بحث عن التعليم الالكتروني في الدول النامية الآمال والتحديات.عناصر العملية التعليمية
التعليم كالماء والهواء.. عبارة شهيرة قالها اديبنا الكبير الراحل الدكتور طه حسين, فهو اول من نادي بمجانية التعليم في مصر .. وكم كانت قولة حكيمة .. فالدول تتقدم بجهود أبناءها .. والامم لا تزدهر إلا بشعب متعلم.. فالشعوب الجاهلة تتخلف وتكون طبقا شهيا للاستعمار ليحتلها بكل الوسائل ويستفذ مواردها ويستعبدها. وصدق شاعرنا الكبير المرحوم أحمد شوقي عندما قال:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم لم يبن ملك علي جهل وإقلال
وإن استعرضنا علي مر التاريخ, حضارات الامم السابقة بدءا من الحضارة الفرعونية والحضارة الصينية والحضارة الرومانية والحضارة الاسلامية والحضارة الاوروبية الحديثة. كلها حضارات ازدهرت وتقدمت بجهود العلم والتنوير. وعرفنا كم بذل قادتها وزعماؤها من الجهود المضنية في سبيل تعليم شعوبهم.
ولقد رأينا الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وهو يعتق الاسري نظير تعليم المسلمين. وكم منح الخلفاء الاسلاميون في عصور الازدهار من عطايا لمن يقدم الجديد في العلوم والترجمة والتفسير والنظريات الجديدة في الطب والكيمياء والرياضيات والعلوم التطبيقية والاختراعات وكل عالم وما يقدم وما يعلم من تلاميذ له مما دفع بتلك الحضارة الي ما لم تحققه حضارة أخري في تلك الحقبة الزمنية من التاريخ.
وهاهي الحضارة الاوروبية تركز علي التعليم والعلماء وتمنح الجوائز للعلماء ( جائزة نوبل) وتبني صروحا للعلم في كل مكان. ونري رؤساء الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية كيف تعني بالعملية التعليمية وتجذب العلماء من كل مكان لدفع عجلة التقدم في تلك البلاد وتستخدم كل وسائل الاغراء لحثهم علي البقاء بيلك الدول والمساهمة في تطويرها.
ولقد رأينا رئيس الوزراء الياباني يحتفل مع وزير التعليم بتعليم آخر مواطن ياباني امي في اليابان كلها. وأصبحت الامية الان في اليابان تساوي صفرا.
عناصر العملية التعليمية الاساسية:
وإذا نظرنا الي مفردات العملية التعليمية نجد انها تتلخص في مجموعة من العناصر الرئيسية الاتية:
• الطالب: وهو المستهدف بالتعليم أو التدريب أو التعلم.
• المعلم: وهو الذي يشرح ويقدم ويعلم المنهج التعليمي المختار.
• المنهج التعليمي: وهي المادة التعليمية أو التدربية المراد أن يستوعبها الطالب ويتعلمها.
• المكان: وهو ما اصطلح عليه بالمدرسة والتي تتكون من فصل دراسي أو عدة فصول دراسية أو قاعات محاضرات أو ورش تعليمية أو حقل تدريبي أو معمل..
• مساعدات التعليم أو التدريب : أو ما اصطلح عليه بالوسائل التعليمية وهي الادوات والاجهزة والمعدات التي تعاون المعلم في شرح المادة التعليمية أو قد يستخدمها الطالب ليسوعب المنهج التعليمي بدءا من السبورة والطباشير وحتي الحاسبات الالكترونية وشبكات الانترنت.
• التقويم: وهي ما أ صطلح عليه بالتقييم و الامتحانات وهي الوسائل والادوات التي يتم استخدامها لقياس مدي استيعاب الطالب وتحصيله للمادة التعليمية.
• وسائل الاتصال أو التواصل: وهي إما ان تكون:
o مباشرة: وتكون بالمواجهة بين الطالب والمعلم في نفس الزمان والمكان.
o غير مباشرة: وتكون من خلال وسط أو وسيط مثل الكتب والمحاضرات والمذياع والتلفزيون والتليفون وشبكات الحاسبات والشبكة الدولية للمعلومات ( الانترنت) والاقمار الصناعية وما الي ذلك.
• نطاق التعليم: وهو النطاق الذي سيتتم فيه العملية التعليمية أو التدربية وهو:
o نطاق زماني: يحدد توقيتات التعليم أو التدريب.
o نطاق مكاني: يحدد أماكن تواجد العلمية التعليمية للطرفين.
o نطاق موضوعي: يحدد موضوعات التعليم بدقة
o نطاق قانوني : يحدد قانونية العملية التعليمية وضوابطها الاخلاقية.
o نطاق مالي: يحدد تكلفة العملية التعليمية علي الاطراف المشاركة في العملية التعليمية.
