[b]إبراهيم بن أدهم قصة و عبرة
ابن منصور بن يزيد بن جابر ، القدوة الإمام العارف ، سيد الزهاد أبو إسحاق العجلي ، وقيل : التميمي ، الخراساني البلخي ، نزيل الشام . مولده [ ص: 388 ] في حدود المائة .
[/b]
حدث عن : أبيه ، ومحمد بن زياد الجمحي -صاحب أبي هريرة - وأبي إسحاق السبيعي ، ومنصور بن المعتمر ، ومالك بن دينار ، وأبي جعفر محمد بن علي ، وسليمان الأعمش ، وابن عجلان ، ومقاتل بن حيان .
حدث عنه : رفيقه سفيان الثوري ، وشقيق البلخي ، وبقية بن الوليد ، وضمرة بن ربيعة ، ومحمد بن حمير ، وخلف بن تميم ، ومحمد بن يوسف الفريابي ، وإبراهيم بن بشار الخراساني خادمه ، وسهل بن هاشم ، وعتبة بن السكن ، وحكى عنه الأوزاعي ، وأبو إسحاق الفزاري .
قال البخاري : قال لي قتيبة : إبراهيم بن أدهم تميمي يروي عن منصور . قال : ويقال له : العجلي . وقال ابن معين : هو من بني عجل . وذكر المفضل الغلابي : أنه هرب من أبي مسلم ، صاحب الدعوة .
قال النسائي : هو ثقة مأمون ، أحد الزهاد . وعن الفضل بن موسى ، قال : حج والد إبراهيم بن أدهم وزوجته ، فولدت له إبراهيم بمكة .
وعن يونس البلخي قال : كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف ، وكان أبوه كثير المال والخدم ، والمراكب والجنائب والبزاة فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يركضه ، إذا هو بصوت من فوقه : يا إبراهيم : ما هذا العبث ؟ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا اتق الله ، عليك بالزاد ليوم الفاقة . فنزل عن دابته ، ورفض الدنيا . وفي " رسالة القشيري " ، قال : هو من كورة بلخ ، من أبناء الملوك ، أثار ثعلبا أو أرنبا ، فهتف به هاتف : ألهذا [ ص: 389 ] خلقت ؟ أم بهذا أمرت ؟ فنزل ، وصادف راعيا لأبيه ، فأخذ عباءته ، وأعطاه فرسه ، وما معه ، ودخل البادية ، وصحب الثوري والفضيل بن عياض ، ودخل الشام ، وكان يأكل من الحصاد وحفظ البساتين ، ورأى في البادية رجلا ، علمه الاسم الأعظم فدعا به ، فرأى الخضر ، وقال : إنما علمك أخي داود . رواها على بن محمد المصري الواعظ .
حدثنا أبو سعيد الخراز ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثني إبراهيم بن أدهم بذلك ، لما سألته عن بدء أمره . ورويت عن ابن بشار بإسناد آخر ، وزاد ،
قال : فسألت بعض المشايخ عن الحلال ، فقال : عليكم بالشام ، فصرت إلى المصيصة فعملت بها أياما ، ثم قيل لي : عليك بطرسوس فإن بها المباحات ، فبينا أنا على باب البحر ، اكتراني رجل أنطر بستانه ، فمكثت مدة .
قال المسيب بن واضح : حدثنا أبو عتبة الخواص : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : من أراد التوبة ، فليخرج من المظالم ، وليدع مخالطة الناس ، وإلا لم ينل ما يريد .
قال خلف بن تميم : سمعت إبراهيم يقول : رآني ابن عجلان ، فاستقبل القبلة ساجدا ، وقال : سجدت لله شكرا حين رأيتك . .
قال عبد الرحمن بن مهدي : قلت لابن المبارك : إبراهيم بن أدهم ممن [ ص: 390 ] سمع ؟ قال : قد سمع من الناس ، وله فضل في نفسه ، صاحب سرائر ، وما رأيته يظهر تسبيحا ، ولا شيئا من الخير ، ولا أكل مع قوم قط ، إلا كان آخر من يرفع يده . أبو نعيم : سمعت سفيان يقول : كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل ، ولو كان في الصحابة ، لكان رجلا فاضلا .
