اضرار الرقابة الشديدة للابناء ، خطورة الرقابة الشديدة للابناء ، رقابة المراهقين
الرقابة الشديدة للابناء مماثل للاهمال تماما
نحب أبناءنا.. نعم. نخاف عليهم.. نعم. لكن أن يتحول هذا الحب وهذا الخوف إلى ملاحقة ومطاردة للأبناء في كل مكان، بل ويصل إلى حد التجسّس والترصّد لكل كلمة.. أو سلوك.. أو حتى لمجرد صمت الأبناء، أو استمتاعهم بأحلام اليقظة، خاصة في مرحلة المراهقة! فهذا هو الخطر الذي يجب أن ننتبه إليه قبل أن يدفع أبناؤنا ثمن خوفنا عليهم.
التفهم والحوار الهادئ
ولتكن البداية من حالة أحد المراهقين الذي اصطحبته والدته لعيادة نفسية، وتشكو من إدمانه للحقن المسكنة والبانجو، وهو في الثانوية العامة، وتشكو من عدم إقباله على التحصيل الدراسي. ويقول الدكتور المعالج: عندما تعمّقت في فهم نفسيته؛ اكتشفت اعتماديّة مفرطة نمّتها الأم بداخله فهو ابنها الأول، وكانت تذاكر له بنفسها بعض المواد ثم أرغمته على أخذ دروس خصوصية في كل المواد الدراسية بعد ذلك لتضمن له التفوق والنجاح، وحين دخل إلى مرحلة المراهقة كانت شلة الأصدقاء في انتظاره فتولَّوا التوجيه والاحتواء، وإدخاله إلى طريق المخدرات.
ويستطرد الدكتور المعالج: لا بد أن نعرف أن المراهق بعد بلوغه يبدأ في سحب شحنة الحب والعاطفة من الوالدين ويوجهها إلى نفسه، وإلى أبطال التاريخ، والقدوة التي تعجبه، ورفاقه (أعضاء الشلة). ومع سحب هذه الشحنة يبدأ في رؤية عيوب الوالدين؛ بل ويضخّمها كسمة انفعالية مصاحبة للمراهق. ويصاحب رؤية العيوب السخرية من الكبار والتوحد مع شلة الأصدقاء والانقياد لهم حتى يحوز القبول منهم، وعصبية الوالدين وثورتهم لا تعيد المراهق؛ ولكنها تلقي به بعيدًا إلى أيدي الرفاق، ولذا فالأفضل التفهم والحوار الهادئ دون فرض سيطرة، أو إصدار قوانين تجعله أكثر عنادًا وتدميرًا لنفسه، فكثير من المراهقين يدمرون أنفسهم بالإدمان للمخدرات، أو عدم المذاكرة والفشل كنوع من العقاب للوالدين.
ومن عيوبنا كمجتمع أن مراهقينا أصبحوا يطلبون حرية التصرفات بلا حدود أو قيود مثل المجتمعات الغربية، في نفس الوقت الذي يتمسكون فيه بنمط الرعاية الكاملة من الوالدين، والاعتماد عليهم من الناحية المادية كما هو واقع في المجتمعات الشرقية، ولذا فإن الحرية التي يطلبونها هي لأخذ فرصة أكبر في الاستمتاع والرفاهية، ولذا فإنهم يجمعون عيوب المجتمع الشرقي من الاعتماديَّة، وعيوب المجتمع الغربي من الحرية.
و عندما سئل الدكتور المعالج كيف يتحول الحب الزائد والحماية الزائدة إلى نقمة؟
يجيب: الحماية الزائدة في الطفولة تعني عدم إعطاء الطفل فرصة لتنمية اختياراته أو حتى اكتشاف قدراته، فقبل أن يختار تكون الأم قد اختارت له، وقبل أن يعيش خبرة مواجهة موقف تكون الأم قد تدخلت لإنهاء الموقف لصالحه، وهذا الطفل غالبًا ما يكون سلبيًا يشبه الكرة التي يدحرجها آخرون نحو الهدف دون اختيار منها أو إرادة، وهذا الطفل السلبي لا يريد شيئًا كهدف، ولكن الأم هي التي تريد، ودوره غالبًا يكون إما في الاستسلام التام لهذا الدفع بواسطة الأم، أو في المقاومة. وقد تأخذ المقاومة صورة البطء الشديد في التصرفات، فحين يعود من المدرسة يخلع ملابسه في فترة طويلة، ويتناول طعامه ببطء شديد، وفي فترة أطول دون مبالاة بضياع الوقت.
