بحث عن حياة زوجية بلا مشاكل - بحث علمى عن حياة زوجية بلا مشاكل كامل بالتنسيق
بقلم: د. هند عبد الله
قصة لطيفة
من القصص الجميلة التي يرويها لنا التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بيت فاطمة؛ فلم يجد عليًّا بن أبي طالب زوجها، فقال: أين ابن عمك؟ فقالت كان بيني وبينه شيء- أي خلاف- فغاضبني فخرج، فقال النبي صلى لله عليه وسلم: "أنظر أين هو" فوجده في المسجد راقدًا، فجاء وهو مضطجع نائم وقد سقط رداؤه عن شقَّه فأصابه تراب، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قم أبا تراب"، قال سهل: "وما كان له اسم أحب إليه" (البخاري ومسلم).
فلنتأمل معًا كيف تجلَّت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لم يسأل عن سبب الخلاف بين الزوجين؛ بل ذهب يبحث عن عليٍّ مواسيًا.
ولنتمعن في موقف فاطمة لما أجابت بكل اختصار: "كان بيني وبينه شيء"، كيف احترمت زوجها في غيابه ولم تتحدث عن سبب الخلاف.
ولنفكر مليًّا في موقف علي حين آثر الذهاب إلى المسجد؛ حيث البركةُ من عند الله تعالى على الشكوى إلى الأصدقاء والخلان.
معينات على الطريق
ومما يعينك على الإصلاح ما يلي:
1- إن الله تعالى يبتلي كل إنسان على قدر احتماله؛ فتأكد أن مشكلتك التي تمرُّ بها هي أفضل مشكلة تستطيع احتمالها، وأنها أفضل مما يعاني منها غيرك، وهناك قصة طريفة في ذلك، وهي أن مجموعةً من البشر أرادوا استبدال مشاكل أخرى بمشاكلهم، فوضع كل منهم مشكلته في صندوق ثم استبدلوا الصناديق فإذا بمشاكل لا يطيقونها، فاستعاد كل واحد منهم مشكلته الخاصة به، وحملها على ظهره ثم مضى راضيًا مسرورًا بها.
2- أصلح نفسك، وتذكَّر قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).
3- اقبل العذر وقدِّم العفو.. ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾ (آل عمران)، وحاول إيجاد مبرِّرات وأعذارٍ للطرف الآخر؛ فإن لم تجد فأحسِن الظن وقُل: لعل هناك عذرًا لا أدريه.
4- زوجتك/ زوجك ليس ملاكًا؛ بل هو بشرٌ يُصيب ويخطئ، والكمال لله وحده، ومن المستحيل أن تجد إنسانًا خاليًا من العيوب.
5- كن كما يريد الطرف الآخر ويحب، ولكن تجنَّب معصية الله تعالى.
6- قم بشغل وقت فراغك؛ فالفراغ يجلب المشكلات ويتيح الوقت للتفكير فيها وتنميتها.
7- ألقِ نظرةً للماضي الجميل أول الزواج، وتذكَّر أيامًا حلوةً قضيتها مع زوجتك أو معروفًا صنعَته لك يومًا، ولا تنسَ أبناءك وحقَّهم في بيت مستقر؛ فهم طرف ثالث مهمٌّ ينبغي التفكير فيه بعناية قبل اتخاذ أي قرار.. يقول الله تعالى: ﴿وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 237).
8- تذكَّر أن الشيطان قاعد لك بالمرصاد، يسأل أعوانه عمن أضلوهم، فيقول الواحد منهم: ما تركت فلانًا حتى زنى، ويقول الآخر: ما تركت فلانًا حتى شرب الخمر، ثم يقول آخر: ما تركت فلانًا حتى فرَّقت بينه وبين زوجه، فيقول "أنت أنت"؛ أي لقد فعلت ما أريد.
9- برغم كل الظروف لا تندفع في تصرفاتك، وتجنَّب اللغط في الكلام والإهانة والضرب، ولا تُطلع الآخرين على مشكلتك، إلا لو كانوا من أهل المشورة، ولا تغادري منزلك في أحلك الظروف؛ فكل هذه الأخطاء قاتلة.
