هل الصوم خارج رمضان، يعالج الأمراض المزمنة حقًا؟
لقد أصبح الصيام يجذب العديد من الناس، إما من أجل الحفاظ على صحة جيدة أو من أجل الشفاء سريعاَ من مرض, وذلك عن طريق تحفيز نظام مناعة الجسم. إذن هل ممارسةالصيام خارج رمضان تحقق حقاً كل هذه الفوائد ؟ وهل هو منصوح به حقاً؟
ما هو أصل الصيام ؟
إن عادة الإنقطاع عن الطعام ظاهرة شائعة في حياة الحيوانات, فهم يصومون غريزياً عندما يكونون مرضى أو جرحى، أو يجبرون على الصيام لعدة أيام عند عدم توفر ما يكفي من الطعام. حيث يتم تخزين الدهون في مختلف الأنسجة، بالتالي يستطيعون البقاء بدون طعام لعدة أيام وعند السبات.
وبالمثل، فالإنسان قادر إلى حد كبير على البقاء على قيد الحياة دون طعام لفترة من الوقت. فظاهرة الصيام ظهرت بين البشر منذ القدم, و كان تاريخها مرتبطاً بعادات دينية و روحية منذ الأزل.
إن فضائل الصيام تؤثر إيجاباً سواء على الجسم و العقل, فكما يقال : العقل السليم في الجسم السليم. فخصائص الصيام العلاجية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر.
لماذا كان الصوم من قبل على 3 وجبات في اليوم ؟
إذا كان سبب الصيام من قبل هو المجاعة والحرب، فإن هذه الممارسات لم تعد لها ضرورة في المجتمعات الصناعية حيث تكثر المواد الغذائية. فالوجبات الثلاث كل يوم، مع إمكانية إضافة وجبة خفيفة أو إثنين أصبحت هي القاعدة. إذا إعتبرنا أن حياة الحيوان والإنسان عادة ما تتخللها أوقات صيام، فمعدل ثلاث وجبات يومياً ليس طبيعياً أبداً. بل يمكن تكون سبباً رئيسياً للمرض، ناهيك عن تأثير الوجبات السريعة على الصحة.
إن ممارسة الصوم بانتظام يمكن أن تكون وسيلة للرجوع إلى إيقاع الحياة "الطبيعية"، وبالتالي فإن له آثار إيجابية على الصحة سواء البدنية والنفسية، لكن طريق ممارسته تختلف حسب الهدف المراد تحقيقه.
لماذا الصوم لمدة طويلة ؟ الصوم ينقي و يصفي الجسم :
إن الصيام الطويل يستغرق عدة أيام وعدة أسابيع، وهوعلاج من شأنه أن يعود بالنفع على صحة الجسم. فهو يساعد على إزالة السموم الراجعة إلى التلوث و التوتر و تنظيف الجسم منها.
عادة ما يستغرق هذا الصيام القائم فقط على الماء من 3 إلى 10 أيام، و يمكن أن يصل إلى ثلاث أسابيع, حيث أن حبس التغذية عن الجسم يسمح له بأن يكرس نفسه كليا للتجديد والتخلص من تراكمات السموم . بداية ً يشعر الصائم بالجوع، لكن سرعان ما يختفي في اليوم الثاني، ويتحول إلى شعور بالخفة وصفاء الذهن.
من بين الآثار المترتبة على إزالة السموم : جفاف اللسان، رائحة نفس كريهة ولون البول الداكن. من جهة أخرى, هناك علامات تشير إلى نهاية إزالة السموم والتوقف عن الصيام نذكر منها : اللسان الذي يستعيد لونه الطبيعي، رائحة نفس طبيعية, لون البول الذي يصبح واضحاً والشعور بالجوع الذي يرجع طبيعياً.
إن المرضى بعد علاج الصيام غالباً يبدون حيوية كبيرة، وتركيز أكبر على النفس. يمكن أن يتم هذا العلاج في أي وقت من السنة، مع أن بعض الممارسين يوصون بالفترات الانتقالية من الربيع والخريف.
الصيام العلاجي ضد الأمراض :
من بين الدوافع الكبرى للصيام لعدة أيام على الأقل هو أولا الرغبة في الشفاء مرض معين. بألمانيا, يمارس الصوم العلاجي بكثرة حيث أن العديد من المراكز تكرس إهتماماً بالغاً له. فالمدة المعتمدة له تختلف من مريض لآخر حسب (العمر، الجنس، الوزن، وقوة التحمل )، ويمكن أن يتألف فقط من الماء ,العصير، الحقن الوريدية والمغليات, حيث أن له القدرة على تحفيز قوى تجديد خلايا الجسم، وزيادة القدرة على الشفاء الذاتي. اضافة لذلك , فإننا نجد نفس الآثار الإيجابية بالنسبة للصوم الغير العلاجي.