هذا الطفل عندما يصبح مراهقًا لا يكون قد اكتسب أية خبرات مستقلة في طفولته، فتشعر الأم أنه خام وأنه يمكن أن يكون ضحية للآخرين، فتخاف عليه وتستمر في أداء دور الحماية المفرطة، واختيار الأصدقاء ومراقبته، لأنها تعرف تمامًا أنه يسهل السيطرة عليه، فلقد نمت فيه الاعتمادية التامة، ولذا فهو يحتاج إلى من يقوده حتى ولو في اتجاهات خاطئة.
الحــوار
وتلتقط الحديث دكتورة متخصصة فى علم تربية الطفل -قائلة: “إن مدخل المرور من مرحلة المراهقة بسلام هو الحب، ويصل هذا الشعور إلى الأولاد عن طريق الاحتواء، والاهتمام بكل صغيرة وكبيرة في حياتهم؛ فكل لفتة أو أسلوب للحديث أو التأمل لا بد من مراقبته والتعليق عليه ومناقشته، من هنا يشعر الأبناء بالاهتمام وعدم الإهمال؛ مما ينمي لديهم الإحساس بالأمان، ويُقوِّي ضميرهم اليقظ الحر فتقل أخطاؤهم وهفواتهم، كذلك تلعب القدوة دورًا أساسيًا في تكوين شخصية الأبناء، فتقمُّص السلوك العادي التلقائي هو المثال الذي يتبعه الأبناء دون أن يدركوا فلا تحتاج معهم إلى مجهود في الإقناع أو الترشيد أو التوجيه. ومن أهم وسائل السيطرة على سلوك الأبناء إشباع رغباتهم العاطفية، والاعتدال في السلوك، فلا انحراف ولا إفراط في الرعاية ولا إهمال. ويعتبر الوجود المستمر في حياة الأبناء أحد أساليب الحماية من الانحراف والتطرف؛ ويتم هذا عن طريق الحوار الودود المستمر بين كل أفراد الأسرة؛ عن طريق اجتماع يومي لمناقشة أحداث اليوم.
ولا يجب بأية حال من الأحوال استغلال فرص اللقاء اليومي لمهاجمة سلوك الأبناء؛ فتكون النتيجة الإحجام وليس الإقدام، والتركيز على الإيجابيات يعطي مردودًا نفسيًا جيدًا ينمي شخصية الأبناء، ويشعرهم بقيمتهم كأعضاء مهمين في الأسرة.
وتؤكد الدكتورة على أن دور الأسرة لا يقتصر على توفير المأوى والاعتناء بنظافة الطفل واحتياجاته المادية؛ ولكن تنشئة الأبناء تحتاج قبل كل شيء إلى الحب والانتماء، وليس مجرد ظروف جيدة مناسبة للمعيشة، وأن يتعاون الأب والأم في انتهاج نفس أسلوب التربية والرعاية والحوار بين أفراد الأسرة.
وتحذر الدكتورة من محاولة تعويض الرعاية الأسرية بالمربيات؛ فتوفير الاستقرار المادي من عائل الأسرة لا يعوِّض الأبناء أبدًا عما يحتاجونه من رعاية ومتابعة.
دكتور علم النفس – يوضح: إن ملاطفته تكون في السنوات السبع الأولى من سن الطفل التي يجب أن تكون عيننا عليه في كل تصرف وفي كل سلوك؛ حتى نرشده ونوجهه، فالطفل في هذه المرحلة يكون عنده ما يسمى (باختبار الحدود) أي أنه يختبر دائما ردود فعل والديه على ما يفعله، حتى يعرف حدوده، ويميز بين الصحيح الخطأ.
فقبل أن يبدأ في كسر زهرية أو زجاجة مثلا ينظر إلى والديه، قبل أن يقذفها، فإذا نهراه عرف أن هذا الفعل غير مسموح به، وإذا لم ينتبها إلا بعد كسرها بالفعل فنهراه يعرف أن فعله خطأ، ولا يعود لارتكابه مرة أخرى.
