– رحلات الأوروبيين والعرب إلى المملكة العربية السعودية:
أ – الرحالة الأوروبيون :
شهدت الجزيرة العربية مجيء عدد من الرحالة الأوروبيين منذ القرن الخامس عشر الميلادي وذلك مع بدايات ظهور الإمبراطوريات الغربية والصراع فيما بينها بهدف الاحتلال والسيطرة على أجزاء من العالم الإسلامي في أفريقيا وآسيا ، والسيطرة على الممرات المائية الحيوية في البحر الأحمر والخليج العربي وجزر المحيط الهندي بغرض تأمين الحاميات البحرية وقوافل التجارة، ومن تلك القوى البرتغالييون والهولنديون والفرنسيون والبريطانيون.
وقد تنوعت أهداف الرحالة الغربيين، الذين وجدوا الدعم والتشجيع من دولهم، فمنهم من جاء لهدف تبشيري، ومنهم لأغراض سياسية واقتصادية ، ومنهم من جاء لأهداف علمية وحب المغامرة والاكتشاف، ويمكن ذكر بعض أهم الرحالة الأوربيين على النحو الآتي:
– لودوفيكو فارتيما(Ludovico Varthema)
وكان من أوائل الرحالة الذين زاروا الجزيرة العربية حيث تمكن عام 1502 م من مرافقة قافلة للحج كواحد من الجنود الأتراك، ودخل مكة وبعدها وصل إلى جدة التي غادرها إلى عدن مروراً بجازان وانتهت به الرحلة عودة إلى روما بين 1508 و 1509 م([vii]).
– كارستين نيبور: (Carsten Niebuhr)
دانماركي الأصل، أرسله ملك الدانمارك عام 1761م ضمن بعثة علمية عدد أفرادها ستة، حددت لكل منهم مهمة محددة، كان نيبور بصفته مختصاً بالرياضيات والفلك هو رسام ومساح هذه البعثة العلمية، وبعد ثمانية عشر شهراً من مغادرتها كوبنهاجن وصلت البعثة إلى مصر ومكثوا فيها عاماً تجولوا خلالها في أنحاء من مصر وشبه جزيرة سيناء.
ومن السويس غادرت البعثة إلى جدة وبقوا فيها ستة أشهر ، وبعدها غادرت إلى ميناء اللحيَّة في 29 ديسمبر 1726 م، وتجول أفراد البعثة في أجزاء من اليمن شاهدوا فيها حياة الناس وأساليب معيشتهم، وتجولوا في بعض القرى والمدن اليمنية مثل بيت الفقيه وتعز وتريم وصنعاء.
غادرت البعثة ميناء المخا إلى الهند بعد أن توفي أثنان من أفرادها في اليمن ، وتوفي اثنان آخران قبل وصولهما للهند ، وتوفي طبيب البعثة في بومباي، وبقي نيبور علي قيد الحياة حيث واصل رحلته إلى فارس والعراق وفلسطين والشام وفي طريقه، عرج نيبور على سواحل الخليج ووصف بعض مدنها وجزرها والأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية فيها مثل مسقط والأحساء والقطيف والبحرين ، وفي البصرة سمع نيبور عن الدعوة الإصلاحية في نجد وكان تصوره عنها أنها تستهدف العودة إلى بساطة الإسلام الأولى ونبذ كل ما أدخل على العقيدة من مديح وشعائر وتخريف ، وكانت نظرة نيبور للحركة الإصلاحية هذه أنها محاولة لتوحيد نجد والقضاء على التمزق القبلي السائد فيها ، وتوقع لها أنها ستلعب دوراً مهماً في مستقبل شبه الجزيرة العربية.
عاد نيبور إلى كوبنهاجن في شهر نوفمبر 1767م وبقى فيها حتى توفي عام 1815 م عن عمر يناهز الثمانين.
حقاً لقد تركت لنا رحلة نيبور سجلاً حافلاً بالمعلومات عن الجزيرة العربية وعن أحوالها الاجتماعية والاقتصادية، وكان نيبور أول من اطلع على جوانب حضارية وثقافية وتراثية من أهمها ذكر لبعض الكتابات والنقوش القديمة، وترك لنا بعض الخرائط الجغرافية التي رسمها، منها خارطة بلاد اليمن التي بقيت مستخدمة حتى فترة من الزمن ، لقد أذكت رحلة نيبور حماس الرحالة والمستشرقين الأوربيين لإجراء المزيد من المغامرات والرحلات الاستكشافية لبلاد العرب([viii]).
– دومنغوباديالبليش– علي بيك العباسي Ali Bey el–Abbassi)
وهو عالم أسباني ادعى اعتناق الإسلام وسمى نفسه علي بيك العباسي، ويعد من أشهر الرحالة الأوروبيين الذين زاروا منطقة الحجاز. فقد وصل إلى جدة عام 1807م قادماً من طنجة مروراً بطرابلس وقبرص والقاهرة ، تمكن على بيك العباسي من الإقامة في مكة، وفي ذلك العام قام بأداء مناسك الحج وزار المدينة المنورة ، وحدد الموقع الجغرافي والاستراتيجي لمكة بكل دقة ، كما أنه وصف الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الحجاز وعلى وجه الخصوص مكة المكرمة([ix]).