قال بشر الحافي : ما أعرف عالما إلا وقد أكل بدينه ، إلا وهيب بن الورد وإبراهيم بن أدهم ، ويوسف بن أسباط ، وسلما الخواص . .
قال شقيق بن إبراهيم : قلت لإبراهيم بن أدهم : تركت خراسان ؟ قال : ما تهنأت بالعيش إلا في الشام ، أفر بديني من شاهق إلى شاهق ، فمن رآني يقول : موسوس ، ومن رآني يقول : جمال ، يا شقيق : ما نبل عندنا من نبل بالجهاد ولا بالحج ، بل كان بعقل ما يدخل بطنه .
قال خلف بن تميم : سألت إبراهيم : منذ كم قدمت الشام ؟ قال : منذ أربع وعشرين سنة ، ما جئت لرباط ولا لجهاد ، جئت لأشبع من خبز الحلال .
وعن إبراهيم ، قال : الزهد فرض ، وهو الزهد في الحرام . وزهد سلامة ، وهو : الزهد في الشبهات . وزهد فضل ، وهو : الزهد في الحلال . [ ص: 391 ] يحيى بن عثمان البغدادي : حدثنا بقية ، قال : دعاني إبراهيم بن أدهم إلى طعامه ، فأتيته ، فجلس ، فوضع رجله اليسرى تحت أليته ، ونصب اليمنى ، ووضع مرفقه عليها ، ثم قال : هذه جلسة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجلس جلسة العبد ، خذوا بسم الله . فلما أكلنا ، قلت لرفيقه : أخبرني عن أشد شيء مر بك منذ صحبته . قال : كنا صياما ، فلم يكن لنا ما نفطر عليه ، فأصبحنا ، فقلت : هل لك يا أبا إسحاق أن نأتي الرستن فنكري أنفسنا مع الحصادين ؟ قال : نعم . قال : فاكتراني رجل بدرهم ، فقلت : وصاحبي ؟
قال : لا حاجة لي فيه ، أراد ضعيفا . فما زلت به حتى اكتراه بثلثين ، فاشتريت من كرائي حاجتي ، وتصدقت بالباقي ، فقربت إليه الزاد ، فبكى وقال : أما نحن فاستوفينا أجورنا ، فليت شعري أوفينا صاحبنا أم لا ؟ فغضبت ، فقال : أتضمن لي أنا وفيناه . فأخذت الطعام فتصدقت به .
وبالإسناد عن بقية ، قال : كنا مع إبراهيم في البحر ، فهاجت ريح ، واضطربت السفينة ، وبكوا ، فقلنا : يا أبا إسحاق ! ما ترى ؟ فقال : يا حي حين لا حي ، ويا حي قبل كل حي ، ويا حي بعد كل حي ، يا حي ، يا قيوم ، يا محسن ، يا مجمل ! قد أريتنا قدرتك ، فأرنا عفوك . فهدأت السفينة من ساعته .
ضمرة : سمعت ابن أدهم ، قال : أخاف أن لا أؤجر في تركي أطايب الطعام ; لأني لا أشتهيه . وكان إذا جلس على طعام طيب ، قدم إلى أصحابه ، [ ص: 392 ] وقنع بالخبز والزيتون . محمد بن ميمون المكي : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : قيل لإبراهيم بن أدهم : لو تزوجت ؟ قال : لو أمكنني أن أطلق نفسي لفعلت . .
عن خلف بن تميم ، قال : دخل إبراهيم الجبل ، واشترى فأسا ، فقطع حطبا ، وباعه ، واشترى ناطفا وقدمه إلى أصحابه ، فأكلوا ، فقال يباسطهم : كأنكم تأكلون في رهن .
عصام بن رواد بن الجراح : حدثنا أبي ، قال : كنت ليلة مع إبراهيم بن أدهم ، فأتاه رجل بباكورة ، فنظر حوله هل يرى ما يكافئه ، فنظر إلى سرجي ، فقال : خذ ذاك السرج ، فأخذه ، فسررت حين نزل مالي بمنزلة ماله . .
