بحث تاريخي عن موريتانيا . الاسلام في موريتانيا . الدولة الصنهاجية . العرب في موريتانيا
الإسلام في موريتانيا
الدولة الصنهاجية
العرب في موريتانيا
دولة المرابطين في موريتانيا
التنافس الاستعماري في موريتانيا
الاحتلال الفرنسي
المقاومة الوطنية الموريتانية
الحركة الوطنية واستقلال موريتانيا
أول حكومة وطنية
نظام الحكم
السياسة الخارجية
أسئلة
--------------------------------------------------------------------------------
موريتانيا، تاريخ. موريتانيا دولة عربية كانت تعرف باسم بلاد شنقيط إلى أن استولى عليها الفرنسيون في بداية العقد الثالث من القرن الرابع عشر الهجري (مطلع القرن العشرين الميلادي)، فأطلقوا عليها اسم موريتانيا وفصلوها عن المغرب الأقصى بعد أن كانت وحدة جغرافية وبشرية منه. وقد كان المستعمرون الرومان قبلهم يطلقون اسم موريتانيا السيزارية (القيصرية) على مستعمرتهم في شمال الجزائر الحالية، واسم موريتانيا الطنجيتانية على مستعمراتهم في شمال المغرب الأقصى. كما أطلق الأسبان اسم لوس موروس على العرب من جيش عُقبة بن نافع الذي فتح المغرب في مطلع العهد الأموي سنة 50هـ،670م، ثم على العرب والبربر الذين عبروا معا مضيق جبل طارق وفتحوا الأندلس بقيادة طارق بن زياد. أما كلمة شنقيط فتعني عيون الخيل. وكانت اسمًا يطلق في الأصل على قرية من قرى أدرار التي تقع فوق جبل من جهة غرب الصحراء الكبرى، ثم سميّ به القطر كله من باب تسمية العموم باسم بعضه. وترجع شهرة تلك القرية إلى كثرة علمائها، وإلى أن سكانها كانوا يفدون كل عام إلى الأراضي المقدسة في قافلة كبيرة من الحجاج تعرف بالركب الشنقيطي. وقد كانوا أهل تجارة منظمة مع السودان والسنغال وسجلماسة وكلميم.
الإسلام في موريتانيا
انتشر الإسلام في موريتانيا إبان ولاية موسى بن نصير على شمالي إفريقيا على عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (86-96هـ، 705-715م)، وتتابعت العهود الإسلامية عليها. ويرجع الموريتانيون من حيث أصولهم إلى ثلاثة أصول رئيسية هي : الزنوج وهم سكان موريتانيا الأقدمون ومن بقاياهم الحراثون، وصنهاجة وهم بربر مستعربون، والعرب وهم أحفاد حمير، جاءوا إلى موريتانيا أثناء الفتح الإسلامي. ويسمى الأصلان الأخيران البيضان تمييزًا لهم عن الزنوج. والزنوج قبائل متعددة تختلف لهجاتها بحسب المجاميع التي تنتمي إليها؛ فمنهم الفولاني، والبمبارا، والوولوف، والتوكلور، والساراخوللي. وقد دخلت القبائل الزنجية في الإسلام واتخذت أكثريتها العربية لغة وطنية لها، واختلطت بالبيضان فنشأ عن ذلك تنوع في هيئاتها. ويعمل الزنوج في الواحات والمناطق الخصبة بالأعمال الزراعية. ويمثل الحراثون سلالة مختلطة من السود الذين كان يعملون في الأعمال الزراعية.
