تلوث المياه بالقمامة والنفايات
تُعد القمامة من أكبر المشكلات البيئية وأكثرها كلفةً، حيث أنّها تشتمل على مواد سامّة مختلفة: من أكياس بلاستيكية وقطع أثاث مختلفة، ومعلبات، ومخلّفات غذائية، وأخشاب وأوراق وزجاج، وغير ذلك الكثير، ومن أجل التخلص منها تقذف في البحار، وخاصةً من قبل الدول الصناعية فتلوثها، أو أنّها تُدفن في الأرض فتتسرب سمّية المواد التي تشملها إلى المياه الجوفية، أو يتم حرقها، فتتطاير منها الغازات السامّة، وتلوّث الهواء والماء والتربة، حيث تنتقل مع مياه الشرب أو مياه الري إلى المزروعات التي يتغذى عليها الإنسان والحيوان، فتسبب أضراراً صحيةً خطيرةً. وعلى الرغم من كل هذا تقوم العديد من الدول بدفن القمامات، وإن كان بعضها يحاول تغطيتها بطبقة من البتون أو البلاستيك لمنع تسرب المواد السامة إلى المياه الجوفية، غير أن هذه الاحتياطات تُعدّ مؤقتة، وذلك لأن هذه الطبقات العازلة لا تعمر في أغلب الأحيان أكثر من خمسين سنة، إضافة إلى أن بعض المحاليل الكيماوية مثل (Toluol) قادرة على اختراق الحاجز البلاستيكي دون أن تمزقه.
هذا وقد تم بالفعل اكتشاف أكثر من محلول كيماوي واحد في مياه الشرب، رغم الإجراءات التي اتخذت لمنع تسربها إلى المياه الجوفية. وبعد تسرب هذه المواد السامة إلى المياه الجوفية، وبالتالي إلى مياه الشرب من أكبر المشكلات البيئية المعروفة في هذا العصر. ومن هذه المحاليل الكيماوية الخطيرة التي تلوّث المياه، وخاصة مياه الشرب، الأنيلين والأستون وجلوجول الأثيل.
تلوث المياه بمواد كيماوية
نتيجة تلوث المياه بمواد كيماوية سامة تتكرر المشكلات البيئية والصحية فالمطهرات المختلفة التي تستعمل في هذا العصر، وخاصة تلك التي تحتوي على مركبات فسفورية، تميت كل شكل من أشكال الحياة في مياه الأنهار والبحار، كما إنّ المركبات الكلورية تسمم المياه أيضاً وتقضي على الأسماك التي تعيش بداخلها، مع العلم أن مادة الكلور، على الرغم من سمّيتها المعروفة للأسمالك، تضاف إلى مياه الشرب لتطهيرها من الجراثيم المرضية.
هذا وينتج عن تلوّث المياه بالمواد الكيماوية تكاثر الطحالب، وموت العديد من الكائنات الحية المائية من نبات وحيوان، علاوة على الأضرار الصحية المختلفة.
ومن أهم المواد الكيماوية التي تلوّث المياه بشكل عام عناصر من معادن ثقيلة كالرصاص والزئبق والكادميوم، بجانب المبيدات والأسمدة الكيماوية التي تستعمل في المجال الزراعي، وتشمل على مركّبات كلورية، وفسفورية، ونيتروجينية، وبوتاسية وغيرها كثير، حيث تتسرّب جميع هذه الكيماويات مع الحلقة الغذائية إلى الإنسان.
فوجود النيترات في مياه الشرب مثلاً يشكل خطراً كبيراً على صحة الأطفال الرضع وقد يسبب موتهم أيضاً، كما يؤثّر على المسنين وبعض الحيوانات الأليفة تأثيراً كبيراً.
كذلك فإنّ احتواء الماء على مواد كالزئبق والكادميوم يعرّض صحة الإنسان لأضرار خطيرة، وخير مثال على ذلك ما حلّ في اليابان بين عامي 1949 و1968 حيث قام أحد المصانع بقذف مخلّفاته المحتوية على مادة الزئبق في البحر، وفي الماء تحوّلت مادة الزئبق السّامة أصلاً إلى ميثايل الزئبق الأشد سمّية، وعلى طريق الحلقة الغذائية انتقل هذا المركّب منالأسماك إلى الإنسان، حيث أدى إلى تسمّم آلاف من اليابانيين وموت المئات منهم، إضافةً إلى إصابة الكثير من المواليد بتشوهات عقلية وبدنية. هذا ونتيجة تلوّث مياه الشرب والتربة الزراعية والهواء. بمخلّفات وُجدت مدفونة في مناجم مهجورة، احتوت على عنصر الكادميوم أصيب الآلاف من اليابانيين بالمرض المعروف باسم إتاي-إتاي ( أوا-أوا)، الذي يسبب آلاماً شديدة مزمنة في العظام، ومن أخطار هذا المرض أيضاً أنه يذيب المادة الكلسية في العظام، مما يؤدي إلى اختفائها التدريجي، أو إلى تقزّم وانحناء في الهيكل العظمي، كما أنّ هذا التلوث سبب موت عدد غير معروف من الناس نتيجة توقّف نشاط الكلى وإبطال مناعة الجسم الطبيعية.
