ليكتر, hannibal, story, هانيبال, قصة
اليوم سنتعرف على شخصية فريدة من نوعها في عالم الأدب والسينما.. سنتعرف على
أشهر قاتل متسلسل عرفه التاريخ..
سنتعرف على "هانيبال ليكتر"..
لكن قبل أن نتحدث عنه سنترك سؤالاً معلقًا يستحق التفكير حقًا..
ما الذي يدفع جمهور القراء وجماهير السينما
للوقوع في غرام "قاتل متسلسل Serial Killer" اعتاد أن يأكل لحوم ضحاياه بعد قتلهم؟!
المفترض أنه نموذج لنكرهه أو لنخافه، لكن أن يصبح له معجبون في جميع أنحاء العالم!!..
أعتقد أنه يجب أن نحاول الإجابة على هذا السؤال، وكالعادة سنبدأ بتاريخ الشخصية..
• ميلاد "هانيبال"..
ظهرت
شخصية "هانيبال ليكتر" لأول مرة في رواية "التنين الأحمر Red Dragon"
للكاتب "توماس هاريس" في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت تحكي عن ضابط
المباحث الفيدرالية "ويل جراهام" الذي يطارد قاتلاً متسلسلاً مستعينًا
بـ"هانيبال ليكتر" الطبيب النفسي الشهير الذي تحول إلى قاتل متسلسل دون
سبب مفهوم، والذي كاد يقتله حين قبض عليه منذ سنوات..
لم
يظهر "هانيبال" في هذه الرواية إلا في عدة مشاهد لكنه تحول إلى ظاهرة،
وطغى نجاحه على جميع شخصيات الرواية، وحطت الرواية على قائمة أعلى
المبيعات لأسابيع طويلة حتى إن كاتب الرعب الأشهر "ستيفن كينج" وصفها
قائلاً :
- إنها أفضل رواية قرأتها منذ رواية "الأب الروحي".
لكن سبب نجاح الرواية الحقيقي كان معروفًا للكل وأولهم المؤلف ذاته..
شخصية "هانيبال ليكتر" راقت للجميع.. وبشدة!
وهكذا
خرجت الرواية الثانية "صمت الحملان Silence Of The Lambs" تكرر ذات القصة،
فهذه المرة نرى ضابطة المباحث الفيدرالية "كلاريس ستارلينج" التي تستعين
بـ"هانيبال ليكتر" لتتمكن من القبض على قاتل متسلسل، لكننا في هذه الرواية
نرى أن مساحة دور "هانيبال" أكبر بكثير، والأهم من هذا كله أنه يتمكن من
الهرب في نهاية الرواية ليجد القراء المتعة المطلقة وهم يرون "هانيبال
ليكتر" خارج زنزانته المغلقة وقد استعد للانتقام من البعض.
ولأن
جمهور الكتاب لن يبلغ عشر جمهور السينما ومهما طال الزمان، قرر المخرج
"مايكل مان" تحويل رواية التنين الأحمر إلى فيلم بعنوان "صائد البشر Man
Hunter"، وذلك عام 1986، وقام حينها بدور "هانيبال" الممثل "برايان كوكس"
بأداء يشكر عليه حقًا، لكنه لم يبلغ قوة الشخصية في الرواية، وهذا باعتراف
الجميع، وحظي الفيلم بنجاح معقول.
وعام
1991 قرر المخرج "جوناثان ديمي" تحويل رواية "صمت الحملان" إلى فيلم
سينمائي، وكان المنتج حينها هو "دينو ديلورنتس" الذي لم يبخل على الفيلم
بأجور النجوم، فقامت "جودي فوستر" بدور "كلاريس"، بينما قام "أنتوني
هوبكنر" بدور "هانيبال ليكتر".
ولم
ينجح الفيلم فحسب، بل تحول إلى قنبلة مدوية حصدت أوسكار أفضل فيلم وأفضل
ممثل وممثلة، وتحولت شخصية "هانيبال ليكتر" بفضل أداء "أنتوني هوبكنز"
الساحر إلى ظاهرة تستحق الدراسة حقًا.
الكل أجمع أنه كان مخيفًا ومقنعًا وربما أكثر من الرواية ذاتها.. والكل وقع في غرامه!