الدولة الصنهاجية. أما صنهاجة فهم بربر استعربوا، ومن أشهرهم الملثمون. وتضم صنهاجة من البدو ثلاث قبائل كبرى هي: جدالة، ولمتونة، ومسوفة، وقد اعتنقت الإسلام جدالة أولاً ثم تبعتها لمتونة ثم مسوفة. واخترقت طلائع العرب صحراء موريتانيا فوجدت ثلاث قبائل كبرى هي: جدالة في الغرب قرب الساحل ولمتونة في الأدرار ومسوفة في الحوض. وقد اشتركت القبائل الثلاث في نشر الإسلام، فقامت لمتونة بغزو المغرب وأسبانيا سنة 448هـ، 1056م، وقامت جدالة ومسوفة بغزو بلاد السود عند أطراف الصحراء الكبرى الجنوبية ونشرت الإسلام بين سكانها. ومن صنهاجة أيضاً الملثمون الذين استوطنوا الصحراء قبل الفتح الإسلامي لبلاد المغرب وتعددت قبائلهم في تلك الربوع من جدالة ولمتونة ومسوفة ووتريكة وناوكا وزغاوة ثم لمطة إخوة صنهاجة، كلهم ما بين المحيط الأطلسي وبرقة. وكان إسلامهم بعد فتح الأندلس، وكانت الرئاسة فيهم للمتونة، فاستوثق لهم مُلْك واسع في الصحراء الكبرى الإفريقية، وجاهدوا من بها من أمم السودان وعرضوا عليهم الإسلام فاعتنقه بعضهم ورفض آخرون مع دفع الجزية.
ولصنهاجة تاريخ مجيد حافل بالفتوحات والمآثر، فقد كان لهم دور كبير في قيام الدولة العبيدية الفاطمية ببلاد المغرب العربي سنة 296هـ، 909م، وفي إنقاذها بعد ذلك من الفناء المحقق إبان انتفاضة أبي مخلد كيداد الخارجي (صاحب الحمار) التي استمرت من 326هـ، 938م إلى 336هـ، 947م، الأمر الذي دفع الخليفة الفاطمي المعز لدين الله إلى تعيين بلكين بن زيري لينوب عنه في إفريقية وعموم بلاد المغرب، عندما أزمع هو على الرحيل ونقل مركز الخلافة إلى مصر سنة 362هـ، 973م. وبذلك قامت الأسرة الصنهاجية التي توارثت حكم بلاد المغرب العربي في ظل التبعية للخلافة الفاطمية، إلى أن خرج على تلك الخلافة المعز بن باديس وأعلن استقلاله عن القاهرة (مركز الخلافة).
العرب في موريتانيا. دخل العرب موريتانيا أثناء الفتح وقاموا بتعريبها، ومن أشهر القبائل العربية زناتة الذين يطلق عليهم الرحالة لكثرة تنقلهم طلبًا للكلأ وهم مربو ماشية. وينتمي معظم عرب موريتانيا الحاليين إلى عرب المعقل أو المعاقيل، وهم من أوفر القبائل عددًا، لهم صلة بمعاقيل القبائل العربية في جنوب الجزيرة العربية. ومنهم المغافرة أو عرب لمتونة. وقد بدأ تاريخ هذه القبائل في موريتانيا في أواخر القرن السادس الهجري (أواخر القرن الثاني عشر الميلادي) وكان لها فضل كبير في فتح البلاد وتعريبها مع أنها لم تأت غازية كعرب بني هلال وبني سليم، بل قدمت في قوافل وكثر عددها في الواحات خلال القرن السادس الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي) حتى أصبحت خطرًا يقض مضاجع بني مرين في المغرب. وقد اختلط عرب المعاقيل مع عرب الزناتة، وهم ثلاثة بطون: ذوو عبدالله وذوو منصور وذوو حسان، وإلى هؤلاء ينتمي معظم الموريتانيين حاليًا. وقد امتزجت القبائل العربية بالقبائل البربرية المستعربة إلى حد أصبح من الصعب التمييز بين من هو عربي ومن هو بربري من الموريتانيين. استوطنت قبيلة ذوي عبدالله بين تلمسان وتاوريرت في التل وما يواجهها من القبلة. واستوطنت قبيلة ذوي منصور من تاوريرت إلى درعة وما يحاذيها من التل مثل نازي وغساسة ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر. واستوطنت قبيلة ذوي حسان من درعة إلِى المحيط، وينزل شيوخهم في بلد نول، قاعدة السوس، فيستولون على السوس الأقصى وما إليه، وينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن المسلمين في كدالة (جدالة) ومشرفة ولمتونة. ويرى بعض المؤرخين أن دخولهم إلى بلاد المغرب كان مع الهلاليين الذين وجههم الخليفة الفاطمي المنتصر إلى الخليفة المعز بن باديس الصنهاجي، عندما نبذ هذا الأخير دعوة الفاطميين وخلع طاعتهم ثم حوّل الخطبة للخليفة العباسي القائم بأمر الله سنة 439هـ، 1047م، خارجًا ببلاد المغرب عن السيادة الفاطمية.