10- معلومة مهمة: تمر أغلب الزيجات بثلاثة مفترقات للطرق، من المهم فهم طبيعة كل مرحلة منها لتجنُّب منغِّصاتها، فقد لاحظ العلماء أن أغلب حالات الطلاق تحدث عند هذه المفترقات الثلاثة؛ وذلك لجهل الطرفين بطبيعتها.
المفترق الأول: هو السنة الأولى من الزواج؛ حيث يحدث التأقلم على طباع الزوج أو لا يحدث.
الثاني: بعد مرور حوالي من خمس إلى سبع سنوات من الزواج؛ حيث تختفي طبقات التجمُّل والصبر التي يحيط كل زوج نفسه بها، ويبرز تضارب الآراء حول الحياة الزوجية وتربية الأولاد.
الثالث: بعد مرور سنوات طوال على الزواج، حوالي خمس وعشرين سنة أو بعد زواج الأبناء؛ حيث لم يعد هناك سبب يتحمَّل من أجله طرفٌ مساوئَ الآخر.
ماذا يريدان؟!
وبقدر تماثلهما إلا أنهما يختلفان كثيرًا في أهدافهما وفي طريقة تفكيرهما وتفهُّمهما للأمور وطريقة الحوار ومعالجة المشاكل؛ فماذا يريد الرجل من المرأة؟ وماذا تريد المرأة من الرجل؟ وماذا تعني الحياة الزوجية لكل منهما؟!
بالنسبة للرجل الزواج عنده هو إشباع حاجاته الجسدية وتحقيق حياة هادئة مستقرة؛ تساعده على النجاح في العمل وتكوين أسرة ليفرغ فيها نجاحاته العملية.
أما المرأة فالزواج عندها هو الهدف الرئيسي والحياة الحقيقية بالنسبة لها؛ لإشباع حاجاتها العاطفية من خلال زوجها، وإشباع إحساسها بالأمومة من خلال أبنائها.
باب السعادة والحب
فتش عن الأسباب الخفية:
وإن وراء كل مشكلة الكثير من الأسباب الخفية، قد يكتشفها البعض بعد فترة، وقد لا يلتفت إليها أحد على الإطلاق، رغم أنها قد تكون مكمن الحل، وهناك أسباب رئيسية للخلافات الزوجية:
1- قلة أو سوء أو انعدام فهم الطرف الآخر أو طبيعة الحياة الزوجية: فينتج منه عدم القدرة على معالجة الأمور بصورة صحيحة، والافتقار إلى معاملة الطرف الآخر بذكاء.
ومن أمثلة ذلك: يظن البعض- خاصةً البنات قبل الزواج- أن الحياة الزوجية متعة فقط وفيلم سينمائي ينتهي بالنهاية السعيدة؛ ليسبحا في بحار الحب والوئام، بينما تحمل الحياة الزوجية الكثير من المعاني الأخرى التي تغلب كثيرًا على الأحلام الرومانسية والمسئوليات الكبيرة الملقاة على عاتق الزوجين والواقعية المطلوبة من الزوجين، قد يحدث لأحد الطرفين صدمة عندما يرى زوجه يأكل ويشرب وينام ويتصف بصفات البشر الآخرين، فالزوج قد يغضب ويلقي إلى زوجته كلمة لا تحبها، وقد يكشِّر عن أنيابه، وقد يصاب بداء الصمت المنزلي بعد فترةٍ من الزواج رغم أنه كان من أجود الناس نظمًا لأبيات الشعر في مدحها وحبها والغزل الرشيق، أعني الزوجة قد تغيَّر شكلها بسبب الحمل والولادة وجمال القمر قد تخفيه سُحب المسئولية.