تلوّث المياه بمواد النشاط الإشعاعي
إن وجود العديد من المفاعل النووية، وإجراء التجارب الذرية على وجه هذه المعمورة يؤدي إلى تساقط المواد النشطة إشعاعياً، كغبار ذري، على الأرض، فتلوث التربة والنبات ومياه الشرب، وتنتقل عن طريق الطعام والشراب إلى جسم الإنسان، فتسبب له أمراضاً سرطانيةً خبيثة، كما تقود إلى تغييرات في أجنّته الوراثية.
فالتجارب النووية تلوّث المياه بمواد مثل سثرنتيوم 90 وبلاتونيوم 239، بينما تلوّثها المفاعل النووية بسازيوم 137 وسثرنتيوم 90 وغيرها الكثير.
وتشترك جميع مواد النشاط الإشعاعي، بغض النظر عن مصدرها، بتأثيرها البالغ على صحة الإنسان. فمن عنصر البلاتونيوم 239، الذي يُعد من أشد عناصر النشاط الإشعاعي سمّية، تتطاير شعاعات ألفاً الفنية بالطاقة إلى الجو، ثم تسقط كرذاذ مع الأمطار على سطح الأرض وتلوّث الماء والتربة، وعندما تنتقل إلى الإنسان عن طريق الحلقة الغذائية، تتجمّع في ثنايا الجسم المختلفة، في العظام والرئة، حيث تثير كميات قليلة جداً منها، أقل من واحد على مليون، أمراضاً سرطانية، وخاصةً في الرئة.
هذا وقد تلوث الجو في السنوات الأخيرة بمادة البلاتونيوم بشكل واسع، وذلك نتيجة التجارب النووية والمفاعل الذرية، مع العلم أن هذه المادة لم تكن أصلاً متوفرة في الطبيعة، بل يتم انتاجها صناعياً، وخاصةً وأن الدول الصناعية تتسابق على إنتاج كميات كبيرة.
تلؤّث المياه بزيوت النفط
يُعد تلوّث البحار والمحيطات بزيوت النفط مشكلة مزمنة، حيث ينتج هذا التلوث عن السفن والناقلات العملاقة التي تجوب البحار والمحيطات، وتفرّغ زيوت محركاتها المستهلكة في مياهها، كما ينتج أيضاً عن تدمير أو تفجير آبار البترول البحرية أو الواقعة قرب الشاطئ، أوعن تحطيم ناقلات البترول العملاقة التي تضاعفت أعدادها في السنوات القليلة الماضية، وأخذت تشكل أخطاراً كبيرةً للبحار.
فلدى تدفق 10000 طن نفط من باخرة عملاقة تتحطم في عمق البحر، ينتشر الزيت الخام بسرعة 5.4 كم في الساعة فوق سطح الماء، ويميت حوالي 50% من الطيور التي تعيش فيها خلال أسبوع، حيث أنّ هذا الزيت الذي لا يمتزج مع الماء، يطفو على سطح البحر، وبينما يتبخّر جزء كبير منه كغاز، يتجمع الجزء الأكبر ، نتيجة الأمواج الهائجة فوق المحيطات والبحار، مكوناً بذلك كتلاً سوداء لزجةً كريهة اللون والشكل والرائحة، تشبه القشدة (mousse , masses) وفي أثناء طفو هذه الكتل الزيتية اللزجة لمدة طويلة فوق سطح المياه، أو ترسبها في أعماق المحيطات، يموت كثير من الكائنات الحية المائية، أو يتأثر معظمها تأثيراً بالغا.ً
ونتيجة لعدم تمكن أشعة الشمس من إختراق الكتل الزيتية، التي تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 90%، تتوقف عملية التمثيل الضوئي ونمو الكثير من العوالق، وخاصةً تلك التي توجد أصلاً في مكان ظليل، وبهذا تفقد المياه مصدراً طبيعياً ومهماً من غذاء الأسماك والكائنات الحيّة البحرية الأخرى، مما يؤدي إلى موتها، إضافةً إلى أنّ كثيراً من الطيور المائية الملوثة بالزيوت تفقد قدرتها الطبيعية على صدّ المياه عن جسمها فتموت برداً، أو قد تموت نتيجة تسممها المباشر بالزيوت، وخاصة وهي تحاول تنظيف ريشها الملوث، تبتلغ كميات كبيرة من هذه الزيوت السامة والمشبعة بمادة الكبريت. وقد تزداد هذه المشكلة خطورةً، عندما تبدأ طبقة الزيت المنتشرة فوق سطح الماء بإذابة المواد السامة التي يحملها الهواء، والتي لا تذوب في الماء، مثل ال د.د.ت، وبولي كلور بيفنيل (PCB)، التي تنتقل بدورها إلى الحلقة الغذائية وبالتالي إلى الإنسان نفسه، وتسبب له أضراراً صحية جسيمة.
