بحث كامل عن الشهوة جاهز بالتنسيق ، مقال عن الشهوة
الشهوة والشبهة هما طريقا جهنم، وفي هذه المادة تحدث الشيخ عن الشهوة وخطرها، فذكر أولاً العقوبات المترتبة على الشهوة المحرمة؛ من بعد عن الله، وسوء الخاتمة ... إلخ. ثم بيَّن أن هناك قواعد وطرقاً لمواجهة الشهوة المحرمة، مع الاستدلال من القرآن والسنة على ذلك، ثم انتقل إلى ذكر نماذج لأهل العفة ونماذج لأهل الفجور ومصير الفريقين.
تحذير من خطورة الشهوة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: أيها الإخوة والأخوات .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحيا الله هذه الوجوه وحرمها على النار، ونضرها بالنظر إلى المليك الغفار، في جنة المأوى ودار الأبرار، حياتنا فتن ومجاهدة وشهوات ومعركة، ميدان الشهوات كبير والصراع فيه خطير، إنها معركة الإنسان مع غريزته المستترة في أغوار نفسه، والهالكون في أغوار هذه المعركة من البشر كثير ، والناجون قليل قليل، يجتمع للمنتصر في معركته إقامة المروءة .. صون العرض .. وحفظ الجاه .. راحة البدن .. قوة القلب .. طيب النفس .. إقامة الفؤاد على الدين .. انشراح الصدر .. قلة الهم والغم والحُزن .. عز المكانة .. نضرة الوجه .. مهابة في قلوب العباد .. زوال الوحشة .. قرب الملائكة .. بعد الشياطين .. ذوق حلاوة الطاعة .. طعم حلاوة الإيمان .. زيادة في العقل والفهم.. وهكذا فضائل الدنيا وعظيم فضائل الآخرة. لقد حذرنا سلفنا من خطورة الشهوة، قال يحيى بن معاذ: "من أرضى الجوارح باللذات فقد غرس لنفسه شجر الندامات". وقال عبد الصمد: "من لم يعلم أن الشهوات فخوخ فهو لعاب". وقال ابن القيم رحمه الله: ولما كانت طريق الآخرة وعرة على أكثر الخلق لمخالفتها لشهواتهم، ومباينتها لإراداتهم ومألوفاتهم؛ قل سالكوها، وزهدهم فيها قلة علمهم، وما هيئوا له وما هيئ لهم فقل علمهم بذلك، واستلانوا مركب الشهوة والهوى على مركب الإخلاص والتقوى، وتوعرت عليهم الطريق، وبعدت عليهم الشقة، وصعب عليهم مرتقى عقباتها وهبوط أوديتها وسلوك شعابها، فأخلدوا إلى الدعة والراحة، وآثروا العاجل على الآجل، وقالوا: عيشنا اليوم نقد وموعودنا نسيئة، فنظروا إلى عاجل الدنيا وأغمضوا العيون عن آجالها، ووقفوا مع ظاهرها ولم يتأملوا باطنها، ذاقوا حلاوة مبادئها وغاب عنهم مرارة عواقبها، اشتغلوا عن التفكر وقال مغترهم بالله وجاحدهم لعظمته: خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به. وقد حذرنا الله تعالى من خطر الشهوات، فقال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14] الآية، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء) وقال: (اتقوا النساء فإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). وهنا يأتي السؤال ويقول: لماذا خلقت الشهوة أصلاً؟ ما هي الحكمة من وجودها؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجيباً: إن الله خلق فينا الشهوات واللذات لنستعين بها على كمال مصالحنا، فخلق فينا شهوة الأكل واللذة به، فإن ذلك في نفسه نعمة، وبه يحصل بقاء جسومنا في الدنيا، وكذلك شهوة النكاح واللذة به هو في نفسه نعمة، وبه يحصل بقاء النسل، فإذا استعين بهذه القوى على ما أمرنا كان ذلك سعادة لنا في الدنيا والآخرة، وكنا من الذين أنعم الله عليهم نعمةً مطلقة، وإن استعملنا الشهوات فيما حظره علينا بأكل الخبائث في نفسها، أو كسبها كالمظالم، أو بالإسراف فيها، أو تعدينا أزواجنا أو ما ملكت أيماننا؛ كنا ظالمين معتدين غير شاكرين لنعمته. قال تلميذه ابن القيم: اقتضت حكمة اللطيف الخبير أن جعل فيها -أي: في النفس- بواعث ومستحثات تؤزه أزاً إلى ما فيه قوامه وبقاؤه ومصلحته، فلو لم يوجد شهوة هل كان هناك زواج وأولاد وبقاء النسل البشري؟ وقال مذكراً ليتأمل المسلم كيف جمع الله -سبحانه وتعالى- بين الذكر والأنثى وألقى المحبة بينهما، وكيف قادهما بسلسلة الشهوة والمحبة إلى الاجتماع الذي هو سبب تخليق الولد وتكوينه.. قال: جعل الله فينا أمرين: الشهوة والعقل، الشهوة لهذه الحكم، والعقل ليتحكم في الشهوة، ويصرفها فيما أراد الله.