جرّب
بنفسك وحاول حصد عدد المواقع التي صممها المعجبون بـ"هانيبال ليكتر"، بل
إنك ستجد مواقع كاملة متفرغة للدفاع عنه وزعم أنه ليس قاتلاً،وإنما هو رجل
راق ونبيل.
وتمر
عشر سنوات على النجاح، ثم تصدر رواية "هانيبال Hannibal" لتحكي لنا عمّا
فعله "هانيبال ليكتر" بعد هروبه من السجن، ومحاولات البعض للإيقاع به
بينما يقضي هو فترة سبات طويلة في إيطاليا، مما يضطره إلى العودة وبكل
قواه ليلقن الجميع درسًا لن يستطيع أحد أن ينساه.
نجاح
الرواية كان مضمونًا ومنذ اللحظة الأولى، فها هم عشاق "هانيبال" يقرءون
رواية كاملة عنه وحده خارج الزنزانة الشهيرة التي كان يدير منها الأحداث
من حوله، كما أن هذه الرواية شهدت تطور العلاقة بين "هانيبال" والضابطة
"كلاريس".. تلك العلاقة التي بدأت في صمت الحملان، فهي معجبة به وبعبقريته
الطاغية، بينما يشعر هو بأنه مسئول عنها بصورة ما.. بمعنى آخر يحبها!
وعلى
الفور اشترى المنتج "ديلورنتس" حقوق الرواية، واستدعى العبقري "أنتوني
هوبكنز" ليرتدي قناع "هانيبال" مرة أخرى، وحتى حين رفضت "جودي فوستر"
تكرار دور "كلاريس"، جاءت النجمة "جوليان مور" لتقوم بالدور، بينما تولى
مهمة الإخراج هذه المرة المخرج الشهير "ريدلي سكوت".
والنتيجة كانت عجيبة ومحيرة للغاية.. فشل الفيلم ونجحت الشخصية!
كل
من شاهدوا الفيلم أجمعوا على أنه لم يكن مخيفًا كالجزء الأول "صمت
الحملان"، لكنهم استمتعوا للغاية هم يشاهدون "أنتوني هوبكنز" في رداء
"هانيبال ليكتر" معظم الفيلم..
لأقرب
الصورة إلى ذهنك، لقد بدا الأمر للمشاهدين وكأنهم يشاهدون أحد أفلام
سوبرمان، ومهما كان مستوى الفيلم لن يؤثر هذا على حبهم لبطلهم الخارق.
يكفي أن تعرف أن "أنتوني هوبكنز" كان يعاني من هذا النجاح أكثر من أي شخص آخر،
إذ يقول:
-
أعرف أنها أفضل شخصية أديتها في حياتي، لكن الأمر بدأ يخرج عن حدود المنطق
فعلاً.. الكل يريد أن يراني وأنا "هانيبال ليكتر "، حتى في الحفلات
والمناسبات الاجتماعية..
ولهذا
كان منطقيًا أن يعلن "أنتوني هوبكنز" عن تخليه عن هذه الشخصية وإلى الأبد،
لكن صديق عمره المنتج "ديلورنتس" أقنعه بأن يؤدي الدور مرة أخيرة، وأن
يعيدوا إخراج "التنين الأحمر" التي قدمها "مايكل مان" سابقًا.. وهذه المرة
سيصحبه نجمان من الشباب هما "إدوارد نورتون" في دور "ويل جراهام" ضابط
المباحث الفيدرالية الذي قبض على "هانيبال ليكتر" والذي يستعين به الآن
للقبض على قاتل آخر قام بدوره النجم "رالف فينيس".
وتتكرت
الظاهرة العجيبة... فشل الفيلم ونجحت الشخصية.. وقبل أن تصيبك الدهشة من
فشل أفلام "هانيبال ليكتر" دعني أفسر لك سبب هذا الفشل..
"هانيبال"
–الفيلم لا الشخصية– فشل لأنه أقوى من اللازم، فالتركيز على الشخصيات
والعوامل النفسية التي تحركها، ثم مشهد النهاية المخيف أكثر من اللازم،
كان فوق احتمال الجماهير، حتى رغم تأكيد المخرج "ريدلي سكوت" على أنه خفف
جرعة الرعب قدر استطاعته فالرواية قاسية بحق ولم يكن يستطيع تنفيذها كما
هي..