ومن المصادر الأخرى التي تلوث المياه بالزيوت، والتي لا بد من ذكرها وأخذها بعين الاعتبار، الزيوت الناتجة عن السيارات وورش تصليحها أو صيانتها، والناتجة من محطات البنزنين وتكرير البترول وغيرها، وتتسرب هذه الزيوت عن طريق التربة إلى المياه الجوفية ثم تنتقل معها إلى الأنهار والبحريات، حيث تلوّث مياه الشرب والبحار معاً.
تلوث الماء الناتج عن ارتفاع درجة الحرارة
كثير من المصانع تقذف بمخلفاتها من الماء الساخن في الأنهار والبحار، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارتها وحرارة البيئة المحيطة بها فوق المعدل، وخاصة في أيام الصيف الحارة، مما يؤثر تأثيراً بالغاً على حياة الأسماك والكائنات الحية الأخرى التي تعيش فيها، كما قد يؤدي هذا الإجراء إلى موتها أيضاً.
هذا وقد يتأقلم عدد من هذه الكائنات الحية مع الظروف الجديدة، حتى أنّ انعدام الماء الساخن عنها قد يؤدي إلى موتها، مما دعا علماء البيئة على إطلاق اسم (THERMAL PLUME) على هذه الظاهرة، غير أن مشكلة تغيير حرارة الماء ستبقى قائمة، ما دامت تعرض حياة الأسماك والكائنات المائية الأخرى، لخطر الانقراض.
3. تلوث التربة الزراعية
في السنوات الأخيرة ظهرت أضراراً كثيرةً على العديد من المحاصيل الزراعية التي نتجت عن تلوث التربة بمواد سامة ثم تساقطها من الجو مع الأمطار على الأراضي الزراعية كأمطار حمضية، حتى أنها أخذت تهدد مياه الشرب والمزروعات للخطر، إلى جانب اضرارها الملحوظة على طبقة التربة الزراعية، فالمواد السامة المتساقطة من الجو لا تؤثر على طبقة التربة الخصبة فحسب، بل إنها تقضي على الكثير من الكائنات الحية المهمة لخصوبة التربة، وذلك على عمق بتراوح بين 25 إلى 30 سم.
فمنذ ملايين السنين والكائنات الحيّة التي تعيش في التربة تحافظ على رطوبتها وتفكك الكتل الترابية فيها، وبذلك تسمح للهواء أن يتخللها، كما أنّها تحلّل المواد العضوية من بواقي النبات والحيوان، وتقدمها كأسمدة للمحاصيل الزراعية، وبالتالي فإنّ فقدان الأرض لهذه الكائنات الحيّة يعني بلا شك افتقاد التربة الزراعية مصدراً رئيسياً مهماً لخصوبتها.
هذا وقد أصبحت كثير من هذه السموم التي تلوّث الجو وتسقط على الأرض كأمطار حمضية مثل أحماض الكبريتيك والنيتريك، إضافةً إلى آيونات المعادن الثقيلة كآيونات الألومنيوم السامة، تهدد حياة العديد من هذه الكائنات الحيّة المفيدة بالانقراض، وخصوبة الأراضي الزراعية بالانهيار.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالتربة الزراعية مهددة أيضاً من قبل الأسمدة الكيماوية ومن المياه العادمة والغازات السامة الناتجة عن المصانع والسيارات التي تلوث التربة، ثم تنتقل مع الحلقة الغذائية إلى الإنسان. ولهذا فإن الإستمرار في تلوث الأراضي الزراعية قد يحّول هذه الأراضي إلى قفار قاحلة. فبعض الدول الصناعية أصبحت في الوقت الحاضر تعاني من عدم صلاحية أجزاء كبيرة من أراضيها للزراعة، نظراً لتلوثها بسموم من المعادن الثقيلة، وقد بلغت نسبة هذه الأراضي الملوثة في بعض المناطق من العالم إلى 10% من مجمل أراضيها.