فما أعظم الدين حين عبَّر عن أجمل مشاعر يمكن وجودها بين زوجين بكلمات المودة والسكن والرحمة، فهي كلمات تعني العواطف الهادئة بسلاسة تسير الهوينا وتنمو مع الزمن لا تكسرها مسئوليات، وإن طمستها أحيانًا بعض الخلافات فسرعان ما تجليها الرغبة في الحفاظ على رابطة هي من عند الله، وفي أسوأ الظروف حين تقل المودة لسببٍ أو آخر فإن الرحمة بين الزوجين تبقى مطلوبةً منهما تجاه بعضهما؛ وذلك عكس الحب أو الهيام المقتبس من الأفلام العاطفية الذي سرعان ما ينكسر أمام أول هبة ريح تعترضه.
2- سوء تقدير أسباب الخلافات: قد يظن أحد الزوجين أن للخلاف الذي نشب بينهما سببًا، بينما يكون هناك سبب بعيد تمامًا عن ذلك الظن، فقد يغضب الزوج ويتهم زوجته بالتقصير في تربية الأبناء ويكون السبب هو تأخرها في إعداد الطعام له، خاصةً حين يكون جائعًا، وقد يثور لأنها لم تركِّب زرّ القميص، ويكون السبب إهمالها مطالبه الخاصة منها، وقد تزيد عصبية الزوجة وتفتعل مشاجرات مع زوجها لأنها في أيام الحيض، خاصةً في الفترة التي قبلها، وقد يكون سبب غيرة الزوجة واتهامها زوجها أنه يتبسَّط مع النساء أنه لا يمدح جمالها أو يُظهر حبه لها.
3- الجهل باختلاف الطبائع الفطرية وآثار التنشئة: قد يجهل أحد الطرفين أن الطرف الآخر قد خُلِقَ بطبيعة وطريقة تفكير تختلف عنه تمامًا؛ فالرجل لا يحب الكلام كثيرًا، فيعبر عن إعجابه بالنظر أو الإشارة، ولا يميل إلى سماع النصائح، خاصةً من زوجته، ويُفكِّر قبل أن يتكلم فيمرُّ بفتراتٍ منفصلةٍ من الصمت، فتظن الزوجة أن زوجها قد انتهى من حديثه، بينما لا يحب هو المقاطعة في الحديث، وهو لا يحب اللوم أو العتاب، ولا يعتذر بقوله: آسف، بل بأفعال.. مثل هدية أو نزهة أو بالتزام الصمت.
أما المرأة.. فهي عاطفية تحب الكلمات الحلوة، ولا تملُّها أبدًا، وتسعدها جدًّا الكلمات العاطفية والمدح، ويهمها تعاطف الطرف الآخر معها، وتفرح إن حكى لها زوجها عما مرَّ به من أحداث، وتحب استشارة زوجها في أمورها، وتتوقع أن يعرف زوجها ما تُفكِّر فيه دون أن تُصرِّح به.
4- الأنانية وحب الذات: تحمل الحياة الزوجية معنى كلمة نحن عند التفكير في المستقبل أو طريقة تربية الأبناء أو اتخاذ القرارات وحل المشكلات مع احترام حق الطرف الآخر في الحفاظ على شيء من الخصوصية، خاصةً فيما يتعلق بأهله أو هواياته المحببة، أما الانعزال والتمرد على الزوجة كالتي جاءتني تشكو من زوجها الذي يطلب منها كثيرًا أن تذهب إلى أمها ليمكث منفردًا في البيت ويطلب منها أن تنام وتتركه وحده في أسعد لحظاته كما كانت تشعر.
5- من أهم أسباب الخلافات.. العيوب الشخصية: فالله تعالى لم يخلق إنسانًا كاملاً، بل خلق لكل منا عيبًا، فهناك الشخصية العصبية التي تغضب بسرعة، وهناك نفس فُطرت على الغيرة، وهناك شخصيات تميل إلى إخفاء الأمور والكذب أحيانًا، وهناك البخيل وهناك مَن تربَّى على عدم تحمل المسئولية، وهناك الشخصية القوية المسيطرة، وإن كانت تلك الصفة الأخيرة مقبولة عند الرجال فإن الرجل لا يقبلها أبدًا من زوجته مثل صديقتي التي أصبح زوجها يُهملها بعد قصة حب كبيرة بينهما وبعد محاورات ومناورات قال لها كلمة واحدة "البيت لا يحتمل رجلين".. فكوني أنثى رقيقة؛ لأن زوجك لا يحب التوجيه ولا الغلظة ولا المعاملة بالمثل.