مشكلة
"التنين الأحمر" –الفيلم لا الرواية!– كانت أن المشاهدين رأوا فيلم
"هانيبال" ورأوا قاتلهم "المحبوب" وقد تمكن من الهرب، ليأتي فيلم "التنين
الأحمر" ويطالبهم بالعودة إلى الماضي، حين كان "هانيبال ليكتر" في زنزانته
لا يملك سوى حضوره الطاغي ونظراته المخيفة.
ها قد عرفنا الشخصية والروايات والأفلام، لكننا لم نتمكن بعد من الإجابة على السؤال..
لماذا تحول قاتل متسلسل إلى بطل يحبه القراء والمشاهدون؟
سنحاول الآن إعادة تشريح الشخصية من عدة مناظير، وسنبدأ بصانع الشخصية..
• توماس هاريس
ولد
عام 1940 في ولاية ميسيسيبي في أمريكا، وأتم دراسته ليتجه إلى العمل
الصحفي، فعمل كصحفي حوادث في عدد من الجرائد والمجلات، ليبدأ عالم الجريمة
في الاستحواذ عليه شيئًا فشيئًا، حتى جاء اليوم الذي دخل فيه على صديقين
له يكتبان، فسألهما عن الذي يكتبانه، فأخبراه أنها رواية بوليسية يحاولان
كتابتها سويًا، وعرضا عليه الانضمام معهما، لتكون هذه هي بداية "توماس
هاريس" ككاتب.
فحين
انضم "توماس" إليهما أخذ الرواية وأخذ يطور منها إلى الحد الذي انسحب معه
صديقاه تمامًا متنازلين له عن الفكرة كلها، وتركاه ينهيها هو لتخرج رواية
"الأحد الأسود Black Sunday" عام 1975 لتحقق نجاحًا فاق تخيلات الجميع،
وليتفرغ بعدها "توماس هاريس" للكتابة فحسب.
وبعد
ستة أعوام خرجت رواية "التنين الأحمر" وظهر معها "هانيبال ليكتر" لأول
مرة، وهذه المرة لم يحصد "توماس" النجاح الجماهيري فحسب، بل بدأت عروض
الأفلام تنهال عليه وخرج فيلم "صائد البشر" في الوقت الذي كان "توماس"
يعمل فيه على روايته الجديدة "صمت الحملان"، وليحصل بها على جائزة
"أنتوني" لأفضل رواية لهذا العام.
وتحولت الرواية إلى فيلم نجح إلى الحد الذي قال فيه "توماس":
- إن نسبته من الأرباح تغنيه عن العمل تمامًا طيلة حياته..
لكنه وبعد عشر سنوات انتهى من رواية "هانيبال" التي تحولت إلى فيلم
على الفور، وعاد "توماس" بعدها إلى خموله دون أن يعلن أي جديد.
بالطبع
لم يكن هذا النجاح وليد الصدفة فحسب، بل يحكي لنا "توماس هاريس" عن الأيام
التي قضاها في قسم تتبع القتلة المتسلسلين في المباحث الفيدرالية، يقرأ في
ملف كل قاتل ويحاول فهم التركيب النفسي الخاص لكل واحد منهم، وهذه هي
المرحلة التي كان يبني فيها شخصية "هانيبال ليكتر" وببطء شديد.
أي أن "هانيبال ليكتر" نتاج لملفات أسوأ القتلة المتسلسلين الذين عاشوا في عالم الواقع!
يكفي
أن تعرف أن الكاتب الصحفي "ديفيد سيكستون" كتب كتابًا أسماه "توماس
هاريس": "رحلة في عقل صانع هانيبال ليكتر" أخذ يعدد فيه القتلة المتسلسلين
الذين استوحى منهم "توماس" شخصيته وأوجه التشابه بينهم.. ويكفي أيضًا أن
تعرف أنه -في النهاية- لم يتمكن من تحديد أي قاتل هو الأساس الذي بنى عليه
"توماس" شخصية هانيبال..