الوعيد لمن صرف الشهوة في الحرام:
إذاً: الشهوة نعمة أنعم الله بها على المخلوق، وهي ابتلاء يبتلي الله بها عباده لينظر أيطيعونه أو يطيعون الشهوة، وإنما المحظور صرف الشهوة في الحرام.. ما هو الوعيد على صرف الشهوة في الحرام؟ ما هي الأشياء التي تجعل الإنسان يخاف من الحرام؟ لقد توعد الله تعالى أهل الفجور والفساد بالعذاب الشديد يوم القيامة، فقال: وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68]، وقبل هذا العذاب في النار يتعرض الزناة والزواني للعذاب في القبر، ويحدثنا صلى الله عليه وسلم عن شيء مما يعذب به هؤلاء في قبورهم: (فقال لي الملكان: انطلق انطلق؛ فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، فإذا فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم -من مكان الجريمة، أين مكان الجريمة؟ الأعضاء التناسلية، أين هي؟ تحت، من أين يأتيهم؟ من تحت- فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا -أي: صاحوا- وارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، فقلت له: وما هؤلاء؟ قال: أما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني) هذا بعض ما يتعرض له الزناة من العقوبة، فمن يطيق ذلك؟! وليعلم الشباب والفتيات الذين لم يصلوا إلى ممارسة الفاحشة أن المقدمات من النظر والكلام واللمس هي الخطوات الأولى في طريق الفاحشة، وأن الجرأة عليها تقود إلى ما بعدها..
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتـها من الحرام ويبقى الوزر والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتـها لا خير في لذة من بعـدها النار
كل شهوة تستدعي ما دونها حتى يهلك الإنسان، لقد أقسم الشيطان أمام الله تعالى أن يسعى لإغواء عباده جاهداً في ذلك، قال تعالى عنه: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:16-17] إنه يسعى بكل وسيلة لإضلالنا وإغوائنا وإيقاعنا في الصغائر والكبائر. لقد أخبرنا الله عن الذين فروا في أحد أنه استزلهم الشيطان، قال تعالى: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ [آل عمران:155] وهكذا الذين يسقطون في فخاخ الشهوة إنما استزلهم الشيطان، يستدرجك لإيقاعك في الصغيرة.. نظرة .. كلمة .. مغازلة.. ثم يقول بعد ذلك لك: استمر، ثم تقع الخسارة الكبرى ويقع الانحراف.