التخطيط للعملية التعليمية:
يجب علي الدولة من البداية أن تحدد أهداف العملية التعليمية بعناية ومدي تحقيق تلك العملية لاهداف الدولةعموما. فمثلا توجه الد ول الصناعية أهدافها للتعليم الصناعي عموما وفي مجالات محددة أحيانا مثل صناعة السيارات في شمال ايطاليا أو الحديد والصلب في جنوب انجلترا أو صناعة البترول في العديد من أماكن استخراج البترول أو تصنيعه. كما توجه الدول الدول الزراعية أهدافها التعليمية نحو التعليم الزراعي والبحوث الزراعية والتصدير الزراعي. وتوجه الدول التجارية أهدافها التعليمية للتقدم بأعمال التجارة والاعمال والبنوك وما الي ذلك. كما تقوم دول أخري بالتركيز علي الصناعات العسكرية مثلا أو التركيز علي البحوث العلمية أو الكيمائية أو البيلوجية. كما يجب لكي تتحقق تلك الاهداف أن تكون لها أبعاد زمانية وقياسات محددة . بمعني أن تخفض نسبة الامية من 40% الي 30 % من عدد السكان في فترة خمس سنوات مثلا أو أن تقوم بمعاونة الباحثين والدارسين في الحصول علي شهادات عليا في مجال بحوث الهندسة الوراثية خلال
ثلاث سنوات بنسبة لا تقل عن 50% من عدد المسجلين في الدراسات العليا بالجامعات أو أن تقوم بتأهيل عدد 5 آلاف معلم في مرحلة التعليم الابتدائي علي علوم الحاسب وتكنولوجيا المعلومات في خلال فترة زمنية محددة. ويظهر بذلك امكانية تحقيق تلك الاهداف وكيفية قياس مدي تنفيذها من عدمه.
كما تقوم الدول ايضا بتحديد السياسات التعليمية لها والتي تحقق و تتوافق مع أهدافها وذلك طبقا لظروفها الجغرافية والزمانية والاقتصادية والثقافية. وأن تكون تلك السياسات واضحة لكل فئات العملية التعليمية.
ويجب أيضا علي الدولة تحديد عوامل النجاح الحرجة والتي قد تعوق تحقيق الاهداف التي حددتها وتحدد كيفية مواجهة تلك المعوقات.
وعندما تحدد الدولة سياساتها التعليمية والمعوقات التي ستواجهها عند تنفيذ العملية التعليمية يجب أن تضع في اعتبارها العديد من العوامل المؤثرة نحدد منها:
• تعداد السكان عموما.
• تعداد المستهدفين من العملية التعليمية.
• مدي انتشار وتوزع المستهدفين في التجمعات المختلفة ( حضر – ريف – بدو - ....).
• تعريف وتصنيف الفئات العمرية المستهدفة
• تعريف المستويات التعليمية والمسارات التعليمية المستهدفة ( محو أمية – تعليم ابتدائي – تعليم ثانوي – تعليم جامعي – تعليم فوق الجامعي.
أيضا قد تحدد بعض الدول أنوعا اخري من التعليم والتأهيل مثل:
o التعليم الأزهري بأنواعه.
o التعليم الحرفي بأنواعه ( مثل السباكة – الحدادة – النجارة – أعمال الكهرباء).
o التعليم المهني بأنواعه ( مثل اصلاح السيارات – اصلاح الحاسبات – اصلاح الاجهزة المنزلية - ...)
• تعريف أنواع التعليم: تعليم حكومي – تعليم أهلي – تعليم ممول من جهات.
• تصنيف التعليم المستهدف: تعليم زراعي – تعليم صناعي – تعليم تجاري – تعليم مهني - ...
• الطبيعة الجغرافية للدولة.
• تحديد وسائل الاتصالات المتاحة لكل ما سبق ذكره.
• تعريف الثقافات المختلفة للفئات المستهدفة من التعليم.
السمات المشتركة للدول النامية
مماسبق يمكن أن نستخلص السمات الاساسية المشتركة للدول النامية:
• ارتفاع نسبة الامية.
• ارتفاع نسبة البطالة وخصوصا بين حملة الشهادات التعليمية.
• انخفاض مستوي المعلمين.
• انخفاض المستوي التعليمي والثقافي للطلاب.
• التوزع الجغرافي المتنوع للطلاب.
• ارتفاع نسبة الامية بين الاناث.
• عدم ملائمة متطلبات سوق العمل للمؤهلات المتوفرة.
