بحث عن الديانه الحنيفيه ، بحث كامل عن الديانه الحنيفيه جاهز بالتنسيق ، مقال عن الديانه الحنيفيه
تعدّدت الديانات والاتجاهات المذهبية في المجتمع الجاهلي، نظراً لعدم اختصاصهم في آخر العصر بدين أرسله الله تعالى إليهم، فكان كلُّ مَنْ وصله منهم جانبٌ من دين أو اعتقادٌ من ملة اعتنقه وعمل به. لذلك نجد فيهم اليهودية والنصرانية والحنيفية والوثنية. وربّما كانت الأخيرة الأكثر انتشاراً بينهم، للسبب الذي أشرنا إليه، أو لبعد الجاهليين عن دين أبيهم إسماعيل وملة أبيه إبراهيم، وهي تعني في مجملها جملة العقائد والأعمال التي تخالف مبادئ الديانات السماوية الأخرى الصحيحة.
وسنتحدث في بحثنا هذا عن الديانة الحنيفية، وعن سبب تسميتها، وأهم معتقداتها، وعن وجودها في المجتمع الجاهلي، وأشهر معتنقيها...
2- سبب تسميتها:
جاء في (المعجم الوسيط): ((حَنَفَ عن الشيء ـِ حَنْفاً: مال. و حَنِفَ الرجل ـَ حَنَفاً: اعوجّتْ قدمه إلى الداخل...
و: تحنَّف: اعتزل عبادة الأصنام. و: أسلم. و: تعبَّد. و: عمل عملَ الحنيفية. و: الحنيف: المائل من شرٍّ إلى خير. و: الناسك. و: كلُّ مَنْ حجَّ)).
و (الحنيفيّة) منسوبة إلى (الحنيف)، وهي صفةٌ لأبينا إبراهيم عليه السلام، جاءته من معاني ما ذكرنا مجتمعةً، فقد اعتزل أصنام قومه وآلهتَهم، والتجأ إلى عبادة الله وحده. وقد ذكره الله تعالى وملَّتَه في القرآن الكريم، فقال تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
وقال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.
ولم تكن بين الحنيفية واليهودية أو النصرانية امتداد أو صلة أو وشيجة، فهي غيرهما، جاء بها إبراهيم عليه السلام، و{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً}، وهي أقرب الملل والديانات إلى الإسلام، والدليل قوله تعالى: {...مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}. فقد قرن تعالى ملّة إبراهيم بملّة الإسلام في لفظٍ سواء.
وقال صلى الله عليه وسلّم: ((بُعثت بالحنيفيّة السمحة))، وقال: ((أحبُّ الأديان عند الله الحنيفيّة السمحة)).
وجاءت كلمة (حنيف) في الشعر بمعنى (المسلم)، كما في قول عبد الله بن أنيس:
وقلت له: خذها بضربة ماجدٍ حنيفٍ علـى دين النبيِّ محمِّدِ
وفي قول أمامة المزيرية:
حَباكَ حنيفٌ آخرَ الليلِ طعنةً أبا عفكٍ خذها على كِبَرِ السِّنِّ
3- معتقدات الحنيفيّة:
علمنا ممّا سبق أنّ (الحنيفية) صفةٌ لإبراهيم عليه السلام، لأنّه اعتزل أصنام قومِه وما كانوا يعملون من الإشراك بغير الله. وبقي جوهرها قائماً في حنيفيّة الجاهليين، فهي قائمة على الترفُّع عن عبادة النُّصُب والتماثيل والأوثان، وترك أكل المَيْتَةِ والدِّمِ والذبائح التي تذبح لغير الله، وكُرْهِ الخمر وترك شربها.
هذا في الأعمال، أما في المعتقدات فإنّها تمثّلت في ((الإيمان بالله الخالق الرازق المحيي المميت الغالب على أمره، وفي الحجِّ وتعظيمِ الكعبة، وفي الإيمان باليوم الآخِر، وفي هجر الرذائل والموبقات)).
4- وضع الحنيفيّة في المجتمع الجاهلي:
نظنُّ أنّ الديانة الحنيفيّة هي الأسبق إلى عرب الجزيرة ومَنْ جاء بعدهم من الجاهليين، لأنّ الذي جاء بها هو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، نقلها عن أبيه إبراهيم. ((وقد كان العرب أوّلاً عليها، ولكنّهم بعد أن تطاول عليهم العهد حرّفوها كما حرّف اليهود والنصارى دياناتهم. وهو ما أكّده قول الرسول صلى الله عليه وسلم من أن عَمْرَو بن لحيٍّ أوّلُ من غيّر دين أبيه إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام)).
