بحث عن اللوائح التفويضية ، بحث كامل عن اللوائح التفويضية ، بحث حول اللوائح التفويضية جاهز
تعريف اللوائح التفويضية
اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية تنقسم إلى قسمين رئيسين وفقاً لظروف الالتجاء إليها ، فهناك لوائح تصدرها في الأوقات العادية وهذه اللوائح تلجأ إليها السلطة التنفيذية بكثرة ، وهناك لوائح استثنائية لا تصدرها السلطة التنفيذية إلا في حالات الضرورة .
المطلب الأول
لوائح الظروف العادية
يمكن القول أن اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية في الظروف العادية نوعين لوائح تنفيذية ولوائح مستقلة بذاتها.
أولاً : اللوائح التنفيذية :
هي اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية لتنفيذ الأحكام التي يتضمنها القانون ، وهي بذلك تعد الصورة الأصلية للوائح لأنها تحقق حكمة منح السلطة التنفيذية الحق في إصدار اللوائح ، فالقانون يقتصر عمله على وضع المبادئ العامة ، والسلطة التنفيذية بحكم اتصالها المستمر بالجمهور أقدر على تعريف التفصيلات اللازمة لوضع هذه المبادئ العامة موضع التنفيذ ، ولهذا نجد أن سلطة إصدار اللوائح التنفيذية مسلم بها للإدارة في جميع الدول ، وقد جرى العمل في كثير من الأحيان على أن يدعو البرلمان السلطة التنفيذية إلى إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ قوانين معينة ، والحقيقة أن معظم القوانين التي يتطلب تنفيذها إصدار لوائح تنفيذية لا تكاد تخلو من هذه الدعوة الصريحة ، ويجب ألا نخلط بين هذه الدعوة وبين التفويض الذي قد يصدر من البرلمانات أحياناً للسلطة التنفيذية لكي تشرع عن طريق اللوائح في بعض الأمور ، ففي حالة التفويض تستقل الحكومة بالتشريع في مسألة معينة ، أما هنا فيقتصر دورها على وضع الشروط اللازمة لتنفيذ قانون قائم .
ثانيا : اللوائح المستقلة :
إذا كانت اللوائح التنفيذية لا توجد إلا استناداً إلى تشريع قائم ، فإن هناك لوائح تصدرها السلطة التنفيذية دون حاجة إلى الاستناد إلى تشريع قائم ، ومن ثم فهي تضمن أحكاماً مبتدأة ، ومن هنا جاءت تسمية تلك اللوائح بالمستقلة ، وتصدرها السلطة التنفيذية في حالتي تنظيم المصالح أو المرافق وتسمى اللوائح التنظيمية وحالة الضبط وتسمى لوائح الضبط أو البوليس .
1 - اللوائح التنظيمية :
توضع هذه اللوائح بقصد تنظيم المرافق العامة وسير العمل في المصالح والإدارات الحكومية ، فكلما دعت الحاجة إلى هذا التنظيم قامت به الإدارة عن طريق اللوائح التنظيمية دون حاجة لإصدار تشريع برلماني .
2 - لوائح الضبط أو البوليس :
تصدرها السلطة التنفيذية بقصد المحافظة على الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة ، وهذه اللوائح أخطر من النوع السابق لأنها تتضمن في الغالب عقوبات لمن يخالف أحكامها ، ومثالها اللوائح المنظمة للمرور والمنظمة للمحال العامة والخاصة بمراقبة الأغذية .
المطلب الثاني
لوائح الظروف الاستثنائية
قد تجد ظروف في المجتمع لا يمكن مواجهتها باللوائح سالفة الذكر ، لذلك زودت السلطة التنفيذية لمواجهتها سلطات استثنائية ، ونظراً لكونها استثنائية فقد قيدها الدستور بشروط مفصلة ترد في صلب الدستور عادة ، ويقابل هذا التقييد قوة كبيرة لهذه اللوائح يجعلها في قوة القوانين الصادرة من البرلمان ، لذلك تستطيع هذه اللوائح أن تعدل أو تلغي قوانين صادرة من البرلمان .
ولوائح الظروف الاستثنائية تتمثل في نوعين هما لوائح الضرورة ولوائح تفويضية .
