مقدمة
إن علاقة المديونية التي تربط الدائن بالمدين تكتسي أهمية كبيرة لتعلقها بحقوق مالية، إذ أن الدائن يكون مهدد بخطر عدم تمكنه من الحصول على الحق الذي له قبل مدينه، وذلك متى لم يف المدين بما عليه من دين اختياريا، ولهذا الغرض بالذات أوجد القانون نوعين من الوسائل لضمان حق الدائن من الضياع، الأول، يسمي بالضمان العام ومؤداه أن جميع أموال المدين ( أي ذمته المالية) ضامنة للوفاء بديونه وهو المبدأ المقرر بالمادة 188 من التقنين المدني الجزائري، إلا أنه لا يكفي لتأمين حق الدائن لسببين، أحدهما يعود لعموميته باعتبار أنه يشمل أموال المدين دون تخصيص شيء منها للوفاء بحق الدائن، الشيء الذي يجعل للمدين الحق في التصرف في هذا المال مما يؤدي حتما إلى إنقاص هذا الضمان ، والثاني أنه مشترك بين كل الدائنين مما يجعلهم متساوين فيه، فيقتسمون أموال المدين قسمة غرماء بنسبة قيمة حق كل منهم، ويزاحم بعضهم بعض في ذلك، فإن لم تكف أموله للوفاء بجميع حقوق الدائنين، ضاع على كل منهم جزء من حقه.
هذا ولقد أحاط المشرع الجزائري هذا الضمان بوسائل للمحافظة عليه، ومن ذلك ما جاءت به المادتين 189 و 190 من قانون المدني الجزائري من إمكان الدائن إتباع الدعوى غير المباشرة أو دعوى عدم نفاد التصرف، أو ما اصطلح عليه بالدعوى البوليصية طبقا للمادة 191 من قانون المدني الجزائري وما بعدها، هذا وللدائن أيضا العمل على كشف مساعي المدين لإبعاد أمواله عن الضمان العام، وذلك بانتهاجه الدعوى الصورية المادة 198 من قانون المدني الجزائري، ورغم كل هذه الوسائل إلا أنها لا تقضي على المخاطر التي قد يتعرض لها الدائن من عدم حصوله على حقه لهذا السبب أوجد المشرع وسائل أخرى من شأنها توفير قدر أكبر من الثقة للدائن، وهذه الوسائل هي ما اصطلح تسميتها بالتأمينات الخاصة، والتي تتجسد في نوعين ألا وهما :
-تأمينات شخصية ، وتأمينات عينية ، فأما الأولى فتقوم على تعدد المسؤولين عن تنفيذ الالتزام، فيتحقق ضمان الدائن فيها من ضم ذمة أخرى إلى ذمة المدين، بحيث لو أعسر المدين تكون الذمة الأخرى مسؤولة عن الوفاء بنفس الدين، ومن ثمة تتزايد فرص حصول الدائن على حقه، والكفالة في هذا المجال هي من أهم صورها و أوضحها، وهناك صور أخرى يتعدد فيها المسؤولون عن إلتزام واحد، ولقد تضمن القانون هذه الصور وهي التضامن بين المدين المادة 217 و ما بعدها، إذ للدائن مطالبة المدينين المتضامنين بالدين مجتمعين أو منفردين، فيختار من هو أكثرهم يسارا و يقضي دينه كاملا أو يعود على أي مدين بما تبقى له من حقه إذا لم يستوفه من المدين الأول.وكذا عدم قابلية الالتزام للانقسام بين المدينين به ( 237 م ) وكذا الإنابة في الوفاء مع بقاء المدين الأصلي مسؤولا قبل الدائن مع المدين الجديد المناب. ( 294 ق.م).
-أما التأمينات العينية فهي تقوم على تخصيص مال معين من أموال المدين لضمان الوفاء بالالتزام، وهي تحقق للدائن حماية من خطر تصرف مدينه في هذا المال لأنه يخول للدائن حق تتبع هذا المال و التنفيذ عليه في أي يد ينتقل إليها، ويقيه أيضا خطر مزاحمة بقية الدائنين له إذ يمنحه حق التقدم عليهم جميعا، والتأمينات العينية التي تضمها التفنين المدني هي الرهن الرسمي ( 882 من قانون المدني الجزائري ) و للرهن الحيازي ( 948 ق.م.ج ) وحق التخصيص ( 937 ق.م.ج) وحق الامتياز ( 882، 1001).-ولعل أهم صور التأمينات الخاصة السالف ذكرها هي عقد الكفالة، موضوع بحثنا هذا، ولهذا نشير إلى أن المشرع الجزائري أفرد لها في التقنين المدني جزءا هاما إذ تناولها بالتنظيم، في الباب الحادي عشر المعنون بالكفالة من الكتاب الثاني الالتزامات والعقود مخصصا لها 20 مادة إمتدت من 644 إلى 673، وهذا كله و إن دل على شيء إنما يدل على الأهمية البالغة لهذا العقد الهام الذي سنتناوله بالتحليل وفقا للخطة المبعة فى الرابط