سوء الخاتمة من عقوبات الشهوة المحرمة:
من عقوبة الشهوات المحرمة: سوء الخاتمة، قال صلى الله عليه وسلم: (فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها). كان السلف يخشون سوء الخاتمة، بكى سفيان الثوري ليلةً إلى الصباح، فقيل له: أكل هذا خوفاً من الذنوب؟ قال: [الذنوب أهون! إنما أبكي خوفاً من الخاتمة].. إن التعلق بالشهوات واستيلاؤها على القلب من أكبر أسباب سوء الخاتمة؛ فإن هذه الأشياء التي تشغل بال الإنسان من الحرام، وانشغاله بها وانهماكه، إذا نزل به الموت سيطفو على السطح، وسيظهر على لسانه، وحين تخونه قواه وتخور يطفو ما كان مخبأً من هذه الشهوات المحرمة. يروى أن رجلاً عشق فتى واشتد كلفه به، وتمكن حبه من قلبه حتى مرض ولازم الفراش بسببه، حتى أوشك على الهلاك، وأراد أن يراه فلم يستطع، فأسقط في يده وانتكس، وبدت عليه علامات الموت، فجعل يقول والموت نازل به:
أسلم يا راحة العليل ويا شفاء المدنفِ النحيـل
رضاك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل
فقيل له: يا فلان! اتق الله. قال: قد كان. فما أن جاوز باب داره حتى سمعوا صيحة الموت. وآخر كان واقفاً بإزاء داره، فمرت به فتاة لها منظر جميل، فقالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ وكانوا من قديم يغتسلون في الحمامات العامة، فأغواه الشيطان فقال: هذا حمام منجاب، وأشار إلى باب داره، فدخلت المسكينة وهي لا تدري ما الأمر، فأغلق الباب فأسقط في يدها، لكنها كانت ذكية، فأظهرت البشر والسرور، وقالت: يصلح أن يكون معنا ما يطيب عيشنا من طعام، فخرج وترك الدار ولم يغلقها فهربت بذكائها وحسن تدبيرها، وهكذا الفتاة لو تآمروا عليها فهي صالحة وإيمانها يدفعها للنجاة، فلما رجع ووجدها قد هربت هام وأكثر الذكر لها، وجعل يمشي في الطريق كالمجنون، ويقول:
يا رب قائلة يوماً وقـد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب
فبينما هو يوماً على ذلك إذ سمع صوتاً يقول له:
هلا جعلت سريعاً إذ ظفرت بها حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب
فازداد هيامه حتى حضرته الوفاة، فكان آخر كلامه من الدنيا:
يا رب قائلة يوماً وقـد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب
ولم ينطق بالشهادة، حمـانـا الله من مثل هـذا المصـير!
الشهوة المحرمـة سبـب في إخراج العـبد من محبـة الله
إن هذه الشهوات المحرمة تخرج العبد من محبة الله، وتخرج محبة الله من قلب هذا الضال، والضدان لا يجتمعان: محبة الشهوات ومحبة الرحمن، فإذا امتلأ القلب من محبة الشهوات فماذا يبقى له نصيب من محبة الرحمن؟ إنه خيار واحد، حدد مصيرك واختر طريقك، وإذا أردت محبة الله ولذة الإيمان فلن تحصل إلا بطرد نصيب الشيطان. إن الذين تستغرقهم الشهوات المحرمة ويتحولون إلى عبيد لها تأمرهم فيطيعون، وتنهاهم فيخضعون، وإذا رأى الواحد هذه المرأة التي هام بها وأحبها يفعل مثلما فعل ذلك الذي أحب عزة فقال فيها شركاً وكفراً:
رهبان مدين والذين عهدتـهم يبكون من حذر العقاب قعوداً
لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لـعزة ركعاً وسجوداً
