الحمد الله الذي هدانا للإيمان، وأنزل علينا السنة والقرآن، وشرفنا ببعثة محمد خير الأنام وعلى آله وصحبه البررة الكرام... أمابعد:
فإن الأمة الإسلامية تعيش في هذه الأوقات أياماً شريفة، وليالي فاضلة، وأزمنة عامرة بذكر الله تعالى وشكره، وموسماً عظيماً من مواسم طاعة الله وعبادته.
فبالأمس كان حجاج بيت الله الحرام يقفون هناك على عرفات في مشهد رائع من مشاهد العبودية، يطلبون رحمة الله، بالذكر والدعاء والإستغفار والمناجاة، معترفين بالذل والعجز والفقر والمسكنة، صارفين كل معاني العزة والقوة والسلطان والغنى والعلو لله تعالى وحده لاشريك له.
الله أكبر الله أكبر، لاإله إلا اللهوالله أكبر، الله أكبر ولله الحمدواليوم يشترك المسلمون جميعا في الفرح والسرور بعيد النحر، الذي هو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال ركن هام من أركان الإسلام وهو الحج، فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم، وإنما يكمل الحج بيوم عرفة، الذي فيه يعتق الله عباده من النار، ولذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، ولذلك شرع للجميع التقرب إلى الله بذبح الأضاحي وإراقة دماء القرابين.
فأهل الموسم: يرمون الجمرة، ويشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج، ويقضون تفثهم، ويوفون نذورهم، ويقربون قرابينهم، ثم يطوفون بالبيت العتيق.
وأهل الأمصار: يجتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له، ثم يذبحون عقب ذلك نسكهم، ويقربون قرابينهم بإراقة دماء ضحاياهم، فيكون ذلك شكرا منهم لهذه النعم.
الله أكبر الله أكبر، لاإله إلا اللهوالله أكبرالله أكبر، ولله الحمدأفراح العيد
أخي الحبيب:
العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بخالقهم ومولاهم، إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بفضله ومغفرته، كما قال تعالى: (قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)"سورة يونس58"
فضل يوم النحر
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " يوم النحر هو يوم العيد، وهو الأذان ببراءة الله ورسوله من كل شرك ".
وقال أيضا:" فخي الأيام عند الله يوم النحر، كما في السنن عنه أنه قال: { أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر } [صححه الألباني]، ويوم القر: هو اليوم الذي يلي يوم النحر، وهو حادي عشر ذي الحجة.
وقيل: يوم عرفة أفضل منه، والصواب القول الأول ؛لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شئ يقاومه، والصواب أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر.أ.ه.
التكبير
يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لحديث شقيق عن علي أنه كان يكبر بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق."رواه ابن أبي شيبة"
وقال الحاكم في (المستدرك):" فأما من فعل عمر وعلي وعبدالله بن عباس وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم فصحيح عنهم التكبير من غداة عرفة إلى آخر أيام التشريق "أ.ه. وهو أيضا مارجحه الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
وقد ورد عن الصحابة من صيغ التكبير مايلي:
* الله أكبر الله أكبر... لاإله إلا الله.. والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
* الله أكبر، الله أكبر... الله أكبر الله كبيرا.
ملابس العيد
عباد الله: إن العيد شكر وليس فسقا، فاحفظوا أبنائكم وإخوانكم، وانظروا في ملابس زوجاتكم وبناتكم وأخواتكم التي أعدت للعيد، وألزموهن اللباس الشرعي، ولاتسمحوا بأي مخالفة للإسلام في هذه الملابس، وكونوا عونا لشباب الأمة على غض أبصارهم وحفظ فروجهم.
غض البصر
قال بعض أصحاب سفيان الثوري: خرجت مع سفيان يوم عيد فقال:" إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر ".
ورجع حسان بن أبي سنان من عيد فقالت له امرأته: " كم من امرأة حسناء قد رأيت؟"، فقال " ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت إلى أن رجعت "!!
أعياد المؤمنين
لما قدم النبي المدينة، كان لهم يومان يلعبون فيهما فقال: { إن الله أبدلكم يومين خيراً منهما، يوم الفطر، ويوم الأضحى } [رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه]. فأبدل الله هذه الأمة بيومي من اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.
وهناك عيد ثالث يتكرر كل أسبوع وهو يوم الجمعة، وليس للمؤمنين في الدنيا إلا هذه الأعياد الثلاثة.
هدي النبي في العيد
قال الإمام ابن القيم رحمه الله ما ملخصه:
1ـ كان يصلي العيد في المصلى، ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر إذا ثبت الحديث، وهديه كان فعلهما في المصلى دائما.
2ـ وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه.
3ـ وكان يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات، يأكلهن وتراً، وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
4ـ وكان يغتسل للعيدين.
5ـ وكان ماشيا والعنزة ـ أي الحربة ـ تحمل بين يديه، فإذا وصل إلى المصلى نصبت بين يديه ليصلي إليها.
6ـ وكان يؤخر صلاة عيد الفطر، ويعجل بالأضحى.
7ـ وكان إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولاإقامة ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة ألا يفعل شئ من ذلك.
8ـ ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها.
9ـ وكان يبدأ الصلاة قبل الخطبة، فيصلي ركعتين، ويكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الإفتتاح، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات، وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة.
