الأحكام العامة للوساطة
تعتبر الوساطة أسلوبا حديثا و مفهوما جديدا أدخله المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية في المواد 994 إلى 1005 في الفصل الثاني تحت عنوان : في الوساطة من الباب الأول المتعلق بالصلح و الوساطة من الكتاب الخامس في الطرق البديلة لحل النزاعات، لذلك ينبغي في البداية تناول الموضوع بشكل عام عن طريق إعطاء بعض التعاريف للوساطة و توضيح و بيان خصائصهاو أنواعها وفقا لما ورد في التشريع الجزائري، و التشريعات المقارنة ، تـم التعريج على التمييز بين الوساطة و غيرها من الوسائل القضائية لفض النزاعات، و سنختم ببيان شروط الوسيط و الوساطة.
المبحث الأول: ماهية الوساطة
سنتطرق في هذا المبحث إلى بيان مفهوم الوساطة و ماهيتها، محاولة إزالة الغموض حول هذا الأسلوب الجديد، و لا يمكن ذلك إلا ببيان أنواع الوساطة و خصائصها التي ساهمت في الأخذ بها.
المطلب الأول: تعريف الوساطة
تعتبر الوساطة الأساس الذي يقوم عليه نظام الوسائل البديلة، فهي المحرك و السبيل لإيجاد حل توافقي بين المتنازعين،و أصبحت تبدو الوجه أو الصورة الأنسب للقضاء و العدالة الحديثة، إذ يكون القرار فيها من صنع الأطراف ، و يقتصر دور الوسيط في المساعدة على تحديد النزاع وإزالة العقبات.
ويقصد بالوساطة في الاصطلاح أنها مأخوذة من الوسط و هو ما بين طرفي الشيء و المعتدل من كل شيء ومن قوله تعالى :" وكذلك جعلناكم أمة وسطا " (سورة البقرة الآية 143 ) أي عدلا ، و في القاموس فالوسيط هو المتوسط بين المتخاصمين و الوساطة بهذا المعنى قد تظهر في عدة مجالات كالسياسة و التجارة و غيرها.
أما قانونا فان المشرع الجزائري عند سنه لقواعد الوساطة لم يقدم تعريفا لهاو إنما ترك أمر تعريفها للفقه، و عليه يمكن تعريفها أنها" وسيلة لحل النزاعات من خلال تدخل شخص ثالث نزيه و حيادي و مستقل يزيل الخلاف القائم، و ذلك باقتراح حلول عملية و منطقية تقرب وجهات نظر المتنازعين بهدف إيجاد صيغة توافقية و بدون أن يفرض عليهم حلا أو يصد ر قرارا ملزما " .
كما يمكن تعريفها أنها "إحدى الطرق الفعالة لفض النزاعات بعيدا عن عملية التقاضي و ذلك من خلال إجراءات سرية تكفل الخصوصية بين أطراف النزاع من خلال استخدام وسائل و فنون مستحدثة في المفاوضات بغية الوصول إلى تسوية ودية مرضية لجميع الأطراف" .
كما تعرف أنها" تقنية إجرائية لحل النزاعات يستطيع من خلالها طرف محايد و مستقل و نزيه يدعي الوسيط مساعدة الخصوم على حل مشاكلهم عبر الحوار و التفاوض للوصول إلى اتفاق يلائمهم".
و عليه، فإن فكرة الوساطة الجديدة على القانون الجزائري و ليس على مجتمعنا الإسلامي العربي و القبلي وسيلة اختيارية و رضائية، تستلزم حوارا مفتوحا على قدم المساواة والقرار فيها ذاتي ، فدور الوسيط يقتصر على تسهيل التواصل و الحوار بين الإطراف و هي مفيدة و عملية للمتنازعين الذين يريدون حلا سريعا للنزاع القائم بينهم.
و تضمن الوساطة نقل المتخاصمين من مقاعد المرتقب و المنتظر لمقاعد الحكم و تجعلهم يساهمون في بناء حيثيات حكمهم بمساعدة الوسيط،وهي تسعى للوصول لربح الجميع وبمعنى آخر حل متفق عليه وليس حل مفروض. و في حال الوصول إلى حل، فان أهم ما تضمنه الوساطة هو ربح جميع الأطراف، فلا يكون أحدهما خاسرا و الأخر رابحا و إنما الاثنان فائزان.