نعوذ بالله من الخذلان! قال ابن القيم رحمه الله في حال هؤلاء: فلو خُيِّر بين رضاه -رضا المعشوق- ورضا الله لاختار رضا المعشوق على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه.. يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعل لربه من ماله إن جعل له كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لبه وقلبه وهمه ووقته، وخالص ماله، وربه على الفضلة إذا زاد شيء. قد اتخذه وراءه ظهرياً، وصار لذكره نسياً.. إن قام في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق، ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه وفرح بها، خفيفةً لا يستثقلها ولا يستطيلها، ولو نظرت في أشعار العاشقين والعاشقات وما يغني به المغنون والمغنيات لترى الأدلة على ذلك، اقرأ ما يكتبه هؤلاء من الأبيات والعبارات، وتأمل واعتبر بما يصنع الشيطان في أهل العشق والشهوة المحرمة.. هل يستحق هذا الهوى والغرام أن تختصر فيه الحياة كلها؟
العقوبات الدنيوية لأهل الشهوة المحرمة:
مخاطر الأمراض والأوجاع في الدنيا.. إن من سنة الله تعالى -أيها الإخوة والأخوات- معاقبة من عصاه في الدنيا قبل الآخرة، ولمن يأتون الفواحش عقوبة من النوع الخاص، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) حديث صحيح.. وقد تحققت هذه السنة الربانية في عصر الفحش والفجور الذي نعيش فيه، فهؤلاء مصابون بالزهري والسيلان، ثم بالأخطر من ذلك بالهربز والإيدز، أعاذنا الله من هذا! يبلغ الذين ينقل إليهم مرض الإيدز يومياً على مستوى العالم عشرة آلاف، في كل دقيقة يصاب ستة دون سن الخامسة بالمرض، وفي عام ألفين لقي ما يقارب ثلاثة ملايين شخص من حاملي المرض مصرعهم، وتسبب الإيدز في إضافة ثلاثة عشر مليوناً ومائتي ألف طفل إلى قائمة الأيتام، وعدد الذين أصيبوا به في عام ألفين أكثر من أربعة وثلاثين مليون شخص، أما الآن فقد وصلوا إلى خمسين مليوناً من الأشخاص، ثلثهم من الشباب بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين.. بقي أن تعلم أن ثلاثةً (73%) من هؤلاء من الذين يعملون عمل قوم لوط..! وها هو أحد المصابين به وهو السينمائي الأمريكي روك هيدسون، يقول على فراش مرض الإيدز، فراش الموت: أنا في انتظار القدر، إنه يدق بابي، أستمع إلى صوته من أعماقي، لم أكن أود أن أتعذب هكذا وأنا في هذا المرض سرطان العصر، ورغم ابتسامات الكثيرين وتهنئتي بالتماثل للشفاء، ومحاولاتهم رفع معنوياتي، إلا أنني على موعد مع القدر، إنه يدق بابي في اللحظات الأخيرة. وها هو أحد الشباب الذي كان يعاشر أحد الفتيات بالحرام خارج البلاد، لما أراد أن يعود وجد ورقةً قد كتب عليها: مرحباً بك عضواً في نادي الإيدز. فضاق عليه الأمر وصعق، يعودون من الإجازات فيعانون الأوجاع والالتهابات، فيعملون التحليلات ويكتشفون النتائج الفاجعات؛ فيعتزلهم الناس أشد من اعتزال الأجرب، نعوذ بالله من هذا المسلك وهذا المصير!
الجزاء من جنس العمل:
من عقوبة الشهوات المحرمة والولوغ فيها: أن الجزاء من جنس العمل، وهذه قاعدة شرعية وسنة ربانية لا تتخلف أن يجزي الله العامل من جنس عمله، انظر إلى من يطلق العنان لشهوته دون وازع أو ضابط، أتظنه يسلم؟ لا، فجزء يسير من عقوبته أن يدخل في هذه القاعدة، كما قال الشافعي :
عفوا تعـف نساؤكـم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيـتك فاعـلم
من يزن يزنَ بـه ولـو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم
وفي رواية:
يا هاتكاً حرم الرجال وقاطعاً سبل المودة عشت غير مكرمِ
لو كنت حراً من سلالة ماجدٍ ما كنت هتاكاً لحرمة مسلـمِ
من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ
إذاً: من يتجرأ على انتهاك عرض الآخرين معرض أن يرى ذلك في ابنته أو أخته، ومن لا يبالي بمحارم الله قد تخونه زوجته، ومن تتجرأ على ذلك معرضة أن تراه في بناتها ونسلها.. جنبنا الله كل مكروه! فحافظ أخي وحافظي أختي على هذا العرض، واعلموا أنه قد يجازى الإنسان من جنس عمله فيقع لأهله ما أوقعه بالناس.