أولا : لوائح الضرورة :
هي لوائح تستلزمها ظروف قاهرة في غيبة البرلمان ، ففي تلك الغيبة كان لابد من سلطة تحل محله في إصدار التشريعات حتى يتاح له أن يجتمع ويقرر بشأنها ما يريد ، ولما كانت لوائح الضرورة في حقيقتها ممارسة لاختصاص تشريعي ، وبالتالي تمثل اعتداء على مبدأ فصل السلطات ، فقد حرص المشرع الدستوري على أن يقيدها بشروط تضمن عدم إساءة استعمالها ، ولهذا فقد صيغت المادة 71 من دستور دولة الكويت على النحو التالي " إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله ، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون ، على أن لا تكون مخالفة للدستور ، أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية .
ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها ، إذا كان المجلس قائماً ، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي ، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك . أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون ، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثار بوجه آخر" .
ثانيا : اللوائح التفويضية :
هي لوائح لها قوة القانون ، تصدرها السلطة التنفيذية لتنظيم بعض المسائل التي لا يتناولها إلا التشريع وذلك بتفويض خاص من السلطة التشريعية ، وهذه اللوائح التي في قوة القانون تصدر والبرلمان منعقد وليس في غيبة البرلمان كلوائح الضرورة ، ومن هنا كانت خطورتها لأن الأصل أن تمارس السلطة التشريعية اختصاصها بنفسها ونزولها عن جانب من هذا الاختصاصات للسلطة التنفيذية لتمارسه بقرارات يعد تنح لا يتفق ومبدأ فصل السلطات(1) .
_________________________________
(1) راجع في التفاصيل الدكتور سليمان محمد الطماوي : النظرية العامة للقرارات الإدارية ، دراسة مقارنة ، الطبعة السادسة 1991م ، ص: 472-503 .
المبحث الثاني
اللوائح التفويضية ولوائح الضرورة
المقارنة بينهما تقتضي بيان أوجه الالتقاء وأوجه الاختلاف بينهما وذلك في مطلبين .
المطلب الأول
أوجه الالتقاء بين اللوائح التفويضية ولوائح الضرورة
توجد عدة أوجه للالتقاء بينهما نوضحها في الآتي :
1 - تلتقي اللوائح التفويضية ولوائح الضرورة في أن كلاهما نقل لاختصاص مقرر أصلاً من السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية .
2 - إن كلاهما استثناء من الأصل وهو عدم جواز تنازل السلطة التشريعية عن كل اختصاصها أو بعضه للسلطة التنفيذية .
3 - أن اللوائح التفويضية ولوائح الضرورة تصدر بمراسيم بقوانين .
4 - إن كلاهما سنده الحقيقي هو حالة الضرورة ، التي ورد التعبير عنها بالنسبة للمراسيم بقوانين في المادة 71 من الدستور الكويتي بالقول
"..إذا حدث .. ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير.."، وورد التعبير عنها بالنسبة للمراسيم التفويضية في المذكرة التفسيرية تعليقاً على المادة 50 من الدستور بالقول " .. حيث تقتضي ضرورة استثنائية أن تعهد السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية بمواجهة أمر هام معين في جملته .." .
المطلب الثاني
أوجه الخلاف بين اللوائح التفويضية ولوائح الضرورة
توجد أوجه خلاف نذكر منها :
1 - تصدر لوائح الضرورة في حالة عدم انعقاد مجلس الأمة ، على وجه التحديد فيما بين أدوار الانعقاد أو في فترة الحل ، أما اللوائح التفويضية ، فهي قد تصدر ومجلس الأمة منعقد فعلاً . ولكنها قد تصدر أيضاً وهو غير منعقد إذا ما استطال العمل بالتفويض إلى ما بعد دور الانعقاد ، بحيث يغطي الفترة ما بين أدوار الانعقاد .
2 - تصدر لوائح الضرورة دون إذن سابق من مجلس الأمة ، أما اللوائح التفويضية فلا تصدر إلا بناء على تفويض سابق منه .
3 - يتعين عرض لوائح الضرورة على مجلس الأمة خلال أجل معين حدده الدستور ، أما عرض اللوائح التفويضية على المجلس فلا يكون ضرورياً إلا إذا استلزم ذلك قانون التفويض .
4 - لا يجوز أن تخالف لوائح الضرورة التقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية ، أما اللوائح التفويضية فتستطيع مخالفة هذه التقديرات ما لم يحظر عليها ذلك قانون التفويض(1) .