10ـ وكان إذا أتم التكبير أخذ في القراءة، فقرأ فاتحة الكتاب، ثم قرأ بعدها: ق والقرآن المجيد [سورة ق:1] في إحدى الركعتين، وفي الأخرى: اقتربت الساعة وانشق القمر [سورة القمر:1]، وربما قرأ فيهما: سبح اسم ربك الأعلى [سورة الأعلى:1] و هل أتاك حديث الغاشية [سورة الغاشية: 1]، صح عنه هذا هذا، ولم يصح عنه غيره.
11ـ فإذا فرغ من القراءة كبر وركع، ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمس متوالية، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة، فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين، والقراءة يليها الركوع.
12ـ وكان إذا أكمل الصلاة انصرف، فقام مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم، ويأمرهم وينهاهم.
13ـ ولم يكن هناك منبر يرقى عليه، ولم يكن يخرج منبر المدينة، وإنما كان خطابهم قائما على الأرض.
وقال جابر رضي الله عنه:" شهدت مع رسول الله يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساءء فوعظهن وذكرهن" [متفق عليه].
14ـ وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير.
15ـ ورخص لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة، وأن يذهب، ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة.
16ـ وكان يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب من طريق ويرجع من آخر، فقيل: ليسلم على أهل الطريقتين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل وهو الأصح: أنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها.
الله أكبر الله أكبر... لا إله إلا اللهوالله أكبر الله أكبر... ولله الحمدتنبيهات وأخطاء
1ـ يحرم صيام يوم العيد:
لحديث أبي سعيد أن النبي : " نهى عن صيام يومين ؛ يوم الفطر، ويوم النحر " [متفق عليه].
2ـ التهنئة بالعيد:
لا بأس أن يهنئ المسلمون بعضهم بعضا بالعيد، فإن ذلك من مكارم الأخلاق.
3ـ يستحب التوسعة على الأهل والعيال في المأكل والمشرب والملبس دون إسراف أو تبذير، ويستحب كذلك صلة الرحم وزيارة الأهل والأقارب والإخوان.
4ـ ومن الأخطاء: احياء ليلة العيد بالصلاة والقراءة والقيام، واعتقاد أن لقيامها فضلا عن غيرها من الليالي.
5ـ ومن الأخطاء: ترك صلاة العيد والتهاون بآدائها مع أنها واجبة في أصح الأقوال، وكان النبي يخرج لها النساء والبنات حتى الحيض منهن، ليشهدن الخير من المسلمين، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى.
6ـ ومن الأخطاء: اختلاط الرجال بالنساء في مصلى العيد وغيره، وخروج النساء إلى المصلى في كامل زينتهن وتبرجهن.
7ـ ومن الأخطاء: استقبال العيد بالمعاصي والمنكرات من غناء ورقص ومعازف بدعوى الفرح والسرور.
8ـ ومن الأخطاء: تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر ودعاء الأموات.
9ـ ومن الأخطاء: الإسراف والتبذير في أيام العيد ولو كان في أمور مباحة كالأكل والشرب والملبس وغيرها.
10ـ ومن الأخطاء: السفر أيام العيد إلى بلاد الكفر حيث الأجواء الموبؤة والإنحلال.
من أحكام الأضحية
ذكر الإمام ابن القيم رحمة الله ما ملخصه:
1ـ الذبائح التي هي قربة إلى الله وعبادة ثلاثة:
ـ الهدي.
ـ الأضحية.
ـ العقيقة.
2ـ كان هديه نحر الإبل قياما مقيدة معقولة اليسرى.
3ـ وكان يسمي الله عند نحره ويكبر.
4ـ وكان يذبح نسكه بيده، وربما وكل في بعضه.
5ـ وأباح لأمته أن يأكلوا من هداياهم وضحاياهم، ويتزودوا منها.
6ـ وكان لا يدع الأضحية، وكان يضحي بكبشين.
7ـ وكان ينحرهما بعد صلاة العيد، وأخبر أن من نحر قبل الصلاة فلا أضحية له لقوله : { ومن نحر قبل الصلاة، فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء } [رواه البخاري].
8ـ وأيام الذبح: يوم النحر وثلاثة أيام بعده ؛ لقوله : { كل أيام التشريق ذبح } [ قال الألباني لا ينزل عن درجة الحسن بالشواهد].
9ـ ومن هديه أن من أراد التضحية، ودخل عشر من ذي الحجة، فلا يأخذ من شعره وبشره شيئا، لثبوت النهي عن ذلك في صحيح مسلم.
10ـ وكان من هديه اختيار الأضحية واستحسانها، وسلامتها من العيوب، ونهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن، أي مقطوعة الأذن ومكسورة القرن "أخرجه أحمد وأهل السنن"
11ـ وأمر أن تستشرف العين والأذن ـ أي ينظر إلى سلامتها، وأل يضحى بعوراء ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء ولا خرقاء." رواه أحمد وأهل السنن وصححه الحاكم".
والمقابلة: هي التي قطع مقدم أذنها.
والمدابرة: التي قطع مؤخر أذنها.
والشرقاء: التي شقت أذنها.
والخرقاء: التي خرقت أذنها.
تابع //