دولة المرابطين في موريتانيا. كان يحيى بن إبراهيم الكدالي أو الجدالي أمير البربر الملثمين في تاغنت (من أقاليم موريتانيا) قد سافر في سنة 424هـ، 1033م إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، فوجد أن تعاليم الإسلام الصحيحة غير ما تمارسه القبائل المسلمة في بلاده، فقرر أن يبث فيها روحًا جديدة ترفع مستوى إيمانها الديني. ولما عاد اصطحب معه العالم عبد الله بن ياسين الجزولي ليساعده في تنفيذ مهمته، فبدأ الرجلان حملة واسعة لتطهير الاعتقاد الديني من الخرافات وبث الأخلاق الإسلامية هناك. ولكنهما اصطدما بمعارضة شديدة من الناس، مما دفع بهما إلى اليأس منهم فاعتزلاهم بجزيرة يعتقد أنها جزيرة تيدرة من سواحل موريتانيا. وبينما هما في منسكهما أو رباطهما تهافت عليهما المريدون حتى تكونت حولهما كتلة قوية منهم، فانطلقا بهم من ذلك الرباط بعد سنة 440هـ، 1048م بدعوة الإسلام يقاومون البدع ويرفعون المظالم اعتمادًا على الكتاب والسنة ومذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، فعرفوا بالمرابطين. وقد انتقلت قيادة هؤلاء المرابطين مع يحيى بن عمر المتوفى حوالي سنة 448هـ، 1056م وأخيه أبي بكر بن عمر (448 - 480هـ، 1056 - 1087م) من قبيلة كدالة إلى قبيلة لمتونة، فتوسعت جماعتهم. واستولت شمالاً على سجلماسة وأغمات وبلاد السوس، كما توسعت جنوبًا، عبر نهر السنغال، في بلاد غرب إفريقيا، فاستولت على غانا ونشرت الإسلام بين قبائل التكلور والسرخللي والديولا والمادنغا. وقد بلغت دولة المرابطين أوج قوتهــــــــا وتوسعــها على عهد يوسف بن تاشفين (480 - 500هـ، 1087 - 1106م) باني عاصمتها مدينة مراكش.
وقد تعاقب على حكم المغرب بعد المرابطين الموحدون، والمرينيون ومنهم الوطاسيون، ثم الأشراف السعديون والأشراف العلويون. ولم يكن للموريتانيين دور يذكر بعد دولة المرابطين، بحيث كانت موريتانيا في شبه عزلة أيام الموحدين والمرينيين، وتكرست هذه العزلة في عهد دولة العلويين، فأصبح أمراء القبائل يحكمون موريتانيا، وكل أمير يحكم إمارته بشكل مستقل عن غيره، وكان بعضهم يطلق على نفسه لقب الملك كما هي الحال في أولاتة والأدرار والبراكنة وغيرها. وقد حافظت موريتانيا على استقلالها القائم على النظام القبلي في نطاق الإمارات، وفرض بعض أمرائها وملوكها الجزية والإتاوات على فرنسا وبريطانيا، اللتين كانتا تسعيان لعقد المعاهدات معهم ودفع الجزية والإتاوات لهم مقابل حماية تجارتهما. ومن ذلك المعاهدة التي عقدها الكولونيل البريطاني ماكسويل مع عمر بولدو بوكابة أمير الترارزة في 4 جمادى الثانية 1225هـ الموافق 7 يونيو 1810م، والاتفاق الذي عقده قائد الفرقة الثانية البحرية الفرنسية مع أحمد بن سيدي علي أمير البراكنة في 25 ذو الحجة 1249هـ الموافق 5 مايو 1834م، ومعاهدة التحالف التي جاء مندوب فرنسي يعرضها على مــلك أطار (أتار) أحمد ابن سيدي أحمد ولد عايدة سنة 1309هـ، 1892م. بيد أن استمرار النزاع بين الإمارات الموريتانية أوهن قواها مــما عرض البلاد إلى الاحتلال الفرنسي في مطلع القرن العشرين الميلادي.