• التعلم خارج اسوار المدرسة (وهومايسمي بظاهرة الدروس الخصوصية والتي تعاني منها دولا كثيرة تستنفذ مليارات من أولياء الامور وتشكل ظاهرة اقتصادية سلبية كما أنها تشكل ظاهرة أخلاقية سلبية تعطي العلم لمن يملك القدرة وتحرم العلم ممن لا يملك القدرة, كما وإنها تنتج طلابا لديهم القدرة علي الحفظ لا القدرة علي الابتكار والابداع)
• عدم توفر بنية اساسية (مواصلات – اتصالات – طرق – كهرباء ).
• عدم توفر دعم مالي لتلك الدول لتمويل المشروعات التنموية بها.
الي جانب تفرد بعض الدول الاخري بسمات اخري مثل الطبيعة الجغرافية للدولة (جبلية – صحراوية – شاسعة مترامية الاطراف – ساحلية –.....) واختلاف الأعراق والثقافات والاديان للفئات المستهدفة وكذا اختلاف اللغات وخصوصا الشعبية و اختلاف اللهجات - ...
ثورة تكنولوجيا المعلومات الحالية والتعليم:
نعيش الان في عصر المعلومات وثورة تكنولوجيا المعلومات الهائلة . فقد تحقق تطورا كبيرا في التقدم العلمي والتكنولوجي مما يشجعنا علي القول بأن ذلك يعتبر قفزات لم تحققها البشرية من قبل, فبينما استغرقت البشرية مئات السنين للانتقال من عصر الزراعة الي العصر الصناعي, فقد انتقلت البشرية الي عصر الذرة في عشرات السنين ثم الي عصر الفضاء خلال سنوات, ثم نري الان تطورا تكنولوجيا هائلا كل ساعة تقريبا في كل انحاء الكرة الارضية. ويتسم هذا العصر بسمات عديدة نذكر منها:
• سقوط الحواجز المكانية بين الدول واصبح العالم الان قرية واحدة.
• تدفق هائل للمعلومات.
• اتاحة مصادر المعلومات المختلفة لكل البشرية دون تفرقة.
• التواصل بين كل المستويات ( الدول والمؤسسات والمنظمات والافراد) ببعضها البعض.
• توفر الاتصال طوال الاسبوع وطوال 24 ساعة . فلا انقطاع للاتصال.
• سقوط الحواجز الزمانية.
• لا احتكار لوسائل الاتصال وشبكات الاتصال.
• توفر و انتشار الاجهزة الالكترونية مثل الحاسبات والمعدات الالكترونية.
• سهولة وبساطة استخدام الاجهزة الالكترونية.
كل هذه السمات أو بعضها تساهم كثيرا في التغلب علي بعض المشكلات التي تواجهها الدول النامية في مواجهة مشكلة التعليم فيها. فبينما تفتقر الدول النامية الي شبكات الاتصال التي تحقق التواصل بين الانحاء المختلفة في الدولة وفي نفس الوقت تحتاج الي مليارات و سنوات طوال لبناء تلك الشبكات فقد يمكن تحقيق الاتصال من خلال استخدام الانواع الحديثة من الاتصالات من الاقمار الصناعية والمركبات المتحركة المجهزة القادرة علي الاستقبال من هذه الاقمار في أي مكان من اماكن الدولة.
كما وقد يتيح سهولة استخدام الالات والمعدات والحاسبات, نشر العديد من المناهج والثقافة والتدريب والتعليم لفئات كثيرة ومن خلال استخدام تجمعات حكومية او أهلية مثل المقاهي ( مقاهي الانترنت) أو مراكز الشباب أو الاندية الشعبية أو حتي الدور المجهزة لبعض الفئات القادرة في القري والنجوع والكفور والتجمعات البدوية ( دار العمدة أو شيخ القبيلة) أو استخدام المركبات والسيارات المتنقلة والمجهزة بأجهزة الاتصال والحاسبات (مما يسمي بالقوافل المتنقلة لتكنولوجيا المعلومات) ثم تقام في تلك الاماكن النائية اوالفقيرة غير القادرة علي شراء أو توفير حاسبات ومعدات اتصال أو غير مجهزة بشبكات معلومات .
وتعدد الوسائل التعليمية التي وفرتها التكنولجيا الان مثل الاتصال التفاعلي والفصول التخيلية وشبكات الانترنت والمدارس الذكية تساهم في كسر تلك الحلقة الجهنمية التي وقعت فيها العديد من الدول النامية من الجهل والتخلف وتعطي ميزة نسبية للتعليم الالكتروني عن التعليم التقليدي.
وبذا يتضح ان التكنولوجيا الحالية قد تساهم بنسبة معقولة في نشر التعليم في الدول النامية وتكسر الكثير من الحواجز التي تعترض العملية التعليمية في البلدان النامية.
يتبع