الخليج والولايات المتحدة: بيئة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر(1 من 3)
شفيق ناظم الغبرا الحياة 2005/03/29
انتقلت السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط ومنطقة الخليج منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 نحو تشجيع اصلاحات سياسية واقتصادية وتعليمية ومحاربة الارهاب وتمويله في دول الخليج. كما دخلت الولايات المتحدة في مرحلة حرب موسعة لم تنته بعد لتغيير دول وأنظمة سياسية، كما حصل في كل من افغانستان والعراق. ولم تنته بعد تداعيات هذه الأحداث الكبيرة، خصوصاً في العراق بكل ما يترتب عليها من آثار على العلاقات الأميركية ـ الخليجية. كما أن التوتر الايراني ـ الأميركي ازداد حدة منذ 11 أيلول ويتوقع له مزيد من الانعطافات الأمنية وربما العسكرية. وقد توترت العلاقات السعودية ـ الأميركية منذ 11 أيلول خصوصاً مع مشاركة مجموعة كبيرة من السعوديين في الهجمات. ونتج عن تردي هذه العلاقات تزايد الهوة بين البلدين ما قد يؤدي الى نتائج هي الأخرى في طور التكوّن والتفاعل. وتعتبر الولايات المتحدة انها دخلت مرحلة حرب مفتوحة ضد عدو اكتشفته في 11 أيلول. لذلك فإن هذه المرحلة العسكرية الأمنية لن تكون قصيرة، فنحن في منطقة الخليج نعيش وسط إعصار عسكري وأمني كبير لا يزال طور التكوين.
ومنذ 11 أيلول أضيف الى العلاقة الأميركية ـ الخليجية الكثير من الأبعاد الجديدة التي لن تغادرها لفترة زمنية مقبلة. فهذه العلاقة شهدت تقليدياً ومنذ تسعينات القرن الماضي انتشاراً عسكرياً اميركياً واتفاقات أمنية اميركية ـ خليجية، كما شهدت اختلافاً حول فلسطين والعراق. لكن الأوضاع الجديدة فرضت حملاً كبيراً على العلاقة ومنها: العنف والارهاب بقيادة اسامة ن لادن، التطرف وخوف دول المنطقة من مواجهة الارهاب الفكري والايديولوجي المؤدي للتطرف المسلح، جمع التبرعات ونقل الأموال والتمويل، قضايا الحريات ووضع المرأة الحقوقي والسياسي والاقتصادي، الحقوق والقوانين والتعليم الحديث، حقوق التعبير والانتخابات والمشاركة السياسية، العراق ونظامه الجديد... وأصبحت كل هذه القضايا، بالنسبة الى السياسة الأميركية الجديدة، مصدراً رئيسياً من مصادر التوتر ومواجهة الارهاب. لكن في المقابل هناك مزيد من الوعي المحلي الخليجي والعربي بدور هذه المصادر، اضافة الى مصادر أخرى تساهم في حالة الارهاب. وقد أدى هذا التناقض في الرؤية والتوجهات الأميركية ـ الخليجية ـ السعودية بالتحديد الى خروج القوات الأميركية من المملكة العربية السعودية. ولذلك اكتسبت هذه المسائل وستكتسب في المستقبل وضعاً جديداً ضاغطاً في العلاقة الأميركية ـ الخليجية. وستؤدي هذه الابعاد الى توترات وتفاهمات جديدة وانعكاسات اقليمية تؤثر في منطقة الخليج.
سنتناول موضوعنا في ستة أجزاء متداخلة هي: أولاً: البعد الاستراتيجي في العلاقة الخليجية ـ الاميركية. ثانياً: حتمية المواجهة الطويلة الأمد مع الارهاب. ثالثاً: تناقض المصالح والرؤى في العلاقة الاميركية ـ الخليجية. رابعاً: العمل السياسي والاعلامي في الولايات المتحدة. خامساً: المنظومة الدولية: اوروبا والصين والهند. سادساً: الخلاصة.