5 - اللوائح التفويضية تجد سندها التشريعي في المذكرة التفسيرية عند تعليقها على المادة 50 من الدستور ، بينما لوائح الضورة تجد سندها التشريعي في المادة 71 من الدستور .
المبحث الثالث
اللوائح التفويضية في الدساتير العربية
بالرجوع إلى الدساتير العربية نجد أن موقعها من اللوائح التفويضية لا يخرج عن موقفين إما أنها تجيزها أو تمنعها .
المطلب الأول
إجازة اللوائح التفويضية
أجازت معظم الدساتير العربية مبدأ التفويض التشريعي صراحة نذكر من هذه الدساتير :
الفرع الأول : جمهورية مصر العربية
في مصر لم ينص دستور 1923م ودستور 1930م على حق البرلمان في تفويض الملك غير إصدار لوائح تفويضية ، أما بعد ثورة 1952 فقد نصت الدساتير المصرية على حق التفويض التشريعي ، فنصت المادة 136 من دستور 1956م على أن "لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون ، ويجب أن يكون التفويض لمدة محددة ، وأن يعين موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم عليها " ، وورد ذات النص في المادة 120 من دستور سنة 1964م ، وفي دستور سنة 1971م ورد النص في المادة 108 على أن "لرئيس الجمهورية عند الضرورة وفي الأحوال الاستثنائية ، وبناء على تفويض من مجلس الشعب بأغلبية ثلث أعضائه ، أن يصدر قرارات لها قوة القانون ، ويجب أن يكون التفويض لمدة محددة ، وأن تبين فيه موضوعات هذه القرارات والأسس التي تقوم عليها ، ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب في أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض ، فإذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق المجلس عليها ، زال ما كان لها من قوة القانون" ويلاحظ أن دستور 1971م أضاف للتفويض التشريعي قيدين لم يرد ذكرها في الدساتير السابقة وهما :
1 - أنه يجب موافقة ثلث أعضاء مجلس الشعب على قانون التفويض .
2 - ضرورة عرض القرارات بقوانين على مجلس الشعب أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض ، بحيث إذا لم تعرض أو عرضت ولم يوافق المجلس عليها ، زال ما كان لها من قوة القانون(1) .
الفرع الثاني : المملكة المغربية
أجاز دستور المملكة المغربية الصادر عام 1972م التفويض التشريعي وذلك في الفصل 44 منه الذي ورد فيه " يصدر القانون عن مجلس النواب بالتصويت ، ويمكن للمجلس أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظروف من الزمن محدود ولغاية معينة ، وبمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ، ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها ، غير أنه يجب عرضها على مجلس النواب بقصد المصادقة عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها ، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلس النواب " .
وقد أضاف الدستور المغربي قيداً جديداً للتفويض التشريعي بمقتضاه ينتهي أثر التفويض إذا حل البرلمان . وهذا حق منطقي ، لأن رئيس الدولة يمارس هذه السلطة بالنيابة عن البرلمان . فإذا فقد البرلمان - وهو صاحب الاختصاص الأصيل - سلطاته ، ترتب على ذلك منطقياً أن يفقد الوكيل اختصاصاته(2) .
الفرع الثالث : الجمهورية الجزائرية
بالرجوع إلى دستور الجزائر نجد أنه أجاز أيضاً التفويض التشريعي ، فقد نصت المادة 58 من الدستور على ذلك بتقريرها أن"لرئيس الجمهورية أن يطلب من الجمعية الوطنية أن تفوضه - لمدة محدودة - الحق في اتخاذ إجراءات تشريعية بأوامر تشريعية ، تصدر عن طريق مجلس الوزراء ، ويتعين عرضها لموافقة الجمعية الوطنية في خلال مدة ثلاثة أشهر"(3) .
الفرع الرابع : الجمهورية التونسية
أجاز دستور الجمهورية التونسية صراحة التفويض التشريعي وذلك في الفصل 28 الفقرة الثانية التي قررت : "لمجلس الأمة أن يفوض لمدة محدودة ، ولغرض معين ، رئيس الجمهورية اتخاذ مراسيم تعرض على مصادقة المجلس بعد انقضاء المدة المذكورة "(4) .
