بسم الله الرحمن الرحيم .
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد أشرف الخلق و المرسلين , و على آله و صحبه الطيبين الطاهرين .
قبل أن أطلع على الفكر الأحمدي النير , كنت قد إقتنيت كتابا بعنوان (( وقاية الإنسان من الجن و الشيطان )) للمؤلف الدكتور وحيد عبد السلام بالي .
كنت أظن أن هذا الكتاب الحديث سيهون على الأمة من مصيبة الخرافات المتعلقة بالجن .لا يزال هذا الكتاب عندي حتى اليوم .لكنني اليوم أراه من زاوية أخرى تماما .
أولا لا يقدم الكاتب تعريفا كاملا تاما للجن .و هو يطرح من خلال كتابه تصورا غير مكتمل , متناقض حول الجن . بل في النهاية نجد أن هذا الكتاب يهدم أكثر مما يبني .
بنى صاحب الكتاب طرحه على مغالطة رهيبة , و واضحة المعالم .حيث يدعي أن الجن من الغيب .
و هي أول نقطة أتناولها بفضل الله بالتحليل , و سأعرضها على كتاب الله , و أبين بطلانها إن شاء الله .
فهل الجن من الغيب :
يرى صاحب الكتاب و من ورائه التصور التقليدي للجن , أن الجن مخلوقات . أي كائنات حية , تأكل و تشرب , و تتناسل و تتزاوج . إلى آخر التصورات التي سنبين بطلانها بإذن الله .
لكنه يمهد لموضوعه بالزعم أن الجن من الغيب .
و لنقم بعرض هذه النقطة على كتاب الله الحكم العدل .
يقول الله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (30) سورة الأنبياء.
و يقول تعالى : {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (45) سورة النــور.
من الواضح تمام الوضوح أن كل كائن حي يتكون حتما من الماء .و الماء مادة . بمعنى أن هذه النقطة قد انفرط عقدها تماما .
فكل ما يتكون من الماء فهو من عالم المادة و ليس من الغيب في شيئ.
و هي حقيقة علمية ثابتة . لك أن تقيسها على كل الكائنات الحية .بشرا , حيوانا , نباتا , فطريات , ميكروبات ........و هي كائنات محكومة بسنن الله تعالى من حيث أسلوب التكاثر, و أطوار الحمل , و النمو إلى آخر متطلبات حياة الكائنات الحية .
يرى صاحب الكتاب أن الجن تأكل و تشرب ,:
فهل من يأكل من ماديات هذا الكون يكون من الغيب ؟.
يعتقد كثير من السذج , إمكانية الزواج بين البشر و الجن . فهل يصح زواج بشر من عالم المادة , و جني من عالم الغيب ؟.
و لكي يطمئن القارئ تماما , الجن ليست من أركان الإيمان مطلقا .فلا حرج من بحث حقيقة الجن في القرآن و السنة .
و لكي يطمئن أيضا , نحن لا ننكر حرفا واحدا من كتاب الله الحكيم . ما ننكره و الدليل في صفنا و الحمد لله , هو وجود الجن الشبحي , كأمة من الكائنات الحية العاقلة و المكلفة .
فلا وجود في الأرض لكائن عاقل و مكلف غير بني الإنسان , بدليل :
1-{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (30) سورة البقرة.
فالقرآن يقرر وجود خليفة واحد في الأرض , و هم الناس , البشر .
2- يقول الله تعالى : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (72) سورة الأحزاب.
فلا وجود لكائن آخر تحمل عبء الأمانة .مهما كان معنى الأمانة في الآية .
يقول الله تعالى : {وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} (98) سورة الأنعام.
فجميع المخاطبين بالآية الكريمة أنشأهم الله من نفس واحدة .فما معنى أن يكون الناس من نفس الجن ؟. سيأتي بيانه بإذن الله .
يقول الله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف.
فعلى فرض توجيه الخطاب للجن , لا يستقيم معنى الآية أبدا .و لا مجال للتبرير أبدا . فرسول الله بشر و ليس جنيا .فهو ليس مثلهم .
و ليطمئن القارئ تماما , و إليك تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية للجن :
الجن إسم وصفي و ليس إسما لعين .
و يندرج تحت هذا التعريف مصاديق عديدة و متنوعة , و كلها صحيحة بحمد الله .و سيأتي بيانها في وقتها إن شاء الله .
و من ضمن هذه المصاديق , إليكم حديثا للرسول الأكرم , حديث يندرج تحت آيات صدقه عليه السلام , فهو إعجازي , لأنه وحي من الله .
- [ 7226 ] حدثنا جبارة حدثنا أبو بكر عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل فناء أمتي في الطعن والطاعون قالوا يا رسول الله فد عرفنا الطعن فما الطاعون قال وخز أعدائكم من الجن وفيه شهادة.مسند أبي يعلى.
فهل يقول قائل بأن الطاعون يسببه الجن الشبحي ؟.
أنتظر محاولات الإخوة لإسعاف التصور التقليدي للجن و الذي إنهارت أول أعمدته و هي الزعم بأن الجن من الغيب .
