بحث عن المنطق ، بحث كامل عن المنطق جاهز بالتنسيق ,مبادئ المنطق العشرة,مفهوم المنطق
بسم الله الرحمن الرحيم
مبادئ المنطق العشرة
الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأحمد الله الذي أنطق كل شيء بالحق، وجعل العالم عليه برهاناً ساطعاً، أن بلغني للشروع بإنجاز ما وعدت في رسالة الترحيب، وأسأله جل وعلا أن يخرجنا من ظلمات الوهم، ويفتح علينا بمعرفة العلم، إنه سميع مجيب.
وهذا كلام في علم المنطق أنجمه تقريباً للفهم، وتيسيراً للمبتدي لكي تحسن متابعته، وتتمكن من نفسه معرفته. والله الموفق للسداد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
مقدمة
بكسر الدال بمعنى مُتَقَدِّمَة على غيرها. والتقدير هذه مقدمة، فتكون خبراً مرفوعاً لمبتدأ محذوف.
وقد جرت العادة أن يأتي المصنفون ببعض كلام قبل أن يشرعوا في المقصود ويسمونه مقدمة.
وَحَذْوُنا حَذْوَهُم تزبب قبل التحصرم، وهو من علامات الساعة.
ونقول:
نظم أبو العرفان الصبان، مبادي العلوم قال:
إن مبادي كل فن عشرة = الحد والموضوع ثم الثمرة
وفضله ونسبة والواضع = الاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى = ومن درى الجميع حاز الشرفا
والمنطق فن -أي علم- كغيره من العلوم.
فنذكر في هذه المقدمة ما تيسر من مبادئه.
فأما اسمه: فهو المنطق.
وهذا الاسم لفظ مشترك بين ثلاثة معاني:
الأول مصدر ميمي بمعنى الإدراك الكلي من نطق بمعنى فهم المعاني الكلية.
الثاني اسم مكان وهو القوة العاقلة التي هي محل صدور تلك الإدراكات.
والثالث: مصدر ميمي بمعنى اللفظ الذي يبين ويظهر فهم المتكلم لهذه الإدراكات أي المدرَكات.
ولما كثر في هذا العلم أمثال هذه المدرَكات، ولما كان يحصل مع تعلمه زيادة وكمال في القوة العاقلة.
ولما لوحظ أن محصِّله عند مراسه تحدث فيه ملكة يُقتدر معها على إدراك معان كثيرة من دالات تبدو فجة وقليلة.
وعلى التعبير عن مراداته من المعاني، بألفاظ توافقها، وتحددها، بأخصر عبارة من دون إخلال، حُقَّ لهذا العلم عند اجتماع ذلك كله فيه أن يسمى بالمنطق.
ويسمى أيضاً معيار العلوم، وعلم الميزان، وسيتبين لك سبب تسميته بذلك، عما قريب إن شاء الله تعالى حين نتناول بالنقد بعض القضايا على أساس من قواعد المنطق.
أما ثمرته أي فائدته وبيان الحاجة إليه: فلما كان العقلاء يناقض بعضهم بعضاً في القضايا التي يحتاج فيها إلى النظر والاكتساب، حتى إن الإنسان الواحد ربما يقول ما يناقض مقالة سابقة له، برزت الحاجة إلى آلة قانونية تفيد في عصمة الأذهان عن الخطأ في الفكر، وتفيد في معرفة طرق تحصيل القضايا النظرية من القضايا الضرورية المسلّمة. ويحتكم إليها في معرفة صحة أو فساد نظر الناظرين.
وعليه فيعرّف المنطق تعريفاً رسمياً (لأنه تعريف بالغاية التي هي الفائدة، وسيأتي بيان الرسم عند الحديث عن المعرفات، وبيان السبب في عدم تعريف العلوم تعريفاً حدياً حقيقياً) بأنه: قانون تعصم مراعاته الذهن عن الوقوع في الغلط.
وسمي المنطق قانوناً لأن مسائله قوانين أي قواعد كلية تنطبق على جزئياتها. وهذه القوانين في الحقيقة هي عبارة عن الإدراكات الكلية للنفس، وهي ما سميناه نطقاً أو منطقاً عند الحديث عن اسم هذا العلم.
ويدل على هذا النطق النفساني أو الباطني النطق بالألفاظ الظاهرة أي الكلام بالحروف والأصوات والمقاطع المعروفة في كل لغة من اللغات.
ويلاحظ مع تعلم المنطق حدة في الأذهان وتفتقها عن دقائق المعاني، وقوة عارضة تتمكن شيئاً فشيئاً في النفس.