التنافس الاستعماري في موريتانيا
كان البرتغاليون أول من استولى على بعض جهات من موريتانيا خلال القرن التاسع الهجري (القرن الخامس عشر الميلادي). وقد أغرتهم تجارة الصمغ والذهب والرقيق، فأسسوا مراكز تجارية لهم، وبقوا في البلاد قرابة قرنين. لكن الموريتانيين اضطروهم للانسحاب. ثم جاء الأسبان وتمكن الهولنديون بعدهم من السيطرة على المنشآت البرتغالية المهملة، وظلت تجارة الصمغ موضع منافسة بين هولندا وبريطانيا وفرنسا. وكانت شركة الهند الفرنسية القائمة في سان لويس تصرف تجارة الصمغ على ضفتي نهر السنغال في الوقت الذي تعمل فيه فرنسا لاكتشاف جهات البلاد الداخلية، فكانت سباقة إلى عقد الاتفاقيات والمعاهدات مع الأمراء الموريتانيين. كما حاولت بريطانيا بدورها مد نفوذها إلى داخل موريتانيا عن طريق المعاهدات والاتفاقيات لبناء مساكن ومستودعات وحماية تجارتها ولم تتردد في دفع الجزية. وقد أثارت زيادة النفوذ البريطاني حفيظة فرنسا، ثم سوي الخلاف بالوفاق السياسي سنة 1322هـ، 1904م استمرارًا لمعاهدة برلين لسنة 1295هـ، 1878م التي قسمت إفريقيا بين الدول الاستعمارية.
الاحتلال الفرنسي. كانت فرنسا تتطلع إلى موريتانيا منذ احتلال الجزائر سنة 1246هـ، 1830م، وتم لها احتلالها فعلاً بين 1319هـ، 1901م و1323هـ، 1905م على يد كزافيي كوبولاني، الذي استطاع أن يستغل خلاف الشيخ سيديا زعيم الطريقة القادرية مع الشيخ ماء العينين، فاستغل الفرنسيون هذا الخلاف واستخدموه لتحقيق أهدافهم الاستعمارية. وقد أعلنت فرنسا حمايتها على موريتانيا سنة 1320هـ، 1903م فقابل السكان ذلك بالسخط والثورة في جميع أرجاء البلاد، وفي 1321هـ، 1904م صدر مرسوم جمهوري بإلحاق موريتانيا برمتها كمنطقة تابعة للسنغال ومقرها سان لويس، وأنيط حكمها بكوبولاني الذي لقب بحاكم إفريقيا الغربية الفرنسية العام بموريتانيا. ثم انتقل هذا الأخير إلى تجكجة لتنظيم المستعمرة فقتل بها سنة 1323هـ، 1905م على أيدي الوطنيين.
المقاومة الوطنية الموريتانية. بعدما قضت فرنسا على مقاومة الطوارق في واحة تيت استطاعت أن تتوغل في موريتانيا من جهة الداخل وتحتل الأدرار، فأعلن الشيخ ماء العينين الجهاد في الشمال وجمع جيشًا تمكن به من استرداد الأدرار سنة 1324هـ، 1906م وأعلن نفسه حاكمًا عليه. وعين الفرنسيون حاكمًا جديدًا هو الكولونيل غورو خليفةً لكزافيي، فتجدد القتال سنة 1326هـ، 1908م بين السكان وجيش الاحتلال. واخترق ماء العينين موريتانيا جنوبًا حتى بلغ قلعة تجكجة فحاصرها، لكن النجدات الفرنسية السريعة أنقذتها من الحصار، وتمكن غورو من احتلال الأدرار وبسط نفوذه الفعلي على منطقتها سنة 1327هـ، 1909م بعد القضاء على المقاومة الوطنية ووفاة ماء العينين.