الفرع الخامس : جمهورية السودان
من الدساتير العربية التي أجازت التفويض التشريعي صراحة دستور السودان الدائم الذي نص في المادة 158 منه على أنه "يجوز لمجلس الشعب - بموجب قانون - أن يفوض رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو أيا من الوزراء أو أية هيئة سلطة إصدار أية أوامر أو لوائح أو أحكام فرعية أخرى تكون لها قوة القانون"(5) .
الفرع السادس : الجمهورية اللبنانية
عرفت لبنان المراسيم التفويضية التي تسميها "المراسيم الاشتراعية" ، وقد توالت التفويضات البرلمانية فيها منذ عام 1929م عندما أصدر البرلمان (مجلس النواب) قانوناً في 27 ديسمبر 1929م فوض بمقتضاه الحكومة اتخاذ المراسيم الإشتراعية اللازمة لإلغاء أو اضفام "الوظائف ، والمعاهدات ، الدوائر" ، ثم صدر تفويض 14 فبراير سنة 1944م التفويض في مسائل الجمارك ، ثم تكررت التفويضات في 16 مارس 1950م وفي 5 أكتوبر 1953م (6) .
المطلب الثاني
منع اللوائح التفويضية
يمكن القول أن الدستور العربي الوحيد الذي منع التفويض التشريعي هو الدستور السوري الصادر سنة 1950م الذي حرمها بنص صريح في المادة 59 التي قررت بأنه "لا يجوز لمجلس النواب أن يتخلى عن سلطته في التشريع" . وقد كان الدستور السوري منطقياً مع نفسه في ذلك ، لأن التفويض التشريعي يصبح غير ذي موضوع إذا تضمن الدستور أحكاماً مثل ما ورد النص عليه في المادة 111-2 من الدستور السوري التي تخول لرئيس الجمهورية ممارسة سلطة التشريع أثناء إنعقاد دورات المجلس إذا إستدعت ذلك الضرورة القصوى المتعلقة بمصالح البلاد القومية أو بمقتضيات الأمن القومي(7) .
_________________________________
(1) الدكتور عمر فؤاد بركات : التفويض في القانون العام دراسة مقارنة ، ص :39 ، 40 .
(2) الدكتور سليمان محمد الطماوي : السلطات الثلاثة في الدساتير العربية وفي الفكر السياسي الإسلامي ، دراسة مقارنة ، الطبعة الثالثة ، 1974م ، ص:76و77 .
(3) الدكتور سليمان محمد الطماوي : المرجع السابق ، ص :76 .
(4) الدكتور سليمان محمد الطماوي : المرجع السابق ، ص :76 .
(5) الدكتور سليمان محمد الطماوي : المرجع السابق ، ص :79 .
(6) الدكتور عثمان عبدالملك الصالح : النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت ، الطبعة الأولى 1989م ، هامش ص:420 .
(7) الدكتور سليمان محمد الطماوي ، المرجع السابق ص : 76-79 .
المبحث الرابع
اللوائح التفويضية في الكويت
دراسة اللوائح التفويضية في الكويت تقتضي بيان تلك اللوائح من الناحية الدستورية وذلك لمعرفة ما إذا كان الدستور الكويتي قد أجاز التفويض التشريعي من عدمه ، ثم بين شروط هذا التفويض التشريعي وتطبيقاته في الكويت وذلك في ثلاثة مطالب .
المطلب الأول
التفويض التشريعي من الناحية الدستورية
التفويض التشريعي يثير سؤالاً مهماً يتعين الإجابة عليه وهو ، هل يوجد سند دستوري للتفويض التشريعي في الكويت ؟
يقرر الدكتور عثمان عبد الملك الصالح أن موقف المشرع الدستوري الكويتي من اللوائح التفويضية لا يخلو من الغرابة ، فبينما نجده قد نص في المادة 50 من الدستور على أن "يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور ، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور ، وهو ما يفيد أن الدستور يحرم التفويض التشريعي نجد أن المشرع الدستوري عاد وأجاز بهذا التفويض التشريعي وذلك في المذكرة التفسيرية تعليقاً على المادة 50 من الدستور عندما قرر "أن هذا النص لا يمنع السلطة التشريعية من أن تفوض الحكومة بتولي أمر معين بالذات ولظرف خاص بدلاً من أن يتولاه المشرع بقانون ، وفي هذه الحالة قد يبين هذا القانون بعض التوجيهات أو الأحكام الرئيسة التي يجب أن تلتزمها الحكومة في ممارسة هذا الحق ، كما لا يتعارض نص هذه المادة مع قوانين السلطة التامة ، حيث تقضي ضرورة استثنائية أن تعهد السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية بمواجهة أمر مهم معين في جملته ، كمواجهة أزمة نقدية أو اقتصادية أو عسكرية مثلاً " .
