لقد فرضت تكنولوجيا الإعلام و التواصل نفسها اليوم في جميع الميادين، بما فيها الميدان التربوي، و لم يعد يخفى على أحد ما لهذه التكنولوجيات من إيجابيات حاسمة في اقتصاد الزمن و الجهد و التكلفة، و في تحقيق جودة و فعالية المنظومة التعليمية.
فما هي الإضافات النوعية التي يمكن لهذا المستجد أن يحققها للمنظومة التربوية و الممارسة التعليمية ببلادنا ؟ و إلى أي حد نجحت الوزارة الوصية في توفير الأرضية المناسبة لإدماج هذه التكنولوجيات في الحقل التربوي ؟ و ما هي الإكراهات التي لا زالت تقف حجر عثرة أمام هذا التوجه ؟
يستدعي التطور المعرفي و انفتاح البيداغوجيا على الوسائل الحديثة للاتصال و التواصل، أن يتم تنويع الوسائط و الدعامات البيداغوجية و الديداكتيكية، من خلال إدماج تكنولوجيا المعلوميات باعتبارها مصدراً فعالا في الممارسة التربوية ، و معينا ثرّا لتطوير موارد و أدوات شبكة التعليم و التعلم.
و يمكننا أن نحدد أدوارهذه التكنولوجيا في تطوير آلية الاشتغال و الإبداع بالمدرسة المغربية ، في بعدين أساسيين يحتضنان الكثير من الإيجابيات:
1ـ البعد البيداغوجي الديداكتيكي: له علاقة بالمواد المدرّسة و بناء التعلمات و الكفايات، فتكنولوجيا الإعلام و التواصل تساعدنا بيداغوجيا على بناء الوضعيات التعلمية التعليمية من خلال التمهيد للدرس و بنائه ،و إجراء التقييمات التفاعلية، و دعم و إغناء تعلمات و قدرات المتعلمين، و توفير وسائل إيضاح رقمية غنية و مشوقة(نص،صوت،صورة...).
و بما أن المتعلم مطالب دوما بالعمـل التـعاوني في سـياق مشـروع ذي دلالة في واقعه المعيش، فإنـه من الضروري الحديث عن إعادة البناء لمعارفه التي تتماشى و الأسس الاجتماعية/البنائية؛ ذلك أنّ مساهمـة هذه التكنولوجيا تسمح بإثراء المحتويات. و من هنا يمكن بسط الأهمية البيداغوجية لتكنولوجيا الإعلام و الاتصال كالآتي:
+ تحيمل التلميذ (ة) مسؤولية التحصيل المعرفي و دعم قدرته على البحث، و توفير ظروف العمل الجماعي داخلياً وخارجياً.
+ توقظ في المتعلم روح الفضول الثقافي و مهارة التساؤل.
+ تسمح له بوضع أفكاره على المحك وجها لوجه أمام أقرانه أو مدرسيه، مما يمكنه أيضا من تنمية محفزاته و دوافعه للتعلم.
+ تمكن المتعلم من إدماج معارفه و إقامة روابط بينها و تنظيمها.
+ تشجع على بيداغوجيا الاستكشاف بدلا من بيداغوجيا تراهن على استهلاك المعارف.
2ـ بعد تكنولوجي: يسعى إلى بناء و تطوير المهارات و المعارف التكنولوجية و المعلوماتية لدى المتعلمين، فبقدر ما تساعد تكنولوجيا الإعلام و التواصل التلميذ (ة) على البحث و الاستكشاف و تعميق المعرفة، فإنها تمكنه أيضا من التواصل و التبادل و التحاور دون اعتبار لإكراهات المكان أو الزمان،بحيث تضـع بين يديـه إمكانات التحليق في هذا الفـضاء أو ذاك، ممّا يساعده على الـذهاب إلى ما وراء سياق المدرسة و تجاوزها لإقامة شبكة من الشركاء و تكـوين فريق يتعامل معه بشكل مألوف، بل المثابـرة على التـعامل مع أكثر من شريك في شتى أصقاع العالم، و الوصول إلى إحداث تجمع تربوي موسع.