من مضار الزنا:
أما قبح الفاحشة وخطرها وعظيم ضررها فقد قال ابن القيم رحمه الله في فصل جامع لمضار الزنا: والزنا يجمع الشر كله؛ من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تكاد تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة على الأهل، فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرام، وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته. ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله، ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بهذا لقابله أسوأ مقابلة. ومنها: سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين. ومنها: ظلمة القلب وطمس نوره، فتذهب حرمة الفاعل، وتسلب أحسن الأسماء من أسماء العفة والبر والعدالة، ويتصف بعكسها كاسم الفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن، يسلب اسم المؤمن.. (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، فإذا زنا العبد خرج من الإيمان ولم يخرج خروجاً كلياً إلا بالكفر، ويعرض نفسه لسكنى التنور، يفارق الوصف الطيب.. والطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ [النور:26] ويلزمه الوصف الخبيث .. الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ [النور:26]، وقد حرم الله على الجنة كل خبيث، وجعلها مأوى الطيبين، فقال: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ [النحل:32].. وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73] والزناة من أخبث الخلق، وقد جعل الله جهنم دار الخبثاء، ويوم القيامة يميز الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه فوق بعض فيركمه في جهنم. ومن عقوبات الزاني والزانية: الوحشة التي يجعلها الله في هذه القلوب الموحشة، فتعلو الوجه، ويزول الأنس.. هذه الوحشة التي يراها حتى أقرب الناس إليه.. تفوح رائحة الزنا منه.. ضيق الصدر وما يحصل له من الغم والهم بسبب هذه المعصية.. معذب يقول: في بطنها، في أحشائها ولد مني، ما هو واجبي؟ ماذا علي؟ هل علي نفقته؟ هل علي تربيته؟ هل علي أن أضيفه لاسمي؟ ماذا أفعل؟ لقد تورطت، ويعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن، وإذا كان الله يعاقب لابس الحرير في الدنيا بأن يحرمه منه في الآخرة، وشارب الخمر في الدنيا بأن يحرمه منه في الآخرة إلا إذا تاب، وكذلك الزاني معرض للحرمان من الحور العين. هذا الزنا يجرئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة العيال.. هناك أناس ضيعوا الزوجات والأولاد بسبب السفر إلى أماكن الحرام، زوجته تستغيث وتقول: هل يجب علي أن أطلب الطلاق؟ هل يجوز لي الفراق؟ لم أعد أتحمل.. أأسكن؟ أأعاشر شخصاً في الفراش وأنا لا أعلم هل ينقل إلي مرضاً في هذا الوقاع أم لا؟ ما حال أولادي؟ هل انتقل إليهم المرض أم لا؟ وهكذا يكون العذاب.. ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].
