المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجاً ولا يلتبس " " عليه أمران إلا أظهر الرأي في أحدهما الطبري المغيرة بن شعبة بن أبي عامر الثقفيّ صحابي جليل أسلم قبل الحديبيـة وشهدها وبيعة الرضوان ، كان ضخم القامة ، عبْل الذراعين ، أصهب الشعر جعده ، وكان من دهاة العرب.
إسلامه قبل إسلام المغيرة بن شعبة كان قد قتل ثلاثة عشر مشركاً كانوا قدموا من الإسكندرية بهدايا من المقوقس ، وجاء بها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرى فيها رأيه ، فهي غنيمة من المشركين ، فقبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- إسلامه وردّ هذه وقال : { أمّا إسلامك فنقبله ، ولا آخذ من أموالهم شيئاً ولا أخمّسُهُ لأن هذا غَدْرٌ ، والغدر لا خير فيه }.
وأقام المغيرة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى اعتمر عُمْرة الحديبية ، في ذي القعدة سنة ست من الهجرة ، فكانت أول سفرة خرج معه فيها ، وبعثت قريش عروة بن مسعود يوم الحديبية للرسول -صلى الله عليه وسلم- ليكلّمه فجعل يَمَسُّ لحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُقَنّع في الحديد ، فقال لعروة :{ كُفَّ يَدَكَ قبل أن لا تصل إليك }.
فقال عروة :{ يا محمد ! مَنْ هذا ؟ ما أفظّهُ وأغْلظهُ !!}.
فقال :{ هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة }.
فقال عروة :{ يا غُدَر !-يُذكّر بما فعل بأصحابه قبل إسلامه- والله ما غَسَلْتُ عنّي سَوْأتَك إلا بالأمس }.
وكان قد أدّى دية أولئك عن ابن أخيه ، وانصرف عروة الى قريش.
دهاؤه عن عامر قال :{ القضاة أربعـة : عمـر وعلـيّ وابـن مسعود وأبو موسـى الأشعري ، والدُّهاة أربعـة : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد }.
قال قبيصة بن جابر :{ صحبت المغيرة ، فلو أن المدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بالمكر لخرج المغيرة من أبوابها كلها }.
وقال الطبري :{ كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجاً ، ولا يلتبس عليه أمران إلا أظهر الرأي في أحدهما }.
جهاده كان المغيرة بن شعبة مع أبي سفيان في هدم طاغية ثقيف بالطائف ، وبعثه أبو بكر الصديق الى أهل النُّجَيْـر -حصن منيع باليمن قرب حضر موت لجأ إليه المرتدين- ، وشهد اليمامة وأصيبت عينه يوم اليرمـوك ، ثم كان مع رسـول سعد إلى رستم ، وكان رسول النعمان بن مقرّن إلى أمير الفرس ، وشهد تلك الفتوح.
الإمارة ولاّه عمر بن الخطاب البصرة ففتح مَيْسان ودَسْت ميسان وأبَزْقُبَاذ ، ولقي العجم بالمَرْغاب -نهر البصرة- فهزمهم ، وفتح سوق الأهواز - اليوم تعرف بعربستان- ، وغزا نهر تِيْرَى ومناذر الكبرى وهرب من فيها من الأساورة الى تُسَتُر ، وفتح همذان ، وشهد نهاوند ، وكان على ميسرة النعمان بن مُقَرَّن وكان عمر قد كتب :{ إذا هلك النعمان فالأمير حذيفة ، فإن هلك فالأمير المغيرة }.
وكان أول من وضع ديوان البصرة ، وجمع الناس لِيُعْطَوْا عليه ، وكان أول من سُلِّم عليه بالإمرة.
ثم ولاه عمر الكوفة وأقرّه عثمان ثم عزله فلمّا قُتِل عثمان اعتزل القتال الى أن حضر الحكمين وبايع معاوية بعد إجتماع الناس عليه ، ثم ولاه الكوفة فاستمر عليها حتى توفي.
القوي والضعيف قال عمر بن الخطاب :{ ما تقولون في تولية ضعيف مسلم ، أو قوي فاجر ؟}.
فقال له المغيرة :{ المسلم الضعيف إسلامه لك ، وضعفه عليك وعلى رعيته ، وأمّا القوي الفاجر ففجوره عليه ، وقوته لك ولرعيتك }.
فقال له عمر :{ فأنت هو ، وأنا باعثُكَ يا مغيرة }.
فكان المغيرة على الكوفة سنة وثلاثة أشهر ، وغَزَا أذربيجان سنة عشرين ، وصالح أهلها ، وكفروا بعد ذلك في ولاية عثمان ، فغَزَا الأشعث بن قيس ، ففتح حصوناً لهم بماجروان ثم صالحوه على صلح المغيرة ، فأمضى لهم ذلك.
الرشوة قال المغيرة :{ أنا أول من رشا في الإسلام ، جئت إلى يرفاً حاجب عمر ، وكنت أجالسه ، فقلت له :{ خذ هذه العمامة فالبسها ، فإن عندي أختها }.
فكان يأنس بي ، ويأذن لي أن أجلس من داخل الباب ، فكنت آتي فأجلس في القائلة فيمر المارّ فيقول :{ إنّ للمغيرة عند عمر منزلةً ، إنه ليدخل عليه في ساعة لا يدخل فيها أحداً }.
الكنية استأذن المغيرة على عمر فقال :{ أبو عيسى ؟}.
فقال :{ من أبو عيسى ؟}.
قال :{ المغيرة بن شعبة }.
قال :{ فهل لعيسى من أب ؟}.
فشهد له بعض الصحابة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكنيه بها ، فقال :{ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- غفر له ، وإنّا لا ندري ما يُفعل بنا }.
وكنّاه أبا عبد الله.
أهل البحرين استعمل عمر المغيرة على البحرين فكرهوه ، وشكوا منه فعزله ، فخافوا أن يعيده عليهم ، فجمعوا مائة ألف فأحضرها الدهقان إلى عمر فقال :{ إن المغيرة اختان هذه فأودعها عندي }.
فسأله فقال :{ كذب إنما كانت مائتي ألف }.
فقال :{ وما حملك على ذلك ؟}.
قال :{ كثرة العيال }.
فسُقِطَ في يد الدهقان ، فحلف وأكّد الأيمان أنه لم يُودِع عنده قليلاً ولا كثيراَ ، فقال عمر للمغيرة :{ ما حملك على هذا ؟}.
قال :{ إنه افترى عليّ فأردت أن أخزيَه !}.
الشكر قال المغيرة -رضي الله عنه- :{ اشْكُرْ لمن أنعمَ عليك ، وأنْعِمْ على مَنْ شكرك ، فإنّه لا بقاءَ للنعمة إذا كُفِرت ، ولا زوالَ لها إذا شُكِرَت ، إنّ الشّكر زيادة من النعم ، وأمانٌ من الفقر }.
الزواج كان المغيرة بن شعبة كثير الزواج كثير الطلاق ، وما خلا عن أربعة أزواج أبداً ، وكان يعيب صاحب الزوجة الواحدة فيقول :{ وجدتُ صاحب الواحدة إن زارتْ زَارَ ، وإن حاضت حاض ، وإن نُفِسَت نُفِسَ ، وإن اعتلت اعتلّ معها بإنظاره لها !!}.
الوفاة توفي المغيرة -رضي الله عنه- بالكوفة سنة خمسين للهجرة وهو ابن سبعين سنة.