لم يقتصر نشاط الشيخ ماء العينين على مقاومة الاستعمار الفرنسي في موريتانيا وحدها، بل شمل أيضًا جنوب المغرب الأقصى، ولذلك توطدت صلة ماء العينين بعبد الحفيظ إبان الحركة التي قادها الأخير في مدينة مراكش ضد أخيه السلطان عبدالعزيز سنة 1325هـ، 1907م بسبب استسلامه لمطالب فرنسا.
وقد حمل هبة الله بن ماء العينين دعوة أبيه في الجهاد، فشملت حركته جنوب المغرب الأقصى وشمال موريتانيا ضد الاستعمار الفرنسي الذي كان عدوًا مشتركًا للقطرين. والتف حول هبة الله أهل السوس فتمكن في شهر رمضان 1330هـ، أغسطس 1912م من دخول مدينة مراكش حيث اعترف له أعيانها برئاستهم، مما دفع الجنرال ليوتي ـ المقيم العام لفرنسا بالمغرب وقائد الجيوش الفرنسية بها ـ إلى إرسال قوة كبيرة بقيادة مساعده الجنرال مانجان لاحتلال المدينة المذكورة وموانئ الجنوب المغربي. ولم ينسحب هبة الله إلى موريتانيا حيث قواعده الأصلية إلا بعد استيلاء القوات الفرنسية على قلعة تارودن سنة 1332هـ، 1913م واتخاذها قاعدة للجبهة الجنوبية في المغرب.
وفي سنة 1331هـ، 1912م قامت قوات موريتانيا وتمبكتو الفرنسية باحتلال مدينتي تشيت وأولاته، فانتفضت القبائل وشنت عدة هجمات ضد الفرنسيين، لكن الكولونيل موريه تمكن من صدها وملاحقة المنتفضين حتى مدينة سمارة سنة 1331هـ، 1913م. ظلت انتفاضات القبائل الموريتانية تشكل خطرًا على الفرنسيين وتقض مضاجعهم حتى عام 1334هـ، 1916م. وفي سنة 1339هـ، 1920م أصدرت فرنسا، بعد خضوع المغرب الأقصى للاستعمار الفرنسي، مرسومًا يجعل موريتانيا مستعمرة فرنسية يحكمها مقيم عام فرنسي. فضمتها إلى إفريقيا الغربية الفرنسية، وألحقتها إداريًا بالسنغال بعد أن قسمتها إلى عشر دوائر عينت على كل دائرة مديرًا فرنسيًا. لكن مقاومة القبائل الموريتانية المسلحة للاستعمار الفرنسي لم تهدأ إلا في نحو سنة 1934م بعد قمع قبائل الرقيبات والسيطرة عليها، فأصبحت موريتانيا تحت سلطة الفرنسيين، وكان آخر اشتباك مسلح بين الموريتانيين والفرنسيين سنة 1937م. وهكذا خضعت موريتانيا لفرنسا بعد أن سقط آلاف الشهداء. وقد عمدت السياسة الفرنسية طوال الفترة الاستعمارية في موريتانيا إلى محاربة العروبة والإسلام بأساليب عديدة، منها التفريق بين البيض والسود والعمل على زرع الفرقة بينهم، ونشر اللغة والثقافة الفرنسيتين على حساب اللغة والثقافة العربيتين الإسلاميتين، وإهمال التعليم والصحة وإفقار الشعب وإذلاله.
الحركة الوطنية واستقلال موريتانيا
بدأت الحركة الوطنية الموريتانية تطالب السلطات الاستعمارية الفرنسية بإدخال الإصلاحات على إدارة بلادهم وإنشاء المدارس الثابتة منها والمتنقلة، وذلك ابتداء من سنة 1364هـ، 1945م. وقد منحت فرنسا موريتانيا حق الانتخاب سنة 1946م، فجرت في نفس العام أول انتخابات فاز فيها حرمة بن بابانا بعضوية المجلس الفرنسي نائبًا لبلاده أمام منافسه المرشح الفرنسي رازاك حاكم منطقة الترارزة آنذاك. وتكون في نفس الفترة أول حزب سياسي في موريتانيا وهو حزب الاتحاد الشعبي الموريتاني، سلك هذا الحزب سياسة الاعتدال والإصلاح المبنية على تقبل الأوضاع القائمة مع العمل على تعديلها بما لا يغضب الإدارة. ثم تشكل حزب آخر هو حزب منظمة الشباب الذي دعا إلى الاستقلال. وقد نجح الوطنيون الموريتانيون سنة 1367هـ، 1948م في توحيد الحزبين في حزب واحد سمّي حزب الوفاق الموريتاني، فسعى إلى توحيد جهود الموريتانيين بعد أن فرقتهم السياسة الاستعمارية الفرنسية مستغلة الخصومات القبلية. لكن الحركة الوطنية الموريتانية ما لبثت أن عادت إلى الانقسام، فظهر حزب جديد هو حزب الاتحاد التقدمي، الذي فاز في الانتخابات المحلية التي جرت عام 1371هـ، 1951م وكذلك عام 1376هـ، 1956م.