ومما يسترعي الانتباه هو الانطباعات التي سجلها عن جيش الإمام سعود بن عبدالعزيز بمكة المكرمة عام 1221هـ/1807م ويصف أخلاق جيش الإمام ، وأنهم يتحملون صامتين كل أنواع المشاق ، ويتمتعون بخصال حميدة ، ويؤدون أثمان كل مايشترونه وأجور الخدمات التي تقدم لهم بالعملة التي لديهم ، ويقول: أنه وجد جميع الوهابيين الذين تحدث إليهم على جانب من التعقل والاعتدال ، وأنهم طبقوا نصوص الشريعة كما وردت في القرآن الكريم ، وأن الناس التزموا بتعاليم الإسلام والمحافظة على الصلوات في أوقاتها([x]).
– أولريخ جاسبار سيتزن: (Ulrich Jasper Seetzen)
ألماني الجنسية ورحالة مغامر قام بجولات في أنحاء الشام ووصل إلى حدود الجزيرة، وفي عام 1809هـ اعتنق الإسلام وسمى نفسه (الحاج موسى) ، وتظاهر بالتقوى حتى لا يتهم بالجاسوسية، وتمكن من مرافقة قافلة للحج غادرت القاهرة إلى مكة مروراً بينبع، ولم يتمكن من زيارة مدائن صالح، ولكنه وصف مكة والحج واستطاع أيضاً زيارة المدينة المنورة. وكان سيتزن يسجل مشاهداته وانطباعاته عن المناطق التي يزورها ، ويبعث بها في رسائل إلى أحد أصدقائه ويدعى (فون زاخ). ومن خلال رسائله تلك عرفت رحلة ستيزن.
وفي مارس من عام 1810م غادر سيتزن جدة بحراً إلى الحديدة ، وتجول في مناطق عدة من اليمن يسجل المواقع الأثرية ومواقع الكتابات والنقوش ، ولم يكتب لرحلته أن تكتمل فقد لقى حتفه في تعز، في ديسمبر من عام 1181م. ويعد ستيزن أول من عرَّف أوربا بالكتابة الأثرية الحميرية([xi]).
– يوهن لودفيك بوركهارت: (Johann Ludwig Burckhardt)
قام الرحالة يوهن بوركهارت برحلات استكشافية إلى أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وعاش متنقلاً ومتجولاً ودارساً لحياة البدو الرحل حيث عاش معهم أياماً طوالاً وكتب عنهم وعن حياتهم، وهو سويسري الجنسية وتسمى باسم الشيخ إبراهيم عبدالله الشامي.
تحدث بوركهارت عن حياة الأنباط وعن تاريخهم ، وقام بزيارة إلى مكة المكرمة عام 1814م انطلاقاً من ميناء سواكن إلى مدينة جدة ثم أتجه إلى الطائف، وأدى فريضة الحج وقام بزيارة قصيرة للمدينة المنورة ، وتحدث عن رحلته إلى مكة قائلاً بأنها من أحلى أيام حياته التي لا ينساها ، حيث وصف سكان مدينة مكة المكرمة بالنباهة والذكاء والشجاعة وحسن الضيافة والإستقبال ، كما تحدث عن الجو الروحاني خلال فترة صيام شهر رمضان المبارك في الأماكن المقدسة ، وقدم وصفاً دقيقاً للمسجد الحرام وكيفية أداء نسك الحج ، وقد وافق وجود بوركهارت في الحجاز فترة الحملات العسكرية التي كان يقودها محمد علي باشا على المنطقة ، وبعد مغادرة بوركهارت الحجاز بسنتين وافته المنية في القاهرة في 15 أكتوبر 1815م، وترك لنا سجلاً حافلاً بالمعلومات التاريخية والاجتماعية والسياسية([xii]).
([i]) يتقدم الباحث بخالص الشكر والامتنان لمركز الأبحاث بوكالة الآثار والمتاحف على توفير معلومات هذا البحث وعلى المساعدة أثناء الإعداد وأخص بالشكر الدكتور مجيد خان والأستاذ خالد أسكوبي.
([ii]) الشريف، جغرافية المملكة العربية السعودية، 1/25 وما بعدها.
([iii]) Masry, Prehistory in North Eastern Arabia, P). 68 - 176
وانظـر: إدارة الآثـــار، مقــــدمة فـــي آثار المملكة العربية السـعودية، ص:36 – 63 .
([iv]) مقدمة في آثار المملكة، ص : 87 – 98 .
أبو درك ، مقدمة عن آثار تيماء، ص : 7 – 9 .
([v]) تنشر نتائج المسح والمكتشفات الأثرية في حولية الآثار العربية السعودية، تراجع هذه المعلومات من العدد الأول 7931هـ/ 7791م، وما بعده من أعداد.
([vi]) الراشد، آثارنا والوعي: دور الدولة.. دور المواطن، ص: 8 -11.
([vii])Bidwell, Travellers in Arabia, PP.20 – 23.
([viii]) جاكلين بيرين، اكتشاف جزيرة العرب، ص : 146 – 178 .
([ix]) Bidwell, Op. cit, PP. 27 -31.
([x]) جاكلين بيرين، المرجع نفسه، ص 201 – 204 .
([xi]) Bidwell, Op. cit, PP 120 - 121
وتراجع النسخة العربية ترجمة عبدالله نصيف، ص: 44 – 53 .
جاكلين بيرين، المرجع نفسه، ص : 210 – 216 .
([xii]) جاكلين بيرين، المرجع نفسه، ص ص: 216 – 229 .
وانظر: Bidwell, Op. cit, PP 50 - 59
وانظر: عبد الله العثيمين، موارد لتاريخ الوهابيين للرحالة جون لودفيج بوركهارت.