ويظهر من ذلك أن إصدار السلطة التنفيذية للمراسيم التفويضية أو اللوائح التفويضية يجد سنده في الدستور الكويتي ليس في نصوصه وإنما في المذكرة التفسيرية للدستور التي تعد جزء لا يتجزأ منه والتي أباحت التفويض التشريعي ، ولما كان هناك شبه إجماع بين فقهاء القانون الدستوري على إلزامية المذكرة التفسيرية وأن ما ورد بها يعد ملزماً شأنه في ذلك شأن النصوص الدستورية ذاتها ، فقد أباحت آراء الفقهاء التفويض التشريعي استناداً إلى إباحة المذكرة التفسيرية له(1) .
وأخيراً نشير إلى أن الحكومة قد اقترحت على لجنة النظر في تنقيح الدستور تعديل حكم المادة (50) من الدستور ، ليستقيم حكمها مع ما جاء بالمذكرة التفسيرية للدستور وجاء اقتراحها كالآتي : "يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور . ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور ، ويجوز للأمير في الظروف الاستثنائية بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر مراسيم لها قوة القانون لمعالجة موضوع معين يحدده قانون التفويض ، كما يحدد مدته وضوابط ممارسته" .
ويلاحظ على اقتراح الحكومة بخصوص تعديل المادة (50) من الدستور ما يأتي :
1 - إن النص المقترح من المحكومة جاء خلوا من تحديد الغرض الذي يجب على الحكومة أن تراعيه عند إصدار المراسيم ، ولم يتضمن إشارة إلى وجوب عرض المراسيم الصادرة بناء على التفويض التشريعي على مجلس الأمة في ميعاد ما بعد انتهاء مدة التفويض ، كما أن النص لم يتعرض إلى بيان الآثار التي تترتب على عدم عرض هذه المراسيم ، أو على عدم إقرار المجلس إياها بعد عرضها عليه . وأخيراً أغفل النص اشتراط أغلبية خاصة للموافقة على قانون التفويض .
ولا شك أن عدم تضمن النص المقترح من الحكومة هذه الضوابط المهمة يجعل من الاختصاص التشريعي الاستثنائي للسلطة التنفيذية واسع المدى في وقت تنعدم فيه رقابة مجلس الأمة على ممارستها للوظيفة التشريعية .
2 - إن النص المقترح من الحكومة تبنى التفسير القائل باستمرار قانون التفويض قائماً ، شأن القوانين العادية التي تصدر من مجلس الأمة ، سواء في حالة انتهاء الفصل التشريعي أو في حالة حل المجلس ، إلا إذا رأى المجلس الجديد إنهاء العمل به ، ولا شك أن النص المقترح منتقد من ناحية أن مجلس الأمة لا يملك أصلاً أن يجعل مدة التفويض متجاوزة لمدة نيابته ، إذ ليس من حقه أن يتصرف في مدة المجلس الجديد ، فضلاً عن أن التفويض استثناء لا يجوز التوسع فيه ، الأمر الذي يستلزم النص على سقوط قانون التفويض في حالة حل مجلس الأمة أو انتهاء فصله التشريعي ، كما يجب النص على سقوط قانون التفويض في حالة تغير الوزارة فالحكومة هي الطرف الآخر في عملية التفويض ، فإذا ما تغير أحد طرفي هذه العملية ، لابد أن يترتب على هذا التغيير سقوط قانون التفويض .
ولذلك اقترحت اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة النظر في تنقيح الدستور بجلسة 16 إبريل 1980م نصاً معدلاً للنص المقترح من الحكومة ، وقد جاء بالنص الذي وافقت عليه اللجنة " يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل اختصاصها المنصوص عليه في الدستور .
