حصار المسلمين الثاني للقسطنطينية تم ما بين عامي 98 - 100هـ/ 717-718م في محاولة لفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية بجيش بري واسطول بحري من قبل الأمويين زمن الخليفة سليمان بن عبد الملك وبقيادة مسلمة بن عبد الملك، وقد دام الحصار 12 شهرا ولم يتمكن من دخولها[4]، بسبب مناعة أسوارها، وهجوم البلغار وكثافة النار الإغريقية التي تنهمر من المدينة، وبسبب خيانة إليون الذي طلب من المسلمين احراق الطعام، وقد جهد المسلمون جهدا عظيما حتى توفي الخليفة سليمان وتولى من بعده عمر بن عبد العزيز الخلافة وطلب من مسلمة العودة بجيشه[2]. وقد ينظر إلى تلك المعركة بأنها شبيهة بمعركة بلاط الشهداء حيث أوقفت تقدم المسلمين إلى أوروبا جهة المشرق لمدة 700 عام حتى زمن العثمانيين.
البداية
بعد فشل المحاولة الأولى لفتح القسطنطينية عام 54-60 هـ (674-679 م)، حاول الخليفة سليمان بن عبد الملك أن يرسل العساكر إلى القسطنطينية، فاشار عليه موسى بن نصير بان يفتح ما دونها من المدن والرساتيق والحصون، حتى يبلغ المدينة فلا ياتيها إلا وقد هدمت حصونها ووهنت قوتها، فاذا فعلت ذلك لم يبق بينك وبينها مانع، فيعطوا بأيديهم ويسلموا لك البلد، ثم استشار اخاه مسلمة فاشار عليه بان يدع ما دونها من البلاد ويفتحها عنوة، فمتى ما فتحت فان باقي ما دونها من البلاد والحصون بيدك، فقال سليمان: هذا هو الراي ثم اخذ في تجهيز الجيوش من الشام والجزيرة السورية والموصل نحواً من مائة وعشرين ألف مقاتل، وبعث من اهل مصر وأفريقية ألف مركب في البحر عليهم عمر بن هبيرة، وعلى الناس كلهم اخوه مسلمة، ومعه ابنه داود بن سليمان بن عبد الملك في جماعة من اهل بيته، وذلك كله عن مشورة موسى بن نصير.
ثم سار سليمان حتى نزل مرج دابق قرب حلب، فاجتمع اليه الناس أيضا من المتطوعة، فاجتمع له جند عظيم لم ير مثله، ثم امر مسلمة ان يرحل بالجيوش واخذ معه اليون الرومي المرعشي، ثم ساروا حتى نزلوا على القسطنطينية، فحاصرها إلى ان برح بهم وعرض اهلها الجزية على مسلمة فابى إلا أن يفتحها عنوة، قالوا: فابعث الينا إليون نشاوره، فارسله اليهم، فقالوا له: رد هذه العساكر عنا ونحن نعطيك ونملكك علينا، فرجع إلى مسلمة، فقال: قد اجابوا إلى فتحها غير انهم لا يفتحونها حتى تتنحى عنهم، فقال مسلمة: اني اخشى غدرك، فحلف له ان يدفع اليه مفاتيحها وما فيها، فلما تنحى عنهم اخذوا في ترميم ما تهدم من اسوارها واستعدوا للحصار.
