الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
كثير من الحالات المرضية يكون الأصل فيها عامل الحزن الشديد أو الصدمة القوية التى يُبرّك عليها الشيطان مما يحدث تغيرات عضوية كتغيرات في إفراز الغدد الصم ، وتغيرات في نشاط مناعة الجسم ، وتغيرات في نظام النوم .
أما على المستوى النفسي المباشر ، فتشير الدراسات الحديثة الى أن المصابين بالحزن المرضي تظهر لديهم اضطرابات مصاحبة من قبيل : الاكتئاب ، والوسواس القهري، والتحول الهستيري، وتوهم المرض ، والنحول العصبي ، وتظهر في بعض الحالات الأوهام والهلاوس السمعية والبصرية عندما يتركز تفكير أصحابها على ذكرياتهم مع الفقيد ، فتغدو حية في مخيلاتهم ، وقد يستعيدون مشاهد منها في أثناء نومهم أو في أحلامهم ، كما يتوهمون أحيانا رؤية الفقيد أو المتوفى موجوداً في البيت أو في الشارع ، أو يسمعون صوت خطواته ، أو ينادونه باسمه ، وتذكر بحوث أخرى أن عدداً من المصابين بالحزن المرضي تظهر لديهم اضطرابات سلوكية كالرغبة في الانتحار أو التجوال الليلي أو الفزع أو الخمول في النشاط اليومي .
كذلك لو أخذنا النساء كشريحة خاصة اللواتى لم يتزوجن بعد ، ووصلن لمرحلة متقدمة من العمر أو شارفن عليها ، وهن السواد الأعظم فى عيادات المعالجين ، فنجد أن العامل النفسى له دور كبير فى الإحساس بأعراض السحر والمس والعين والحسد ، لاسيما أن الضغوط النفسية عليها لاترحمها بسبب زواج من هنّ فى سنها أو من هنّ أصغر منها أو كثرة الأسئلة حولها وحول تأخر الزواج أو حاجتها لرجل وبيت وأولاد كفطرة طبيعية جبلت عليها المرأة أو إحساسها بقدوم شبح سن اليأس ، فيتكون عندها إيحاء قوى بوجود سحر أو مس أو عين أو حسد وبأعراض مشابهة كشماعة تعلق عليها تأخر الزواج فتتقمص دور المسحورة أو الممسوسة وقد ينطبق ذلك على الرجال من حيث ذهاب الرزق ووقف الحال الذى يسنده جلهم للمس والسحر والعين بسبب المعتقد الشعبى السائد أن كل شىء جن وشيطان ، ولايسندونه إلى البعد عن الله أو أكل الحرام أوأكل الربا أوأكل أموال الناس بالباطل ، فالعبد يُحرم الرزق بالذنب يصيبه !!
وقد اهتم علماء النفس بتحديد العلاقة بين نفس وجسم الإنسان وتأثير كل منهما على الآخر ، وأصبح من المعلوم حاليا أن الكثير من الأمراض الجسمية يمكن أن تصاحبها مضاعفات نفسية أو تكون لها جذور نفسية، فنشأ فرع الأمراض النفس جسمانية ، يقول أحد المختصين : " يفترض بعض الباحثين أن التشاؤم يزيد من احتمالات إصابة الإنسان بالأمراض العضوية مثل السرطان ، كما يرتبط التشاؤم بعديد من الاضطرابات النفسية كالاكتئاب واليأس والميل إلى الانتحار والوجدان السلبي والفشل في حل المشكلات والنظرة السلبية إلى صدمات الحياة والشعور بالوحدة وارتفاع معدل النبض ومعدل ضغط الدم الانقباضي ، وقد بينت بعض الدراسات التي أجريت على مرضى السرطان وجود علاقة ايجابية بين التشاؤم وسرعة انتشار مرض السرطان " اهــ .
