بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
اختلف السادة الفقهاء في حكم بيع السرجين [ والسرجين ] : هو السماد ، والسماد ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : السماد الطاهر ، والسماد الطاهر هو فضلة ما يؤكل لحمه على أصحَّ قولي العلماء كما هو مذهب الحنفية ، والمالكية ، والحنابلة من حيث الجملة .
أمّا فضلة ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم والطيور التي هي من غير الجارحة هذه طاهرة الفضلة ، فلو أن إنساناً جمع زريبة من الروث أو فضلة الإبل أو البقر أو الغنم فإنها طاهرة من حيث الأصل ، فنقول : هذا سماد طاهر ، السماد الطاهر الذي هو فضلة ما يؤكل لحمه الدليل على طهارته عدة أدلة :
أولها : أن النبي-r - أمر العُرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وهي فضلة الإبل ؛ لأن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حَرُمَ عليها ، فلو كان البول نجساً لما أمرهم أن يشربوه ؛ لأن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حَرُمَ عليها .
ثانياً : أذن بالصلاة في مرابض الغنم ، وهذا ثابت وصحيح عنه ، فلو كان فضلة الغنمة نجسة لما صلى فيها ، ومنع من معاطن الإبل لحكمة أخرى , لأنها مواضع الشياطين ، وصلى على بعيره ، ومن المعلوم أن البعير ربما بال فلطخ ببوله فخذه وساقه ومع ذلك صلى عليه وطاف عليه ، فدلَّ على طهارة فضلة ما يؤكل لحمه ، إنما خُصَّ البعير لأن البعير من حيث الأصل مما يؤكل لحمه فقالوا : ما يؤكل لحمه فضلته طاهرة يشمل هذا الطيور كالعصافير والحمام ، فإن السماد الذي يؤخذ من الحمام تستصلح به الحمضيات كأشجار الليمون ، فإنه إذا وضع لها ذرق الحمام تنفع وتصلح بإذن الله-U- هذا سمادٌ طاهر ، ولو سألك سائل عن وضع مثل هذا النوع من السماد لأشجار الليمون مثلاً تقول : يجوز ولا بأس في ذلك .
كذلك - أيضاً - يُأخـذ روث البقر لاستصلاح النخل ، وهو من أفضل ما يكون لذلك ، فلو سألك هل هو جائز ؟ تقول : روث البقر طاهر ، ويجوز وضعه سماداً . هذا بالنسبة للسماد الطاهر ، السماد الطاهر يجوز بيعه ، فلو أن رجلاً عنده زريبة غنم جاءه من يريد شراء هذه الزريبة وما فيها من الروث- أكرمكم الله- سماداً ، أو قال له : أريد أن اشتري منك هذه الزريبة قال له : بخمسمائة جنيه، ما حكم هذا البيع ؟ تقول : السماد طاهر مقصود لمنفعة مباحة ، وهي استصلاح الزرع ومأذون بها شرعاً بل ومقصودة شرعاً ، فيجوز البيع إذا كان مستوفياً للشروط الأخرى المعتبرة في البيع ، على هذا بيع السماد الطاهر جائز ولا بأس به ؛ لأنه عينٌ مباحة ومنفعتها مباحة ومقصودة شرعاً .
القسم الثاني : وهو السماد النجس : وهو يشمل فضلة الآدمي من بوله وعذرته ، وكذلك - أيضاً - يشمل فضلة الحيوان غير مأكول اللحم كالحمير الأهلية ونحوها ، ولذلك لما أتى عبد الله بن مسعود للنبي-r - بالروثة قيل : إنها من الحمر ، قال : (( إنها رجس ))وعلى هذا يقول العلماء-رحمهم الله- : إذا كانت فضلة من غير مأكول اللحم فهي نجسة ، فإذا سأل سائل ما حكم فَضلة أو السماد النجس ؟ هل يجوز أن يباع السماد النجس أو لا يجوز ؟ اختلف العلماء-رحمهم الله- في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : لا يجوز بيع السماد النجس أو الزبل النجس أو الرجيع النجس والمعنى واحد ، وهذا القول هو مذهب المالكية في المشهور ، وأيضاً هو مذهب الشافعية ، والحنابلة في المشهور ، وهو قول عند الحنفية-رحمهم الله- أنه لا يجوز بيع السماد النجس ؛ لكن المذهب عندهم على الجواز .
القول الثاني : يجوز بيع السماد النجس والزبل النجس ، وهذا هو مذهب الحنفية ، وقال به بعض أصحاب الإمام مالك كابن الماجَشون .
الذين قالوا بالتحريم ، وهم الجمهور استدلوا بأدلة :
أولاً : قوله-تعالى- : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } قالوا : إن الله حرم علينا أكل المال بالباطل ، والباطل هو الذي لا وجه له ولا حقَّ فيه ، فإذا كان السماد نجساً فإن النجس لا قيمة له ، النجاسة لا قيمة لها فدفع المال في مقابلها يكون من أكل أموال الناس بالباطل .
ثانياً : استدلوا بقوله-عليه الصلاة والسلام- : (( إن الله إذا حرم على قوم شيئاً حرم عليهم ثمنه )) والسماد نجس حرام فيحرم أكل ثمنه ، كذلك - أيضاً - قالوا : إن الأصل عدم جواز بيع النجاسة ، والزبل النجس من النجاسات ، والأصل في هذا حديث جابر بن عبدالله - كما قدمنا - .
واستدل الذين قالوا بالجواز بدليلين :
الدليل الأول : الإجماع .
والدليل الثاني : العقل .
أما دليلهم من الإجماع فقالوا : إن الناس من العصور القديمة يتبايعون ويبعون السماد والزبل النجس ولم ينكر عليهم أحد ، فيكون هذا بمثابة الإجماع .
والدليل الثاني : قالوا : إن الحاجة داعية إلى بيع الزبل النجس ولو لم نقل بجوازه لكان في ذلك حرجٌ ومشقة ، والشريعة لا حرج فيها ولا مشقة ، وبناءً على ذلك يجوز بيع الزبل النجس ، معنى هذا الدليل الذي قرروه من النظر يقولون : إن الزبل النجس يستصلح النبات وهذا يحتاجه الفلاح ويحتاجه الناس ، أمّا الفلاح فلأنّ إنتاجه ومحصوله لا يصلح إلا بهذا النوع من السماد ، وأمّا الناس فإنه إذا تضرر الفلاح وكان نتاج الفلاحة قليلاً فإن هذا يضرُّ بالسوق ويضرُّ بالناس ، فحينئذٍ يقولون فيه حرجٌ ومشقة ، لو قلنا لا يجوز أوقعنا الناس في الحرج ، والشريعة لا تـوقع الناس في الحرج والمشقة فإذن القول بعدم الجواز فيه حرج فيجوز البيع دفعاً للحرج والمشقة ، قال -تعالى- : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } .
هذا والله أعلم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم