فن اكتساب لغة جديدة.فن اكتساب لغة جديدة.كيفية تعلم فنون اللغة بصفة عامة
حاولت العديد من النظريات تفسير كيفية تعلم فنون اللغة بصفة عامة واللغة الأم بصفة خاصة؛ حيث تقدم هذه النظريات تصورات مختلفة حول اللغة واكتسابها. ومعرفة هذه النظريات يساعد على اختيار طرائق واستراتيجيات التدريس المناسبة للمتعلمين على مختلف أعمارهم ومن أهم هذه النظريات ما يلي:
أولا: النظرية الفطرية: Nativistic Theory
اللغة عبارة عن نظام يتمثل في النظام الصوتي والنظام النحوي والنظام الصرفي والنظام الدلالي. ومع ذلك يبقى سؤال مهم يحتاج إلى إجابة دقيقة وهو كيف يتفوه الطفل بجمل من الواضح أنه لم يسمعها من قبل ؟
كيف نتصور مثلاً أن طفلاً في الثالثة أو الرابعة من عمره وهى المرحلة التي تكتمل فيها قدرة الطفل اللغوية يتمثل أو يقوم بدور النحوي أو اللغوي الذي يدرك أصول اللغة إدراكاً عقلياً نتيجة التعليم. إن الطفل في هذه السن ينطق بسيل من الجمل المبينة بناءاً نحوياً محكماً وهو يذهب إلى المدرسة وقد أتقن كلام بل أنه يستعمل اللغة استعمالاً تلقائياً دون جهد بعمليات قياس سابق على لاحق.
وفى هذا الصدد ينطلق تشومسكي من أن الطفل يولد ولديه استعداد فطرى لاكتساب وتطوير اللغة، وأن الإنسان بحال من الأحوال مبنى مسبقاً تجاه تنمية اللغة، لذلك فإن الطفل عندما يتعرض للغة فإن مبادئ بناء اللغة تبدأ بشكل تلقائي في العمل.
وبناء على ما يذهب إليه تشومسكي فإن كل إنسان يتعلم اللغة، لأن كل إنسان يمتلك قدرة فطرية تسمح له بتعلم اللغة، وهذه القدرة عامة بطبيعتها، بمعنى أنها تنطبق على جميع البشر في كل زمان ومكان، وهذه القدرة فطرية داخلية غير مكتسبة تميز الإنسان عن الحيوان، وهذه الآلية الداخلية يطلق عليها اسم جهاز اكتساب اللغة (LAD) (Language Acquisition device).
إذن فالفكرة الأساسية التي توجه المنهج التوليدي هي سمة الإنتاجية في اللغة، التي بمقتضاها يستطيع المتكلم أن يؤلف ويفهم جملاً جديدة غير متناهية لم يسبق له أن سمعها من قبل، وهى السمة التي تميز الإنسان من الحيوانات، فإذا كان الأطفال قادرين على استخدام جمل جديدة يعدها الكبار سليمة في صوغها Well Formed فذلك يعنى أن هناك شيئاً آخر يتجاوز مجرد محاكاة الجمل التي سمعوها من الكبار، وهو أنهم يولدن بقدرة لغوية تمكنهم من ذلك.
ويرى تشومسكي أيضاً أن هناك مبادئ مشتركة أو كلية Universal في كل لغات الإنسانية حتى إنه ليرى أن هذه المبادئ يمكن أن تحدد "بيولوجيا" بمعنى أنها تمثل جزءاً مما نسميه الطبيعة البشرية.
لذلك يعتقد تشومسكي أن نمو اللغة حالة مبدئية من النضج، وأن العامل البيئي الوحيد الضروري للطفل كي يتعلم اللغة هو أن يتعرض لبعض اللغة وبعبارة أخرى إن المعرفة بقواعد اللغة، أي قواعد كيفي تجميع الكلمات في جمل وعبارات ذات معنى، أي التركيب Syntax هي عملية بيولوجية الأساس.
ويلفت تشومسكي الاهتمام إلى الأطفال على وجه الخصوص. فإنهم في سن الخامس مثلاً، يستطيعون أن ينطقوا كل يوم مئات من الجمل لم ينطقوها من قبل، ويستطيعون أن يفهموا ما يقال لهم من كلام لم يسبق لهم أن سمعوه ومعنى ذلك أن هناك أصولاً عميقة في التركيب الإنساني تجعله يتميز بهذه القدرة.
ويستبعد تشومسكي أيضاً دور الأسرة حتى في تصحيح لغة الطفل ويرى أن دورها يقف عندما يسميه الدور التوسعي expansion حيث نرى البالغين يقومون عادة بترديد الجمل التي يتفوه بها الطفل، ولكن مع إدخال بعض التغيرات عليها بحيث يقربونها من الجمل التي تعادلها في لغتهم. ومن ثم تتجه لغة الطفل شيئاً فشيئاً إلى الاندماج في لغة الكبار ومن خلال ذلك يكتشف الطفل دون أن تقوم الأسرة بتصحيح كلامه بطريقة مباشرة، يكتشف النظم الخاصة بلغة الكبار على مستوياتها المختلفة وعلى ذلك يكون دور الأسرة هو تسهيل عملية اكتساب اللغة، وذلك من خلال عرض نماذج لها دون تلقين منهم أو تقليد من الطفل.
ولقد قدم تشومسكي أساهماً خلاقاً في تفسير اللغة، سماه (القواعد التحويلية) للغة ويتلخص هذا الإسهام في أن الجمل اللغوية لها مستويان من البني والتركيب وهما:
البناء العميق: (Deep Structure): ويمثل البناء العميق المعنى أو الفكرة التي تمكن وراء الكلمات في الجملة أما الجانب أو المستوى الآخر للفهم والذي يأخذ فترة ليتم تعلمه هو:
البناء السطحي: (Surface Structure): والذي يمثل الجملة التي نراها تسير من كلمة لأخرى خلال الصفحة لذا تسمى نظرية تشومسكى بنظرية القواعد التحويلية.
أي أن البناء العميق الذي هو نتاج قواعد تركيب العبارات يحتوى على كافة العلاقات النحوية الكامنة اللازمة لفهم الجملة، هو بدوره يجب أن يكون هو المدخلات إلى عنصر الدلالة أو المعنى، وبالمقارنة بهذا فإن البناء السطحي لكونه نتاج القواعد التحويلية، يحتوى فقط على المعلومات الصحيحة عن الترتيب النهائي للكلمات في الجملة الذي نحتاجه للنطق الفعلي للجملة وهو بالتبعية يكون المدخلات للعنصر الصوتي الذي يحتوى على قواعد لإصدار الأصوات الفعلية للكلمات.
لذلك آمن تشومسكي بأن التشابه في اللغات يحدث في مستوى التركيب العميق في كل اللغات، بينما يحدث الاختلاف بين اللغات في المستوى السطحي وآمن تشومسكي أيضاً بأن الأطفال لديهم مجموعة من والقواعد الداخلية التي تسمح لهم بالتنقل من المستوى العميق إلى المستوى السطحي والعكس صحيح.
وقد انتهى تشومسكي إلى عدة حقائق أساسية عن اللغة هي:
• إن اللغة معقدة، وهى مهارة مميزة، تتطور تلقائياً داخل الطفل دونما جهد واع وتكون بنفس الكيفية داخل كل فرد.
• إن الطفل يطور هذه القواعد المعقدة بسرعة وبدون تعليمات رسمية وينمو ليعطى ترجمات متماسكة لبناءات الجمل والتى لم يمتلكها من قبل.
• إن الطفل لا يقوم بإنتاج اللغة فقط كما يسمعها، ولكن يقوم بإعادة بناء قواعد هذه اللغة.
• أن كل جملة يتحدثها الفرد تكون عبارة عن تجمع جديد تماماً من الكلمات تظهر للمرة الأولى. وهو بذلك يرى أن الكلمات لا تحفظ عن ظهر قلب، واللغة لا يمكن أن تقلد ببساطة ثم توصف.
• إن الأطفال يستخدمون اللغة على وجه خطأ مثل استخدامهم للجمع الخطأ.
وبذلك فالنظرية الفطرية تعنى باللغة كظاهرة متطورة مميزة للإنسان وأن اللغة سمة عالمية للإنسان، وأن القواعد فيها حقيقة ذهنية وأن الإنسان كائن مؤهل وراثياً لاكتساب اللغة وأن اللغة الحية هي التي نستطيع التفكير بها. وبذلك فالقراءة عند النظرية الفطرية عملية ذهنية والخطأ في القراءة يقاس بدرجة تباينه عن المعنى فهو مفارقة معنوية.
ثانيا: النظرية السلوكية: Behaviorist Theory
يرى أصحاب هذه النظرية أن السلوك – بما في ذلك السلوك اللغوي – ارتباط بين مثير واستجابة، وبالتالي يكون المعنى هو الارتباط القائم بين المثير القادم من العالم الخارجي والاستجابة اللفظية للفرد، وهذه النظرية تتفق مع أصحاب النظريات البيئية التي تهتم بالجوانب البيئية في تفسير السلوك الإنساني ومن روادها " سكنر وسامبسون.
وتفترض النظريات السلوكية عامة أنه ينبغي أن نولى الاهتمام بالسلوكيات القابلة للملاحظة والقياس. ولا يركزون اهتمامهم على الأبنية اللغوية، والمشكلة الأساسية في هذه المنظور هي أنه نظراً لأن الأنشطة العقلية لا يمكن أن ترى، فإنها لا يمكن أن تعرف وتقاس. فيرى السلوكيون أن الطفل يكون سلبياً خلال عملية تعلم اللغة فالطفل يبدأ الحياة بجعبة لغوية خاوية ثم يصبح الطفل مستخدما للغة في بيئته. لذلك يتفق السلوكيين جميعاً في أن البيئة هي العامل الحرج والأكثر أهمية في عملية الاكتساب، ويؤكدون على الاختلافات التي تحدث بواسطة البيئات الواسعة الاختلاف للأطفال أثناء فترة اكتساب اللغة.
ورائد هذا المذهب هو " سكنر " والذي ركز على جوهر المذهب السلوكي اللغة، حيث أ، اللغة سلوك ومثلها مثل الأنماط الأخرى للسلوك الإنساني فإنها تعلم عن طريق عملية تكوين العادة.
والعادة تحتوى على تلك المكونات الأساسية:
• الطفل يقلد الأصوات والأنماط التي يسمعها حوله.
• الناس تتعرف وتدرك محاولات الطفل من حيث تشابهها مع كلام البالغ وتدعم وتكافئ الأصوات عن طريق الاستحسان أو أي رد فعل محبوب آخر.
• يحصل على مكافآت أكثر يكرر الطفل الأصوات والأنماط، ومن هنا تصبح عادة.
بهذه الطريقة يشكل سلوك الطفل الشفهي حتى تتطابق العادات مع نماذج الشخص البالغ. وبإطار العمل النظري هذا فإن تعبيرات الطفل لا ترى على أنها نظام معالجة بالطريقة الصحيحة بل ترى على أنها نسخة خطأ لكلام البالغ، فالأخطاء هي ببساطة نتيجة التعلم غير التام، عملية تكون العادة لم تكتمل بعد بشكل صحيح.
ويرى " سكنر " أنه حتى يتم تحليل السلوك اللغوي تحليلاً دقيقاً يجب أن تدرس كل العوامل المؤثرة في ذلك السلوك من خلال أدوارها كمؤثرات واستجابات كل كلام منطوق – في الغالب – يتبعه استجابة لفظية وغير لفظية، فالسلوك اللغوي عند " سكنر " لا يمكن أن يدرس إلا في ضوء البيئة المحيطة بمستعملها، أي بمراقبة العوامل الخارجية، ومن هذه العوامل الخارجية عامل الشيوع أو التكرار، الذي يؤدى إلى كثرة استعمال لفظ بعينه في بيئة الطفل. فالطفل من وجهة نظر السلوكيين يقلد السلوك اللفظي في بيئته إلى حد بعيد. وهم يعطون التقليد أو التكرار أهمية عالية في تعلم اللغات ويترتب على هذا أن الكلمات والتراكيب التي تحظى بالشيوع في بيئة الطفل تلعب دوراً مؤثراً في التطور اللغوي لذلك الطفل.
ويضاف للشيوع بعد التعزيز لأنه يساهم في الوصول بالطفل إلى مستوى الاحتراف، لذا يتمتع التعزيز الذي يبديه الوالدان بدور فعال في العملية التعليمية لدى الطفل. فعندما يقدم الطفل سلوكاً لغوياً مفهوما في البيئة المحيطة ويقوم الولدان بالتعزيز لذلك السلوك، يؤدى هذا إلى تشجيع السلوك اللغوي المنتظم، الموافق لقواعد السلوك المنطوق.
ولقد آمن السلوكيون وعلى رأسهم سكنر بأن اللغة إنما تكتسب كلها بالتعالم، ومن جهة النظر هذه فإن معظم ما يتعلمه الطفل إنما يأتي من التقليد. ومن نمذجة ما يسمع من الكبار. ونظراً لتعزيزهم ما يصدر عن الطفل من ألفاظ وكلمات فالسلوك اللغوي لا يختلف عن أي سلوك آخر، ويتعلمه الطفل بالطريقة ذاتها أي نتيجة التقليد والتعزيز الذي يتلقاه الطفل على قيامه بسلوك ما.
ويرى " سكنر " أن اللغة عبارة عن مهارة ينمو وجودها لدى الفرد عن طريق المحاولة والخطأ، ويتم تدعيمها عن طريق المكافأة وتنطفئ إذا لم تقدم المكافأة، وفى حالة استخدام اللغة فإن المكافأة قد تكون أحد احتمالات عديدة، مثل التأييد الاجتماعي أو التقبل من الوالدين الآخرين للطفل، عندما يقدم منطوقات معينة خصوصاً في المراحل المبكرة من الارتقاء، وقامت هذه المدرسة بتفسير السلوك اللغوي تفسيراً آلياً اعتماداً على مصطلحات المثير والاستجابة المشتملة في عملية الكلام.
ولأن المدرسة السلوكية ترى أن اكتساب اللغة يتم بطرق مشابهة لتعلم الاستجابات غير اللغوية عن طريق المحاكاة (Imitation) الترابط والاقتران (Association) الاشتراط (Conditioning) التكرار (Repetition) التدعيم أو التعزيز (reinforcement) يتضح ذلك جلياً في رأى سكنر في تعلم اللغة، حيث أوضح أن معنى اللفظ يحدث من خلال الاقتران التكراري بين مثيرين كفيل بحدوث الاستجابة اللغوية بمعنى أن اللفظ ينشأ من عملية اقتران بين اللفظ والمثير الشيء الدال على هذا اللفظ، وهذا يعنى أن المثيرات اللفظية (أصوات كلامية) تقترن مع مثيرات شيئية اقتراناً منتظماً متكرراً.
وتؤمن المدرسة السلوكية بـ:
• أن اللغة مجموعة من العادات يتعلمها الأطفال بالتقليد والتكرار.
• أن اللغة نظام منطوق قبل أن يكون مكتوباً.
• أن البيئة تلعب دوراً أساسياً في نمو اللغة.
• إن اكتساب اللغة يتم بطرق مشابهة لتعلم الاستجابات غير اللغوية عن طريق المحاكاة، الترابط، الاشتراط، التكرار، والتدعيم.
• أن اللغة سلوك، والسلوك يمكن تعلمه باستثارة الأطفال لهذا السلوك.
ويلاحظ أن البيئة في المدرسة السلوكية تؤدي دورا مهما في تشجيع الطفل على الحديث.... فهي المانحة الأولى (للخبرات والمهارات والمعلومات) وهذه البيئة هي التي تهيئ الطفل (لغوياً) للدخول للمدرسة والتعامل مع أقرانه فإذا كانت لغته موازية لما لديهم من رصيد كان سهلاً عليه التعامل معهم، أما إذا كان رصيده اللغوي فقيراً عنهم فإنه يشعر بأنه أقل منهم، الأمر الذي يجعله (خجولاً) أو (منطوياً) غير منطلق في التعبير عن مشاعره وأفكاره.... ومن هنا كان على الأهل الحرص على تطوير لغة الطفل وعدم تعليمة كلمات (مبتورة الحروف)، وعلى الآباء أن يتحدثوا مع أطفالهم بوضوح، وهدوء، وبعبارات سهلة تتناسب والمستوى العقلي لأطفالهم.
ثالثا: النظرية المعرفية في اكتساب اللغة Cognitive Theory:
يرى بياجيه أن نمو اللغة مماثل للنمو المعرفي في طريقة بنائه أي أن الطفل يتعلم الكلمات لكي يعبر عما تعلمه من التنقيب الفعال في البيئة.
وتقوم هذه النظرية على أساس التفريق بين الأداء والكفاءة، ويعرض فيها بياجيه فكرة تشومسكى في وجود نماذج موروثة تساعد على تعلم اللغة، كما أنها في نفس الوقت لا تتفق مع نظرية التعلم، في أن اللغة تكتسب عن طريق التقليد والتدعيم لكلمات وجمل معينة ينطق بها الطفل في مواقف معينة.
فاكتساب اللغة في رأى بياجيه ليس عملية اشتراطية بقدر ما هو وظيفة إبداعية. حقاً إن اكتساب التسمية المبكرة للأشياء والأفعال قد تكون نتيجة للتقليد والتدعيم. ولكن بياجيه يفرق ما بين الكفاءة والأداء. فالأداء في صورة التركيبات التي لم تستقر بعد في حصيلة الطفل اللغوية. وقبل أن تكون قد وقعت نهائياً تحت سيطرته التامة. يمكن أن تنشأ نتيجة للتفكير. إلا أن الكفاءة لا تكتسب إلا بناء على تنظيمات داخلية تبدأ أولية ثم يعاد تنظيمها بناء على تفاعل الطفل مع البيئة الخارجية. شأن اللغة في ذلك شأن أي سلوك آخر يكتسبه الطفل تبعاً لنظرية بياجيه المعرفية. ولكن عندما يتحدث بياجيه عن تنظيمات داخلية فإنه لا يعنى في الوقت نفسه ما يقصده تشومسكي من وجود نماذج للتركيب اللغوي أو القواعد اللغوية، بقدر ما يعنى وجود استعداد للتعامل مع الرموز اللغوية، التي تعبر عن مفاهيم تنشأ من خلال تفاعل الطفل مع البيئة منذ المرحلة الأولى وهى المرحة الحسية الحركية.
رابعا: النظرية البنائيةConstructivism:
تقوم هذه النظرية على أساس أن الفرد هو الذي يبني معرفته بنفسه وذلك من خلال مروره باختبارات كثيرة تساعده إلى بناء المعرفة الذاتية في عقله، ويمكن تطبيق هذه النظرية البناء في العملية التعليمية من خلال تمهل المعلم وعدم صب المعلومات في عقل الطالب، فالمعلومات المتوفرة في المصادر المختلفة هي مواد خام لا يستفاد منها إلا بعد القيام بعمل المعالجة لها. وهكذا يتحول الطالب من مستهلك للمعلومات إلى منتج لها. وينطلق أصحاب هذا الاتجاه من أن سلوك الفرد يكون محكوما ببنائه المعرفي، ويصبح ما لدى الفرد من معرفة مؤثرا بدرجة كبيرة على ما يمكن أن يضيفه المتعلم إلى بنيته المعرفية، وبالتالي على ما يمكن أن يكتسبه أو يتعلمه، أي أن ما يتعلمه الفرد يعتمد على ما يعرفه فعلا، والطريقة الرئيسة للحصول على معلومات جديدة تضاف إلى البناء المعرفي هي أن يقوم الفرد بتمثيل واستيعاب هذه المعلومات على أنها جزء من بنائه المعرفي في عملية احتواء أو دمج ينشأ عنها ما يمكن تسميته بالبناء الثانوي الذي يهتم بعملية ربط الفكرة الجديدة أو المعلومة الجديدة بما هو موجود لدى الفرد من معلومات وأفكار.
ولقد ازداد الاهتمام في السنوات الأخيرة بالبنية المعرفية للفرد المتعلم وما تتضمنه هذه البنية من تصورات أو مفاهيم خطأ أو مفاهيم بديلة عن بعض المفاهيم قبل تعلمه لها. إذ إن المعرفة الموجودة مسبقاً لدى التلاميذ قبل التعلم تعد من العوامل المؤثرة في تعلمهم لهذه المفاهيم الجديدة بصورة فعالة.
ويمكن تطبيق البنائية في تدريس التعبير من خلال العديد من الأساليب منها تفعيل المنظمات المتقدمة بهدف الإفادة مما لدي التلميذ من خبرات سابقة يمكن أن يعبر عنها من خلال وصفه لمجموعة من الصورة التي تعرض عليه من قبل المعلم، ثم يخرج منها ببعض الأفكار تصبح عناصر أساسية يتحدث عنها ثم يكتبها بعد ذلك. و يستطيع المعلم تكليف الطلبة بعمل ما للحصول على المعلومة مثل البحث عنها في مصادر المعلومات المختلفة المتوفرة(مكتبة، قاعة مصادر التعلم، انترنت، البيت... )، وبناء مسابقات وحوافز متنوعة في داخل المنهج الواحد والمدرسة الواحدة من خلال بناء الصحافة العلمية أو القراءات الموجهة وإحياء الإذاعة المدرسية والندوات الثقافية بإشراف الطلبة وعمل النشرة الإشرافية في داخل المدرسة.
خامسا: النظرية العقلية Mentalistic Theory:
رائدها جون لوك (Jon Locke) وتنص هذه النظرية على أن الكلمات هي الإشارة الحاسية إلى الأفكار، التي تعد المغزى المباشر لها؛ فاللغة أداة لتوصيل الأفكار أو تمثيلُ خارجي لها، وينبغي أن يكون المتكلم متمكناً من الفكرة وتمثيل هذه الفكرة؛ بحيث يعطى التعبير الفكرة نفسها الموجودة في عقل السامع، ويتفق هذا الرأي مع أصحاب النظرية المعرفية الذين ينظرون إلى التعلم على أنه مهارة معرفية معقدة، تتضمن استخدام أساليب متنوعة للتعامل مع المعلومات واهتمامها بالعوامل الداخلية المنظمة والعلميات المعرفية، وهذه النظرية تظهر العلاقة بين اللغة والتفكير؛ حيث قدم فيجوتسكى (Vygotsky) تحليلاً يوضح درجة التفاعل بين اللغة والتفكير؛ فاللغة عنده تقوم بوظيفتين مختلفتين: وهما الاتصال الخارجي، والتحكم الداخلي في الأفكار، وهما يستخدمان الرموز اللغوية للنقل من طرف لآخر.
سادسا: النظرية السياقية Con,,,,ual Theory:
يعد فيرث(Firth) من رواد هذا الاتجاه الذي ظهر في لندن، باسم المنهج السياقي (Approach Con,,,,ual)، واهتمت هذه النظرية بالجانب الوظيفي الاجتماعي للغة، ويرى فيرث أن المعنى ينكشف لنا من خلال السياق، الذي يمكن أن يقسم إلى: السياق اللغوي، والسياق العاطفي، والسياق الموقفي والسياق الثقافي.
وتشير هذه النظرية إلى الاهتمام بالجوانب البيئية في معرفة المعنى، وهذا يتفق مع ما نادى به أصحاب النظريات البيئية، ويتم ذلك من خلال تفاعل الفرد مع البيئة؛ وذلك يحدث في ثلاث صور هي: تفاعل أحادى الاتجاه تفاعل ثنائي الاتجاه، تفاعل تبادلي، وهذا يجعل تدريس التعبير يركز على السياقات المختلفة التي يتفاعل معها المتعلم لاكتساب مهارات التعبير المختلفة.
سابعا: نظرية المعنى Theory of Meaning:
يرى البعض أننا لكي نصل إلى المعنى، ينبغي أن نستخلصه من البنية العميقة؛ لمعرفة معاني كل كلمة من كلمات الحملة، فضلاً عن معرفة العلاقات النحوية الباطنية الأساسيـة، التي تربط بين هذه الكلمات، وهو ما تحتويه البيئة العميقة للتعبير، والأهم هو مدى واقعية المعنى المراد التعبير عنه أو المراد فهمه.
ويرى" كراشن" أن تعلم اللغة كي يكون فعالاً، لابد من أن يتوفر له الوقت اللازم لاستعمال اللغة، والتركيز على سلامة اللغة، ومعرفة القواعد اللغوية، وتطبيقها، وهذا يجعل تدريس التعبير منصباً على تدريب الطلاب على الفهم العميق الحقيقي، لكل ما تتم كتابته أو التحدث عنه من خلال استخدام جيد ومتكرر للغة حتى تزداد المعاني عمقاً ووضحاً.
العلاقة بين اللغة والفكر في ضوء هذه النظريات:
إن العلاقة بين اللغة والفكر بالنسبة للتربويين تعتبر ذات أهمية كبرى، وخاصة أنه من المعتقد أن القصور اللغوي يمكن أن يسبب فشلاً تعليمياً أ, تربوياً، ومن الصعب تجسيد ذلك لأنه من الصعب تعريف القصور اللغوي وتحديده، كما أن بعض الأطفال يعتبرون عاجزين عن الإفصاح عن آرائهم أو مشاعرهم وهؤلاء لا يستخدمون اللغة لكي يتصلوا بالآخرين بسهولة ويسر ومع ذلك فإن هذا لا يعنى أنهم لا يستطيعون القيام بذلك، أو أن تفكيرهم بالضرورة قد ضعف.
وتتمثل الاحتمالات التي يمكن أن نضعها لذلك في أي موقف في النقاط التالية:
إن الطفل قد تكون لديه معان ذاتية داخلية للتعبير عنها ولكنه لا يعرف كيف يعبر عنها، وربما يرجع ذلك إلى عدم وجود السند المناسب من والديه في المراحل الأولى أو المبكرة للمحادثة.
إن الطفل قد يكون لديه معان للتعبير عنها ويعرف كيف يعبر عنها لكنه لا يختار أن يقوم بذلك عندما يواجه بمدرس غريب أو زملاء دراسة غرباء.
إن الطفل قد لا يكون لديه معنى واضح أو قد يشعر بالبلبلة نتيجة تداخل المعاني لديه، وقد تنعكس هذه الحالة من خلال مخرج (Out put) لغوى يتداخل مع غيره في المعنى.
إن المشاكل اللغوية التي قد يتعرض لها الطفل أو يصادفها قد تعوق تفكيره. إلى الحد الذي يعكس معه قصوره اللغوي.
ويمكننا الآن أن نتناول بعض النظريات التي تناولت العلاقة بين اللغة والفكر على النحو التالي:
حيث يرى بياجيه أن التقدم المعرفي يحدث قبل نمو اللغة، فالنمو المعرفي (Cognitive development) يأتي أولاً، وهذا ما يجعل النمو اللغوي في المقال شيئاً ممكنا، وهو يرى كذلك أن اللغة ليست شرطاً ضرورياً للنمو المعرفي، ويؤكد بياجيه أن ظهور التمثيل الداخلي Internal representation والذي تعد اللغة احد أشكاله يزيد من قوة التفكير في المدى Rang والسرعة Speed فالأطفال يمكن أن تكون لديهم أفكار عن الأشياء والموضوعات قبل أن يستطيعوا تسميتها ومن ثم فإن عدم امتلاك الطفل للغة لا يمنعه من التفكير.
وطبقاً لما ذهب إليه بياجيه فاللغة ليست السبب في التقدم العقلي ولكنها وسيلة تستخدم في التفكير الإجرائي (Operational Thinking ) ويرى أن اللغة انعكاس للمعرفة Cognition فالأطفال يجب أن يحققوا إنجازاً خاصاً بما يسمى دوام الموضوعات Object Permance أي أن الأشياء توجد حتى لو غابت عن مجال النظر.
لذلك يعارض بياجيه أن اللغة عامة ومسئولة عن الفكر ويشير بياجيه إلى أن اللغة ما هي إلا نوع واحد من أنواع الوظائف الرمزية التي تتضمن بالمثل أقدم أشكال اللعب الرمزي والتخيل الرمزي، فالهدف الرئيسي الذي يسعى إليه بياجيه ومعضدوه، هو أنه من المستحيل على الطفل أن يفهم تعبيراً لغوياً حتى يتمكن من الفكرة الكامنة وراءه.
ويرى بياجيه أن اللغة تقوم بدور مهم وحيوي في تطور الفكر، إلا انه يرى من الخطأ المساواة بينهما، لأن اللغة والفكر يستقلان عن بعضهما وكانت حجته في ذلك أنه إذا كانت اللغة عبارة عن وسيلة تقليدية لتمثيل الأشياء والأحداث، فإن الأطفال يجب أن تكون لديهم معرفة بمثل هذه الأشياء والأحداث وذلك قبل أن يصبحوا قادرين على تمثيلها لغوياً. ويرى بياجيه أن اللغة في المراحل الأولى من الحياة لا تعتبر شرطاً ضرورياً ولا كافياً للتفكير ومع أنها قد تصبح ضرورية للتفكير وذلك في مرحلتي العمليات العيانية والشكلية فإنها لا تزال غير كافية.
ويرى بياجيه من خلال دراسته عن اللغة والفكر عند الطفل أن هناك نوعين من الكلام يوجدان لدى الطفل هما: -
• الكلام المركزى للذات Egocentric Speech
• الكلام المكيف اجتماعياً Socialized Speech
وقد حدد بياجيه خصائص الكلام المركزي للذات وميز بينه وبين الكلام المكيف اجتماعياً على النحو التالي:
• في الكلام المركزي للذات لا يهتم الطفل بأن يعرف إلى من يتحدث ولا يهتم بأن يصغى إليه السامع.
• فالطفل يتكلم لنفسه أو طلباً للسرور الناتج عن مشاركة الغير له وفى هذه الحالة يمكن أن يكون أي شخص يتصادف وجوده في طريقة هو (الجمهور أو المستمع) الذي يوجه له الكلام.
• إن الطفل في الكلام المركزي للذات لا يطلب من المستمع إلا اهتماماً ظاهرياً، ولا يشعر بالحاجة للتأثير في المستمع أو أخباره بشيء، ولو أنه يخدع نفسه بأن المستمع يصغى إليه ويفهم ما يقول.
• الطفل المركزي الذات يتكلم كلاماً مركزياً حتى وهو وسط جماعة، أما البالغ فهو يفكر فكراً مكيفاً اجتماعياً حتى وهو في عزلة تامة، ولكن الطفل يتكلم باستمرار لأنه يستطيع الكتمان والسرية والكلام في الغالب مجرد شيء يصاحب نشاطه ويراعى فيه وجهة نظر الآخرين وهو يتكلم حتى لو كان بمفرده.
• أما الكلام المكيف: ففيه يتناول الطفل خواطره وأفكاره مع الغير إما بأن يخبره سامعه بشيء يهمه أو يؤثر في سلوكه وأفعاله، أو أن يبادله الرأي بالفعل عن طريق الحوار أو حتى عن طريق التعاون للوصول إلى هدف مشترك.
أما فيجوتسكي فيرى أن الفكر واللغة يبدآن على أنهما لونان من الأنشطة المنفصلة والمستقلة، وعند سن الثانية من العمر يلتقي الفكر واللغة ويلتحمان ليعلنا بدء نوع جديد من السلوك عند هذه النقطة يصبح الفكر لفظياً والكلام عقلانياً.
ويرى فيجوتسكي أن للغة وظيفتين مستقلتين هما:
2- الاستخدام الداخلي لأفكار المرء:
وأدت حقيقة أن النظامين في البشر يمكن إلى حد كبير ترجمة أي منهما الآخر، إلى الأفكار التالية التي تؤدى بها بشأن أمكان قيام علاقات بين اللغة والفكر:
• اللغة هامة ومحددة للفكر.
• الفكر يسبق اللغة وهو هام لتطورها.
• لكل من اللغة والفكر جذوره المستقلة.