ومما يدل على اكتساب النفس لهذه الصفات، ما يظهر معها من اقتدار على اقتناص اللفظ الدال على متعلقه من المدرَكات الكلية، وحسن تفهم المقروء والمسموع، والبراعة في نقده، وطول التأمل وإدمان النظر، وكثرة استخدام القوة الفكرية، والحد من استخدام القوة المخيلة، فيكثر في الصمت الفكر، ويندر الاشتطاط في الخيال وأحلام اليقظة كما يسمونها. وكل ذلك وأضعافه يورثه علم الكلام، فمعه بدء الارتفاع من سفساف الأمور إلى معاليها في كل فعل يكتسب.
وأما نسبته: فإن نسبة المنطق للعقل تشبه نسبة علم النحو للسان المتكلم. فكما أن متعلم النحو كلما ازداد منه تمكناً قل خطؤه ولحنه في تحريك أواخر الكلمات التي يلفظها، حتى إذا رسخت قواعده في نفسه ندر بل ربما استحال عادة عليه أن يلحن.
فكذا المنطقي كلما رسخ في هذا العلم، ندر وقوعه في الخطأ في الفكر، فتعصم مراعاة قواعده الذهن عن الغلط في فكره.
وأما موضوعه: فاعلم أولاً أن موضوع كل علم هو الشيء الذي يُبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية (سيأتي بيان هذه المعاني بتفصيل إن شاء الله فلا تتعجل تحصيل معاني ما لم تألفه من المصطلحات).
فمثلاً:
الكلمة هي موضوع علم النحو، فإنه يبحث في علم النحو عما يعرض لها من إعراب وبناء.
والبدن هو موضوع علم الطب لأنه يبحث في علم الطب عما يعرض له من صحة واعتلال.
والعناصر موضوع علم الكيمياء فإنه يبحث في الكيمياء عما يعرض لهذه العناصر من تفاعلات وما ينتج عنها من تركب وانحلال، وما ينشأ عن ذلك من صفات للمواد الناتجة، وما يصاحب ذلك من تحولات في الطاقة إلى غير ذلك.
إذا توضح ذلك فنقول:
موضوع علم المنطق هو المعلومات التصورية والتصديقية من حيث صحة إيصالها إلى المجهولات (وسيأتي تقسيم العلم إلى التصور والتصديق والتفريق بينهما، قريباً إن شاء الله تعالى). لأن المنطقي يبحث عن أحوال تلك المعلومات التي معها يتوصل إلى المجهولات أي إلى تصورات وتصديقات لم تكن معلومة لديه، فعلمت عند عروض أحوال معينة على المعلومات الأولى، كما يبحث فيما يتوقف عليه هذا الإيصال.
ولا ريب أن هذه الأحوال التي يبحث عنها في المنطق هي أمور عارضة على المعلومات التصورية والتصديقية.
فمثال البحث عن الأحوال العارضة على معلومين تصوريين للتوصل إلى مجهول تصوري: الحكم بأن الجنس كالحيوان والفصل كالناطق إذا ركبا على الوجه المخصوص توصل مع المجموع إلى مجهول تصوري وهو هنا الإنسان.
ومثال البحث عن الأحوال العارضة على معلومين تصديقيين للتوصل إلى مجهول تصديقي: الحكم بأن القضيتين كقول المتكلم: العالم متغير، وكل متغير حادث؛ إذا ركبا على الوجه المخصوص حصل قياس يتوصل معه إلى مجهول تصديقي وهو العلم بأن العالم حادث.
ومثال البحث فيما يتوقف عليه هذا الإيصال والذي هو أيضاً من الأحوال العارضة للمعلومات، فنتركه الآن لأن شرحه يتوقف على فهم مقدمات أكثر لم نأت على ذكرها بعد، وسنأتي على إعادة شرح ما وضعناه في هذه الفقرة.
والمثال الذي تركناه بتفصيل وشرح مطول إن شاء الله تعالى، حين تتوفر للقارئ مقدمات كافية لبحث هذا الأمر معه.
فلا تسأم أيها الأخ الكريم المبتدي، ولا تظنن أن هذا العلم أصعب من أن يفهم.
وما عليك في هذه المرحلة إلا أن تقرأ وتجتهد في فهم ما هو موجود، فإن أرتج عليك فهم شيء منه بعد عدة محاولات، فاتركه وامش، لأنا سنعود إلى الكلام في كل ما نقوله مراراً، ونعرضه بطرق مختلفة، ولك أن تسأل وتبحث في الكتب، ونحن بدورنا لن نسأم أو نكل بإذن الله من الكلام مع من يظهر اهتماماً وحرصاً على التعلم.
