خلق مشاريع ناجحة من افكار عابرة
إن من نِعم الله العديدة على الإنسان والتي ميزه بها عن سائر المخلوقات هي نعمة التفكير، وليست هي النعمة الوحيدة التي يتميز بها الإنسان بل إن نعمة الصناعة والعمل من أعظم النعم التي أنعمها الله على خلقه منذ قديم الأزل قال تعالى: «وعلمناه صنعة لبؤس»، أي أن الله هو نفسه عز وجل الذي قام بتعليم الإنسان الصناعة وهي صفة يتعلمها الإنسان حتى يتقنها، أما نعمة التفكير فإنها صفة تتطلب أن يحث الإنسان عقله ويعصره في سبيل إخراجها قال تعالى: «لعلهم يتفكرون» أي ينبغي أن نحث عقولنا على التفكير باستمرار، فلا تنتهي فكرة إلا وتولد فكرة جديدة باستثناء الفكرة العظمى التي جاءت بها كل الأديان وأرسل الله لأجلها كل الرسل وهي شهادة أن لا إله إلا الله وحده، لا فكرة قبلها ولا فكرة بعدها ليدل على عظمة توحيده وتفرده سبحانه، أما في أمور الدنيا فإن الأمر الجوهري المرغوب به أن يظل التفكير مستمراً والعقل منشغلاً فيما يوصله طريق النجاح، وهذه هي بداية طريق ريادة الأعمال بأن تأتي بفكرة من بين آلاف الأفكار والخواطر الواردة ببالنا وانتقاء فكرة واحدة يمكن تحويلها إلى مشروع حقيقي مبدع وجديد يتميز عن غيره من المشروعات الموجودة.
وقد أبرز معهد الأمير سلمان لريادة الأعمال ذلك خلال حملة «أستطيع» المرحلة الثانية التي نفذها لاستقطاب الأفكار الريادية وحث الشباب على عرض أفكارهم وخصص لها فعاليتين: مسابقة أفضل فكرة مشروع ريادي ودورة تدريبية لتحويل الأفكار إلى فرص ومشروعات ريادية.
فكيف تأتي الأفكار الإبداعية وذات البُعد الريادي؟!
ينبغي أن ننطلق من اتجاهين على الأقل وعند تلاقيهما نتأكد من فكرة المشروع الريادي، الاتجاه الأول ننطلق من الأفكار المتعددة والكثيرة جداً والمتضاربة نختار منها فكرة واحدة، الاتجاه الثاني ننطلق من فكرة صغيرة ثم نقوم بتطويرها إلى أفكار كثيرة ومجالات عديدة، والذي يلزم لتلاقي الاتجاهين هو التنفيذ الفعلي على أرض الواقع.
الكثير من الأفكار لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع والكثير من المشروعات هي تكرار وتقليد لمشروعات موجودة أصلاً، وحتى نتوصل إلى فكرة مشروع جديد فإنه يلزم توافر عدة أمور منها، مداومة التفكير بأفكار مشروعات ريادية باستمرار، كتابة جميع الأفكار لفترة معينة من الزمن شهر على الأقل، اختيار الملائم من الأفكار للشخص الريادي وفقاً لخبرته ومهارته ودرجة إتقانه ورغبته الملحة في إنجاح الفكرة، النظر بعين التمحيص إلى الفكرة من عدة جوانب، مثلاً أنها جاءت لتلبية حاجة دائمة أو منتج سريع الاستهلاك، أخذ مشورة المقربين من الأهل والأصدقاء ومن يثق الريادي بقدرتهم على تقييم نجاح المشروع وتقدير أهميته، وعلى الريادي تسجيل انطباعاتهم وخاصة عند نظرتهم الأولى ويقرأ لغة عيونهم وحركات حواسهم، جمع المعلومات المتاحة من السوق بخوض التجربة الشخصية والنزول للسوق «دلوني على السوق» والذهاب للموردين والمنافسين وعرضها على زبائن محتملين للتعامل معهم، حشد جميع الطاقات والإمكانيات والاهتمامات واللقاءات الاجتماعية ومصادر المعلومات نحو التنفيذ، وتحويل الفكرة إلى مشروع حقيقي، ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك بدون تمويل؟!
المقصود إجمالاً من هذا المقال أن يضع الريادي خطة تنفيذ ورقية يقوم بكتابتها بنفسه، ويعبر عن مشروعه الحقيقي بملف يجسد به المشروع ويتصوره كيفما سيكون على أرض الواقع، ويتعهده كأنه نبتته الصغيرة التي يزرعها في غرفته المستقلة، ويظل يتعهدها بالمقومات الأساسية من غذاء ودواء وطاقة شمسية تنير لها طريق الحياة والنمو والإزدهار، والنتائج بإذن الله حتماً ستكون متطابقة على أرض الواقع ويتحقق الحلم الريادي كلما اكتملت عناصر المشروع على الورق، والله المستعان.
د. إسماعيل باطه
معهد الأمير سلمان لريادة الأعمال