القسم الثالث: السحر المجازي
وهذا النوع من السحر يقوم على الحيل الكيميائية و خفة اليد و على التمويـه والخداع و الكذب على ضعاف العقول. وهو يعرف في زماننا هـذا بالشعـوذة والدجل. و سمي سحرا مجازا لاشتراكه في المعنى اللغوي للسحر . فهو مما خفي سببه و لطف مأخذه و دق و جرى مجرى التمويه و الخداع . وغالبا ما نرى هذا النوع من السـحر و السيمياء مما يمارسه بعض الذين يشتغلون بالسيرك و كذلك من لهم علاقة بالشياطين، كالسحرة الذين يقومون بعمل السحر الحقيقـي و لهم معرفة بخواص المواد الكيميائية و الحيل العلميـة. ومن هذه النماذج تلك التـي يعتمد فيها بعض المشعوذون بوضع مادة على جـانبي صندوق الكبريت عنـد اشعال عود الثقاب اذا احتكت بها هذه المادة أحترقت في معدن مثل الألمنيوم أو المعدن الذي سطحه أملس . فالدخان الخارج منها يتسرب على سطح المعدن على شكل مادة بنية اللون. و هذا الدخان بمجرد ملامسته لسطح رطـب فانـه يتحول الى دخان مرة أخرى . و عليه يقوم المشعوذ بحرق هذه المـادة ثـم اذا تحولت الى دخان جامد في شكل مادة بنية اللون على سطح المعدن الذى حـرقت فيه يقوم بمسحها بسطح يده لتبقى المادة فيها شرط أن تكون اليد جافة ، فاذا أتاه شخص و شكا له مرضا معينا أو قال انه مسحور فأنه يقوم بأحضار كوبـا مـن الماء يقرأ عليه بعض الآيات للتمويه ثم يرش يد الشخص المريض بهذا الماء بيده التي ليست فيها المادة ( الدخان المتجمد) ثم يمسح يد الشخص المريض فيخـرج منها الدخان بصورة كثيفة لفترة من الزمن، ثم يقول للمريض أن المرض قد خرج منك . أو يقوم بعض المشعوذون باحضار قدر فيه ماء قليل و يضعون في داخـله حبرا أو شيئا من الصباغ ، وبحركة خفيفة يلصقون حجابا من الورق فـي الغطاء الذي يغطى به القدر و يلصقونه بواسطة الغراء ثم يجعلون الشخص ينظـر فـي
داخل القدر فلا يرى شيئا. ثم يوضع القدر فوق النار فيغلي الماء بداخله فيغطى بالغطاء دون أن يرى المريض باطن الغطاء. فعندما يغطى القدر و بفعل الحرارة الشديدة و بخار الماء يذوب الغراء فيسقط الحجاب في داخل القدر، ثـم يكشـف الغطاء فينظر المريض في داخل القدر فيجد الحجاب أو التميمة في داخـل القدر فيقول له المشعوذ انك كنت مسحورا و هذا هو سحرك فيصدقه المريض .و هناك من الحيل و الأكاذيب التي يستخدمها اولئك الكذابون و هي كثيرة بـأن تحصر.ولما كان السحر بهذه الدرجة من الخطورة و فيه تخريب البيوت و ايقاع العداوة والبغضاء بين الناس، فهو كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات السبع.فقد اعتنى الاسلام بالرد على السحرة و المشعوذين، و يكفي أن الله سبحانه و تعالى قد ذكر بكفر الساحر. و قد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكفر من أتى السحرة والعرافين بقوله صلى الله عليه و سلم " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله عليه و سلم ". وقد اعتنى أهل العلم سلفا وخلفا بهذا الأمر، وكان من خيرة أهل العلم الذين كتبوا في هذا الباب الشائك الامام الجليل أمام أهل السنة و الجماعة في عصرنا الحاضر في القرن العشرين، رحمة الله عليه الشيخ عبد العزيز بن باز، حيث اصدر في حياته عدة فتاوى، و كان سيفا مسلطـا على السحرة و المشعوذين و الدجالين و المبتدعين، فنسأل الله له المقام العالي في جنات الخلد بجوار النبيين و الصديقين و الشهداء وحسن أولئك رفيقا. و مـن هذه الفتاوى رسالة متكاملة عنوانها :
حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . وبعــد :
فنظرا لكثرة المشعوذين في الآونة الخيرة ممن يدعون الطب و يعالجون عن طريق السحـر أو الكهانة ، و انتشارهم في بعض البلاد و استغلالهم للسذج مـن النـاس ممن يغلب عليهم الجـهل ، رأيت من باب النصيحة لله و لعباده أن أبين ما في ذلك مـن خطـر عـظيم على الاسلام و المسلمين لما فيه من التعلق بغـير الله تعالـىومخالفة أمره و أمر رسوله صلى الله عليه و سلـم . فـأقول مستعينا بالله تعـالي يجـوز التداوي اتفاقا ، و للمسلم أن يذهب الى دكتور أمراض باطنية أو جـراحية أوعصبية أو نحو ذلك ، ليشخص له مرضه و يعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعـا حسب مـا يعرفه في علـم الطب، لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العاديةولا ينافي التوكل على الله ، و قد أنزل الله سبحانه و تعالى الداء و أنزل معه الدواء عـرف ذلك من عرف و جهله من جهله ، ولكنه سبحانه لـم يجعل شفاء عباده فيما حرمـه عليهم. فلا يجوز للمريض أن يذهب الى الكهنة الذين يدعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه ، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فأنهم يتكلمون رجما بالغيـب أو يستحظرون الجن ليستعينوا بـهم على ما يريدون ، و هؤلاء حكمهـم الكفـر والضلال اذا ادعوا علم الغيب ، و قد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " مـن أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما " و عن أبـي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من أتى كاهنـا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدا صلى الله عليه و سلم " رواه أبـوداود و خـرجه أهل السنن الأربع و صححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه و سلم بلفظ : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم " و عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحـر أوسـحر له و من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على مـحمد صلى الله عليه و سـلم " رواه البزار باسناد جيد . ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن أتيان العرافين والكهنة و السحرة و أمثالهم و سؤالهم و تصديقهم و الوعيد على ذلك ،فالواجب على ولاة الأمور و أهل الحسبة و غيرهم ممن لهم قدرة و سلطان انكـاراتيان الكهان و العرافين و نحوهم ، و منع من يتعاطى شيئا من ذلك في الأسواق وغيرها و الأنكار علهم اشد الانكار ، والانكار على من يجييء اليهم ،ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور و لا بكثرة من يأتي اليهم من الناس فأنهم جهال لايجوز أغترار الناس بهم ، لأن الرسول صلى الله عليه و سلم قد نهى عن أتيانهم وسؤالهم و تصديقهم لما في ذلك منالمنكر العظيم و الخطر الجسيـم و العواقـب الوخيمة و لأنهم كذبة فجرة ، كما أن في هذه الأحاديث دليلا على كفـر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب و ذلك كفـر ، و لأنهمـا لا يتوصـلان الـى مـقصدهما الا بخدمة الجن و عبادتهم من دون الله و ذلك كفر بالله و شـرك بـه سبحانه و المصدق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم ، و كل من تلقـى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برىء منه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ولا يجوزللمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا كتمتمتهم بالطلاسم أو صب الرصاص و نحوذلك من الخرافات التي يعملونها ، فان هذا من الكهانة و التلبيس على الناس و من رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم و كفرهم . كما لا يجـوز أيضـا لأحـد من المسلمين أن يذهب اليهم ليسألهم عمن سيتزوج ابنه أو أبنته أو قريبه أو عما يكون بين الزوجين و أسرتيهما من المحبة و البغضاء أو العداوة و الفـراق و نحو ذلك ، لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه الا الله سبحانه و تعالى .والسحر من المحرمات الكفرية كما قال الله عز و جل في شأن الملكين في سورة البقرة : ( و ما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما مايفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من أحد الا بأذن الله و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق و لبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون). فدلت هذه الآيات الكريمة على أن السحر كفروأن السحرة يفرقون بين المرء و زوجه. كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعا و لا ضرا و انما يؤثر باذن الله الكوني القدري لأن الله سبحانه و تعالى هو الذي خلق الخير و الشر . و لقد عظم الضرر و اشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين و لبسوا بها على ضعفاء العقول فأنا لله و انا اليه راجعون و حسبنا الله و نعم الوكيل . كما دلـت الآية علـى أن الذين يتعلمـون السحر انما يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و انه ليس لهم عند الله من خلاق أي : " من حظ ونصيب " و هذا وعيد عظيم يدل على شدة خسارتهم في الدنيا و الآخرة ، و أنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان , و لهذا ذمهم الله سبحانه و تعالى على ذلك بقوله :"ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون" و الشراء هنا بمعنى البيع نسأل الله العافية و السلامة من شر السحرة و الكهنة و سائر المشعوذين كما نسأله سبحـانه أن يقي المسلمين شرهم ، وان يوفق حكام المسلمين للحذر منهم و تنفيذ حكـم الله فيهم حتى يستريح العباد من ضررهم و أعمالهم الخبيثة أنه جـواد كريـم . و قد شرع الله سبحانه لعباده ما يتقون به شر السحر قبل وقوعه و أوضح لهم سبحانه مايعالـج بـه بعد وقوعه رحمة منه لهم ، و احسانـا منه اليهم ، و اتماما لنعمته عليهم . و فيما يلي بيان للأشياء التي يتقي بها خطر السحر قبل وقوعه والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور المباحة شرعا : -
يتبع
http://www.stop55.com/55417-2.html