حاولت فرنسا اقتطاع جزء من الصحراء الموريتانية في نطاق مسعاها لإنشاء ما عرف بمنظمة الصحراء وذلك إحياءً لمشروع إعادة توزيع المناطق الصحراوية الذي أعدته فرنسا سنة 1914م، وفشل تنفيذه بسبب الحرب العالمية الأولى. وقد ظلت موريتانيا إلى نحو سنة 1377هـ، 1957م جزءًا مما كان يسمى الأقاليم الجنوبية الذي كان يضم أجزاء من الجزائر ومالي والنيجر وتشاد. وفي تلك السنة منحت فرنسا دستورًا لموريتانيا سُمِّيَ القانون الأطاري نسبة لمدينة أطار (أتار). وقد تشكلت في نفس الفترة عدة تنظيمات سياسية موريتانية منها منظمة الشباب الموريتاني (من زعمائها حرمة ابن سيد أمه) وحزب الشباب الموريتاني (من زعمائه يحيى ابن عبد) وجمعية الشبيبة الموريتانية (من زعمائها ماء العينين ابن أحمد ويؤيدها المختار ولد دادة)، وتتفق جميعًا في اتجاهها الإصلاحي والدعوة إلى تخطي القبلية وإبراز الهوية الوطنية الموريتانية واستقلال البلاد والنهوض بها ونشر التعليم. وقد اتجهت الجهود منذ أواسط سنة 1378هـ، مطلع سنة 1958م إلى توحيد الأحزاب الموريتانية، فانعقد مؤتمر بمدينة إلق، تمّ فيه دمج حزب الاتحاد التقدمي مع حزب الوفاق في حزب واحد هو حزب التجمع الموريتاني الذي دعا بدوره إلى الاستقلال. وفي 12 شعبان 1377هـ، 13 مارس 1958م افتتحت الجمعية الوطنية الموريتانية دورتها في مدينة سان لويس وتم تعيين المستشارين الذين تولوا مفاوضة فرنسا بشأن الاستقلال.
أول حكومة وطنية. في 3 ذي الحجة 1377هـ، 21 يونيو 1958م تشكلت أول حكومة وطنية برئاسة المختار ولد دادة أحد زعماء حزب التجمع الموريتاني، بموجب قانون أطار لسنة 1957م. كما تم نقل عاصمة البلاد رسميًا من سان لويس إلى نواكشوط في محرم 1378هـ، 24 يوليو 1958م. ثم عرضت حكومة الجنرال ديجول في السنة نفسها على مستعمراتها قبول الانضمام لما سمّاه الدستور الفرنسي المجموعة الفرنسية أو عدمه، بحيث تشكل المستعمرات التي تقبل الانضمام إلى تلك المجموعة حكومات محلية تتمتع بالاستقلال الداخلي، على أن تكون السلطة المركزية لفرنسا في الدفاع والاقتصاد والشؤون الخارجية. أما المستعمرات التي لا تقبل به فتمنح الاستقلال التام، وعندها تقطع فرنسا مباشرة عنها كل معونة تقنية ومالية إدارية. ولما جرى الاستفتاء على مشروع ديجول المذكور في 15 ربيع الأول 1378هـ، 28 سبتمبر 1958م قبلت موريتانيا، تحت الضغط والتهديد، العضوية فنالت استقلالاً ذاتيًا باسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية مع ارتباطها بالمجموعة الفرنسية التي جاءت بديلاً لما سمي في سنة 1365هـ، 1946م بالاتحاد الفرنسي.