ونستعرض معاً ماألفيناه منتشراً من أمراض الأصل فيها نفسية وتحدث أعراضاً شبيهة بالمس والسحر بل لها يدٌ فى أمراض عضوية وهمية وربما ساعد فى تطورها القرين بشكل أو بآخر ومنها :
1 ) الوهم :
هو كل خيال أو تفكـر أو تذكر ليس له واقع يدل على صحته وصدقه في الواقع الموضوعي ، وينقسم إلى :
وهم ظنى ـ وهم حسى ـ وهم باطنى ، وهذا الأخير هو الذى يهمنا فى مسيرتنا مع القرين ..
فالوهم من حيث أنه مرض نفسى قائم بتزيين النفس بإيحاء داخلى لبعض المعلومات والصور والمواضيع التى ليس لها وجود واقعى فيصدقها الإنسان ويعيشها ، والوهم قد يكون عبر التزيين الشيطاني وهو تجميل فعل قبيح بإظهاره بصـورة حسـنة وهنا تكون الصورة صورة كاذبة غير صادقة مخالفة للواقع فهي صورة وهمية لأن الوهم ليس له واقع يدل عليه ، وهذا هو أسلوب عمـل الشـيطان لأنـه يدعو للباطل ، فالشيطان يوحي إلى أوليائه بأن هذا العمل حسـن ويؤيـده بدلائل وهمية فيتوهم ضعيف العقل أن ذلك حسن فيتبعه يقول تعالى فى سورة الحجر ( قال َ ربِّ بمآ أغويتَني لأزينَنَّ لهم في الأرضِ ولأُغوينَّهم أجـَمعينَ ) وقال تعالى فى سورة فاطر ( أفمن زُين لهُ سوءُ عملِه فرءآه حسناً فإنَّ اللهَ يضلُ من يشاءُ ويهدي من يشاءُ ) فهذه الرؤية هي رؤية وهمية لا تطابق الحقيقة ، وهذا النوع من الوهم يتحكم في كل الناس وبنسب متفاوتة وبمواضيع مختلفة وبطريقة الإيحاء الوهمي سيطر إبليس على أغلـب أولاد آدم فأبعدهم عن السبيل فمنهم من أوحى إليه بأنك نبي وأعطاه من الأدلة الكاذبة ما قوى الوهم عند ذلك المخدوع فصدق أنه نبي ، ومنهم من أوهمه بأن اللـه يتكلم معه فتصور له في وهمه وخاطبه بالوهم قائلاً لـه إنـي ربـك فصـدق المسكين فسيطر إبليس عليه بقوة الوهم في نفسه فكثير هم الذين يتوهمون أنهم أولياء وصُلاح وأوتاد وأقطاب وكثير من أوهم لهم الشـيطان بـأنهم المهدي المنتظر وكل ذلك بفعل قوة الوهم لديهم ونسي أولئـك أن علامـة العالم التقي هي عدم خضوعـه لقوة الوهم والخيال .
ومن هنا نسـتطيع أن نتبين بأن الوهم بإمكانه التأثير على الجسم المـادي مما يسـبب آلاماً عضوية ليس لها سببٌ مادي , لكن المرض موجود فـي الـوهم كحقيقـة ثابتـة فيحس المريض بالصورة الوهمية المرضية على جسده كحقيقة كما تفعله بعض الأسحار التى ليس لها مببر طبى ، وكمـا أن الـوهم يضـر فهو ينفع أيضاً كالعلاج بالإيحاء كأن يوحي المـريض لنفسـه بأنـه غـير مريض فسن هذا الإيحاء جزء من الإيهام حتى تترسخ الصـورة الوهميـة فـي خيال المريض فتبدأ القوة الخيالية بالتأثير مادياً عـلى جسـد المـريض مما يؤثر على شفائه ، وهناك من المرضى الـذين يتـأثرون بـالوهم فلـو أحضرنا عدداً من المرضى وأعطيناهم كبسولات موهمين إياهم بأنها دواء لصداع فنجد أن عددا منهم يشفى بقوة قناعته بخاصية الدواء الشفائية .