قال علي بن بكار : كان إبراهيم من بني عجل كريم الحسب ، وإذا حصد ، ارتجز ، وقال :
اتخذ الله صاحبا ودع الناس جانبا
وكان يلبس فروا بلا قميص ، وفي الصيف شقتين بأربعة دراهم : إزار ورداء ، ويصوم في الحضر والسفر ، ولا ينام الليل ، وكان يتفكر ، ويقبض أصحابه أجرته ، فلا يمسها بيده ، ويقول : كلوا بها شهواتكم ، وكان ينطر [ ص: 393 ] وكان يطحن بيد واحدة مدين من قمح
قال أبو يوسف الغسولي : دعا الأوزاعي إبراهيم بن أدهم ، فقصر في الأكل ، فقال : لم قصرت ؟ قال : رأيتك قصرت في الطعام . بشر الحافي : حدثنا يحيى بن يمان ، قال : كان سفيان إذا قعد مع إبراهيم بن أدهم ، تحرز من الكلام . عبد الرحمن بن مهدي ، عن طالوت : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : ما صدق الله عبد أحب الشهرة .
قلت : علامة المخلص الذي قد يحب شهرة ، ولا يشعر بها ، أنه إذا عوتب في ذلك ، لا يحرد ولا يبرئ نفسه ، بل يعترف ، ويقول : رحم الله من أهدى إلي عيوبي ، ولا يكن معجبا بنفسه ، لا يشعر بعيوبها ، بل لا يشعر أنه لا يشعر ، فإذا هذا داء مزمن .
عصام بن رواد : سمعت عيسى بن خازم النيسابوري يقول : كنا بمكة مع إبراهيم بن أدهم ، فنظر إلى أبي قبيس ، فقال : لو أن مؤمنا ، مستكمل الإيمان ، يهز الجبل لتحرك ، فتحرك أبو قبيس فقال : اسكن ، ليس إياك أردت .
قال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن منصور ، حدثنا الحارث بن النعمان ، قال : كان إبراهيم بن أدهم يجتني الرطب من شجر البلوط . [ ص: 394 ] وعن مكي بن إبراهيم ، قال : قيل لابن أدهم : ما تبلغ من كرامة المؤمن ؟ قال : أن يقول للجبل : تحرك ، فيتحرك . قال فتحرك الجبل ، فقال : ما إياك عنيت . .
وعن إبراهيم بن أدهم ، قال : كل ملك لا يكون عادلا ، فهو واللص سواء ، وكل عالم لا يكون تقيا ، فهو والذئب سواء ، وكل من ذل لغير الله ، فهو والكلب سواء .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الجلودي وغيره : أن عبد الله بن اللتي أخبرهم ، قال أنبأنا جعفر بن المتوكل ، أنبأنا أبو الحسن بن العلاف ، حدثنا الحمامي ، حدثنا جعفر الخلدي ، حدثني إبراهيم بن نصر ، حدثنا إبراهيم بن بشار : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : وأي دين لو كان له رجال ! من طلب العلم لله ، كان الخمول أحب إليه من التطاول ، والله ما الحياة بثقة ، فيرجى نومها ، ولا المنية بعذر ، فيؤمن عذرها ، ففيم التفريط والتقصير والاتكال والإبطاء ؟ قد رضينا من أعمالنا بالمعاني ، ومن طلب التوبة بالتواني ، ومن العيش الباقي بالعيش الفاني .