6- ومن أسباب الخلافات أيضًا.. تدخل الآخرين: خاصةً الأم، فالزوج قد يتأثر برأي أهله وأصدقائه ويحاول تطبيق كل ما يسمعه على حياته الزوجية، فزوجتك ليست هي زوجة صديقك وأحيانًا قد يتأثر الزوج تأثرًا غير مباشر بأمه فيريد من زوجته أن تكون نسخة طبق الأصل من أمه، فإن كانت أمه ضعيفة الشخصية فهو يطلب من زوجته أن تكون بلا رأي أو ينتقد بيتها الذي نشأت فيه لأن أمها تشارك في صنع القرارات، وإن كانت أمه تعتمد على نفسها فهو يفترض أن زوجته يجب أن تكون كذلك فيلقي عليها أحمال البيت ويتركها تذهب وتجيء بمفردها لا يرافقها ولا يوصلها، ولا يعرض عليها حتى أن يحمل حقيبةً ثقيلةً في يدها، وتشعر الزوجة أنها مهانةً في أنوثتها.
ومن القصص المعتادة في ذلك الأمر هو الخلافات بسبب مهارة أمه في فن الطهي، فيرى الزوجُ زوجتَه إنسانةً خائبةً، خاصة في بداية الزواج، ويظل يسخر من طريقةِ طهيها وينتقدها في وجود أمه.. هذا بلا طعم، هذا بلا ملح، هذا سيئ، وتصرخ الزوجة "أنا لستُ هي، أنا لست أمك"، وتبدأ مشاكل كثيرة وكبيرة".
والزوجة قد تنقاد لأمها في كل كبيرة وصغيرة فتتسبب آراء الأم غير الحكيمة في انهيار البيت وأحيانًا تتأثر بآراء الصديقات، كما حدث مع هذه الزوجة التي تحكي لنا قصتها:
عفوًا جارتي
"كانت لي جارة انبهرتُ بها كثيرًا، فقد كنتُ حديثة عهد بالزواج، وكانت هي تغدق عليَّ بنصائحها وحكاياتها مع زوجها وكيف تُؤثِّر عليه، وكيف تطلب منه فينفذ وكيف يدللها؛ مما أثَّر في معاملتي لزوجي، فهو لا يدللني ولا يُنفِّذ لي كل ما أطلب كما يفعل زوجها؛ مما خلق بيننا الكثير من المشكلات.
حتى جاء يوم كنت ذاهبة فيه لزيارتها فوجدتُ زوجها يفتح الباب ثم يلتفت إليها، ولم يكن يراني ويأمرها ويزجرها وقد تدلَّى رأسها على صدرها وهي تقول في استسلام ومذلة "حاضر.. حاضر"، فتعلمتُ ألا أُصدِّق كل ما أسمع، وتعلمتُ أن هناك نوعًا من البشر يدَّعون ما ليس فيهم ويُفسدون على غيرهم حياتهم".
كيف تفتح بوابة السعادة؟
والسؤال هو: كيف تحول حياتك الزوجية إلى جنة؟ كيف تفتح بوابة السعادة بيديك؟ وإليك المفاتيح:
1- اجعل لزواجك هدفًا ونيةً:
تأكد أنه كلما كان هدفك ونيتك صالحة ترضي الله تعالى أعانك على الوصول إلى السعادة فتكوين أسرة مسلمة تسير على نهج الإسلام القويم وتعبد الله تعالى حق عبادته وتزيد الجباه الساجدة لله تعالى لتكون عزًّا ونصرة ونفعًا للإسلام هو أسمي الأهداف وتهون في سبيله كل الصعاب.
والرجل حين يعمل ويكدح لينفق على بيته فإن لذلك أجرًا عظيمًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك" مسلم.