الإباحية في أمريكا:
أيها الإخوة.. نحن الآن في عصر الشهوات، نحن الآن في عصر تفجر الشهوات، نحن الآن في عصر الإباحية، الحياة الغربية التي طغت في هذا الزمان، تجارة الدعارة والإباحية في أمريكا رائجة جداً.. ثمانية مليار دولار لها أواصر قوية تربطها بالجريمة المنظمة، تجارة الدعارة بالكتب والمجلات، وأشرطة الفيديو، والقنوات الفضائية، ومواقع الإنترنت، والنوادي الليلية، وغير ذلك، تجارة الدعارة ثالث أكبر مصدر للجريمة في أمريكا، في الوقت الحاضر يوجد أكثر من تسعمائة دار سينما متخصصة للأفلام الإباحية، وأكثر من خمسة عشر ألف مكتبة ومحل فيديو تتاجر بالأفلام والمجلات الإباحية. بعد القمار والمخدرات الفاحشة، أماكن الحرام في أمريكا أكثر من مطاعم ماكتونلد بثلاثة أضعاف، كانوا فيما مضى يحاربونها بالقوانين، لكن نجحت الاستديوهات في تخفيف المراقبة على الأفلام وتغيير مفاهيم الإباحية؛ حتى صارت كثيرٌ من الأفلام التي كانت تحت بند "x" قد أعيد تقويمها اليوم لتصبح تحت بند "r" الأخف؛ وبذلك تعرض على الكبار والصغار، وإلغاء قانون العفة في الاتصالات مما نجحوا به أولياء الشهوات هناك؛ فزالت كثير من القيود القانونية. أمريكا أول دولة في العالم في إنتاج المواد الإباحية، تصدر سنوياً مائة وخمسين مجلة إباحية بثمانية آلاف عدد، تجارة تأجير الأفلام زادت من خمسة وسبعين مليون دولار في عام (1985م) إلى ستمائة وخمسة وستين مليون دولار في عام (1996م)..! هؤلاء الناس الذين اتبعوا الشهوات وأرادوا نشرها في العالم، وترسل هذه المغلفات بألوان معينة -بزعمهم- للحماية، أنشئت هذه المواقع العجيبة، حتى أن إحدى شركات الإباحية تدعي أن أربعة ملايين وسبعمائة ألف زائر يزور موقعهم أسبوعياً!! قامت بعض الشركات بدراسة عدد الزوار في صفحات الدعارة والإباحية في الإنترنت، ففي شركة " ويب سايد ستوري" بعض هذه الصفحات يزورها مائتان وثمانون ألفاً وأربعمائة وثلاثون زائراً في اليوم الواحد.. حسب إحصائيات هذه الشركة المسئولة عن الإحصائيات، وهناك أكثر من مائة صفحة مشابهة تستقبل كل صفحة أكثر من عشرين ألف زائر يومياً، وأكثر من ألفي صفحة مشابهة تستقبل أكثر من ألف وأربعمائة زائر يومياً. هناك أحد المواقع استقبلت خلال سنتين ثلاثةً وأربعين مليوناً وستمائة وثلاثة عشر ألفاً وخمسمائة زائر، وواحدة من هذه الجهات تزعم أن لديها أكثر من ثلاثمائة ألف صورة خليعة تم توزيعها على الشبكة أكثر من مليار مرة، وقام باحثون في جامعة "كارنيجي ميلُن" بإجراء دراسة إحصائية على تسعمائة وسبع عشرة ألف وأربعمائة وعشر صور من الصور استرجعت ثمانية ونصف مليون مرة من ألفي مدينة في أربعين دولة، نصف الصور المستعادة هي صور إباحية، ثلاثة (83%) من الصور المتداولة في المجموعات الإخبارية "نيوز جروبز" في الإنترنت صور إباحية، مؤسسة "زوجبي" في مارس عام (2000م) وجدت أن أكثر من (20%) من سكان أمريكا -وليس من المستخدمين في أمريكا - يزورون المواقع الإباحية. المواقع الإباحية لا تمثل إلا (1%) من عدد المواقع الكلية في الإنترنت، لكن نحو (90%) من المشتركين في الإنترنت يدخلون على هذا الـ(1%). مواقع الحرام تبدأ -كما يقولون هم- بفضول بريء، ثم تتطور إلى إدمان مع عواقب وخيمة؛ كإفساد العلاقات الزوجية وتبعات الشر، يغلقون الأبواب على أنفسهم.. الزوجات يشتكين من الأزواج، وتنتهي العملية بشراء الدش واقتناء القنوات الخليعة، وهذه الرسيفرات المبرمجة والمشفرة، والبطاقات، هذه القضية التي وجدت اليوم طريقاً للربح بثمانية عشر مليار دولار.. التجارة الإلكترونية (8%) منها دعارة.. تسعمائة وسبعون مليون دولار حجم التجارة يتوقع أن يرتفع إلى ثلاثة مليارات دولار في عام (2003م).. حجم التجارة الإباحية على الشبكة لم يسبق في فترة