وبه : قال ابن بشار : أمسينا مع إبراهيم ليلة ، ليس لنا ما نفطر عليه ، فقال : يا ابن بشار ! ماذا أنعم الله على الفقراء والمساكين من النعيم والراحة ، لا يسألهم يوم القيامة عن زكاة ، ولا حج ، ولا صدقة ، ولا صلة رحم ! لا تغتم ، فرزق الله سيأتيك ، نحن -والله- الملوك الأغنياء ، تعجلنا الراحة ، لا نبالي على أي حال كنا إذا أطعنا الله . ثم قام إلى صلاته ، وقمت إلى صلاتي ، فإذا برجل قد جاء بثمانية أرغفة ، وتمر كثير ، فوضعه ، فقال : كل يا مغموم . [ ص: 395 ] فدخل سائل ، فأعطاه ثلاثة أرغفة مع تمر ، وأعطاني ثلاثة ، وأكل رغيفين . وكنت معه ، فأتينا على قبر مسنم ، فترحم عليه ، وقال : هذا قبر حميد بن جابر ، أمير هذه المدن كلها ، كان غارقا في بحار الدنيا ، ثم أخرجه الله منها . بلغني أنه سر ذات يوم بشيء ، ونام ، فرأى رجلا بيده كتاب ، ففتحه ، فإذا هو كتاب بالذهب : لا تؤثرن فانيا على باق ، ولا تغترن بملكك ، فإن ما أنت فيه جسيم لولا أنه عديم ، وهو ملك لولا أن بعده هلك ، وفرح وسرور لولا أنه غرور ، وهو يوم لو كان يوثق له بغد ، فسارع إلى أمر الله ، فإن الله قال : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فانتبه فزعا ، وقال : هذا تنبيه من الله وموعظة . فخرج من ملكه ، وقصد هذا الجبل ، فعبد الله فيه حتى مات .
وروي أن إبراهيم بن أدهم حصد ليلة ما يحصده عشرة ، فأخذ أجرته دينارا .
أنبأنا أحمد بن سلامة ، عن عبد الرحيم بن محمد ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا السراج : سمعت إبراهيم بن بشار يقول : قلت لإبراهيم بن أدهم : كيف كان بدء أمرك ؟ قال : غير ذا أولى بك .
قال : قلت : أخبرني لعل الله أن ينفعنا به يوما . قال : كان أبي من الملوك المياسير ، وحبب إلينا الصيد ، فركبت ، فثار أرنب أو ثعلب ، فحركت فرسي ، فسمعت نداء من ورائي : ليس لذا خلقت ، ولا بذا أمرت . فوقفت أنظر يمنة ويسرة ، فلم أر أحدا ، فقلت : لعن الله إبليس ، ثم حركت فرسي ، فأسمع نداء أجهر من ذلك : يا إبراهيم ! ليس لذا خلقت ، ولا بذا أمرت فوقفت أنظر فلا أرى أحدا ، فقلت : لعن الله إبليس ، فأسمع نداء من قربوس سرجي [ ص: 396 ] بذاك ، فقلت : أنبهت ، أنبهت ، جاءني نذير ، والله لا عصيت الله بعد يومي ما عصمني الله ، فرجعت إلى أهلي ، فخليت فرسي ، ثم جئت إلى رعاة لأبي ، فأخذت جبة كساء ، وألقيت ثيابي إليه ، ثم أقبلت إلى العراق ، فعملت بها أياما ، فلم يصف لي منها الحلال ، فقيل لي : عليك بالشام ، فذكر حكاية نطارته الرمان ، وقال الخادم له : أنت تأكل فاكهتنا ، ولا تعرف الحلو من الحامض ؟ قلت : والله ما ذقتها . فقال : أتراك لو أنك إبراهيم بن أدهم ، فانصرف ، فلما كان من الغد ، ذكر صفتي في المسجد ، فعرفني بعض الناس ، فجاء الخادم ومعه عنق من الناس ، فاختفيت خلف الشجر ، والناس داخلون ، فاختلطت معهم وأنا هارب .
قد سقت أخبار إبراهيم في " تاريخي " أزيد مما هنا ، وأخباره في : " تاريخ دمشق " وفي : " الحلية " وتآليف لابن جوصا ، وأخباره التي رواها ابن اللتي ، وأشياء . وثقه الدارقطني .
وتوفي سنة اثنتين وستين ومائة وقبره يزار ، وترجمته في " تاريخ دمشق " في ثلاثة وثلاثين ورقة .