إذن
لنحاول الانتقال لسؤال ثانٍ وهو.. لماذا يقرر طبيب نفسي محترم وفائق
الشهرة مثل هانيبال ليكتر –بمنطق الرواية- أن يتحول إلى قاتل متسلسل مجنون؟
الإجابة هي..
• ميشا..
لم
تنكشف حقيقة ماضي "هانيبال ليكتر" إلا في الرواية الثالثة التي تحمل اسمه،
ففي تلك الرواية –هذا المشهد لم يظهر في الفيلم بالمناسبة– نرى هانيبال
يحلم ذات مرة بأخته الكبرى "ميشا" والذي حدث لها...
ففي
الحرب العالمية الثانية قتل والدا هانيبال وهو لا يزال طفلا في السادسة،
وبين الأنقاض المشتعلة أخذ يرى أهوال الحرب وأخته الكبرى "ميشا" تجره من
يده.. طفلة تجر طفلا وسط جحيم ممتد بلا نهاية، حتى سقطا في أيدي مجموعة من
الجنود الجوعى..
في
الحلم يرى "هانيبال ليكتر" كيف دخل الجنود عليه هو وأخته لينتزعوها منه
وليحضر أحدهم فأسًا و.. و.. أعتقد أنه لا يمكنني أن أنقل لك الوصف كما هو
في الرواية، لكن الأمر باختصار هو أن مجموعة الجنود أكلوا "ميشا" أمام
عيني "هانيبال"!
مجموعة
من الجنود الجوعى المتوحشين القذرين... أجلاف كما يسميهم "هانيبال" وكما
يسمي كل من قتلهم وأكلهم انتقامًا مما حدث له هو وأخته.. لكنه ليس قذرًا
كالجنود الذين أكلوا أخته، لذا نراه يأكل أعضاء ضحاياه بطرق طهو خاصة
ويتناول معها النبيذ الفاخر..
هذه
النظرية هي التي تبناها موقع "
www.crimelibrary.com " وهنا يجب أن نلاحظ
أن هذا الموقع يتحدث عن القتلة في عالم الواقع، لكنه وضع قسمًا خاصًا
لشخصية "هانيبال ليكتر" اعترافًا منه بأنها شخصية ثرية تستحق الدراسة..
الآن
عرفنا سبب تحول "هانيبال" من طبيب نفسي مرموق إلى آكل لحوم بشر، لكن يظل
السؤال الأول معلقًا.. كيف تحول آكل لحوم البشر هذا إلى بطل محبوب؟
"أنتوني هوبكنز" الذي خلّد الشخصية في عالم السينما يقول:
هانيبال
رجل وحيد.. إنه يعبر عن أسوأ ما في داخلنا، ونحن نحب دومًا أن نرى شخصًا
يقوم بما نخشى نحن القيام به.. لهذا نجح هانيبال.. لأنه سينفذ لك أسوأ
كوابيسك..
البعض تبنى نظرية أن "هانيبال ليكتر" بعشقه المفرط للفن والجمال.
لا يمكن أن يكون قاتلاً مجنونًا.. إنه –فقط– ينتقم مما حدث له!
لاحظ أنه ينتقي ضحاياه ولاحـــظ –وهذا أهم بكثير– أنه يحب.. يحب "كلاريس"..
في
نهاية فيلم "هانيبال" نرى "كلاريس" وهي تضع الأصفاد في يدها ويد "هانيبال
ليكتر" لتمنعه من الهرب، ويجد "هانيبال" أن الخيار الوحد أمامه للهرب هو
إما أن يقطع يده أو يد "كلاريس"، فيقطع يده هو لأنه يخشى أن يؤذيها..
البعض يعدّون هذه اللقطة شديدة الرومانسية.. وأعتقد أنني أفهمهم..
• خبر سار للبعض..
عشاق
"هانيبال ليكتر" في كل مكان سيحظون برواية جديدة عن قاتلهم "المفضل"
وسيكون عنوانها "خلف القناع Behind The Mask" وفيها سنعرف كل شيء عن ماضي
وطفولة "هانيبال ليكتر"، وحقيقة ما رآه في الحرب وما الذي حدث له بعد ذلك..