه أذى العين>...وغيرها من الأدعية المأثورة وغير المأثورة .
3- إرغام النفس على ما تكره : وذلك بترضيها على فعل الخيرات وترك المنكرات لكن بالتدرج ، وكما قال الإمام البصيري رحمه الله في قصيدة البردة: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب المرضاع وإن تفطمه ينفطم .. وليضع نصب عينه أنه لن يدرك نفحات البر والخير ، إلا إذا أنفق مما يحب قال تعالى :* لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون* ولن يكون كامل الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، بل لن يدخل في زمرة المسلمين إلا إذا كف أذاه عن الناس <فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده>.
4- فليحاول أن يقنع نفسه أن الحسد نوع من الاعتراض على الله في حكمه وقضائه ، إذ لم يرضى بما قسم على عباده من نعمة وعطائه. وليعلم أن التمادي في هذا الغي والباطل قد يقوده إلى نهايات لا تحمد عقباها.
5- كثرة قراءة القرآن : بتدبر معانية ، في خشوع وسكينة ، فإنه شفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين ، ولينو عند تلاوته أن يشفيه الله من هذا الداء . قال تعالى:*ويشف صدور قوم مؤمنين*.
6- كثرة المطالعة في كتب الوعظ والإرشاد والأذكار والرقائق ، فإنها من أنجع الأدوية لجميع الأسقام النفسية والروحية والخلقية
-----------------------------
مقتطف من بحث حول الاصابة العين وكيفية علاجها