تلوث التربة بالمواد الكيماوية
من المشكلات الأخرى التي تؤثر على نوعية التربة الزراعية هي المبالغة في تقديم كميات كبيرة من الأسمدة الكيماوية لها، إضافة إلى دفن مواد سامة من مخلفات المركبات الكيماوية المختلفة فيها، وهذه لا تلوث التربة فحسب، بل المياه الجوفية أيضاً.
ومما يزيد في تفاقم هذه المشكلة تعمير الحقول الزراعية بالبيوت السكنية وشقها بطرق وأرصفة من الإسفلت والإسمنت، وخاصة في المناطق الآهلة بالسكان، حيث أن هذه الإجراءات تقود، إضافة إلى تقليص حجم الأراضي الصالحة للزراعة، إلى التقليل من منسوب المياه الجوفية، لأن الطرق والشوارع المعبدة تمنع عادةً من امتصاص مياه الأمطار، التي تذهب هدراً مع المجاري بدلاً من تسربها إلى جوف التربة.
من هنا استنتجت بعض الدراسات الأمريكية بأن الخسارة المستمرة للأراضي الزراعية في العالم مع الزيادة المتنامية للأعداد السكانية قد يؤدي إلى كارثة غذائية ، فعلى سبيل المثال كان الهكتار الواحد من الأرض الزراعية بكفي لفر أو فردين من الناس، والآن تضاعف عدد الأفراد كثيرا على نفس المساحة الزراعية.
وربما يعتقد البعض بأنه من الممكن إصلاح الأراضي الزراعية بواسطة تقديم الأسمدة لها، غير أن هؤلاء يتجاهلون أو يتناسون بأن هذه الأسمدة الكيماوية هي سموم من مركبات كلورية أو كبريتية، وهي كفيلة بأن تلوث التربة بشكل مستمر، وربما بلا رجعة. هذا وربما يكون بالإمكان تنقية الهواء من التلوث، إلاّ أنّه من المستحيل تنظيف التربة من غبار معادن ثقيلة أو من آثارها المتبقية. فإذا كانت التربة ملوثة بالثاليوم أو بمبيدات زراعية كالمركبات الكورية، أو بالرصاص والديوكسين، فإنها تنتقل ***وم إلى المواد الغذائية النباتية، وتعرض صحة الإنسان والحيوان للخطر. فقد نفق نتيجة التسمم بمعادن ثقيلة عدد من الأبقار في بعض المراعي الألمانية القريبة من المصانع، كما انتشرت أمراض في الكلى والكبد والعظام في اليابان نتيجة تسمم التربة بمادة الكادميوم، اضافة إلى أن الآثار المتبقية من المواد الكيماوية السامة في التربة تعرض حياة الأطفال والمسنين والمرضى والحوامل لخطر الموت. هذا وبما أنّ هذه السموم تنتقل إلى جسم الإنسان عن طريق الحلقة الغذائية، فإنّ بعض الأطعمة مثل الكلى والكبد، إضافةً إلى التبغ تُعد من أكثر المواد الغذائية التي تتجمع فيها المواد السامة. ويُعد عنصر الكادميوم من أشد المواد سمّية. فقد ذكرت بعض المصادر الألمانية الغربية أن المواد الغذائية التي احتوت على كميات عالية من الكادميوم أدّت إلى تسمم حوالي 1000 شخص وإصابتهم بأمراض خطيرة في الكلى، كما أشارت مصادر غيرها بأن الكادميوم يقود للبلاهة وإلى فقدان الذاكرة، كما يؤدي إلى تغييرات في الجينات الوارثية وإلى تشوّهات في المواليد.
وتزداد كمية الكادميوم في التربة الزراعية كلّما ازداد استعمال الأسمدة الكيماوية، وخاصة الأسمدة الفوسفاتية، ففي كل طن واحد من الفوسفات يوجد 75 غراماً من مادة الكادميوم السامّة، إضافةً إلى أن الأسمدة الكيماوية هذه تلوّث مياه الشرب والمياه الجوفية، بجانب تلويثها للتربة، حيث تنتقل آثارها المتبقية إلى المحاصيل الزراعية ومنها إلى الإنسان.
