البارادايم Paradigm» التفكير خارج «الصندوق.د.خالد صالح الحميدي
د.خالد صالح الحميدي
تزوّج شاب يُدعى "قيس" من فتاة اسمها "ليلى"، وفي أحد الأيام اصطحب قيس زوجته ليلى لزيارة صديقتها، ووعدها بالمرور عليها بعد ساعة، ولكنه تأخر عنها، فأراد أن يعتذر لها، ويخبرها أنه في طريقه إليها، فاتصل على صديقتها، وكان الحوار التالي: قيس: "السلام عليكم". صديقة ليلى: "وعليكم السلام". قيس: "لو سمحتي ممكن أكلم ليلى"؟ قالت: "من أنت"؟ قال: "قيس"، فما كان منها إلا وقالت له على الفور: "يا قليل الأدب"! قال: "عفواً! أنا قيس زوج ليلى".
إن رد الفعل لدى صديقة ليلى على قيس، كان مبنيا على "البارادايم" الخاص بها، إذ استحضرت، من صندوقها الفكري، مباشرة قصة الحب المعروفة بين "قيس وليلى" فحكمت على المتصل بأنه يعبث معها ويعاكسها!
أحد السائقين، كان يقود سيارته في أحد الطرق المزدوجة والمنحنية.. وفجأة، ظهرت أمامه سيارة مُقبلة في مساره، فراح يتفاداها، ولكن سائقها حاذاه بشدة، وفتح زجاج سيارته وصرخ: "خنزير"! غضبَ الرجل، وراح يشتم ذلك السائق وينعته بأبشع الصفات.. ولكن، بعد أن تجاوز المنحنى، فوجئ بوجود خنزير ميت في وسط الطريق فاصطدم به! إذاً، كلمة "خنزير" الموجودة في "البارادايم" أو الصندوق الفكري لهذا السائق، عنت له الشتيمة، ما أدى إلى أن يصبّ جام غضبه على السائق الآخر، الذي كان قصده تنبيهه من الخنزير لئلا يصطدم به!
فما "البارادايم"؟ البارادايم، مصطلح يوناني، يعني: "النمط أو النموذج الفكري"، ويتصف بصفات عدة، ربما أهمها أنه "الصندوق" الذي يحتوي على الخبرات والقواعد، والثقافة بما فيها من معارف، التي تؤدي إلى تكوين قالب ذهني، يتحكم، بشكل مباشر أو غير مباشر، بتواصلنا مع العالم المحيط بنا، وتقييمنا لما يحدث في هذا العالم، على ضوء ما نعتقده ونؤمن به من أفكار مُسبقة مكتسبة..
وصاحبا المثالين أعلاه، لم يستطيعا تجاوز "البارادايم" الخاص بهما.. فبقيا على سلبيتهما في فَهم ما يحدث حولهما!
وللخروج من هذا "الصندوق"، عنيت البارادايم السلبي، لا بد، أولا، من تشذيب وتعديل إطار المعرفة والإدراك لدينا، وإلغاء ما ورثناه من تصورات وأفكار سلبية مسبقة، خاصة، تلك البعيدة عن الموضوعية، فيتغير الحكم على الأمور.. أي، الانتقال نحو رحابة التفكير خارج الصندوق في التعامل مع السائد وتقييمه، ورؤية الحقائق ببارادايم إيجابي، بعد كسر البارادايم السلبي.. فتصبح الحقيقة، ليس دائما فيما نعتقده تجاه ما نواجهه، بل، قد تكون الحقيقة، فيما هو خارج النموذج الذهني المعتاد، أي خارج الصندوق.. هذه الآلية، تساعدنا على استشراف مدى النجاح أو مدى الفشل في تقييمنا للأمور.. كذلك، تساعدنا على الثبات في تحقيق أهدافنا، وتجاوز الأفكار السلبية الموصلة إلى الفشل والانهزام، فيُصبح، النجاح أو الفشل، مبنيا على الاستعدادات الكامنة في نظام تفكيرنا، إذ قد تكون الفرصة أمامنا، ولكننا لا نراها لأننا احتجزنا فكرنا داخل سلبيات صندوق أفكارنا! والأمثلة كثيرة حول أشخاص، وأُسر، وشركات، ومجتمعات، قضى البارادايم السلبي على آمالهم، لأنهم بقوا داخل صناديق أفكارهم!
وفكرة البارادايم، السلبي والإيجابي، نجدها حاضرة في الإسلام.. فعلى سبيل المثال: الانتقال من الكفر إلى الإيمان، هو انتقال من بارادايم سلبي إلى بارادايم إيجابي، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، إذ لا بد من وقوع التغيير أولاً من الإنسان، بما هو مُبصر ومُفكر.. فينطلق من صندوق البارادايم السلبي، الذي هو هنا الكفر، إلى خارجه، إلى البارادايم الإيجابي، إلى سعة الأفق الفكري الموصل إلى الحقيقة، إلى الإيمان..
وفي غزوة أُحُد، مثلاً، حين رأى الرماة أن المشركين يفرون من ساحة المعركة، تركوا أماكنهم، كحماة لظهور المسلمين، لجمع الغنائم، هنا استعجل بارادايم النصر عندهم فعلتهم، فانقلبت موازين المعركة لصالح المشركين!
يبقى أن مواضيع البارادايم متنوعة، وتحتاج إلى مساحة أوسع، إذ، للبارادايم علاقة في تفسير اختلاف التقاليد والعادات بين الشعوب، وكذلك اختلاف المعنى في الألفاظ، وحتى في مسالك الإيمان وصوره! كذلك رواده ينقسمون إلى: مبدعين: أي أصحاب الأفكار الجديدة، ونمطيين: وهم الذين يرفضون أي جديد، والروّاد: وهم أصحاب المغامرة والخروج عن المألوف.
ومن الأهمية بمكان، هنا، الإشارة إلى أن للبارادايم الإيجابي، دورا مهما في الإنتاج، وبيئة العمل، والبيئة التعليمية، حيث يدعو إلى ضرورة المرح، والفكاهة، والراحة النفسية، في هذه البيئات لتحقيق أعلى قدر من النجاح!