مساعدة البلغار للقسطنطينية
لما ضيق مسلمة ابن عبد الملك بمحاصرته على اهل القسطنطينية، وتتبع المسالك واستحوذ على ما هنالك من الممالك، كتب اليون ملك الروم إلى ملك البرجان يستنصره على مسلمة، ويقول له: ليس لهم همة الا في الدعوة إلى دينهم، الاقرب منهم فالاقرب، وانهم متى فرغوا مني خلصوا اليك، فمهما كنت صانعاً حينئذ فاصنعه الآن، فعند ذلك شرع لعنه الله في المكر والخديعة، فكتب إلى مسلمة يقول له: ان اليون كتب اليّ يستنصرني عليك، وانا معك فمرني لما شئت. فكتب اليه مسلمة: اني لا اريد منك رجالاً ولا عدداً، ولكن ارسل الينا بالميرة فقد قلَّ ما عندنا من الازواد. فكتب اليه: اني قد ارسلت اليك بسوق عظيمة إلى مكان كذا وكذا، فارسل من يتسلمها ويشتري منها. فاذن مسلمة لمن شاء من الجيش ان يذهب إلى هناك فيشتري له ما يحتاج اليه، فذهب خلق كثير فوجدوا هنالك سوقاً هائلةً، فيها من أنواع البضائع الامتعة والاطعمة، فاقبلوا يشترون، واشتغلوا بذلك، ولا يشعرون بما ارصد لهم الخبيث من الكمائن بين تلك الجبال التي هنالك، فخرجوا عليهم بغتة واحدة فقتلوا خلقاً كثيراً من المسلمين واسروا اخرين، وما رجع إلى مسلمة الا القليل منهم، وتقول المراجع اليونانية بأن قتلى المسلمين من تلك العملية ما بين 12,000-15,000 رجل، فكتب مسلمة بذلك إلى اخيه سليمان يخبره بما وقع من ذلك، فارسل جيشاً كثيفاً صحبة شراحيل بن عبيدة هذا، وامرهم ان يعبروا خليج القسطنطينية اولاً فيقاتلوا ملك البرجان، ثم يعودوا إلى مسلمة، فذهبوا إلى بلاد البرجان وقطعوا اليهم تلك الخلجان، فاقتتلوا معهم قتالاً شديداً، فهزمهم المسلمون باذن الله، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وسبوا واسروا خلقاً كثيراً، وخلصوا اسرى المسلمين، ثم تحيزوا إلى مسلمة فكانوا عنده حتى استقدم الجميع عمر بن عبد العزيز خوفاً عليهم من غائلة الروم وبلادهم، ومن ضيق العيش، وقد كان لهم قبل ذلك مدة طويلة.[2]
شتاء القسطنطينية
وماكاد يمضي ستة شهور على دخول ليو إلى القسطنطينية (25 مارس 717)، أي في سبتمبر من نفس العام حتى تحرك المسلمون من برجاموس نحو الشمال، فبلغوا ابيدوس الواقعة على بوغاز الدردنيل، ولما عبروا الشاطئ الأوربي، وجدوا انفسهم أمام أسوار القسطنطينية، وفي الوقت نفسه كان الإسطول البحري يجتاز الدردنيل وبحر مرمرة محاصرا المدينة جهة البحر. واستمات إليون (ليو الثالث) بالدفاع عن المدينة، إذ أغلق مداخل البوسفور بسلسلة ضخمة من الحديد وشحن الجنود على الأسوار لمنع المسلمين من اقتحامها[5]. وقد عمل مسلمة بيوتا من خشب أمضى بها الشتاء، غير أن برد الشتاء بلغ من القسوة والشدة ماعانى منه المسلمون كثيرا من الجوع والأمراض، حتى أنهم أكلوا الجمال والخيول والبغال. وأيضا محاولة إليون مفاوضة البلغار، فهاجموا المسلمين الذين حاصروا المدينة من الجانب الأوربي، وردوهم عنها، وما سببته النيران الإغريقية من خسائر فادحة بالإسطول. وزاد الأمر سوءا تواطؤ البحارة المسيحيين الذين يعملون بالإسطول الإسلامي مع البيزنطيين، وقد هرب معظمهم. وقد وصلت إمدادات من مصر حوالي 400 سفينة ومن أفريقية 360 سفينة خلال ربيع من عام 718/ 99هـ، ولكن ذلك لم يغير من مجريات الحرب، وظلت أسوار المدينة مستعصية على المسلمين[3]. فترتبت تلك العوامل على تراجع الإسطول الإسلامي نحو الجنوب، وفي أثناء تراجعه صادفته عواصف شديدة، فتحطمت سفن عديدة ونفذت أقوات الجند، مما أدى إلى اضطرار المسلمين إلى رفع الحصار والعودة إلى الشام في أغسطس عام 718.