من تاريخ العالم أن وصلت القضية إلى هذه الدرجة.. (63%) من المراهقين يرتادون صفحات وصور الدعارة ولا يدري أولياؤهم عنهم بأنهم يدخلون إليها.. أكثر مستخدمي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم ما بين سن اثنتي عشرة سنة و سبع عشرة سنة! ثم يصدرون الإباحية إلينا.. إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19]، الغرب في زماننا بقيمه الفاسدة وأمراضه الخبيثة ومبادئه الذميمة لم يكتفِ بإفشاء الرذائل والمنكرات واستدعاء غضب الجبار، لكن يتمادى إلى محاولة تصدير هذه المصائب إلينا؛ ولذلك نجد جمعية مراقبة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتس" تذم وتنكر أية محاولات لدول الخليج العربي لحجب الإنترنت، ويدعونها إلى الانفتاح والحرية!! أما القنوات الفضائية الإباحية التي تعرض الأفلام والأغاني الجنسية، وتعرض الدعايات الجنسية والاتصالات الهاتفية المباشرة المصورة، وما يسمى بخطوط الصداقة، والغرف الجنسية، وأفلام محاكاة الواقع بالمناظير، والغرف المظلمة، والمسارح، وحفلات الفنادق، وغرف التأجير، والشقق المفروشة، وسفن الدعارة، اليخوت الراسية على الموانئ العائمة؛ شيء هائل وشر مستطير، زد على ذلك أسطوانات الليزر المدمجة، والمجلات، وما يتبادله الطلاب في المدارس من الدسكات، وما يرسل بالبريد الإلكتروني.. النكت القذرة.. رسائل الجوال المهيجة للغرائز.. الكلام الفاحش... لقد صار البلاء عاماً أيها الإخوة!! وما حول الشباب والصغار والكبار اليوم جنس في جنس؛ عورات مكشوفة .. أعمال محرمة .. أوحال .. قاذورات .. مستنقعات .. عفن .. قرف .. أشياء تدعوا أصحاب الفطر السليمة للتقيؤ والمرض والهم والغم لما آل إليه الأمر وصار إليه الحال، والله المستعان وإليه المشتكى وعليه التكلان!
قواعد الصراع والمواجهة مع الشهوات:
وهنا يأتي السؤال الكبير: كيف الخلاص من هذا الفساد الهائل والحرام الخطير والشر المستطير؟ والجواب: إن شريعتنا وإسلامنا وديننا الحنيف فيه العلاج لكل مشكلة ومرض ومعضلة، وهذه نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، فتعالوا نتعرف على قواعد المواجهة، قواعد الصراع مع الشهوات، كيف نتغلب وكيف نفوز:
القاعدة الأولى: مراقبة الله تعالى:
القاعدة الأولى: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ [يوسف:23].. إني أخاف الله. إن الإيمان بالله والخوف منه صمام الأمان العاصم للعبد من مواقعة الحرام والانسياق وراء الشهوات .. مَعَاذَ اللَّه [يوسف:23] قالها يوسف عليه السلام فأعاذه الله وصرف عنه الكيد.. إني أخاف الله، يقولها الذين يستظلون بظل العرش في يومٍ لا ظل إلا ظل الرحمن.. (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) قال الحافظ ابن حجر : والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه؛ إما ليزجرها عن الفاحشة، أو ليعتذر إليها ويقيم الحجة، ويحتمل أن يقولها بقلبه. وقال القرطبي: إنما يصدر ذلك عن شدة خوفٍ من الله تعالى ومتين تقوى وحياء، ولا تصدر مثل هذه الكلمة وما كان من جنسها: مَعَاذَ اللَّه [يوسف:23] في ذلك الموطن إلا ممن راقب الله في سره وفي علانية أمره، وخافه في الغيب والشهادة.. وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ [ق:31-33] أين؟ أين خشي الرحمن؟ بِالْغَيْبِ [ق:33] إذا غاب عن الناس وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ق:33-34]. فالمؤمن إذا تربى على مراقبة الله، ومطالعة أسرار أسمائه وصفاته كالعليم والسميع والبصير والرقيب والشهيد والحسيب والحفيظ والمحيط والمهيمن؛ أثمر ذلك خوفاً من الله في السر والعلانية، وانتهاءً عن المعصية، وصدوداً عن الشهوة المحرمة.. قال الشعبي رحمه الله في معنى "المهيمن": المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علماً. ويجب على العبد أن يتذكر لحظة عرض الشهوات عليه هذه النصوص التي جاءت في رقابة الله عليه، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235].. وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً [الأحزاب:52].. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4].. أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].. يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفـس داعـية إلى العصيـان
