من الافتراء والتزييف.تدريس التاريخ الاسلامي بصورة شوهاء.تشويه معالم التاريخ الاسلامي
تشويه التاريخ الإسلامي أدى إلى حد تربية عاطفة البغض والكراهية، والنفور والازدراء عند كل من درس التاريخ الإسلامي بهذه الصورة الشوهاء.
واليوم نكشف زيف بعض هذه الافتراءات، التي أورثت دراستها عاطفة من الكراهية للأتراك، والخلافة العثمانية، حتى صار من البدهيات والمسلمات التي تبنى عليها الأحكام، وتقام عليها النظريات:، تعصب العثمانيين وغلظتهم .
صار ذلك أمرًا مسلَّمًا، غير قابلٍ للنقاش، حتى إنك تجد الذين يعدّون أسباب ضعف الدولة العثمانية وانهيارها، وتكالب الدول الأوروبية عليها، تجدهم يعدّون تعصب العثمانيين وغلظتهم أهم هذه الأسباب.
والواقع عكس ذلك تمامًا، فقد كانت الدولة العثمانية أكثر تسامحًا مع المسيحيين من مذاهب المسيحيين بعضهم مع بعض، ولا أستطيع أن أثبت لك ذلك بأقوال مؤرخين من الأتراك، أو من العرب، أو من أي مسلم، ولكني أقدم لك شهادة مؤرخين وباحثين أوروبيين، هم بالطبيعة متحاملون على الأتراك، ولكن الحقيقة بلغت من الوضوح حدًّا لم يستطع إنكاره، فهاهو البحاثة الأوروبي الشهير "توماس أرنولد" يتحدث عمَّا لاقاه الأرثوذكس من طائفة الكاثوليك، ويوازن بين ما يلقاه المسيحيون من الأتراك وما يلقاه المسيحيون بعضهم من بعض، فيقول:
"إن المعاملة التي أظهرها الأباطرة العثمانيون للرعايا المسيحيين - على الأقل بعد أن غزوا بلاد اليونان بقرنين - لتدل على تسامح لم يكن مثله حتى ذلك الوقت معروفًا في سائر أوروبا. وإن أصحاب Calvin في المجر وترانسلفانيا، وأصحاب مذهب التوحيد Unitarians من المسيحيين الذين كانوا في ترانسلفانيا، طالما آثروا الخضوع للأتراك على الوقوع في أيدي أسرة هابسبورج المتعصبة. ونظر البروتستانت في سيلزيا إلى تركيا بعيون الرغبة، وتمنوا بسرور أن يشتروا الحرية الدينية بالخضوع للحكم الإسلامي.
وحدث أن هرب اليهود الأسبانيون المضطهدون في جموع هائلة فلم يلجئوا إلاَّ إلى تركيا، في نهاية القرن الخامس عشر؛ كذلك نرى القوازق Cossaks الذين ينتمون إلى فرقة المؤمنين القدماء Old Believers الذين اضطهدتهم كنيسة الدولة الروسية، قد وجدوا من التسامح في ممالك السلطان ما أنكره عليهم إخوانهم في المسيحية".
ثم يشير إلى ما تتمتع به الكنائس التي تقع تحت حكم السلطان العثماني من حرية، وما تلقاه من رعاية، وما يجده بطارقتها من حماية، فيضرب (مقاريوس) بطريرك كنيسة أنطاكيا (وهي تحت نفوذ العثمانيين) مثلاً يحسده الآخرون على ما ينعم به، ويتمنون أن ينالوا حظه. فيقول:
"وربما كان لمقاريوس بَطريق أنطاكية في القرن السابع عشر أن يهنئ نفسه حين رأى أعمال القسوة الفظيعة التي أوقعها البولنديون من الكاثوليك Catholic poles على روسي الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية. قال مقاريوس: "إننا جميعًا قد ذرفنا دمعًا غزيرًا على آلاف الشهداء الذين قتلوا في هذه الأعوام الأربعين أو الخمسين على يد أولئك الأشقياء الزنادقة أعداء الدين، وربما كان عدد القتلى سبعين ألفًا أو ثمانين ألفًا. فيا أيها الخونة! يا مردة الرجس! يا أيتها القلوب المتحجرة! ماذا صنع الراهبات والنساء؟ وما ذنب هؤلاء الفتيات والصبية والأطفال الصغار حتى تقتلوهم؟.. ولماذا أسميهم البولنديين الملعونين؟ لأنهم أظهروا أنفسهم أشد انحطاطًا وأكثر شراسة من عباد الأصنام المفسدين، وذلك بما أظهروه من قسوة في معاملة المسيحيين، وهم يظنون بذلك أنهم يمحون اسم الأرثوذكس."
وبعد أن يعلن البولنديين الكاثوليك، كفاء ما كان من فظائعهم وقسوتهم، يدعو للدولة العثمانية بدوام البقاء، فيقول:
"أدام الله بقاء دولة الترك خالدة إلى الأبد.. فهم يأخذون ما فرضوه من جزية، ولا شأن لهم بالأديان، سواء أكان رعاياهم مسيحيين أم ناصريين، يهودًا أو سامرة؛ أما هؤلاء البولنديون الملاعين فلم يقنعوا بأخذ الضرائب والعشور من إخوان المسيح، بالرغم من أنهم يقومون بخدمتهم عن طيب خاطر؛ بل وضعوهم تحت سلطة اليهود الظالمين أعداء المسيح الذين لم يسمحوا لهم حتى بأن يبنوا الكنائس، ولا بأن يتركوا لهم قسسًا يعرفون أسرار دينهم". حتى إيطاليا كان فيها قوم يتطلعون بشوق عظيم إلى الترك لعلهم يحظون كما حظى رعاياهم من قبل بالحرية والتسامح اللذين يئسوا من التمتع بهما في ظل أية حكومة مسيحية".
وهذا كلام بين ناطق بسماحة الأتراك مع الأديان المخالفة، بل إن (توماس أرنولد) حكى عن شهود عيان كيف كان المسيحيون يدخلون طوعًا في الإسلام، ويتمتعون بمنزلة ومكانة ونفوذ في دولة الخلافة العثمانية.
فهل تُرى هذا الكلام يفيد في تغيير النظر إلى العثمانيين؟! أم أن (سلطان العاطفة) يحول دون الفهم أو تفتح القلب والعقل؟!
أملي كبير في الشباب، أما شيوخنا الذين تخطوا مرحلة التكوين، فهيهات هيهات، فالأستاذ الجامعي الأكاديمي الذي يتحدث عن فظاعة الأتراك، وأنهم لم يكتفوا باستعمار الدول العربية، بل استعمروا أوروبا أيضًا أسوأ استعمار.
فهل من يقول مثل هذا بقادر على أن يتغير؟!