بحث عن تطوير المناهج الدراسية - بحث علمى عن تطوير المناهج الدراسية كامل بالتنسيق
حامد الحمداني 24/2/2006
يشهد عالمنا اليوم تطورات علمية هائلة ، بل نستطيع القول ثورات علمية جبارة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والصحية التي جاءت بوتائر سريعة قد يقف الإنسان مذهولاً أمامها على الرغم من أنه هو الذي أوجدها وطورها ، فنحن نرى ونعيش اليوم عصر الذرة والأقمار الصناعية ، وعصر الكومبيوتر والإنترنيت ، والاتصالات وأجهزة الاستقبال التي حولت العالم إلى قرية صغيرة ومكنت الإنسان من الحصول على كل ما يحلم به من المعلومات بدقائق معدودة
ولم يقتصر التطور العلمي على الاختراعات و الصناعات المختلفة ، فقد كان لابد أن يحدث التطور في المجال التربوي والتعليمي جنباً إلى جنب ، لأن المجالين يكمل بعضهما بعضاً ، ولأن التطور التقني يتطلب قدرات متطورة وعالية لدى العاملين لكي يستطيعوا مواكبة التطور التقني في العصر الحديث.
وهكذا ارتفعت أصوات المفكرين والعلماء العاملين في المجال التربوي لإجراء ثورة في أساليب التربية والتعليم في مدارسنا ، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية والوسائل التي تمكن المدرسة من أداء عملها على الوجه الأكمل .
فلقد دعا المفكر الكبير [ جون ديوي ] إلى أن تقوم المدرسة الحديثة على أسس أربعة حددها بما يأتي :
1 ـ ضرورة ربط المدرسة بالمجتمع ،حيث أكد على أن المدرسة جزء لا يتجزأ من المجتمع ، وأنها ينبغي أن تكون مجتمعاً مصغراً خالياً من الشوائب التي نجدها في المجتمع الكبير،ودعا إلى بناء المدرسة لكي تلعب دورين أساسيين في خدمة المجتمع الذي تنشأ فيه ،أولهما نقل التراث بعد تخليصه من الشوائب ،وثانيهما إضافة ما ينبغي إضافته لكي يحافظ المجتمع على حياته .
2 ـ ضرورة اعتبار التربية المدرسية عملية حياتية وليست عملية إعداد للمستقبل ، فلقد اعتبرت المدرسة القديمة أن العملية التربوية التي تتم في المدرسة هي من أجل إعداد التلاميذ للمستقبل ، أي أنها ترتبط بالمستقبل أكثر مما ترتبط بالحاضر،وأنه بناءً على هذه النظرة يهون عمل أي شيء في الحاضرإذا كان يضمن قيمة أو فائدة .
3 ـ ضرورة الاهتمام بالموضوعات العملية والمهنية ، وبمبدأ الفعالية بصورة
عامة ، ودعا إلى ضرورة الاهتمام بالأعمال اليدوية والمهنية في المنهج الدراسي ، وعدم الإقلال من شأنها ، مؤكداً على مبدأ الفعالية في الحصول على الخبرة والتعلم ما دامت التجربة هي التي تظهر الخطأ أو الصواب في فرضياتنا وآراءنا ، ودعا إلى النظر إلى الموضوعات النظرية والمهنية على قدم المساواة مؤكداً على ضرورة إدخال أنواع مختلفة من المهن إلى المدرسة حيث أن هذه المهن تجدد روح المدرسة وتربطها بالحياة ،وتجعل المدرسة بيئة صادقة للطفل يتعلم منها العيش المباشر بدلاً من أن تكون مجرد محل لتعليم دروس ذات صلة بعيدة ومجردة بحياة قد تقع في المستقبل ، وليكن معلوماً أن الهدف من إدخال المهن إلى المدرسة ليس من أجل القيمة الاقتصادية ، ولكن من أجل تنمية القوة الاجتماعية ، وبعد النظر ، فالمهنة تجهز التلميذ بدافع حقيقي ، وتعطيه خبرة مباشرة ، وتمنحه الفرصة للاتصال بالأمور الواقعية .