ومن السابعة حتى الرابعة عشر يكون تعليم القيم وتعويد الطفل أو الطفلة على الاختيار مساعدته في ذلك الاختيار وتهيئة فرص هذا الاختيار مثل مناقشته عن كيفية قضاء وقت فراغه أو اختيار دراسة بعض المواد الدراسية. حتى إذا انقضت هذه المرحلة، وانتقلنا إلى مرحلة المراهقة أو المصادقة والمصاحبة يمكن في هذا الوقت أن يكون لدى المراهقين القدرة على اتخاذ القرار، وتكون الأم أقرب -في هذه المرحلة-إلى نفسية الابن والابنة على حد سواء، وتستطيع أن تستشف من ملاحظاتها أشياء يمكن أن تنتبه إليها وتوجه ابنها بطريقة غير مباشرة تسودها المودة، مع إعطائه قدرًا من الثقة والاعتماد على النفس والاستقلال النسبي الذي يعتبر من خصائص مرحلة المراهقة حتى يصل إلى الاستقلال الكامل في سن الرشد، ويكون الزواج مقدمة الاستقلال، لأنه يجمع بين الاستقلال الاقتصادي والاستقلال الاجتماعي عن الأسرة الكبيرة، ولذا فإن من يعوِّد ابنه عدم الاستقلال منذ مرحلة المراهقة يفقده كيانه.
فـن الوالديّة
وتؤكد الدكتورة- أن الحماية الزائدة لأطفالنا مثل الإهمال لهم، كليهما خطأ تربوي يعود إلى أننا لم نُعلِّم الآباء والأمهات فن الوالديّة، أي كيف يكونون آباءً؟؟ وكيف يعرفون أن التربية ليست عملية عشوائية؟؟ فهناك كثير من الأخطاء التربوية التي نرتكبها كآباء وأمهات دون أن نشعر ويكون مردودها خطيرًا، فتدليل الطفل لأنه أصغر الأبناء، أو تدليل الولد لأنه ولد وليس بنتًا، وتفضيل المتفوق دراسيًا عن أخوته، كل هذا لا يصح من الناحية التربوية، لأنه يُوغر صدر بقية الأخوة ويولد بينهم العداوة. كما أن التذبذب في المعاملة بين العقاب والثواب على نفس السلوك الذي يقوم به الابن؛ كأن أعاقبه مرة إذا تحدث أثناء حديثي مع جارنا، وأثيبه في مرة أخرى لنفس الفعل، كل هذا يحدث خللاً في المبادئ عند الأبناء. وهناك أيضًا تسلّط بعض الآباء الذين لا يعطون فرصة لأبنائهم في اختيار شيء أو إبداء رأي في شيء، وهذا أيضًا قصور في الوعي عند الوالدين. وتذكر الدكتورة شكلاً آخر من أشكال التربية الخاطئة؛ وهو الاختلاف بين الوالدين في أسلوب التربية وفي القيم التي يوجهون أبناءهم إليها، مما يصيب الطفل بعدم الفهم وعدم معرفة الحقيقة، وبالتالي اهتزاز الشخصية.
و تضيف قائلةً: إن الحب هو القدرة على العطاء والأخذ أيضًا، ولذا فإن حب الآباء تجاه أبنائهم إذا تحول إلى خوف زائد ونوع من السيطرة؛ فهو حب مؤذٍ يصيب الأبناء بالتعاسة بعد ذلك، يجعلهم شخصيات مهزوزة لا تقدر على اتخاذ القرارات أو مواجهة المشكلات التي تصادفنا جميعًا في الحياة، ويحتاجون لطلب المشورة في كل صغيرة وكبيرة، ولهذا يضخِّمون المشكلات دائمًا، وتتحول لديهم التحديات العادية إلى مشكلات غير قابلة للحل، ولهذا فأغلب هؤلاء يصبحون انطوائيين، ويصابون بالإحباط، لأننا عندما نستطيع حل مشكلة ما والتغلب عليها نشعر بالثقة بالنفس ونحس بالسعادة، وهذا ما يفتقده هؤلاء الأبناء الذين شاء لهم حظهم أن يُربَّوا بطريقة خاطئة.