ويجوز للأمير في الأحوال الاستثنائية ، وبناء على تفويض من مجلس الأمة بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم ، أن يصدر مراسيم لها قوة القانون ويجب أن يكون التفويض لمدة محددة ، وأن تبين فيه موضوعات هذه المراسيم والأسس التي تقوم عليها . ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة في أول جلسة بعد انتهاء مدة التفويض ، فإذا لم تعرض اعتبرت كأن لم تكن بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك . فإذا لم يقرها سقطت من تاريخ رفضه إقرارها . ويسقط التفويض بإنتهاء الفصل التشريعي ، أو بحل مجلس الأمة"(2) .
المطلب الثاني
شروط اللوائح التفويضية
من مطالب المادة 50 من الدستور وتعليق المذكرة التفسيرية عليها يظهر أن اللوائح التفويضية يتطلب لصدورها توافر شروط معينة منها :
1 - الأصل هو عدم تنازل السلطة التشريعية عن كل اختصاصاتها أو بعضها للسلطة التنفيذية ، لذلك إذا حدث خروج عن هذا الأصل وذلك بتفويض تشريعي فيجب أن يكون ذلك لضرورة استثنائية تتطلب مواجهة أمر مهم كأزمة اقتصادية أو نقدية أو عسكرية .
2 - اللوائح التفويضية التي تصدر بناء على تفويض تشريعي هي استثناء من الأصل العام ، لذلك فالتفويض العام غير مشروع ، وعليه لا يجوز التفويض بنوع من التشريعات بصفة عامة كأمور الضرائب او التعليم ، فمثل هذا التفويض غير جائز ، والجائز هو التفويض بتنظيم أمر معين بالذات .
3 - قبل إصدار اللوائح التفويضية يجب أن يصدر "قانون التفويض" الذي يجيز للسلطة التنفيذية استعمال هذه الرخصة ، وقد يتضمن هذا القانون أحكاماً معينة تقيد السلطة التنفيذية في ممارستها لهذه الرخصة ولا يجوز لها الخروج عليها .
4 - يجب أن يكون التفويض محدداً بمدة معينة تمارس خلالها السلطة التنفيذية الاختصاص بإصدار المراسيم التفويضية ، وتتأثر هذه المدة بالظروف الاستثنائية التي دعت إلى التفويض ، فالتفويض غير محدد المدة باطل .
5 - المراسيم التفويضية لا يمكن أن تخالف الدستور ولا قانون التفويض ذاته باعتباره السند الأصلي الذي تستمد منه اللوائح التفويضية شرعية وجودها ، ولكنها تستطيع أن تمس بالتعديل أو الإلغاء كافة القوانين العادية بما فيها قانون الميزانية .
6 - التفويض التشريعي يرتبط بمجلس الأمة الذي أصدره لأن الأصل أن مجلس الأمة لا يملك أن يفوض السلطة التنفيذية في إصدار مراسيم تفويضية لمدة أطول من ولايته ، إذ ليس من حقه أن يفرض ما رآه وقرره على المجلس الجديد ، وهنا يثور تساؤل وهو ما القول إذا حل المجلس قبل أن تنتهي مدة التفويض ؟
إذا بين الدستور مصير قانون التفويض عند حل المجلس فإننا نكون أمام نص دستوري صريح واجب النفاذ ، كما فعل الدستور المغربي عندما نص في الفصل 47 منه على أن " .. يبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلس النواب .." ، أما إذا سكت الدستور عن تنظيم هذا الموضوع كما هو الحال في الكويت ، فإن الآراء قد اختلفت :
- ذهب رأي إلى أن قانون التفويض يسقط بحل مجلس الأمة الذي أصدر قانون التفويض ، لأن رئيس الدولة يمارس هذه السلطة بالنيابة عن البرلمان فإذا فقد البرلمان - وهو صاحب الاختصاص الأصلي - سلطاته ، ترتب على ذلك أن يفقد الوكيل اختصاصه في هذا الخصوص .
- وذهب رأي آخر في الفقه الدستوري : إلى أن قانون التفويض شأن أي قانون عادي ، إما أن يلغيه قانون لاحق أو أن يكون قانون التفويض قد حدد للتفويض مدة معينة ينتهي عندها . إما أن يسقط قانون التفويض دون سائر القوانين الأخرى لأن المجلس قد حل أو أن الفصل التشريعي قد انتهى فهو ما لا يمكن الموافقة عليه بغير نص في الدستور(3) .
