جاء صلى الله عليه وسلم فوجد قوماً يتخذون من سوء الجوار خلقاً يختصون به ,
فكثير منهم يظلم ويسئ الجوار لجاره , ولا أحد يعتبر ذلك نقيصة أو خطأ ,
وقد وصف جعفر بن أبي طالب ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم حالهم بينما هو يخاطب النجاشي ملك الحبشة وصفا مختصرا فقال : " إنا كنا أهل جاهلية وشر , نقطع الأرحام , ونسيء الجوار ... " .
فكان الجار لا يأمن من جاره شره , بل إنه كان ينتظر منه الشر في أي لحظة فجاء صلى الله عليه وسلم بهذه القيم الجديدة وهذه الرسالة بأخلاقها وقيمها وفضائلها ورفع قيمة حسن الجوار وأعطى للجار حقوقا كثيرة ساعدت في تأمين المجتمع وإرساء قواعد المحبة والأمن والسلامة والتعاون بين أفراده .
ومحمد صلى الله عليه وسلم في تلك المنطقة المنهجية – بينما هو يضبط حقوق الجار وواجباته يفصح عن أن رسالته لم تكن رسالة منقطعة عن الإصلاح الحياتي الاجتماعي والمعاملاتي , بل هي رسالة إصلاحية لشتى جوانب الحياة .
وحرص صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلن حقوق الجار ويطلب واجباته أن يكون هو ذاته أول من يطبق تلك الحقوق والواجبات ليكون قدوة عملية لغيره في ذلك .
لقد جاءت آيات القرآن تؤكد على حق الجار وتوصي به , فقال سبحانه :
" وبالوالدين احساناً، وبذي القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب وابن السبيل "
النساء
وفي تحديد الجار وما له من حق على جاره, فإن ابن كثير ينقل تفسير الآية ومرادها بالجارفيقول :
الجار ذي القربى: يعني الذي بينك وبينه قرابة،
والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة ،
وينقل رأيا آخر لبعض علماء الإسلام أن :
الجار ذي القربى , يعني الجار المسلم،
والجار الجنب، يعني غير المسلم وكلا القولين يوصي بالجار
وقد نقل أصحابه صلى الله عليه وسلم عنه أحاديث عديدة تشدّد الوصاية بالجار، لمكانة هذا الجار وما له من حقوق يجب أن يهتمّ بها، حيث ظنّ صلى الله عليه وسلم من كثرة ما يوصيه جبريل عليه السلام بالجار، أنه سيورّثه، ويجعله كأنه فرد من أبناء الأسرة فيروي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال : " خير الأصحاب عند الله، خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره " الترمذي ,
وينقل خليفته الثاني عمر بن الخطاب عنه قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يشبع الرجل دون جاره " أخرجه أحمد
ويروي عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيقول أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورّثه " البخاري ,
وكلمة ما زال يوصيني أي إنه كلما لقيه وأراد الانصراف أوصاه بحق الجار , ويؤكد عليه فيه , ويذكره بحسن الجار حتى ظن صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل من كثرة هذه الوصية بالإحسان للجار سيجعل له في مال جاره حقا .
ويحدث صلى الله عليه وسلم حديثا آخر ينبىء عن أقبح المعاصي، وأشدّها إثماً، لما في ذلك من إيذاء للجار، وخيانة لحقّ المجاورة، لأن الواجب على الجار أن يكون أميناً على مال جاره، محافظاً على عرضه أن ينتهك , حماية ودفاعاً ، لكن عندما يأتي الخلل من الجار نفسه ، فإن هذا تعد وتجاوز لا يغتفر عند الله ولا في الدستور الإسلامي , إنه أذية وخيانة ,
فقد روى المقداد بن الأسود ري الله عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوماً، وهو يحدّثهم: " ما تقولون في الزنا؟" قالوا: حرام حرّمه الله ورسوله، وهو حرام إلى يوم القيامة,, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يزني الرجل بعشر نسوة، ايسر من أن يزني بحليلة جاره " قال: " فما تقولون في السرقة؟ " قالوا: حرّمها الله ورسوله، فهي حرام إلى يوم القيامة, قال: " لأن يسرق الرجل من عشرة بيوت، أيسر من أن يسرق من جاره" أخرجه احمد