وقد ميز فيجوتسكي بين التفكير والحديث الداخلي ويرى أن الحديث الداخلي هو الذي يوجد العلاقة بين التفكير والمعاني المتضمنة في الحديث. هكذا فإن التفكير ينمو من معاني الكلمات حيث إنه من المعتقد أن الطفل يبدأ بالكلمات التي يدركها على أنها خصائص الأشياء وليس مجرد أنه هذه الكلمات ترتبط بتلك الأشياء بشكل تقليدي.
ولقد أبرز فيجوتسكي Vygotsky أهمية المجتمع في تنمية المعرفة ونمو الجوانب المعرفية وأن التعلم الموجه الذي ينادى به يتطلب فهماً لما يستطيع أن يفعله الطفل وحده، ولما يستطيع أن يعمله حين يتولاه بالرعاية معلم مستنير، والفرق بين هذين المستويين من الأداء الوظيفي هو منطقة النمو القريبة (ZPD) (Zone of Proximal Development).
بينما يرى برونر أن اللغة هي أداة التفكير ويعتقد أن النظام اللغوي للطفل يحدد الأطر العامة لتفكيره. وأنه لكي يستخدم الطفل اللغة كأداة للتفكير يجب عليه أولاً أن يخضع عالم الخبرة لمبادئ التنظيم التي تعتبر إلى درجة ما متماثلة في الشكل مع القواعد البنائية للتركيب النحوي. ويرى برونر أيضاً أن النشاط الرمزي يرتبط بأنواع معينة من المعرفة، وأن النمو المعرفي يتكون من أساليب عدة لتمثيل العالم.
وهو بذلك يرى أن الإنسان خلال تطوره أنشأ نظماً وأساليب بهدف زيادة كفاءة أفعاله، فابتكر الأدوات لتوسيع قدراته الحركية، ووضع الأدوات لتحل محل بنية جسمه الضعيفة، وأنشأ الميكروسكوب لتوسيع خبراته الحسية، وأوجد الراديو لنقل الصوت عبر مسافات، وفى قمة مهارات التصوير، اكتشف الإنسان نظام الرموز " Symbol System " لكي ينقل من خلاله الخبرة الحسية الواقعية إلى الخبرة المتخيلة أو المتصورة في غياب الأشياء، وتتفق هذه التطورات مع مراحل نمو اللغة وهى المراحل التي صاغها (برونر) من خلال ما أسماه بأنماط أو مراحل التمثيل " Representation "، أو التصور.
وتتضمن مراحل التصور لدى برونر ما يلي:
1- مرحلة الحدوث الفعلي أو العملي (enactive stage):
ويحدث النمو في هذه المرحلة من خلال الفعل والحركة وترتبط بالنمط العلمي enactive ويتمثل في التعلم من خلال العمل والتفاعل المباشر مع الأشياء وهو تعلم بلا كلمات في جوهره، كما يحدث بالنسبة للكثير من الأشياء التي يجب أن يتعلمها المرء رغم عدم توافر صور أو كلمات لها مثل تعلم المهارات الحركية، فهو يعتمد في جوهره على تعل الاستجابات وطرق التعود.
2- المرحلة الأيقونية من 3-6 سنوات أو الحدث التصوري Iconic Stage:
وتعتمد على التنظيم البصري، وعلى غيره من أنواع التنظيمات الحسية وعلى استخدام الصور التلخيصية للأشياء، وحيث يتم التصوير خلال الوسائط الإدراكية، وتحل الصورة الأيقونة محل الشيء الفعلي، ويرى برونر أنها تتكون من عملية تصور مركبة تشتمل على أحداث عديدة وتشابهة. فاستدعاء صوت الجرس يتم من مزيج من أصوات الجرس التي سمعت بالماضي.
3- المرحلة الرمزية أو مرحلة التحول من الاستحضار التصويري إلى الاستحضار الرمزي Symbolic Stage من 7 سنوات إلى نهاية العمر:
وفى هذه المرحلة الأخيرة يتحرر الطفل من عالم الأشياء الظاهرة أي من السياق الحالي، ويصبح باستطاعته تجاوز المعلومات المعطاة والتى تعتبر............... للخبرة يسهل من اكتساب المعرفة الناضجة، كما أنه يعتمد على العمليات التربوية التي تقود على استخدام الألفاظ حيث إن هذا التمثيل الرمزي الذي يقوم على أساس لغوى هو الذي يحدد أشكال التفكير التي يسهلها أو يساعد على ظهورها.
فإذا كان الطفل يقوم في المرحلة الأولى بتجميع الأحداث من خلال الاستقبال الصوتي للمدخلات الملفوظة، وكانت المرحلة الثانية هي استقبال الملفوظات الصوتية وإدراكها بالتحديد والمطابقة مع الصور الذهنية أو السردية للوقائع المحيطة بالطفل لكي ينمو من خلالها إدراكه الدلالي وتعدد نماذجه الرابطة بين الحدث اللغوي والمرجعي من أجل التفسير الدلالي، فإن المرحلة الثالثة تأتى تطويراً لذلك وترسيخاً لعملية الإدراك الذهني المثالي الذي يصل إلى حد التجريد ذلك التجريد المميز للغة الإنسانية التي تتداول الفكر والمشاعر والخيال أيضاً.
