سؤال:
إذا أعجب أحدهم بشيء وذكر الله , هل ممكن أن يصاب بالعين ؟ وإذا كان أحدهم يشك بذلك الأمر , وهذا يضيق عليه حياته الاجتماعية كثيرا ، وأصبح يخاف من أن ينظر إلى الأشياء أو الأشخاص , علما أنه لا يحسد الناس على ما عندهم ، ولا يحب الأذى لغيره أبدا والله ، ويقرأ القرآن ، ويذكر الله دائما . أرجو المساعدة في فك هذا الكرب عن أخيكم المسلم . جزاكم الله كل خير.
الجواب:
الحمد لِلَّه
أسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويزيل همك .
واعلم أخي السائل الكريم أن الشريعة لا تجيء بالحرج أبدا ، بل من أهم مقاصدها رفع الحرج عن الناس .
قال سبحانه وتعالى : ( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ) المائدة/6
ولا يجوز للمسلم أن يجاري الشيطان لتصير حياته شكا ووسواسا وريبة ، فإنه إن فعل ذلك خسر في دنياه ولم يكسب في آخرته ، ومثل هذه الوساوس إنما هي من مكائد الشيطان اللعين ، يريد أن يحزن الذين آمنوا ، ويريد أن يشق عليهم ، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
فالواجب عليك أخي الكريم قطع جميع هذه الوساوس ، وعدم الالتفات إلى ظنون السوء ، ويكفيك أن تأتي بالذكر المشروع عند رؤية الشيء الحسن ، والله سبحانه وتعالى يدفع عنه العين أو الحسد ، ولا يمكن أن يجتمع ذكر الله مع العين والحسد أبدا .
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( أَلاَ بَرَّكْتَ ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌ )
رواه مالك في "الموطأ" (2/938) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/149)
قال الزرقاني في شرح الموطأ (4/320) : " أي : قلت بارك الله فيك ، فإن ذلك يبطل المعنى الذي يُخاف من العين ، ويُذهب تأثيره " انتهى .
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن نَفسِهِ وَأَخِيهِ مَا يُعجِبُهُ فَلْيَدعُ بِالبَرَكَةِ ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ )
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/240) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه بذكر البركة . ووافقه الذهبي . وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (556)
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/31) :
" فيه دليل على أنّ العين لا تضرّ ولا تعدو إذا برّك العائن ، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك ، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ، والتّبرّك أن يقول : تبارك اللّه أحسن الخالقين ، اللّهمّ بارك فيه .
وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة ، فيقال : اللّهمّ بارك ولا تضرّه .
ويقول : ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه " انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/205) :
" الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة ، ويكون ذلك رقية منه " انتهى .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/547) :
" وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك " انتهى .
ويقول الشيخ الفوزان في "المنتقى" (1/سؤال رقم 87) :
" فإذا خشي العائن أن يضر المنظور ؛ فإنه يقول : اللهم بارك عليه !! وكذلك يُستحَبُّ له أن يقول : ما شاء الله لا قوَّة إلا بالله ؛ لأنه رُويَ عن هشام بن عروة عن أبيه ؛ أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُهُ ، أو دَخلَ حائطًا من حِيطانِهِ ؛ قال : ما شاء الله لا قُوَّةَ إلا بالله .
فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله " انتهى .
وجاء في فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير (5) :
" لا ينبغي للمسلم أن تساوره الشكوك والأوهام والظنون والخوف الزائد من العين فيصاب بأمراض نفسية وغيرها ، وليحسن الظن بالله عز وجل ، وليعلم أن ما أصابه لم يكن إلا بقدر الله تبارك وتعالى ، فليلجأ إلى الله عز وجل ؛ لأنه وحده سبحانه القادر على كشف الضر ورفع البلاء " انتهى .
فإذا رأيت شيئا يعجبك أخي الكريم فادع الله له بالبركة ، ثم لا تلتفت إلى غير ذلك ، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه بدعائك ، ويرد عنه كل سوء ، ولا تترك نفسك في مخاوفها ، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى ذلك لعباده ، مع مجاهدة نفسك على النظر إلى تقدير الله تعالى في كل أمر ، وأن له الحكمة البالغة سبحانه فيما أعطى ومنع ، وخفض ورفع ، لا معقب لحكمه ، ولا مبدل لكلماته سبحانه .
وتذكر دائما ـ يا عبد الله ـ أن أمر الدنيا وما فيها أحقر من أن نتحاسد أو نتعادى من أجله ، كما قال المتنبي :
وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى
وإلى ذلك الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه ) رواه الإمام مالك (1746) أحمد (15550) وغيرهما .
والله أعلم .