المطلب الثاني
التفويض التشريعي من الناحية العملية
في يوم الإثنين الموافق 5 يونيو 1967م عقد مجلس الأمة جلسة خاصة بمناسبة الإعتداء الصهيوني الغاشم على جمهورية مصر العربية ، وفي تلك الجلسة التاريخية صدر مرسوم بإعلان قيام الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية ووافق المجلس على مرسوم بقانون في شأن إعلان الأحكام العرفية في جميع البلاد .
وفي تلك الجلسة عرض على مجلس الأمة لأول مرة مرسوم بمشروع قانون بتفويض السلطة التنفيذية بإصدار مراسيم لها قوة القانون في بعض الشئون الطارئة ، وقد تلاه السيد الأمين العام ونصه :
مرسوم
بمشروع قانون بشأن تفويض السلطة التنفيذية
بإصدار مراسيم لها قوة القانون في بعض الشئون الطارئة
---------
نحن صباح السالم الصباح أمير الكويت
- بعد الاطلاع على المادتين 50 و 65 من الدستور ،
- وعلى المذكرة التفسيرية له ،
- وبناء على عرض رئيس مجلس الوزراء ،
- وبعد موافقة مجلس الوزراء ،
رسمنا بالآتي
مادة أولى
يقدم إلى مجلس الأمة مشروع القانون المرافق بشأن تفويض السلطة التنفيذية بإصدار مراسيم لها قوة القانون في بعض الشئون الطارئة .
مادة ثانية
على رئيس مجلس الوزراء والوزراء إبلاغ هذا المرسوم إلى مجلس الأمة .
أمير الكويت
صباح السالم الصباح
رئيس مجلس الوزراء
جابر الأحمد الجابر
وزير الداخلية والدفاع
سعد العبدالله السالم
صدر بقصر السيف في : 27 صفر سنة 1387ه
الموافق : 5 من يونيو سنة 1967م
مشروع قانون 23 لسنة 1967م
بتفويض السلطة التنفيذية في إصدار مراسيم
لها قوة القانون في بعض الشؤون الطارئة
---------
- بعد الاطلاع على المادتين 50 و65 من الدستور ،
- ونظراً لأن الظروف الاستثنائية الحرجة التي تجتازها البلاد والأمة العربية عامة لمواجهة الاعتداء الغاشم على الوطن العربي تقتضي اتخاذ تدابير تشريعية لا تحتمل التأخير فيما يتعلق ببعض الشئون ذات الصلة بالموقف الراهن ،
- وافق مجلس الأمة على القانون الآتي نصه ، وقد صدقنا عليه وأصدرناه .
مادة أولى
تفوض السلطة التنفيذية في إصدار مراسيم لها قوة القانون بشرط ألا تكون مخالفة للدستور وذلك في الشؤون التالية :
1 - شؤون الدفاع والتدابير المتعلقة بمصانع العدو ومن يؤازره .
2 - حفظ الأمن والنظام العام .
3 - الشؤون الخاصة بالائتمان .
مادة ثانية
يعمل بهذا التفويض لمدة أقصاها ثلاثة أشهر اعتباراً من تاريخ اليوم 5-6-1967م ، ويجوز تجديدها لمدة ثلاثة أشهر أخرى بناء على قرار يصدر من مجلس الأمة بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم .
مادة ثالثة
تعرض المراسيم بقوانين المشار إليها على مجلس الأمة قبل نهاية الثلاثة الأشهر الأولى أو الممتدة بخمسة عشر يوماً على الأقل . فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك . أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس يزول ما كان لها من قوة القانون من تاريخ المجلس إلا إذا رأى في كلتي الحالتين تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر .
مادة رابعة
على رئيس مجلس الوزراء والوزراء - كل فيما يخصه- تنفيذ هذا القانون ، ويعمل به من تاريخ اليوم 5-6-1967م وينشر بالجريدة الرسمية .
أمير الكويت
صباح السالم الصباح
ويلاحظ أن مجلس الأمة لم يجدد مدة التفويض بعد ذلك ، وعليه تكون مدة التفويض قد انتهت في 4-12-1967م ونشير أخيراً إلى أن اللوائح التفويضية أو المراسيم التفويضية التي تصدرها الحكومة ومجلس الأمة صاحب الاختصاص الأصلي في التشريع غائباً أو منعقداً لم يقدر لها الانتشار في الكويت ، لأن مراسيم الضرورة التي تصدر استناداً إلى المادة 71 من الدستور قد توسعت السلطة التنفيذية في استعمالها بصورة تغني عن اللوائح التفويضية(7) .