لقد ذهب " فيجوتسكى " و " بياجيه " و " برونر " إلى أن اللغة تقدم للفكر القوالب التي تصاغ فيها المعاني فاللغة وسيلة لإبراز الفكر من حيز الكتمان إلى حيز الظهور، كما أنها عماد التفكير والتأمل ولولاها لتعذر على الإنسان أن يستخرج الحقائق عندما يسلط عليها أضواء فكره، فالعلاقة بين اللغة والفكر وطيدة، حيث تقدم اللغة للفكر تعاريف جاهزة وتصف خصائص الأشياء وتساعد الفرد في عمله عن طريق تزويده بصيغ وتعبيرات مناسبة وتضع أمامه أساليب مدروسة.
وعليه لا يطلق على الكلام لغة بالمعنى العلمي إلا إذا أدى هذا الكلام وظيفة نفسية قائمة على التركيب والتحليل والتصور، والتصور الذهني ضروري قبل أن تصدر اللغة أو يصدر الكلام، كما أن معرفة اللغة ضرورة للسامع قبل أن يتم عملية التصور عنده.
وهناك قائمة مبشرة يمكن استخدامها في تشجيع الربط بين اللغة والتفكير وهى:
1- أسئلة من نوع نعم / لا وهى أسهل أنواع الأسئلة.
2- أسئلة (أو) والتى تكون أكثر صعوبة، لكون الأطفال يختارون من متعدد.
3- أسئلة الإجابات القصير والتى عادة ما تبدأ بـ: من، أين، متى، ماذا.
4- أسئلة الفكر وعادة ما تبدأ بـ: كيف، لماذا، مع سؤال الأطفال أن يظهروا ويعبروا عن أفكارهم
5- أسئلة التذكر التسلسلي حيث يتم سؤال الأطفال، تذكر عدد من الحقائق من القصة المقررة.
6- أسئلة الوصف حيث يكون على الأطفال الوصف شفوياً لما رأوه من أجل جعل الأطفال سأكثر إدراكاً لاستخدام الصفات والحال.
7- أسئلة لماذا وكيف، بسؤال الأطفال أن يعبروا عن الأحداث الماضية مع إجراء الاستنتاجات.
8- استرجاع سلسلة من الأحداث بترتيب صحيح. إخبار الأحداث بنظام متسلسل يتضمن العديد من الفقرات أو أحدى القصص التي توضح كيف حاولت الشخصية حل المشكلة التي واجهتها.
9- تذكر القصة. إعادة تذكر القصة من خلال تعبير الطفل عنها مع استرجاع الشخصيات وتسلسل الأحداث من خلال استخدام المحادثات المرتبطة.
وبوصف اللغة نظاماً من الرموز لقواعد ونظم، وأن الكلام المنطوق يمكن النظر إليه من أكثر من ناحية إذا إن له ناحية صوتية وناحية دلالية وناحية نحوية، وأخرى صرفية.
وأن اكتساب اللغة لدى الطفل الإنساني يبدأ بالأصوات، ثم تبدأ هذه الأصوات في التمايز لتصبح كلمات لها معنى، ثم تركب هذه الكلمات لتصبح جملاً نحوية ذات معنى
إن الطفل عندما يبلغ الثالثة من عمره يتحول فضوله، الذي كان يدعوه لتلمس كل شيء ومحاولة اكتشافه بحواسه، إلى صورة رمزية تأخذ طابع السؤال والاستفهام.. إنها مرحلة الأسئلة التي تثيره للبحث عن كل ما هو غامض بالنسبة إليه وتستحثه لاكتشافه.
يرى البعض في هذا الأمر علامات النمو فها هو طفلهم الذي كان يحبو بالأمس، أصبح يطرح سؤالاً بعد سؤال. أما البعض الآخر، فيلجئون إلى لجم لسانه حين يلزمونه بالقلم والورق طالبين منه أن يكتب ويقرأ وإلا فما فائدة الروضة التي التحق بها؟!
إنّ دور المحاكاة في اكتساب اللغة لا يمكن تجاهله، فالمحاكاة تعمل على زيادة الحصيلة اللغوية للأطفال وتوسيع المفردات والمعاني فالطفل يولد ويكون الاستعداد للكلام عنده فطرياً، بينما تكون طريقة الكلام مكتسبة.
لهذا نجد من الضروري اهتمام الأهل بتوسيع لغة الطفل عن طريق التكلم معه وإتاحة الفرص له بالتحدث والإجابة عن تساؤلاته بصورة بسيطة وواضحة. قد نجد بعض الأطفال الآخرين بسهولة أكبر مما يستطيعون مع الكبار، إلا أن اتصال الأطفال لغوياً مع راشدين متفهمين يحقق الكثير من التقدم، وبتعقد الحياة وخروج الأم للعمل خارج البيت وما للطفولة المبكرة من أهمية، أوكلت الأسر دور الاهتمام بطفل ما قبل المدرسة لمؤسسة مختصة كرياض الأطفال.. وتقوم الروضة بدور كبير في تحقيق ذلك من خلال الانطباع الدافئ الذي تزرعه بين الأطفال.. إلا أن محادثة الأهل للطفل لها أهمية كبرى، فمحادثة الوالدين مع أطفالهم عن ذكرياتهم ومشاريعهم ومناقشتهم في بعض التفاصيل التي تتناسب مع أعمارهم، وإتاحة المجال لهم لإبداء رأيهم كل هذا له دور كبير في بناء إنسان واثق من ذاته قادر على التفكير باستقلالية بعيداً عن تأثير الآخرين عليه.
الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ مشارك بجامعة طيبة بالمدينة المنورة وجامعة الأزهر بجمهورية مصر العربية.