ثم يأتى دور الراقى أو المعالج فى السيطرة على المريض بالوهم والإيحاء إليه ـ وفقاً لتشخيص مضطرب ـ أن فيه شيطان أو أنه مسحور أو معيون ، لاسيما أن المريض مهيأ لقبول هذا الإيحاء بسبب تبنيه لهذه الفكرة سلفاً والتى يحتاج ليعتقدها أن يسمعها من فم المعالج ، لذا تجد مفارقة فى التشخيص بين راقِ وآخر واضطراب فى تقدير معنى وحجم المرض ويصبح المريض كالشاة العائرة بين غنمين ماترك راقياً ولامشعوذاً إلا وطرق بابه والنتيجة قوله ( مااستفدت شىء !! ) .
2 ) الاكتئاب :
ومرض الاكتئاب هو شعور بالحزن والضيق واليأس وقد يصاحبه شعور بالذنب والتقصير والعجز مع فقدان الاهتمام وصعوبة التركيز وكثرة السرحان واضطراب في النوم كالأرق خاصة عند كبار السن وكثرة الكوابيس واضطراب الشهية وتعذر المتعة بأي شيء، ومن علاماته الكسل والإجهاد لأي نشاط عضلي أو عقلي وربما العصبية الزائدة والهياج لأدنى سبب, وقد يصاحب سن اليأس عند المرأة أو بعض الأمراض العضوية, وقد تزيد نسبته عن 5% من مجموع السكان, وتنشط أفكار سلبية في ذهن المريض تدفعه باستمرار إلى اليأس والحزن والتشاؤم والرغبة في الموت قد تؤدي إلى الانتحار في حوالي 15% من الحالات, وقد يعلن الاكتئاب عن نفسه في صورة أعراض جسمانية مثل آلام في أجزاء مختلفة من الجسم أو فقد القدرة الجنسية أو الشكوى من أعراض أمراض عضوية رغم أن الفحوصات الطبية تثبت عدم وجودها, وفي بعض الحالات الشديدة قد تظهر هلاوس مثل سماع أصوات تحقر من شأنه أو تحثه على التخلص من حياته أو ضلالات وأفكار ثابتة خاطئة لا تستجيب إلى الإقناع مثل ضلالات الإحساس بالذنب أو ضلالات اعتلال الصحة, وتلك هي نفس الأعراض التي يتكرر سماعها في العيادات الشعبية للمعالجين ويتكرر نسبتها جميعا لأنشطة الجان في إيذاء الإنس ، ولكن تلك الحالات تستجيب غالباً للعقاقير أو الصدمات الكهربية في الحالات الشديدة, وقد ثبت أن الالتزام بالصلاة وقراءة القرآن والصحبة الصالحة والتشاغل بأعمال البر ومعاونة المحتاجين يساعد العديد من الحالات بالسيطرة على الأفكار السلبية ونبذ الشعور باليأس والإحباط مع احتمال استرداد نسبة مادة السيروتونين كمؤشر معملي إلى معدلها الطبيعي ، ويستفيد الشيطان من هذا الامتئاب فى زيادة الضغط على المريض وتوجيهه إلى معتقدات كفرية فإن لم يفلح معه تدرج به إلى ماهو أقل من ذلك وهكذا ..
3 ) انفصام الشخصية :
يصادف المعالج منها مايقارب عن 10% من الحالات و هو أحد الأمراض الذهنية ( العقلية ) ويعاني فيه المصاب من اضطراب في التفكير والوجدان والإدراك والسلوك وضعف الإرادة ، فينسحب من المجتمع ويغلق باب حجرته على نفسه كثيراً ، ويقع ضحية ضلالات لا يقتنع بعدم صحتها وتشمل ضلالات الاضطهاد والعظمة كأن يعتقد أنه زعيم أو مخترع أو أنه مراقب ومضطهد ، وكثيراً ما يعانى من هلاوس غالباً ما تكون سمعية كأن يسمع أصوات غير موجودة في الواقع قد تعقب على تصرفاته أو تأمره ، وتتسم أفكاره بالغرابة ويقفز إلى استنتاجات مفاجئة لا علاقة لها بالمقدمات ويتطرف في الآراء ويتحذلق في الحديث ويعاني من عدم اهتمام بالمظهر ويتدهور أدائه ومهاراته الاجتماعية والذهنية والوظيفية مع جمود وبرود في العاطفة والوجدان ، وقد يأخذ وضعاً غريبا يظل متجمداً فيه لفترة طويلة مع ذهول أو هياج شديد بدون سبب واضح ، وكثيراً ما يقاوم المريض فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي فتطوف به الأسرة على الدجالين والمشعوذين فيتأخر الشفاء وتزداد المضاعفات وبعد أكثر من 50 راق وساحر النتيجة ( صفر ) وللشيطان استفادة كذلك وتعامل مع هذا النوع من المرض كما تقدم فى أمر الاكتئاب .