المطلب الثاني: أنواع الوساطة
اكتفى المشرع الجزائري بالنص على الوساطة القضائية في حين أن التشريعات التي أخذت بالوساطة تعرف أنواعا أخرى لها، و تتمثل في:
لفرع الأول: الوساطة القضائية:
أخذت بها معظم التشريعات التي تأخذ بالوساطة كحل بديل للنزاعات كالقانون الأمريكي أو الفرنسي و عربيا اخذ بها القانون الأردني، و تتم هذه الوساطة وفقا لهذا التشريع، أمام جهات قضائية عبر قضاة الصلح و البداية الذين يتم اختيارهم من قبل رئيس محكمة البداية (أي المحكمة الابتدائية) و يكلفون بهذه المهمة ويطلق عليهم قضاة الوساطة ، و تم لأجل اعتماد هذا النوع من الوساطة إحداث مقر للوساطة في المحاكم، و يضم هذا المقر مؤهلين و مدربين على أعمال الوساطة، و تناط بهم مهمة الإشراف و متابعة الأمور ذات العلاقة بالوساطة، وتتم إحالة النزاع للوسطاء القضائيين من طرف القضاة .
الفرع الثاني: الوساطة الخاصة:
و هي الوساطة المعمول بها في تشريعنا و التشريع السوداني تحت اسم الوساطة القضائية فيما تدرجها اغلب التشريعات تحت اسم الوساطة الخاصة ، و هذا النوع من الوساطة يتم من خلال أشخاص خارجين عن مرفق القضاء يملكون الخبرة اللازمة و يتمتعون بالحيدة و النزاهة يتم تنصيبهم من طرف وزير العدل، و تعيينهم من طرف القضاة في النزاعات المطروحة أمام القضاء وفقا للقائمة المعتمدة و المعدة مسبقا على مستوى كل مجلس قضائي.
الفرع الثالث: الوساطة الاتفاقية:
في هذا النوع من الوساطة يتم اختيار الوسيط من قبل الأطراف أنفسهم باختيارهم ،حيث يجمعون على تسمية وسيط معين يجدون لديه القدرة الكافية و الكفاءة لحل النزاع ،و عند اختيار هذا الوسيط يتم التقدم بطلب للقاضي الذي ينظر في الدعوى، و يقوم هذا الأخير بإحالة النزاع لهذا الوسيط و قد أخذت بهذا النوع من الوساطة أغلب التشريعات و منها التشريع الأردني.
هذه هي الأنواع الأكثر رواجا للوساطة، إلى جانب بعض الأنواع التي تعرف تطبيقاتها في مختلف التشريعات، كالوساطة الاستشارية التي يطلب فيها الأطراف من محام أو خبير الاستشارة في موضوع النزاع، ثم يطلبون منه التدخل كوسيط .
و الوساطة التحكمية و هي بند في العقد يقضي بأنه في حال نشوب النزاع يتم عرضه على الوسيط و في حال فشل الوساطة يتحول الوسيط لمحكم.
المطلب الثاني: خصائص الوساطة:
ثمة مميزات و خصائص تتمتع بها الوساطة جعلتها متقدمة على الوسائل التقليدية لحل الخلافات، و هذه المميزات باتت مقبولة و فعالة في حسم النزاعات، إن كان ذلك من حيث تخفيف العبء عن القضاء ، أو مرونة و سرعتها للفصل في النزاعات أو سريتها أو ضمانها لاستمرار العلاقات الودية بين أطراف النزاع، و هو ما سنتناوله كالآتي:
الفرع الأول :تخفيف العبء على القضاء:
حيث أن الوساطة وسيلة لحل النزاعات خارج مرفق القضاء، فإنها بلا شك ستساهم بشكل كبير في تخفيف العبء عن القضاء، عن طريق حل نزاعات كانت ستحل بالتقاضي ، خاصة إذا علمنا أن حجم القضايا التي تنظر أمام المحاكم في تزايد مستمر مما يزيد في العبء، غير انه بإحالة النزاع للوساطة و حله عن طريقها سيؤدي لتفادي عرض هذه النزاعات على القضاء، ضف أن الوساطة تعطي حلا نهائيا للنزاع مما يؤدي كذلك إلى عدم عرض هذا النزاع على جهات الاستئناف و عليه فان تطبيقها يؤدي لتخفيف العبء عن القضاء.