المسحور, تمثال, جدحر
ماهو تفسير هذا؟؟؟؟؟
أثار تمثال فرعوني صغير معروض داخل المتحف المصري بميدان التحرير «وسط القاهرة»، جدلا شديدا بين الأثريين والرأي العام في مصر، بعدما صرح مسؤول في المجلس الأعلى للآثار المصرية بأنه تمثال «مسحور» يعالج الأمراض، ما أصاب السياح والمرشدين بالخوف من الاقتراب منه، خشية أن تصيبهم «لعنة الفراعنة».
التمثال من الحجر البازلتي الأسود لكاهن فرعوني يجلس القرفصاء اسمه «جدحر» أي «المنقذ»، تغطيه بالكامل أدعية وتعاويذ سحرية مكتوبة باللغة المصرية القديمة «الهيروغليفية»، وقد تم اكتشافه العام 1909 بمدينة «أتريب» الأثرية بمحافظة القليوبية «شمال القاهرة».
بداية القصة المثيرة ترجع إلى إعلان رئيس الإدارة المركزية للآثار المصرية الأثري عاطف أبو الدهب عن وجود تمثال في إحدى قاعات المتحف المصري، وهو تمثال يخشاه الجميع - حسب قوله - بمن فيهم الأثريون أنفسهم، كما يحرص المرشدون السياحيون على عدم الاقتراب منه، وإذا اضطروا للإدلاء بمعلومات عنه للسياح فتكون مختصرة جدا وسريعة.
وقال: إنه عكف على البحث في خبايا التمثال وأسراره وتعاويذه، ليكتشف أن هذا التمثال لديه قدرة على علاج حالات السحر وشفاء الأمراض وحماية المولود بل القتل لو اقتضى الأمر.
وأكد أبو الدهب أن هذا التمثال موجود بالفعل في المتحف المصري وهو يخص كاهنا يدعى «جدحر» ومعناه «المنقذ»، وهو يجلس القرفصاء وهذا التمثال مغلف بالكامل بالأدعية والتعاويذ السحرية من جميع جوانبه.
وأشار... إلى أن التمثال مدهون بأدعية وتعاويذ سحرية «من الأعلى وحتى منطقة الحوض»، والتي اعتبرها أبو الدهب أخطر منطقة في التمثال، لأن هذا الكاهن الساحر كان يصب الماء على رأسه وتتجمع المياه في هذا الحوض ليصبح ماء «سحريا».
ولفت... إلى أن هذا الماء السحري قادر على شفاء المريض من الأمراض، كما يستخدم في علاج لسعات العقرب وسم الثعبان، كما يستخدم في حماية المرأة الحامل وحماية الطفل المولود... حيث يلقى هذا الماء على المرأة أو الطفل المولود بعد ولادته مباشرة، ولكن بشرط أن يكون الإنسان عاريا تماما وموجودا بمفرده في مكان لا يراه أي شخص آخر.
وأكد أبو الدهب أنه من المؤمنين بلعنة الفراعنة وبأن الحضارة الفرعونية هي نتاج السحر، مشيرا... إلى أنه يرى أشياء في المناطق الأثرية والمعابد والمقابر... لا يستطيع أن يراها الشخص العادي ما جعله يشعر بأن هذه الأبنية يدخل بها جزء من السحر وخاصة أنها مرتفعة بشكل كبير وتزن أحجارها مئات الأطنان.
وتساءل: هل كل هذا نتاج جهد بشري خالص؟ مشيرا إلى أن المقابر تحتاج لآلاف السنين لنحتها، قائلاً: أؤكد أن السحر عامل أساسي في هذه الأعمال والإنشاءات، لافتا إلى أن هناك لوحات سحرية داخل مخازن المتحف المصري.. ومعبد الكرنك في الأقصر وفي المعابد الفرعونية لابد من دراستها.
وأوضح الأثري المصري... أن موضوع السحر في الحضارة الفرعونية.. أمر مغلف بالغموض وتخافه الناس.. خاصة بعد حادثة الرجل البولندي «لكسة» الذي ترجم جميع النصوص السحرية في مصر، ولكنه مات بعدها فجأة قبل أن يعلق عليها، فشعر الناس بأن هناك محاذير من الدخول في سحر الفراعنة لأنه أصبح أمرا محفوفا بالمخاطر.
وقال أبو الدهب بلهجة حاسمة: هناك لعنة فراعنة موجودة بالفعل، وهناك أدلة حدثت لأشخاص دخلوا مقابر أثرية لإلحاق الأذى بها وحدثت لهم كوارث، لافتاً إلى أن اهتمامه بهذه القضية وبهذا التمثال.. يرجع إلى أن الفراعنة كانوا يعتبرون المرض نوعا من أنواع السحر داخل الجسم، لذلك فالذي يستطيع شفاء هذا السحر هو الكاهن أو الساحر أو الطبيب، وكلها درجات تندرج تحت صفة واحدة وهي «الكاهن».