في سنة 1378هـ (أواخر سنة 1958 وبداية سنة 1959م) نشأ حزب موريتاني جديد هو حزب النهضة، ودعا إلى الاستقلال التام والانضمام إلى المملكة المغربية المستقلة، انطلاقًا من أن موريتانيا جزء لا يتجزأ من تلك المملكة. وقد أيدت منظمة الشباب الموريتاني موقف حزب النهضة، وكان من زعمائه بياك بن عابدين، لكن هذا الحزب سرعان ما تراجع عن تلك الأفكار حتى إنه انتدب ابن عابدين نفسه للالتحاق بالوفد الموريتاني إلى هيئة الأمم المتحدة لتأييد حق موريتانيا في الانضمام إلى عضويتها. وفي العام 1378هـ، 1959م وضع مشروع الدستور الموريتاني، فتمت المصادقة عليه في 12 رمضان 1378هـ، 22 مارس 1959م. وصوتت الجمعية الوطنية الموريتانية بالإجماع على طلب الاستقلال التام عن فرنسا، ففاوض المختار ولد دادة حكومة باريس في ذلك، ونالت موريتانيا استقلالها الكامل في 9 جمادي الثانية 1380هـ، 28 نوفمبر 1960م فانفصلت بذلك عن المجموعة الفرنسية، ولم تعترف باستقلال موريتانيا في البداية من الدول العربية إلا الحكومة التونسية وذلك بسبب مطالبة المملكة المغربية بتبعيتها إليها.
نظام الحكم. نظام الحكم في جمهورية موريتانيا الإسلامية جمهوري رئاسي. وقد أُجريت أول انتخابات لرئاسة الجمهورية في 8 ربيع الأول 1381هـ، 20 أغسطس 1961م وكان المختار ولد دادة المرشح الوحيد، فتم انتخابه رئيسًا لمدة خمس سنوات، وجدد انتخابه بعد ذلك لمدة رئاسية ثانية في 19 جمادى الأولى 1386هـ، 7 أغسطس 1966م وثالثة، واستمر في الرئاسة إلى أن أطاح به العقيد مصطفى ولد محمد السالك في 5 شعبان 1398هـ، 11 يوليو 1978م. وقد اندمجت في أول عهد المختار ولد دادة جميع القوى السياسية بالبلاد، بما في ذلك حزب النهضة المعارض، في حزب جديد هو حزب الشعب الذي تولى حكم البلاد.
حصلت موريتانيا على عضوية هيئة الأمم المتحدة في 18 جمادى الأولى 1381هـ، 28 أكتوبر 1961م، لكنها لم تحصل على عضوية جامعة الدول العربية إلا عام 1393هـ، 1973م برغم زيادة عدد الدول العربية التي اعترفت بجمهورية موريتانيا الإسلامية، وذلك بسبب موقف المغرب الذي كان يرى هذه الدولة الناشئة جزءًا منه. إلا أن طول عهد ولد دادة وتراكم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتزايد المعارضة السياسية للنظام القائم مكن الجيش من استلام السلطة بالبلاد وذلك عن طريق انقلاب العقيد مصطفى ولد محمد السالك في 1398هـ، 1978م، الذي ترأس لجنة وطنية للإنقاذ تعهدت بحل المشكلات التي تعاني منها البلاد ووضع حد لما سمّته بالفساد ومحاسبة المسؤولين. لكن الخلافات ما لبثت أن ظهرت بين أعضاء لجنة الإنقاذ الوطني المذكورة وأدت إلى تغييرات متعاقبة في سلم السلطة، ومن ذلك: تسلم المقدم أحمد يوسف منصب رئاسة الحكومة في 9 جمادى الأولى 1399هـ، 6 أبريل 1979م، وارتقاء محمد خونا ولد هيدلة إلى ذلك المنصب بعد وفاة المقدم أحمد يوسف في حادث طائرة. وكان ولد هيدلة قبل ذلك وزيرًا للدفاع، وبقي مصطفى ولد محمد السالك صورة رمزية لرئاسة الجمهورية. ثم رفع محمد خونا ولد هيدلة نفسه إلى رتبة عقيد وعزل رئيس الجمهورية ليرتقي مكانه، وعهد برئاسة الحكومة إلى معاوية ولد سيدي أحمد الطايع عضو اللجنة العسكرية، لكنه ما لبث أن عزله ليجمع المنصبين بيده، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة المعزول معاوية ولد سيدي أحمد الطايع إلى أن يقوم بحركة انقلابية في 19 ربيع الأول 1405هـ، 12 ديسمبر 1984م، فيتسلم رئاسة الجمهورية ورئاسة اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني ورئاسة الحكومة.
