بحث عن سمات الشباب ودورهم فى المرحلة الراهنة لرفعة الوطن وبناء المستقبل
المقدمة:
إن الشباب هم عماد أي أمة من الأمم، وسر نهضتها وبناة حضارتها، وهم حماة الأوطان والمدافعون عن حياضها، ذلك لأن مرحلة الشباب هي مرحلة النشاط والطاقة والعطاء المتدفق، فهم بما يتمتعون به من قوة عقلية وبدنية ونفسية فائقة يحملون لواء الدفاع عن الوطن حال الحرب، ويسعون في البناء والتنمية في أثناء السلم، وذلك لقدرتهم علي التكيف مع مستجدات الأمور ومستحدثات الخطوب في مختلف المجالات العلمية والسياسية والاجتماعية، فالمرونة مع الإرادة القوية والعزيمة الصلبة والمثابرة من أبرز خصائص مرحلة الشباب، لذا وصف الله عز وجل هذه المرحلة المتوسطة بالقوة بعد الضعف وقبله، قال سبحانه وتعالي: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشبيه)
[الروم:54]
لذلك اعتني الإسلام بالشباب عناية فائقة ووجههم توجيها سديدا نحو البناء والنماء والخير، واهتم الرسول صلي الله عليه وسلم بالشباب اهتماما كبيرا، فقد كانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدعوة فأيدوه ونصروه ونشروا دعوة الإسلام وتحملوا في سبيل ذلك المشاق والأهوال.
فالرسول صلي الله عليه وسلم بنظرته الفاحصة وحكمته البالغة وضع الشباب منذ اللحظة الأولي فى موضعهم اللائق بهم ليكونوا العامل الرئيسي في بناء كيان الإسلام وتبليغ دعوته ونشر نوره في بقاع العالم، فعمل عليه الصلاة والسلام علي تهذيب أخلاقهم وشحذ هممهم وتوجيه طاقاتهم وإعدادهم لتحمل المسئولية في قيادة الأمة، كما حفزهم علي العمل والعبادة، فقال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وعد منهم «شاب نشأ في عبادة الله» (البخاري 1/234).
سمات الشباب:
تعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمر فيها الفرد، حيث تبدأ شخصيته بالتبلور. وتنضج معالم هذه الشخصية من خلال ما يكتسبه الفرد من مهارات ومعارف، ومن خلال النضوج الجسماني والعقلي، والعلاقات الاجتماعية التي يستطيع الفرد صياغتها ضمن اختياره الحر. وإذا كان معنى الشباب أول الشيء، فإن مرحلة الشباب تتلخص في أنها مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة وكبيرة.
أما سمات وخصائص الشباب في هذه المرحلة، فهي عديدة وإن كانت هناك خاصيتان أساسيتان للشباب بشكل عام وهما:
1. إن الشباب اجتماعي بطبعه، وهذا يعني الميل الطبيعي للانتماء لمجموعة اجتماعية يعطيها وتعطيه.
2. إن الشباب طاقة للتغيير والتشكيل.
أما الخصائص والمميزات الأخرى للشباب فهي:
1. طاقة إنسانية تتميز بالحماسة، الحساسية، الجرأة والاستقلالية وازدياد مشاعر القلق، والمثالية المنزهة عن المصالح والروابط.
2. فضول وحب استطلاع، فهو يبدو دائم السؤال والاستفسار في محاولة لإدراك ما يدور من حوله والإلمام بأكبر قدر من المعرفة المكتسبة مجتمعياً.
3. بروز معالم استقلالية الشخصية، والنزوع نحو تأكيد الذات.
4. دائما ناقد، لأنه ينطلق من مثاليات أقرب إلى الطوباوية، ونقده يقوم على أساس أن الواقع يجب أن يتطابق مع تفكيره المثالي.
5. لا يقبل بالضغط والقهر مهما كانت الجهة التي ترأس هذا الضغط عليه سواء كانت سلطة أو أسرة، وهذا السلوك جزء من العنفوان الداخلي للشباب والاعتداد بالنفس وعدم الامتثال للسلطة كتوجه تقدمي.
6. درجة عالية من الديناميكية والحيوية والمرونة، المتسمة بالاندفاع والانطلاق والتحرر والتضحية.
7. بدء التفكير في خيارات الحياة والمستقبل، الزواج، التعليم، الثروة.
8. اضطراب اتزان الشخصية وارتفاع مستوى توترها، حيث تصبح معرضة لانفجارات انفعالية متتالية واختلال علاقاتها الاجتماعية مع الأسرة والأصدقاء وغيرهم.
9. قدرة على الاستجابة للمتغيرات من حوله وسرعة في استيعاب وتقبل الجديد المستحدث وتبنيه والدفاع عنه، وهذه السمات تعكس قناعة الشباب ورغبته في تغيير الواقع الذي وجد فيه وإن لم يشارك في صنعه.
دور الشباب فى المرحلة الراهنة لرفعة الوطن وبناء المستقبل
إن الشباب هم عماد كل أمـة وأساسهـا، فهم قادة سفينة المجتمع نحو التقدم والتطـور، ونبض الحيـاة في عروق الوطـن، ونبراس الأمل المضيء، وبسمة المستقبل المنيرة، وأداة فعالـة للبناء والتنميـة..وحينما يغيب دور الشباب عن ساحـة المجتمع أو يُساء ممارسته، تتسارع إلى الأمة بوادر الركود و تعبث بهـا أيادي الإنحطاط وتتوقف عجلة التقدم.