إن هذا النوع من الصيام الذي يُتبع بنظام غذائي نباتي، أظهر نتائج جيدة على المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو التهاب المفاصل الروماتويدي. كما أنه مفيد أيضاً للإضطرابات الأخرى مثل اضطرابات النوم، التهاب البنكرياس الحاد أو متلازمة القولون العصبي.
حسب دراسة أٌجريَت، لوحظ أن آثار الصيام لمدة شهرين على المرضى الذين يعانون من السمنة المفرطة كانت إيجابية. فبعد الصيام, تم فقدان حوالي 41.4 كيلوجرام ,وعاد الكثير من المرضى الى وزنهم الطبيعي.
غير ان الملاحظ هو ان 3 في المائة من الأشخاص استعادوا وزنهم الأول في غضون 2-3 سنوات بعد علاج الصيام، و 90٪ بعد 7 سنوات، و 7 فقط حافظوا على الوزن الذي حصلوا عليه في نهاية الصيام، مما يدل على أن الصيام ليس حلاً دائماً لانقاص الوزن, بل يجب أن يكون مصحوباً بنمط حياة صحي.
لماذا يجب ممارسة الصوم المتقطع ؟
الصوم المتقطع يرتكز على فترات صوم قصيرة ولكن منتظمة. توجد عدة صيغ منه : صيغة 16/8 ، الذي يرتكز على توزيع الوجبات على 8 ساعات في اليوم و صيام 16 ساعة الباقية. ويمكن أيضا أن يتم الصيام في نفس اليوم كل أسبوع .
لقد تم تطبيق نظام صيام 24 ساعة من خلال عملية بحث أجريت في ولاية يوتا 200 على شخص بصحة جيدة , وأظهرت النتائج أن الإجهاد أو الجوع الناجم عن الصيام يمكن من حرق الدهون و زيادة كبيرة في هرمون النمو (gh) في 2000٪ لدى الرجال و 1300 في٪ النساء. هذا الهرمون يساعد على الحفاظ على العضلات وتنظيم مستويات الجلوكوز في الدم، الأمر الذي له تأثير على خفض خطر الإصابة بمرض السكري و مقاومة الانسولين. من جهة أخرى، فإن الصوم المتقطع يكافح الأكسدة، وبالتالي يحفاظ على شباب الدماغ والذاكرة ووظائف التعلم.
هل الصوم ممارسة آمنة ؟
من المهم عدم الخوض بشكل متهور في الصيام لعدة أيام دون إعداد مسبَق للجسم. فمن الأفضل البدء بتعويد الجسم على عدم تلقي الطعام بانتظام لعدة ساعات (الصوم المتقطع) قبل ممارسة الصيام الطويل، وذلك للتأكد من التوفر على قوة نفسية لذلك.
وبالمثل، فمن الأفضل إجراء فحص طبي لمعرفة مدى توفر الامكانات المادية لدعم الصوم على المدى الطويل، خاصة بالنسبة للأشخاص الخاضعين لنظام دوائي. علاوة على ذلك، فإنه ينصح بشدة التقليل تدريجيا من كمية الوجبات قبل أيام قليلة من بدء الصيام، وتجنب اللحوم والأسماك والمنتجات المكررة (الحبوب المكررة مثل المعكرونة / الخبز / الأرز الأبيض، السكر الأبيض ... ) ووقف تناول أي دواء (بعد إستشارة طبية)، لتجنب الآثار الجانبية مثل الصداع، التهيج، أو الدوخة.
إن الشعور بالتعب بعد بضعة أيام من الصيام أمر طبيعي، ويفسر ذلك بحقيقة أن الجسم ليس لديه خيار آخر سوى الاعتماد على احتياطياته، لكن مع ذلك يجب أن نبقى على يقظة وتمييز إشارات التحذير التي يرسلها الجسم والتي قد تعوق تحقيق الصيام.
بعد الصيام الطويل، لا بد من العودة إلى النظام الغذائي العادي تدريجياً. فالجسم الذي لم يتلق أي أطعمة لفترة طويلة، يحتاج في البداية إلى الأطعمة سهلة الهضم مثل الخضروات المطبوخة. فطول فترة التعود مرتبط بمدة الصيام: كلما كانت فترة الصيام أكبر , كلما وجب تمديد الجسم بالغذاء اللازم تدريجياً.
كل هذه الأسباب تدعو إلى ضرورة البقاء تحت إشراف وتأطير مختص عند بداية الصيام الطويل، وخصوصاً إذا كانت أول تجربة. فمهما كان الصيام الطويل مفيداً، فإنه يمكن أن يكون له أيضاً عواقب سلبية إن لم يتم إعتماده بشكل صحيح، مثل الحمى والصداع المستمر، المغص، أو الغثيان.