ودلل على أن تمثال «جدحر» تمثال سحري بوجود رسمة التمساح أسفل التمثال، والتي توضح أن «الإله» يدوس على التمساح، وهذا يعني أن هذا التمثال مسحور بسحر خير، وحذر من العبث بهذا التمثال من دون علم.
من جانبه، رفض رئيس قطاع المتاحف محمد عبد الفتاح هذا الكلام.. مشيرا إلى أن هناك تماثيل وبرديات تحمل رقى سحرية وتعاويذ، وكذلك المقابر التي تحوي تعاويذ لحماية المتوفى، وهناك تمائم لهذا الغرض.
وتابع: هذا لا يعني أن هناك تمثالا مسحورا، فهذا غير صحيح ولا يقبله عقل أو منطق، مؤكدا أنه لا يمكن أن يأتي مرشدون سياحيون لزيارة المتحف ويبتعدون عن هذا التمثال أو أي تمثال آخر، مشيراً إلى أن السحر كان موجودا عند الفراعنة، وكان منتشرا في الحضارة الفرعونية، وهو ليس معجزة.. لكن المعجزة هي ما قام به سيدنا موسى عندما تحولت عصاه إلى أفعى أكلت الأفاعي.. التي أخرجها السحرة الذين اعتمدوا على الخداع البصري ليسحروا أعين الناس كما جاء في القرآن الكريم.
وقال عبد الفتاح: نحن كأثريين لدينا آثار تحمل تعاويذ وأدعية سحرية، ولكنها قد تكون مؤثرة في الحضارة الفرعونية الماضية، وليس الآن.. وحتى نحن لم نتأكد من تأثير هذه الأشياء في الحضارة القديمة وهل كانت مؤثرة بالفعل أم لا، وخاصة أن هذه الحضارة ترجع إلى «5» آلاف عام، متسائلاً: إذا كان هذا الماء المسحور الموجود بحوض التمثال كان يشفي المرض قديما فهل يمكن أن يشفي الأمراض الآن؟.
من جانبها، نفت مديرة المتحف المصري الدكتورة وفاء الصديق ما ذكر عن التمثال المسحور. مشيرة إلى أن تمثال «جدحر» من العصر البطلمي، ويرجع لعهد الملك فيليب خليفة الإسكندر الأكبر في مصر مؤكدة أن التمثال كأي تمثال آخر بالمتحف، ليست له معاملة خاصة ويتعامل المرشدون السياحيون معه كأي تمثال أثري، رافضة أن يروج أثري مسؤول هذا الكلام عن التماثيل المسحورة ولعنة الفراعنة، لأن هناك من قد يفهم هذا الكلام بشكل خاطئ ويعتقد أنه تمثال.. ولديه كرامات ومسحور وماؤه سحري، وهذا الكلام غير صحيح.
وتابعت الصديق «نحن نرى التعاويذ والأدعية والرقي في التماثيل والمقابر والتمائم والبرديات، فهل كل هذه الأشياء مبروكة، ويمكن استخدامها الآن لشفاء الأمراض أو لأي شيء كهذا؟... أؤكد أن هذا الكلام غير صحيح».
الأمين العام للمتحف المصري محمد علي أكد أن هذا التمثال بالفعل يخص كاهنا كان يصب الماء على جسده، ومن يشرب من هذا الماء يشفى ويطيب... مستدركاً لكن هذا كان أيام الفراعنة، ولا يمكن التعامل مع التمثال بأنه مسحور في وقتنا الحالي.
وعن الأدعية والتعاويذ المكتوبة على جسم التمثال قال : إن هذه الأدعية كانت بغرض قضاء الحاجة، والتبرك لقضاء المسائل، وليس لنا نحن الآن، وخاصة أن الفراعنة القدماء كانوا يعتقدون اعتقادا راسخا في السحر ويؤمنون به، وكانوا يهتمون بالتعاويذ السحرية والأدعية لقضاء حاجاتهم.
وتابع: ما يؤكد كلامي هو أن القدماء اعتقدوا في البعث، لذلك اهتموا بالمقابر أكثر من المنازل، وقد عثرنا على مقبرة «توت عنخ آمون» ورمسيس الثاني، ولكننا لم نجد القصور التي كانوا يقيمون فيها، ما يعكس الاهتمام الكبير بالناحية الدينية، ولذلك نجد النصوص الدينية على معظم التماثيل الفرعونية، رافضاً ما يسمى بـ «لعنة الفراعنة». مشيرا إلى أن المقابر كان يكتب عليها لعنات لتحذير من يحاول العبث بها فقط، وذلك لأهمية المقبرة لأنها تمثل الحياة الأخرى، مشيرا إلى أن «التمساح» الموجود أسفل التمثال لا يعني أنه مسحور أو مبروك بل هو لتحذير من يقترب من التمثال لإيذائه.