السؤال
كيف نوفق بين الآية الكريمة ( قال ربي هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) وبين ما ورد في البخاري ...قال عثمان بن الهيثم حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص الحديث فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح وقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقك وهو كذوب ذاك شيطان).
حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرددته خاسئا عفريت متمرد من إنس أو جان مثل زبنية جماعتها الزبانية.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس في تمكن النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ العفريت الجني المتفلت وربطه ما يتعارض مع دعاء سليمان عليه السلام المذكور في الآية؛ إذ أن خصوصية سليمان فيما اختص به هي في ملك عام وشامل يشمل تسخير الجن والرياح فيما يشاء من أمور وأغراض ..
قال الألوسي في تفسيره : وما أخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم ..وذكر الحديث .. لا ينافي ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام أراد كمال رعاية دعوة أخيه سليمان عليه السلام بترك شيء تضمنه ذلك الملك العظيم؛ وإلا فالملك العظيم ليس مجرد ربط عفريت إلى سارية؛ بل هو سائر ما تضمنه قوله تعالى الآتي: فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح .... الخ .اهـ.
وأما الحديث الآخر في حفظ قارئ آية الكرسي من الشيطان فأجاب عنه ابن حجر بقوله كما في فتح الباري : وقد استشكل الجمع بين هذه القصة وبين حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضا الماضي في الصلاة وفي التفسير وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن شيطانا تفلت علي البارحة.. الحديث، وفيه: ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية. وتقرير الإشكال أنه صلى الله عليه وسلم امتنع من إمساكه من أجل دعوة سليمان عليه السلام، حيث قال: وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي قال الله تعالى: فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ ثم قال: وَالشَّيَاطِينَ، وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه، وأراد حمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والجواب أنه يحتمل أن يكون المراد بالشيطان الذي همَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يوثقه هو رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن منهم، فيضاهي حينئذ ما حصل لسليمان عليه السلام من تسخير الشياطين فيما يريد والتوثق منهم، والمراد بالشيطان في حديث الباب إما شيطانه بخصوصه أو آخر في الجملة لأنه يلزم من تمكنه منه اتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكن أو الشيطان الذي همَّ النبي صلى الله عليه وسلم بربطه تبدى له في صفته التي خلق عليها، وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه السلام على هيأتهم، وأما الذي تبدى لأبي هريرة في حديث الباب فكان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان. والعلم عند الله تعالى. اهـ.
والله أعلم.
http://www.islam,,,.net/ver2%20/Fatw...Option=FatwaId