و للشباب القدرة والقوة والطاقـة والحيوية تؤهلهم إلى أن يعطوا من أعمالهم وجهودهم وعزمهم وصبرهم ثمرات ناضجـة للأمـة إذا ما ساروا على الطريق الصحيح المرسوم في اتجاه التنمية والتقدم، واستغلوا نشاطهم لما فيه منفعـة لهم ولغيرهم خدمـة للوطـن والوطنيـة.
وأدوار الشباب على مر التاريخ كثيـرة جدا لا يسَع لها المجال لذكرهـا، وتبقـى هي تلك الأدوار التي يسطّر بهـا الكتّاب - في تأريخهم لمسيرة الأمم والدول وازدهارها وتقدمها، بمداد العز والإفتخار، سطورهم على صفحات التاريخ .
لكن حينما نتأمل حالة هـذا المجتمع المزريـة ونحاول أن نرصد نشاط شبابه عن كثب، نجده منصرف إلى ما يهدم دعائم هذا الوطن بدل بنائها و إقامتها؛ إذ يختفي حس المسؤوليـة وينعدم الواجب وتغيب التضحيـة وراء ستائر العبث والإستهتار واللامبالاة، فلا يبقـى إلا الدور السلبيـي الذي أصبح يلعبه جل الشباب إذا لم نقل كلهـم استثناءً لفئـة قليلـة جدا.
ومنافذ اللهو ومعاقل الفساد وأوكار الـشر ومواطن الكسل ومكامـن الخمول التي تستهوي الشباب وتقضي على دوره الإيجابي في المجتمع كثيـرة ومتعددة، وليس هناك أكثر من سبل الشيطـان ومغاويه في الحيـاة، وليس أسهل من الوقوع في شركهـا حينما تنقاد النفس مع شراع الشهوات والملذات المستهوية.
وبناء على ذلك، فليس غريبـا أن نجد فئات واسعـة من الشباب في عمـر الزهور يقتلون وقتهـم فيما لا طائل من ورائه؛ جلوسا في مقاهي المدينـة طيلـة اليوم كالعجزة راصدين كل غاد وراح، أو رابضين أمام أبواب الإعداديات والثانويات يتصيدون تلميذات المدارس للتحرش بهن ومضايقتهن، وفي أحسن الأحوال يمكثون في بيوتهم نائمين إلى ساعات متأخرة جدا من النهار أو جالسين إلى القنوات الفضائية التافهـة، يشاهدون تلك البرامج التي تساهم في انحلالهم الأخلاقـي و فساد تفكيرهم وتعتيم عقولهم ووعيهم، أو في أعمال أخرى تافهـة يملأون بها فراغهم، ضاربين بقيمـة الوقت في هذا الزمان عرض الحائط.
ونحـن نعرف جيدا أننا إذا أقمنا مقارنـة بسيطـة بين شباب زمان وشباب هذا العصـر، سنجد الفرق واسعـا و شاسعـا؛ فشتان بين الثرى والثريا، شتان بين الشباب الذي كان يهبّ باكرا من نومـه للعمل والكد بدافع الإحساس بالمسؤولية الحقـة، والذي كان يرهق من أمره عسرا سعيا وراء العلم والمعرفـة، قاطعـا إليها عشرات الكيليمترات مشيا على الأقدام بلا وسيلـة نقل أو شيء آخـر، وبين هـذا الشباب الذي يقوم من مضجعـه وقت انتصاف النهـار -إذا لم يسترسل في نومه إلى المساء- ليجد كل شيء جاهـز، قبل أن يخرج من منزله متجهـا صوب عبثه واستهتاره ليقتل ما تبقى له من وقـت في يومـه المقتول أصلا!
ولتفادي كل هـذه الأدوار السلبية التي يقوم بهـا الشباب في المجتمـع، لازم أن تسعى كل العناصر المسؤولة في هذا الوطن والجهات النافذة ذات السلطـة والتدبير والتسيير ، إلى خلـق أساليب وآليات تؤدي إلى استثمار طاقـة الشباب وقوتهم فيما يرجـى نفعـه وفائدته من فرص للعمل والشغـل لامتصاص أكبر قدر من البطالـة التي باتت تنخر العمود الفقري للمجتمع وتهدد أكثر أفراده حيوية بالضياع والفقر والتشرد، وخلق أنشطـة رياضية وتعليمية وثقافيـة وفنية واجتماعيـة..إلخ؛ للنهوض بهذه الفئـة الشابـة والرفع من مستواها ومعنوياتهـا بدل إهماهـا والتخلي عنها في عتمة زوايا الضياع.
وفـي الأخير فإن اعتزاز أي أمـة بنفسهـا هو اعتزازها بالشباب أولا؛ الدعائم القوية والمتينـة التي تسطيع أن تبني بها صروح أمجادهـا حاضرا ومستقبلا كي تبقـى صامـدةً أمام رياح الزمان التي لا تبقي ولا تضر، وكي يبقى عزها ورقـة خالـدة بين طيات كتاب التاريـخ، تُذكّـر الأمم الأخرى بما وصلـت إليه بفضل قلبها النابض الذي هو أولا وأخيرا الشباب.. لذا حريّ بهـا أن تولي أهميـة قصوى لهذا القلب قبل أن يخفـت نبضـه أو يُفقد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
بحث عن سمات الشباب ودورهم فى المرحلة الراهنة لرفعة الوطن وبناء المستقبل