أما واضع هذا العلم فهو إرسطو الفيلسوف اليوناني الشهير، بمعنى أنه أول من ألّف فيه كتباً.
ووقع في بعض الكتب أن اسمه إرسط بكسر الهمزة وفتحتين على الراء والسين، وهو مختصر من تمام اسمه إرسطاطاليس.
ولا يعيب هذا العلم أن أول من حرر فيه مؤلفاً فيلسوف يوناني؛ كما أننا لا نعيب على الرياضيات ما حرره فيها بعض نوابغ البشر من أمثال فيثاغورس ونيوتن وليبنز وديكارت، ولا على الفيزياء ما توصل إليه آينشتاين وغاليليو وشرودينغر وفارادي وغيرهم. فإن هؤلاء قوم عقلاء، يحترم ما أضافوه لمعارف الإنسان، ولا يلتفت إلى كونهم مسلمين أو لا؛ فإذا برهنوا على قضية ادعوها فاعلم أنها صارت علماً، وكل علم فهو محمود من حيث ما هو علم وهبة من الله سبحانه وتعالى، ولا يخلق بالعاقل أن ينتقص من أي علم من العلوم، وإنما شرف العلوم بشرف المتعلَّم فيها، أي بشرف متعلقاتها ومواضيعها والمبحوث عنه فيها.
واعلم أن كل علم فلا يمكن أن يتنافى مع الشرع، لأن الشرائع لا يمكن أن تأتي بما تحيله وتبطله العقول.
والعلوم كلها تلتقي مع بعضها، ويلتقي مجموعها مع الشرع في تناغم عجيب، يقف العقل أمامه مندهشاً، والجلد مقشعراً، والعين دامعة، واللسان حامداً لمدبر هذا الكون. فسبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم، ودله على نفسه بما لا يحصى من الدلائل التي تحيط بنا وتأسرنا وتملأ سمعنا وبصرنا وحواسنا وأنفسنا، ويمر عليها أكثر من ثلاثة أرباع البشر مصبحين وبالليل دون أن يلقوا لها بالاً، قتل الإنسان ما أكفره!
إذاً فهذا علم شريف، وفضله يعرف بمعرفة أنه من مبادئ علم الكلام الذي هو أشرف العلوم، وأنه من مبادئ علم أصول الفقه، وأن منفعته وفائدته عامة في كل علم من العلوم، فمن ذلك أنه مفيد في إثبات بعض العقائد الدينية بالبراهين العقلية، وتزييف العقائد الباطلة الفاسدة.
واستمداده من العقل كما لا يخفى على المتأمل، فإن النفس تذعن لمسائله، والعقل يوافق عليها ويجدها مغروسة فيه.
ومسائله هي القضايا النظرية الباحثة عن هيئة التعريف والقياس وما تعلق بهما. وسنأتي إلى بيان ذلك إن شاء الله بتفصيل حين نشرع في مسائله.
أما حكم الاشتغال به شرعاً، بعد أن انتهى إلينا منقحاً غير مشوب بكلام الفلاسفة الذي فيه الحق وفيه الباطل، فهذا المنطق المحرر المحمود الذي منه السلم وشروحه، ومختصر الإمام السنوسي، ورسالة إيساغوجي لأثير الدين الأبهري، والرسالة الشمسية للكاتبي، وكتاب تهذيب المنطق لسعد الملة والدين العلامة المحقق التفتازاني:
لا خلاف في جواز الاشتغال به، ولا يمنع من طلبه وتحصيله إلا البله ممن لا فهم لهم. بل هو فرض كفاية كما وقع في بعض الكتب.
وأما ذاك المخلوط بالفلسفة فحكي فيه الخلاف على ثلاثة أقوال:
الحرمة وهو قول الإمام النووي وابن الصلاح رحمهما الله تعالى.
والقول الثاني قول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى والذي فهم من كلامه إما فرض الكفاية أو الاستحباب، وعبر عن ذلك صاحب السلم بقوله: (وقال قوم ينبغي أن يعلما) يشير إلى ما قاله الإمام الغزالي في المستصفى: (من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه) وسماه حجة الإسلام معيار العلوم.
والقول الثالث التفصيل: أي جوازه لذكي القلب المتمسك بالكتاب والسنة ومنع غيره.
والله أعلم بالصواب.
فاللهم يا ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولمن علمنا وأحسن إلينا، وأحسن ختامنا، وصل على سيدنا محمد حبيب الرحمن عدد ما يكون وما قد كان، وعلى آله وصحبه وسلم مثل ذلك. آمين