4 ـ ضرورة ربط العملية التربوية بالديمقراطية ، حيث أكد على ذلك في كتابه التربوي الأول[الديمقراطية والتربية ] معتبراً أن الديمقراطية أسلوب في الحياة ، وليست مجرد تطبيق سياسي لمفهوم قديم يرجع إلى عهد اليونان في العصور القديمة ووصف الديمقراطية التي عناها قائلاً :
{ ليست الديمقراطية مجرد شكل للحكومة ، وإنما هي في أساسها أسلوب من الحياة المجتمعة والخبرة المشتركة والمتبادلة } .
وعلى هذا الأساس فإن الديمقراطية تعني المساواة بين الأفراد وتهيئة الفرص المتكافئة لهم دون تمييز ،وتعني التكافل الاجتماعي ، والعدالة الاجتماعية ،وحرية الاعتقاد ،والقول ،والنشر،والاجتماع ،وهي تعني إقامة علاقات إنسانية تتسم بالأخذ والعطاء وتغليب العقل والخبرة في مجابهة وحل المشكلات التي تصادفنا .
إن المدرسة الديمقراطية التي نصبو إليها هي تلك المدرسة التي يعيش فيها التلاميذ والمعلمون وسائر العاملين فيها زملاءً متعاونين من أجل تحقيق الهدف المشترك الذي يخدم العملية التربوية على الوجه الأكمل .
ولا شك أن المناهج التربوية الحاضرة في مدارسنا العراقية بوجه خاص والعالم العربي بوجه عام تتطلب اعادة النظر الجذرية فيها، وخاصة ما يخص مناهج التاريخ والتربية الاجتماعية والدينية ، واستئصال الفكرالفاشي والظلامي التكفيري ، والتأكيد على الجانب الإنساني في العلاقات الاجتماعية ، واحلال الفكر الديمقراطي وثقافة حقوق الإنسان ، واحترام الرأي والرأي الآخر ، والكفاح الفعال ضد اساليب القمع التي يتعرض لها الأطفال في البيت والمدرسة على حد سواء .
كما ان تحقيق الأهداف المرجوة من العملية التربوية تقتضي إعادة اعداد الجهاز التربوي أعداداً ديمقراطياً يمكنهم من القيام بالمهمات الجديدة الملقات على عاتقهم بعد تلك الحقبة السوداء التي دامت اربعة عقود والتي تم خلالها تسخير الجهاز التربوي لخدمة النظام الصدامي الفاشي ، واشباع أفكار التلاميذ بالفكر الفاشي ، وتقديس الدكتاتور ، والطاعة العمياء .
وختاماً لابد من الإشارة إلى ضرورة اهتمام الآباء والأمهات والمدرسة باللعب بالنسبة للتلاميذ كوسيلة لتنمية قدراتهم الجسمية والعقلية ، حيث أن اللعب يعتبر الفعالية الجدية في حياة الطفل ، والأكثر قابلية لإطلاق قواه الكامنة .
ومن المؤسف أن نرى الكثير من الآباء والأمهات يعتبرون اللعب نوع من السخف ، ومضيعة للوقت ولا يخدم أطفالهم ، وهم يحاولون الحد من نشاطات أبنائهم ، ويعزون ضعفهم في بعض الدروس راجع إلى اهتمامهم باللعب على حساب دروسهم ، دون أن يكلفوا أنفسهم التحري عن السبب الحقيقي للتأخر الدراسي ، ومعالجته بالوسائل العلمية .
إن اللعب ضروري جداً للأطفال ، ضرورة الطعام والشراب ،من أجل ضمان سلامة نموهم العقلي والجسدي بشكل طبيعي .
ولقد أدرك علماء التربية وعلم النفس القيمة الحقيقية للعب ،حيث أكدوا أن اللعب لا يعني المتعة والسلوى فقط ، وإنما هو وسيلة قيّمة لنموالطفل الجسمي والعقلي ، وإعداد غريزي لبعض الملكات التي تمكنه من العمل ،مسيطراً على نفسه ، موجهاً انتباهه وجهده من أجل هدف معين ومحدد ، إنه ينبه المخيلة ويركز الإرادة ، ويعود الطفل بطريقة طبيعية على احترام النظام ، ويبلور المناقب الاجتماعية ، فيتعلم إطاعة القوانين ، والإسهام في كافة النشاطات الاجتماعية .