3 ) التحول الهستيرى :
يغيب فيها عن الوعي مؤقتا وتظهر بعض محتويات عقله الباطن فيقوم بالتنفيس عن بعض رغباته المكبوتة ويهرب من الواقع والضغوط التي لا يحتملها فيتصور الجميع أن بداخله شيطان يتكلم ، وهذه الحالات لا تحتاج الى جلسات تحقيق مع الجن ـ والواقع أنه المصاب نفسه ـ أو صعق كهربائى ، أو ضرب المريض بقسوة لإخراج الجن ، كل ما في الأمر هو تهدئة المريض وبحث حالته النفسية والتعامل مع الضغوط التي يتعرض لها ، أو لم يكن عند الراقى وقت لبحث الجوانب النفسية ـ ربما لكثرة الزبائن فى عيادته ـ فأقل الأحوال أن يحيله لطبيب نفسى مختص ، وهنا تتحسن الحالة دون تعامل مع الشيطان .
فكثير من الحالات عند سماع قراءة بصوت عالٍ بمكبر صوت أو رؤية ناس تصرع وتصرخ فى رقية جماعية ـ وهذا من أكبر عيوبها رغم تشبث الكثير بها ـ أو عند وقوع ضرب على المريض أو إذا صعق بآلة كهربائية بقصد إخراج الجن أو إرهاقه فإن المريض قد تتكون عنده عملية التحول الهستيرى وهى من العمليات اللاشعورية التى تقوم بوظيفة دفاعية لمصلحة توازن المريض وهذه الحالات تصيب الشخصيات غير الناضجة انفعالياً والقابلة للإيحاء فى نفس الوقت فيحدث أنه فى مواجهة ضغوط معينة كعدم قدرة الطالب على التحصيل أو عدم رغبته فى إكمال الدراسة أو عدم تكيف الزوجة فى زواجها أن يحدث انشقاق فى مستوى الوعى فتحدث حالات الإغماء أو الصرع الهستيرى أو يتصرف الشخص كأنه شخص آخر ليعبر عما لايستطع التعبير عنه فى حالاته العادية وأحيانا يتغير صوته ويأتى بأفعال تثير خيالات العامة وتأويلاتهم ودهشتهم فيلجأون إلى بعض المعالجين الشعبيين حيث يقومون ببعض الإيحاءات للمريض أو إيلامه بالضرب إذا لزم الأمر فيفيق من هذا الإنشقاق الهروبى بسرعة تبهر العامة وتزيد ثقتهم بهذا المعالج ، ولكن الأعراض غالبا ما تلبث أن تعود عند أول ضغط نفسى أو اجتماعى لأن المعالج لم يبحث عن الأسباب وإنما عالج العرض الموجود فقط فى جو من الغموض ، بل ويحدث أن يتمادى المريض فى أعراضه ويطورها بعد ما سمع ورأى من إيحاءات عن تلبس الجن له وتزداد الأمور تعقيداً وهنا يعود أهل المريض إلى المعالج الذى يبتزهم تحت وهم تأثير الجن ، كما أن قوة الوسوسة من القرين تطعى المريض انطباعاً بأن يترجم هذه الوسوسة فتتحول من إيحاء خفى إلى كلمات مسموعة وحركات مرئية !!
يتبع إن شاء الله ..........