والمرأة حين تكون نبعًا للدفء والحنان تقود الحياة الزوجية دون شك إلى السعادة وإن كان همها الدنيا فاسمع لابن القيم يقول "إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمَّل الله حوائجه كلها، وفرَّغ قلبه لمحبته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمَّله الله همومها وغمومها".
2- آن الأوان لتعلم أن المعاملة فنون:
فتعلَّمها وتعامل بها، ولا يظن طرفٌ أن دوره لا يقل أهميةً عن الطرف الآخر، فكل دور لا غنى عنه، فمن أهم وسائل المرأة الحب والرقة والحنان والضعف وخفض الجناح ولين الجانب وشكر الزوج على عطائه، وعليها طاعة زوجها فيما لا يُغضب الله، فله القرار النهائي، وعليها حفظه في نفسها وماله وعدم الإسراف فيه، وعليها أن تقنع بما رزقها الله، وإن تُسانده وقت الشدة وتكتم سره وتُظهر له خالص الرد وعميق الاحترام مع حسن استقباله وانتقاء أجمل الكلمات ومدحه والتجمل له ومعرفة كل ما يحب لعمله من أجله مع الحفاظ على غيبته ومشاعره.
ومن أهم وسائل الرجل: العطف والاهتمام وإشعار زوجته بحبه ومدحها دائمًا والرفق بها وعليه احترامها والتلطف والتبسط معها وإهداؤها والتجاوز عن أخطائها وتحمل أوقاتها الصعبة واحترام أهلها والحفاظ على سرها والاهتمام بأبنائها.
3- قل "لا لليأس":
فلا تيأس أبدًا من التغيير والإصلاح، ولا تستسلم أبدًا لأوضاع خاطئة، فالتوكل على الله تعالى في ذلك الأمر مع الدعاة الحار هو من أهم أسباب عودة السعادة إلى قلبك والبسمة على شفتيك ﴿وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ (87)﴾ (يوسف).
هذا ما أكدت عليه إحدى الزوجات، قالت: مرت حياتي الزوجية بعدة خلافات ومشكلات متتالية عصفت بأزهار السعادة وخنقت روح المحبة بيني وبين زوجي، ونتج عن ذلك أن زوجي أخذ يطلب مني البقاء وحده وسواء خرجت إلى بيت أمي أو دخلت للنوم مبكرًا تأثرت علاقتنا تأثرًا شديدًا بتلك الخلافات، فطالت فترة أُطلق عليها "الخصام البارد" لمدة عامين كاملين، وقلَّ الكلام بيننا أو كاد أن ينعدم، ولم يطلب مني زوجي شيئًا يخصه إلا نادرًا خلال تلك الفترة، وكلما حاولت مصالحته دفعني بعيدًا بكلتا يديه، وأخيرًا كانت صدمتي عنيفة عندما وجدتُ على بريده الإلكتروني رسالة غرامية فأخذتُ أراقب تصرفاته وأتنصت على مكالماته حتى تأكدتُ من وجود علاقةٍ بينه وبين أخرى، ولا أدري إلى الآن شيئًا عن مدى عمقها.. ثرتُ وواجهته وشكوته لأهله فلم ينصفني أحدٌ منهم بل تركَ هو البيت لفترةٍ طويلة ثم عاد وعادت معه فترة الخصام البارد حتى فاجأني يومًا أنه لا يريد الاستمرار في زواجي مني، ورغم قسوته ورغم كل شيء أحسستُ لأول مرة بالخوف؛ فأنا لا أُطيق لقب "المطلقة" لنفسي ولا أريد أن يتربَّى أبنائي في صراعٍ بين أب وأم، كما أنني ما زلتُ أحبه رغم كل شيء.. فهداني الله أخيرًا إلى أهم سلاحٍ غفلت عنه وهو الأمل، فنبذت اليأس وأصبحت حياتي ابتهالاً إلى الله وتضرعًا أن يعيد إليَّ زوجي فقررت الدفاع عن بيتي أمام تلك التي استغلت لحظة ضعف زوجي في غفلةٍ مني وأعانها الشيطان فتغيرت معاملتي لزوجي، وأصبحتُ أتظاهر أن شيئًا لم يكن وأعامله برقة وأغدق عليه بالحب والحنان ولو بالتمثيل عليه، وأنا ما زلت أدعو وأدعو دعاءً وابتهل حتى لاحت لي بوادر الخير أخيرًا حين بدأت معاملة زوجي تتغير تجاهي وأنا على ثقةٍ بأن الله تعالى لن يضيعني وقد لجأتُ إليه.