________________________________
(1) الدكتور عثمان عبدالملك الصالح : المرجع السابق ، ص : 418 - 321 .
(2) الدكتور عادل الطبطبائي : النظام الدستوري في الكويت ، دراسة مقارنة ، ص :606 -608 .
الدكتور على الباز : السلطات العامة في النظام الدستوري الكويتي ، دراسة مقارنة ، ص :111 .
(3) راجع الدكتور عثمان عبدالملك الصالح : المرجع السابق ، ص : 421 -424 .
الدكتور عادل الطبطبائي : النظام الدستوري في الكويت ، دراسة مقارنة 1985م ، ص : 600-606 .
(4) راجع مضبطة الجلسة 18 المعقودة يوم الأثنين الموافق 5 يونيو سنة 1967م ص :1-22 .
(5) الدكتور عثمان عبد الملك الصالح : المرجع السابق ، ص :426 .
(6) راجع مضبطة جلسة الثلاثاء الموافق 18 يوليو 1967م .
(7) الدكتور عثمان عبدالملك : المرجع السابق ص :426 .
خاتمة
تناولنا في هذه الدراسة موضوع اللوائح التفويضية من عدة نواحي وذلك في مباحث أربعة ، المبحث الأول خصصناه لتعريف اللوائح التفويضية ومفهومها وأنه يوجد نوعان من اللوائح التي تصدر من السلطة التنفيذية في الظروف الاستثنائية في شكل مرسوم بقانون الأول مراسيم الضرورة والثاني المراسيم التفويضية والمبحث الثاني تناولنا فيه أوجه الالتقاء والاختلاف في كل من اللوائح التفويضية ولوائح الضرورة ، والمبحث الثالث تطرقنا فيه إلى وضع تلك اللوائح في الدساتير العربية ، التي أجازت معظمها تلك اللوائح ، فيما عدا الدستور السوري الذي منعها صراحة ، أما المبحث الرابع فقد تناولنا فيه التفويض التشريعي في الكويت موضحاً وضع اللوائح التفويضية من الناحية الدستورية وشروط إصدار تلك اللوائح وموقف المشرع منها ، ثم بينت وضع اللوائح التفويضية من الناحية العملية حيث عرضت على مجلس الأمة أول مرة في جلسة 5 يونيو 1967م ووافق عليها للظروف الاستثنائية التي كانت تمر بها البلاد نتيجة للعدوان الإسرائيلي الغادر على بعض الدول العربية ، وكيف أن التفويض التشريعي مَُد لمرة واحدة بعد ذلك وحسناً فعل مجلس الأمة ، وقد ترتب على ذلك عدم ظهور اللوائح التفويضية مرة أخرى في المجال التشريعي الكويتي ، والحقيقة القاطعة المستخلصة من هذا البحث أن ظاهرة التفويض (الكويت) كانت ظاهرة عابرة لم يكتب لها البقاء سوى في عامها الأول ، ويرجع ذلك في رأي إلى الديمقراطية التي تعيشها الكويت وتميزها عن غيرها من الدول العربية والتي في ظلها وتحت رايتها لا وجود للوائح الاستثنائية ومن ضمنها اللوائح التفويضية .
المراجع
1 - د. سليمان محمد الطماوي : النظرية العامة للقرارات الإدارية ، دراسة مقارنة ، الطبعة السادسة .
- السلطات الثلاث في الدساتير العربية وفي الفكر السياسي الإسلامي ، دراسة مقارنة ، الطبعة الثالثة .
2 - د. عبدالفتاح حسن ، مبادئ النظام الدستوري في الكويت 1968م .
3 - د. عمرو فؤاد بركات : التفويض في القانون العام دراسة مقارنة .
4 - أ.د عثمان عبدالملك الصالح : النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت ، الطبعة الأول 1989م .
5 - أ .د. عادل الطبطبائي : النظام الدستوري في الكويت ، دراسة مقارنة .
6 - د. على الباز : السلطات العامة في النظام الدستوري الكويتي ، دراسة مقارنة .
7 - مضابط الجلسات :
* مضبطة جلسة الإثنين الموافق 5-6-1967م .
* مضبطة جلسة الثلاثاء الموافق 18-7-1967م .