في سنة 1812م وفي إحدى القرى الفرنسية حدث أن طفلا صغيرا في الثالثة عشرة من عمره يدعي لويس برايل صحب أباه صانع السروج إلي محلــه القريب من المنزل وأخذ يلهو بمثقابين وجدهمــا هناك وبينمــا هو يجري بهمـــا إذ زلت قدمه فوقع علي الأرض وأصاب المثقــابان عينيــه فخبا النور منهما حيث جزعت القرية كلها للحدث الأليم ولكن الطفل كان خفيف الروح حاد الذكاء بدأ يتعلم القراءة والكتابة عن طريق الحروف البـارزة التي كانت معروفة حين ذاك وكان ارتفــاع كل منهــا عن سطـح الورق ثلاث بوصات وعرضها لا يقل عن بوصتين ، علي أن هــذه الطريقة لم تشبع رغبة الغلام الطموح إذ أن ضخامة الحروف المستعملة فيها كانت تحول دون الانتفاع بها ،وكانت كتابة قصة صغيرة بواسطتها تستغرق عدة مجلدات،لكن قلقه كان يزداد كلما تقدمت به السن فقد كان يحب أن يقرأ ويكتب بسهولة فاستعان بفكرة أحد الضبــــاط في استخدام نقط وعلامات بدلا من الحروف علي أن يقوم بإحداث ثقوب في قطعة من الورق المقوي بحيث يعرف من يلمس كل ثقب أهو شرطة أم نقطة ليتمكن الضباط والجنود من قراءة الرسائل في الظلام .
وقد ظل برايل خمس سنوات يدرس ويبحث ويجرب ، وكانت محاولاته تكلل بالنجاح تارة ، وتواجه بالفشل تارة أخري لكنه لم يتراجع بل واصل حتي توصل إلي وضع رموز سهلة للحروف الأبجدية والعلامات الموسيقية والأعداد الحسابية وبعد أن هدي برايل إلي هذه الطريقة أرسلها إلي الأكاديمية في باريس فأعرضوا عنها فعلمها لتلاميذه الذين مارسوا العمل بها في أوقات فراغهم لكن برايل من فرط ما بذله من جهد مرض مرضا شديدا تزامن من إقامة حفل كبير ضم جمهورا غفيرا من علية القوم في باريس وعزفت علي البيانو في هذا الحفل إحدي فتيات من تلميذات برايل وما كادت تتم عزفها حتي ضجت القاعة بالتصفيق وتسابق المشاهدون لتهنئتها علي براعتها وموهبتها فوقفت تقول لهم إن تهنئتكم ينبغي ألا توجه إلي شخصي الضعيف هناك رجل عظيم أفني زهرة عمره في سبيلنا نحن الذين فقدنا نعمة البصر وقد جاهد بقلبه وروحه وعبقريته حتي نجحت طريقته وتناقلت الصحف قصة برايل واختراعه وذاع الأمر في أرجاء فرنسا وتسابقت عيون العلماء للإفادة من طريقته ، حيث تقرر تعميم الطريقة في جميع معاهد فرنسا وهرول إلي برايل لفيف من تلاميذه يزفون إليه النبأ حينها بكي وقال لهم الآن أموت وأنا مطمئن إلي أن جهودي لن تموت معي .
مات برايل وهو في الثالثة والأربعين من عمره ، وأقيم له في القرية التي فقد فيها بصره تمثال بدا فيه بعينين تفيضان شفقة ورحمة وحق له أن يوصف بواهب النور للمكفوفين .