4- تذكر دائمًا أن لكما معًا ماضيًا جميلاً:
ألم تمر عليكما لحظات من الصفاء؟ ألم تعيشا أيامًا جميلة؟ تذكر أيام العقد أول فترة في الزواج أيام جمعتكما على السعادة لحظة ود، كلمة حلوة، يوم أكرمك فيه زوجك، يوم تجاوز فيه عن سيئة، ساعات قرأت فيها لهفة زوجتك عليك لسوء أصابك.. تذكر/ تذكري، فالأصيل لا ينسى أبدًا وقد حفرت أجمل الذكريات في أعماق وجدانه ﴿وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 237).
5- كن على استعداد للتنازل:
واعلم أن الرضا والصبر أفضل كثيرًا وأكثر ضمانًا من محاولة تغيير صفات لا تُعجبك في الطرف الآخر، فهذه الصفات هي ما تربى عليه الطرف الآخر وتشرَّبه وعاش به عمرًا قبل الزواج، فالأسرع والأضمن الرضا بقضاء الله والصبر على ما تكره، وتأكد أن شيئًا تكرهه في زوجك أفضل كثيرًا من شيء آخر قد لا تُطيقه أو تتحمله كما حدث مع هذا الزوج كان يعاني من أن زوجته تتكلم كثيرًا، ثرثارة، وتسأله كالمحقق عن يومياته، ماذا فعل، ومن قابل فكاد يكره زوجته لهذه الصفة حتى وجد يومًا زوجة صديقه تحتدَّ عليه ويعلو صوتها فوق صوته وشكا له صديقه كم تتعالى عليه بعلمها ومالها، فقارن الرجلُ بين الزوجتين ليجد أن زوجته هي أفضل زوجة له على وجه الأرض.
وهذا ما حدث أيضًا مع هذه الزوجة..
كلما غضبتُ تذكرتها
قالت: كنت يومًا أشعر بالحزن الشديد والاكتئاب وقد احتبست في صدري آلاف الطيور السوداء أقطع الحجرة ذهابًا وإيابًا وأنا أفكر في هذا الزوج، لقد أتعبني كثيرًا جربتُ معه شتى الطرق ولم تُفلح أي طريقة في تغييره، فهو مصر على آرائه وقد لا تتغير معاملته لي ويتجاهل حاجاتي العاطفية كثيرًا، وقفتُ كالملدوغة وأنا أضع يدي فوق قلبي الذي آلمني كثيرًا، والتمعت في عيني شيطاني آلاف القرارات الفورية والحاسمة سأتجاهله كما يتجاهلني سأذيقه ما أذاقني من النكد حتى يُدرك كم أخطأ في حقي وفجأةً صك أذني صوت صراخ لقد أتى من تلك النافذة كانت إحدى جاراتي تصرخ صراخًا مكتومًا صراخ مَن يخشى فضيحة اقتربتُ دون أن أشعر فسمعت صوتها وهي تقول: "كفاك ضربًا، حرام عليك" تسمرتُ مكاني وقد شَلَّت المفاجأةُ قدمي فلم تقو على الحراك.. كانت رسالة بليغة بعثها الله تعالى لي في وقتها المناسب كان أمام عيني طيف الحبيب، وكانت هذه الحادثة رادعًا لي كلما غضبتُ من زوجي تذكرتها".
6- لا تقارن بالغير:
لا سرًّا في نفسك ولا جهرًا، فالله تعالى عادل لا يُعطي أحدًا كل شيء ويحرم الآخرين كل شيء، فإن كانت زوجة غيرك هي الأجمل فزوجتك هي الأكثر رقةً، وإذا كانت زوجة غيرك هي الأذكى فزوجتك هي الأكثر قدرةً على معاملتك بالحسنى.