ثم نتناول باقي نقاط التعريف السطحي المتهاوي .
و نتناول مصاديق كلمة الجن في القرآن و السنة تباعا , حتى يتضح للقارئ أن من جاء بهذا الفهم الصحيح لم يأت به من فرط علمه و عقله , و إنما بمنة من الله عالم الغيب و الشهادة .و أعني مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام .
و هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .
يتبع بإذن الله ...............
النقطة الثانية من التصور التقليدي للجن :
تطرق الكاتب في مغالطاته , إلى الحديث عن أنواع الجن :
و اكتفى بسرد حديث رسول الله الصادق الأمين .و لكون الكاتب لم يفلح في فهم حقيقة معنى الحديث , سارع بالخروج من هذه النقطة , عسى أن ينجو من متناقضات رهيبة لا مناص من ظهور بطلان فهمه لو تطرق إليها . فكتب :
عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله –ص- : (( الجن ثلاثة أصناف , صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء , و صنف حيات و عقارب , و صنف يحلون و يضعنون )).
رواه الطبراني ..... صفحة 20 .
لم يحاول الكاتب ذكر تلك التصنيفات الشهيرة لعلماء صنفوا كتبا في الجن .و ملأوا الدنيا بالخرافات و القصص الواهية السطحية .
فالجن عندهم : أنواع كثيرة .الجن الطيار و الغواص , و البناء .و الشياطين , و العفاريت و السعالى , و المردة و الغيلان .....
لكن هل يقدم هؤلاء العماء دليلا على صحة هذه التصنيفات ؟.
ابدا فالكلام للإستهلاك المحلي و السريع .
أولا ما بني على الباطل فهو باطل . فمن لم يستطع إثبات وجود هذه الكائنات الحية , الأولى به الكف عن تقديم تصنيفات ليس له عليها دليل أبدا .
و الغريب أن أحدهم قد لا يفرق بين ذكر الحمام و أنثاه . فكيف بهذه التصنيفات العارية من الدليل ؟.
حديث رسول الله الوارد أعلاه , صحيح و إعجازي و يقدم معان راقية لمن يفهم أن الجن إسم وصفي .و سيأتي بيان تلك المعاني إن شاء الله .
النقطة الثالثة :
مساكن الجن :
يزعم الشيخ أن هذه الكائنات الحية التي جعلوا منها خليفة ثان في الأرض تسكن الأماكن الخالية من الإنس , و الصحارى , و المزابل و القمامات و منهم من يسكن مع الجن .
ينبغي أن يحدد الشيخ موقفه بوضوح , إذا كانت الجن تسكن الأماكن الخالية من الإنس . فكيف يسكن بعضها معهم ؟.
تناقض فاضح .
ثم ما بال هذه الكائنات الحية العاقلة .و خاصة المسلمين منهم و يسكنون مواضع النجاسة , و بيوت الخلاء و يتركون القصور الفخمة ؟.
اليس بوسعهم بناء قصور فارهة ؟. أليسوا أقوى من البشر ؟.
هل نسي الشيخ أن عفريتا عرض على نبي الله أن يأتيه بعرش ملكة سبأ من اليمن إلى فلسطين ؟.
ثم يتعقد الأمر حينما تعلم أن من الجن المسلمون . فكيف يسكنون بيوت الخلاء و الأماكن النجسة ؟.
تتضح معالم هذا التصور السطحي منذ البداية , فهو تناقض مركب . فليس للجن في فهمكم سوى ما هو حقير و دنيئ .
و لا يقدم أحدكم إسم جني واحد استشهد في سبيل الله .أو جاهد في سبيل الله . أو أعان المسلمين في بداية الدعوة , و ايام الحصار و الجوع .
ضف إلى هذا التحليل كله شيئا , ليس بوسع الشيخ و لا غيره مواجهته أبدا .
هذه الأمة التي يخافها الناس لقوتها و سرعتها , هل ترك أسلافها معلما حضاريا واحدا ؟.
هل بنى مسلمو الجن مسجدا واحدا ؟. مع أننا نقرأ كلام الله على ألسنة ذاك النفر من الجن : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18) سورة الجن.
هذه مشكلة تناول كتاب الله بالتجزئة , كل آية على حدى .و النتيجة ضياع و تيه عن الحق .
و لكون القرآن الكريم كتابا نزل باللغة العربية , (( إنا أنزلناه قرآنا عربيا..)) , يكفي العودة للغة العربية , حتى يعرف الإنسان أن جن : تعني اختفى و استتر . فهي صفة قد تطلق على البشر .مثل جن نصيبين , المذكورين في سورة الجن . و هم بشر مثلك و مثلي , استمعوا القرآن من غير أن يرهم رسول الله . أي من حيث لم يروا و فقط . فكانوا جنا . أيمن حيث لم يرهم رسول الله , و لم يسمع بخبرهم إلا وحيا .(( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ....)).
هاتان نقطتان من التصور التقليدي للجن , قد تم بيان بطلانهما أيضا , و الحمد لله رب العالمين ...
يتبع ..............