و نظرا لوعي الجهة الرسمية المسؤولة على التعليم (وزارة التربية الوطنية) بأهمية توظيف تكنولوجيا المعلومات و الاتصال في المنظومة التعليمية، فقد عملت على ايلاء هذا الموضوع أهمية قصوى، حيث بادرت في العشرية الأولى من هذه الألفية إلى خلق برامج و مشاريع طموحة هدفها تعميم الوسائط التكنولوجية لتحقيق الاستفادة من مصادر المعلومات و بنوك المعطيات، و من بين هذه المشاريع نذكر برنامج "جيني" الذي استهدف تجهيز المؤسسات التعليمية بقاعات متعددة الوسائط و تكوين 30 ألف مدرس في مجال المعلوميات. بالإضافة إلى إطلاق برنامج"نافذة " من طرف مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية و التكوين، لتمكين حوالي 100000 من المدرسين من الحواسيب المحمولة مع الربط بشبكة الأنترنيت، و بأثمنة تفضيلية،وذلك من أجل دمج تكنولوجيا الإعلام و التواصل في المنظومة البيداغوجية و الديداكتيكية والتأطيرية و التواصلية. هذا دون أن ننسى تزويد مديرات و مديري المؤسسات التعليمية بمعدات معلوماتية تضم حاسوباً محمولا و طابعة و برمجيات لتحسين تدبير المؤسسات التعليمية. كما يجدر بنا أيضا الإشارة في هذا السياق إلى دورات الملتقى الوطني للأساتذة المجددين بتعاون مع "مايكروسوفت " من أجل الارتقاء بالابتكار التربوي و تحفيز الكفاءات التربوية التي أبانت عن مؤهلاتها في هذا المجال.
و أخيرا نشير إلى شروع الوزارة الوصية في إنشاء مختبر وطني لإنتاج و تطوير الموارد الرقمية، و إدخال السبورات التفاعلية إلى الفصول الدراسية، لإشراك المتعلمين ـ تقنيا ـ في بناء تعلماتهم ...... وغيرها من البرامج والمشاريع التي تتوخى دمج تكنولوجيا التعليم في منظومة التربية و التكوين لتحديثها و تجويد فعاليتها، و تقليص الفجوة الرقمية بيننا و الدول المتقدمة.
و مع اعتقادنا الجازم أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح و لو بطريقة بطيئة ، علينا أن نقر أنه ـ و رغم كل هذه المشاريع الطموحة ـ إلا أنها لازالت جنينية و غير كافية كما و نوعا، و غير معممة على كل المؤسسات التعليمية و المتعلمين و المدرسين،نظرا للاختلالات التي لازالت قائمة في منظومتنا التعليمية، و نذكر من بينها:
ـ أن عدد كبيرا من المدارس غير مرتبط بشبكة الكهرباء و الاتصالات(خصوصا في العالم القروي أكثر من 60%)،
ـ تردي جل الحجرات الدراسية تجهيزيا و عمرانيا(أكثر من 9 آلاف حجرة غير صالحة للدراسة)،
ـ تدني التكوينات الأساسية و المستمرة و عدم مواكبتها لمستجدات تكنولوجيا التعليم،
ـ تفعيل القاعات المتعددة الوسائط الموجودة لم يرق بعد إلى مستوى تطوير و إغناء الممارسة البيداغوجية على مستوى المؤسسة التعليمية، باستثناء مبادرات بعض مديرات و مديري المؤسسات التعليمية، واجتهادات بعض الممارسين التربويين القائمة على التطوع في غياب موارد بشرية مؤهلة لتنشيط هذه الفضاءات.
و يمكن في هذه النقطة استغلال القاعات المجهزة باقتسام تنشيطها بين الأساتذة و التلاميذ الذين يمتلكون مؤهلات في مجال تكنولوجيا الإعلام و الاتصال، و اعتماد شراكات مع جمعيات المجتمع المدني و مع القطاع الخاص.
ـ أن العقل المدبر و المستعمل و المستثمر للآلات التكنولوجية هو الحاسم في مسألة التوظيف المجتمعي للتكنولوجيا الحديثة، و في تحديد غاياتها و وظائفها؛ فإذا كان العقل (و العقليات) المستعمل للتكنولوجيا متخلفا و فاسدا، فلن تكون النتيجة المنطقية لتوظيف التكنولوجيا سوى ترسيخ للتخلف و الفساد بطرق حديثة.
خلاصة القول أن جل سلبيات إدماج تكنولوجيا التعليم بمنظومتنا التعليمية لها علاقة بنيوية بإشكالية تحديث مؤسساتنا و منظومتنا التربوية و التكوينية ، و بكيفية و إرادة تجاوز منظومات التخلف و التقليدانية السلبية تربويا و ثقافيا و سياسيا و اقتصاديا و تكنولوجيا.
و إذا كانت عملية إدماج تكنولوجيات الإعلام و التواصل في المنظومة التربوية ببلادنا تحديا كبيرا و طريقا شاقا، فإنه طريق يستحق أن نسير فيه بلا هوادة، و ذلك من أجل بلوغ المدرسة الجديدة و المتجددة التي ينشدها المجتمع، و ترومها كل المشاريع الإصلاحية.
منقول لعيونكم