واسمع لوصف نساء الدنيا في الجنة بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله عز وجل، ألبس الله وجوهن النور وأجسادهن الحرير بيض الألوان، خضر الثياب صفر الحلي، مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب، يقلن نحن الخالدات لا نموت أبدًا، ونحن الناعمات فلا نبأس أبدًا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا، طوبى لمَن كُنا له وكان لنا.
وإذا كان زوج غيرك هو الأغنى فزوجك هو الأنقى، وإن كان زوج غيرك هو الأرقى أصلاً فزوجك هو الأكثر حنانًا، فلا تقارنيه بغيره، ولا تنظري لسواه، هكذا علمني أستاذي، قال في وصف نساء الجنة في تفسيره لمعنى قاصرات الطرف أنهن لا ينظرن إلا لأزواجهن، فلا مقارنة بزوجِ أخت أو زميل أو قريب، فإن ذلك مفتاح كل شر.
7- العشرة الطيبة:
ورغم كل الظروف فإن العشرة الطيبة هي أساس كل خير وإن حدث وحدث فلا تجريحَ ولا إهانة ولا فصح للأسرار أو تعيير بالعيوب، فهذا من صفات المنافقين، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "وإذا خاصم فجر"، وإن كان الاحترام المتبادل مطلوبًا بين الزوجين أيضًا من أشد المطلوبات تجاه الأهل خاصةً والدي الزوجة فلا يذكرهما الزوج بسوء أمام زوجته مهما بدر منهما، وعلى الزوجة أن تحترم أم زوجها وتعاملها بالحسنى وتتغاضى عما تكره وتتودد إليها وتتجنب الشكوى إلى زوجها منها وتتحمل ضعفها وتقلبات سنها وتعذرها لاختلاف تفكيرها عنها، فهي تنتمي إلى جيلٍ مختلفٍ عنها، فإن فعلت كان ذلك وقاية لكثيرٍ من المشكلات بينها وبين زوجها، ولتتأكد أنه سوف يُقدِّر لها صنيعها.
8- وسائل فعالة يستيقظ بها الحب:
وأخيرًا فالمودة والرحمة هما أساس مهم تُبنى عليه البيوت، فاحرصا على تجديد المشاعر الحلوة بينكما لتحتملا معًا متاعب الحياة ومشاكلها، وحاولا الحفاظ عليها رغم كل الظروف، ومن تلك الوسائل نقلاً عن شريط (بحر الحب) لإبراهيم الدرويش:-
1- تبادل الهدايا، فالورود لها تأثير السحر، والبطاقة التي كُتبت عليها كلمات جميلة تُحيي أجمل المشاعر وللمفاجأة تأثير فعال.
2- تخصيص أوقات للجلوس معًا وتبادل الأحاديث وبذل وقت للإنصات.
3- عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر إليهما الله نظرةَ رحمة، فإذا أخذ كفَّها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما".
4- التحية الحارة والوداع الحار عند الدخول والقدوم السفر وعبر الهاتف.
5- الثناء والغيرة المعتدلة.
6- الاشتراك في عمل أشياء منزلية خفيفة مثل كتابة الطلبات أو مهمة مثل تخطيط المستقبل.
7- الكلمة الطيبة العاطفية الرقيقة وإشعار الطرف الآخر أنه نعمة من الله.
8- نزهة قصيرة في جو جميل.
9- التفاعل وقت الأزمات كمشاكل العمل والحمل.
10- التجديد ومحاربة الرتابة.
11- المصارحة والتنفيس وعدم كبت المشاعر والخوف.
12- نداء كل طرفٍ بأحب الأسماء إليه، كما كان صلى الله عليه وسلم ينادي زوجته بقوله "يا عائش".
13- التغاضي عن الزلات.
وإذا الحبيب أتى بذنبٍ واحد جاءت محاسنه بألف شفيع