? اولاً: البعد الاستراتيجي في العلاقة الخليجية ـ الاميركية: تتمتع جميع دول الخليج (باستثناء المملكة العربية السعودية منذ انسحاب القوات الاميركية) بعلاقة «حماية أمنية» مع الولايات المتحدة. ويمكن التأكيد بأن المستقبل يحمل استمراراً لهذه العلاقة وتعميقاً لها. فقدرات دول الخليج لن تتغير في المدى المنظور، كما أن احتياجاتها الأمنية الأساسية لن تتغير في هذا العقد. ان وقوف دول الخليج فوق مخزون نفطي هائل يمثل 60 في المئة من المخزون العالمي للنفط، يفرض نفسه على الأجندة الأمنية لدول المنطقة وعلى الأجندة الأمنية للولايات المتحدة بصفتها الدولة الكبرى ذات البعد الاستراتيجي والعالمي.
وفي المقابل، فإن فرص تحول منطقة الخليج الى واحة أمن وسلام وتنمية خارجياً وداخلياً لن تتبلور قبل وقوع تغيرات اساسية في بنية دول المنطقة ونظرتها، وعلى الأخص كل من العراق وايران والسعودية للتنمية والتعاون والتجارة والمشاركة والدين والسياسة والحداثة. كما ان انتقال دول الخليج نحو مزيد من الاستقلالية الأمنية يتطلب اعادة النظر في العلاقات السياسية بين دول الخليج (بما فيها ايران والعراق) اولاً لمصلحة علاقات تنموية واقتصادية وتجارية لا تتأثر بالسياسة. ولكن الواقع الراهن هو على العكس: فهناك فوضى سياسية وأمنية في العراق، وهناك توترات في المملكة العربية السعودية حول عدد من القضايا الراهنة، وهناك توترات ايرانية ـ اميركية، اضافة الى استمرار اشتعال الحرب على الارهاب وآفاق انتشارها. من جهة أخرى نجد أن الخوف من ايران يحكم بعض الدول الخليجية الصغرى والخوف من العراق يحكم دولاً اخرى والخوف من المملكة العربية السعودية يحكم البعض، كما ان الخوف من الفوضى الداخلية والمجهول يؤثر في البعض الآخر. لهذا فإن استمرار العلاقة الاميركية ـ الخليجية على صعيد الأمن العسكري وانتشار التسهيلات والاتفاقات والقواعد (باستثناء السعودية) تبقى اساسية للمرحلة المقبلة.
وبينما تحولت الحرب التي شنها بن لادن وأنصاره حرباً مفتوحة على الوجود الاميركي في منطقة الخليج، إلا أن حاجة دول الخليج الى الوجود الاميركي أكبر من خوفها من الارهاب. فالعلاقة الخليجية ـ الاميركية ستتجاوز في المستقبل قضية الارهاب، وذلك لأن الارهاب ظاهرة تتطلب استراتيجية اميركية كما تتطلب استراتيجية خليجية. والارهاب الراهن يصيب دول الخليج المتحدة، مما دفع المنطقة باستمرار الى تكرار أزمة الدولة العثمانية في الوقوف في المكان الخطأ عندما تقع الأحداث الكبيرة. كما أن تناقضنا المفتوح مع الولايات المتحدة وحربنا الكلامية (في معظم الأحيان) مع اسرائيل، دفع لمصلحة مزيد من التآكل في المساحة العامة. هكذا أصبح المواطن الفرد ضحية سلطة الدولة سياسياً وسلطة التيارات الدينية التي أخذت منه المساحة العامة. ولكنه أصبح أيضاً ضحية ردود فعل دولنا على اسرائيل والولايات المتحدة مما يساهم في مزيد من تآكل الحرية والمساحة بحجة معركة المصير والتصدي لكل فكرة انتجت في الغرب الأميركي. لقد اكتمل الحجز والحجر الشامل على الإنسان الخليجي والعربي في ظل هيمنة ثالوث (دور السلطة، دور الحركات الإسلامية المتشددة، ودور الصراع العربي ـ الإسرائيلي) لا يبشر إلا بمزيد من الإرهاب والعنف الشديد الفوضوية والخالي من الانضباط.
استاذ العلوم السياسية، رئيس الجامعة الاميركية في الكويت. والنص مقتبس من ورقة قدمت في «منتدى التنمية الخليجي» الذي انعقد في البحرين في 3 شباط (فبراير) 2005.