هذا كما تؤثر الغازات المتطايرة من المصانع والسيارات تأثيراً سلبياً على التربة، حيث ترفع حموضتها، وتخل من توازنها الطبيعي وخاصة بالنسبة لمخزون المياه فيها. فالتربة الملوثة بالغازات السامة غير قادرة على حفظ المياه، حيث تجرفها الرياح والأمطار وتحولها إلى أراضي غير صالحة للزراعة.
من المخاطر التي تهدد زوال التربة الزراعية
إن حوالي 11% من أراضي هذا العالم تُعد صالحة للزراعة، أما الجزء الباقي فيشمل على أراضٍ جافة أو صحارٍ أو أراضٍ مغطاة بالثلوج والمستنقعات... الخ، غير أن هذه الأراضي الزراعية مهددة بالضياع إذا لم يتم أخذ الإجراءات اللازمة لإيقاف المسببات التي تؤدي إلى تلوثها أو إلى استغلالها لأغراض غير زراعية، ويعتقد بعض علماء البيئة أن انهيار الأراضي الزراعية قد يحدث في السنوات القريبة القادمة إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه الآن نتيجة التطور الصناعي وزيادة الأعداد السكانية وتحول جزء كبير من الأراضي الزراعية الخصبة في هذا العالم إلى مدن وأرصفة ومصانع وشوارع... ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يتم تحويل 2500 كم2 من خيرة الأراضي الزراعية و 700كم2 من أراضٍ مستصلحة سنوياً لأغراض غير زراعية.
هذا إضافةً إلى أن كثيراً من الأراضي الزراعية في الدول النامية تتعرض لانجراف تربتها الخصبة نتيجة الجفاف والأمطار والرياح، ونتيجة كثافة المرعى، حيث تنتشر الصحاري على مساحات شاسعة، وأصبحت تغطي الآن حوالي 35% من مجموع أراضي هذا العالم، أي حوالي 3.5 مليار هكتار أو ما يعادل مساحة القارة الأمريكية الشمالية.
إن الجفاف الذي اجتاح منطقة الساحل الأفريقي مع مطلع الثمانينات، وأودى بحياة حوالي 100 ألف نسمة وبملايين من أعداد الماشية يعود إلى كثافة المرعى وإلى استنزاف الأراضي الزراعية والمياه. ففي النيجر وحدها ذهب ضحية هذا الجفاف حوالي 8 مليون من قطعان الماعز، وحوالي 300 ألف جمل، حيث كانت أعداد الماشية هذه تفوق بكثير مساحة المراعي وكميات المياه المتوافرة لها، حتى أنّها قضت على كل أخضر. فخسارة الأرض مرة واحدة، تعني خسارتها للأبد، فالطبيعة تحتاج مئات من السنين من أجل تكوين طبقة ترابية لا يتجاوز عمقها 10 سم فقط.
4. تلوّث المواد الغذائية بكيماويات سامّة
إن قائمة المواد الكيماوية السامة التي تلوث المواد الغذائية طويلة، حيث لا تخلو مادة غذائية واحدة في الوقت الحاضر من آثارها المتبقية، حتى أنّها شملت حليب الأمهات وغذاء الرضع، وأصبح الغذاء اليومي من طعامٍ وشراب يحتوي على بقايا من معادن ثقيلة، ومبيدات وأسمدة زراعية، ومضادات حيوية وأدوية وغيرها كثير.
وتنتقل هذه السموم إلى المواد الغذائية من نبات وحيوان عن طريق الماء والهواء والتربة، ثم تتسرّب إلى الإنسان مع الغذاء، حيث تتجمع في أعضاء حساسة من جسمه، وتُعرّض حياته لأمراض خطيرة، وربّما للموت أيضاً.
ويتم تحديد كميات المواد الكيماوية في المواد الغذائية بتركيزات معينة شريطة ألاّ تسبب ضرراً على صحة الإنسان، ويطلق على هذه الكمية، الكمية غير المؤثرة (no-effcet-level)، غير أنّ هذه الكمية كثيراً ما يتم تجاوزها، إضافة إلى أن الكمية غير المؤثرة لمادة غذائية ما، لا يمكن أخذها بعين الاعتبار لمادة غذائية أخرى. فإمكانية تلوّث المادة الغذائية الواحدة قد تشمل جميع الملوّثات الناتجة عن الهواء والماء والتربة، ولهذا فإن الكمية غير المؤثرة مهما كان تركيزها ما هي إلاّ وسيلة من الوسائل لتهدئة الخواطر، ولا يمكن أن تحول دون تجمّعات المواد الكيماوية السامة في جسم الإنسان.