فاستحي من نظر الإله وقل لـها إن الذي خلق الظلام يراني
أيها المسلم:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفـي عليـه يغيـب
فالمؤمن إذا تربى على معاني هذه الآيات السابقة وعمل بمقتضاها أصبح إنساناً سوياً، ونشأ شاباً تقياً، لا تستهويه مادة ولا تستعبده شهوة، ولا يتسلط عليه الشيطان، ولا تعمل النفس الأمارة بالسوء فيه، بل يصرخ إن دعته الشهوة: إني أخاف الله، وإذا وسوس إليه الشيطان صرخ فيه: إنه ليس لك علي سلطان. وإذا زين له قرناء السوء شيئاً في هذا من الفاحشة أسكتهم بقوله: لا أبتغي الجاهلين. من فوائد قول الله عن يوسف: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً [القصص:14] قال: إنما أعطاه ذلك إبّان غلبة الشهوة لتكون له سبباً للعصمة. إن هذا العبد المتربي على الخوف من الله جل وعلا هو الذي تؤثر فيه كلمة "اتق الله" إذا قارب الحرام يوماً وجاءت "اتق الله" أثرت ونفعت، تأمل ذلك الرجل في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة الذي قال: اللهم كانت لي ابنة عم أحب الناس إلي -لكن ما أرادته وتزوجت غيره- فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين -قحط وجوع- فجاءتني، فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا يحل لك -رمت بآخر سهم في جعبتها، المرأة تحت ضغط الحاجة ولا يجوز لها أن تفعل ذلك، لكن تحت ضغط الحاجة جاءت، فلما قعد بين رجليها قالت آخر شيء يمكن أن تبذله في ذلك الحال- اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه -(اتق الله) كلمة كبيرة- قال: فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها.. كم أعطاها حسب الحديث؟ مائة وعشرين ديناراً، والدينار كم يبلغ غراماً من الذهب؟ أربعة وربع، مائة وعشرون في أربعة وربع يساوي قرابة نصف كيلو من الذهب، وإذا قلت: إن كيلو الذهب بحوالي أربعين ألفاً، فيكون أعطاها عشرين ألف ريال، وقام عنها وهي أحب الناس إليه وترك المال..! قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً. بسبب هذا الرجل الذي عمل هذا العمل، هذه كلمة "اتق الله" أثرت فيه، ما الذي أثر فيه؟ مراقبة الله والخوف منه (اتق الله) صار لها معنى.
لا خير فيمن لا يراقب ربـه عـند الهـوى ويخـافـه إيـماناً
حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى يخشى إذا وافى المعاد هواناً
ولذلك يقوم عن الحرام ولا يأتيه، ومتى أصلح العبد قلبه وعمره بالتقوى دخل في زمرة عباد الله المخلصين، هؤلاء يحفظهم الله.. كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] والشيطان ممنوع من غوايتهم، لا تعمل فيهم حيله وتلبيساته؛ لأن الله قال عنه: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83] وهو الذي قال: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39-40] إذاً.. من أراد النجاة من مستنقع الشهوات فعليه أن يربي نفسه تربية إيمانية متكاملة يضمنها معاني التقوى والمراقبة والخوف من الله ورجاء الله ومحبته .. وهكذا، ثم يحاسب نفسه ويسائلها ويعاتبها، يتفقد قلبه ويفتش عمله، يستعرضه، ما نصيب الذكر من يومه؟ ما نصيب القرآن من قراءاته؟ ما نصيب الرقائق من مسموعاته؟