كما أدخل بعضهم فيها ما ليس منها، كما فعلوا في التلبية حين يقولون: ((لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك، إلا شريكٌ هو لك، تملكه وما ملك))، فيوحّدونه بالتلبية ثم يُدخلون معه أصنامهم. كما كانوا يعظّمون الكعبة ويتّخذون معها الطواغيت، ويُهْدون إليها كما يُهدون إلى الكعبة، ويطوفون بها وينحرون عندها، كما يطوفون بالكعبة وينحرون.
5- أشهر المتحنّفين:
كان على الحنيفيّة جماعةٌ من الجاهليين، ممّن فضّلوها على ديانة آبائهم وأوثان أجدادهم. منهم: زيد بن عمرو بن نفيل، وقُسّ بن ساعدة، وصِرْمة بن أبي أنس من بني النجّار، وأمية بن أبي الصّلت، وخالد بن سنان العبسي، وورقة بن نوفل، وعبيد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وعامر بن الظرب العُدواني، وعمير بن جندب الجهني.
وقد اختار هؤلاء النفرُ هذه الديانة لما رأَوْا فيها من الصحّة والبعد عن الباطل الذي كانوا يرونه في وثنية قومهم، بل إنّ بعضهم كان يؤمن بأنّها الدين الحق ولا شيء سواه، كقول أميّة بن أبي الصلت: ((كلُّ دينٍ يوم القيامة عند الله إلا دينَ الحنيفيةِ بورُ))
6- بقايا الحنيفيّة:
وقد بقيت بعض هذه المعتقدات تدور على ألسنة بعض الشعراء في المجتمع الجاهلي، يتناولونها في كلامهم، ويشيرون إليها في أشعارهم، كما نجد في شعر نفرٍ من الجاهليين من المتحنّفين وغير المتحنّفين، من مثل ذو الإصبع العدواني حين ذكر اسم الله تعالى فقال:
اللهُ يعلمني واللهُ يعلمكُمْ والله يجزيكُمُ خيراً ويجزيني
وخراش بن زهير في قوله:
رأيتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيءٍ محاولةً وأكثرهم جنـودا
والأخنس بن شهاب التميمي في قوله:
وعلمتُ أنّ الله جـازٍ عبدَهُ يوم الحسابِ بأحسنِ الأعمالِ
والشنفرى حين ذكر مناسك الحجّ في قوله:
قتلنا قَتيلاً مُـهديـاً بـملبِّدٍ جمارَ منًى وَسْطَ الحجيجِ المصوِّتِ
وكذلك نجدها في كلام عبد المطلب بن هاشم، وقيس بن عاصم التميمي، وحنظلة الراهب ابن أبي عامر، الذي أسلم فيما بعدُ ولقّب (غسيل الملائكة)، وعبد بن الأبرص، وأوس بن حجر، وعامر المحاربي... وغيرهم.
7- نهاية الحنيفيّة:
بقيت الحنيفيّة محصورة في أفراد قلائل متناثرين في القبائل الجاهلية، ولم تكن ظاهرةً واسعةً في حياة العرب الجاهليين الدينية في تلك الفترة التي وصلتنا أخبارها، ولا نعلم عن وضعها أولَ مجيء إسماعيل عليه السلام إلى بلاد الحجاز ومدى اعتناق عرب الحجاز لملّة إبراهيم عليه السلام.
((وبشكل عامّ فإنّ ما بقي من معالمها في بلاد العرب اختلط بعقائد أخرى مبتدعة، أصبحت بالتدريج معتقداتٍ راسخةً في نفوسهم. ومن أمثلة ذلك أنّهم على رغم إيمانهم –أو أكثرهم- بوجود الله لم يكونوا يوحّدونه، بل كانوا يشركون معه آلهةً أخرى مدّعاةً هي الأصنام)).
ونجد بعض المتحنّفين أنفسَهم يتركها إلى غيرها، فورقة بن نوفل يتنصّر، وكذا عثمان بن الحويرث. وأمّا عبيد الله بن جحش فبقي عليها حتّى أسلم، وأمّا زيد بن عمرو بن نفيل فتركها ولم يدخل في دين، واعتزل الأوثان والمَيْتَة والدم، وقال: أنا أعبد ربَّ إبراهيم. ويذكر د. شوقي ضيف أنّه أسلم، لكنّ د. علي العتوم يؤكّد أنّه مات قبل الإسلام.