قام العقيد معاوية ولْد سيدي أحمد الطايع في بداية عهده بإطلاق سراح المسجونين السياسيين والسماح للمشردين بالعودة إلى البلاد وإطلاق الحريات ومنع التدخل في شؤون القضاء. أعلن النظام الجديد في موريتانيا مرحلة التعددية الحزبية سنة 1411هـ، 1991م، فنقل الرئيس العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع السلطة إلى المدنيين وسمح بحرية تشكيل الأحزاب السياسية وعودة الحياة البرلمانية بالبلاد. ومن أبرز الأحزاب العاملة على الساحة الموريتانية : الحزب الجمهوري الحاكم الذي يترأسه العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع نفسه، واتحاد القوى الديمقراطية الذي يقوده حمدي ولد مكناس وزير الخارجية السابق.
تمت آخر انتخابات رئاسية وتشريعية في موريتانيا سنة 1416هـ، 1996م، أعيد فيها انتخاب العقيد معاوية رئيسًا للجمهورية ودخلت فيها أحزاب المعارضة إلى البرلمان بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، كما جرت آخر انتخابات بلدية في موريتانيا في شهر شعبان 1414هـ، يناير 1994م ولحقتها انتخابات جزئية في شهر أبريل لتجديد ممثلي 17 دائرة انتخابية في مجلس الشيوخ.
السياسة الخارجية لم تكن لموريتانيا مشاركة بارزة في الشؤون العربية ولا حتى المغاربية طوال سنين عديدة بعد استقلالها، وكانت متجهة بصورة أكثر وضوحًا نحو فرنسا والدول الإفريقية المجاورة لها. ولم تبرز على ساحة الأحداث في المنطقة إلا بدخولها طرفًا مع المملكة المغربية في قضية الصحراء الغربية، إذ تقاسمت موريتانيا مع هذه الأخيرة الصحراء بينهما بعد انسحاب الإدارة الأسبانية منها سنة 1395هـ، 1975م، الأمر الذي جعل موريتانيا هدفًا لعمليات جبهة البوليساريو، التي كانت قد أعلنت قيام الجمهورية الغربية الصحراوية وتعهدت بخوض النضال لتحريرها معتمدة على دعم الجزائر وليبيا. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الوضع بالبلاد وعجل بقيام الانقلاب العسكري على نظام المختار ولد دادة. وقد قام النظام العسكري الجديد في موريتانيا، بعقد اتفاق سلام منفرد مع البوليساريو والانسحاب من الجزء الذي كان قد ناله من الصحراء الغربية، وذلك في شهر رمضان 1399هـ، أغسطس 1979م. لكن القوات المغربية سرعان ما استولت على ذلك الجزء وضمته إلى حوزتها وتوترت العلاقات بين المغرب وموريتانيا على إثر تلك التطورات دون أن تسهم في حل مسألة الصحراء الغربية. فلم تتم المصالحة بين البلدين إلا في إطار القمة المغاربية الخماسية التي عقدها حكام دول المغرب العربي بالمملكة المغربية سنة 1408هـ، 1988م، وتم فيها الاتفاق بينهم على إرساء اتحاد بين دولهم الخمس. كما شهدت العلاقات الموريتانية السنغالية انفجار أزمة حادة سنة 1409هـ، 1989م عرضت العديد من المواطنين الموريتانيين المقيمين آنذاك بالسنغال للضرر في أرواحهم وممتلكاتهم، إلا أن الحكومة الموريتانية احتوت الأزمة وتحسنت العلاقات بين الجارتين الشقيقتين.