أوقد شمعة خير من أن تلعن الظلام !!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
مازال أهل العلم يقبلون ما استفاده البشر من تجارب واكتشافات ، ما دامت نافعة لبني الإنسان ، من غير نكيرٍ بينهم . وهذه العلوم والمكتشفات لا تختص بها أمة عن غيرها ، ولا دين عن غيره ، أما في أمور الدين والاعتقاد فيقال فيها : " إن أحسن الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
والحضارات أو الفكر الوافد من الشرق أو من الغرب لا تأخذ حكماً واحداً ، فهي مفهوم مركب من عناصر عدة ، فلا عجب أن يكون فيها جوانب إيجابية تثمر خيراً ، كما فيها جوانب سلبية تنتج شراً ، وموقف كل مسلم بل كل عاقل ـ أن يأخذ بالخير ، ويرحب به ، ويستفد منه، وأن يتجنب الشر ، ويحذر منه .
ولازال أهل العلم ينقلون عن الأطباء القدماء كجالينيوس وأبقراط صاحب الطب الكنهوتى الذى لقب بأبى الطب فى زمانه والذى أتسطاع أن يفصل الطب عن الفلسفة الدينية والذى ينقل عنه ابن القيم بعض أقواله فى الطب فى كتابه ( الطب النبوى ) .
إن جل الأمراض الروحانية أمراض لاتخضع لأشعة ولاتقهرها تحاليل ولاعقاقير كيميائية ولاتظهر فى أشعة والتعامل معها ليس كتعامل الأطباء مع الأمراض العضوية ، ولو أنفق أحدنا كل ماعنده من مال وجاب الدنيا طولاً وعرضاً قد لايصل إلى حد الرضا عن حاله ومآله من جراء سحر أو مس أو عين ، وبما أن هذه الأمراض ـ كغيرها ـ تصيب الروح ثم تنتقل للجسد فلزم علينا دراسة الروح من منظور علمى فى حدود المسموح به من الدين دون أن نشطح بخيالنا ونأتِ بما لم ينزل الله به من سلطان .
والشيطان وحزبه أعلم ببدن ابن آدم منه ، وأعلم بخبايا جسده منه ، وأعلم بنقاط ضعف جسمه منه ، فأصبح الإنسان فريسة للشيطان وخيله وصوته وجنوده إلا من رحم الله من عباده ، إذا قال مكروب لم ينفع علاج وجربت الرقاة فيأتِ أحدهم ويقول ( كن كالصحابية السوداء أم زفر واصبر ) أو آخر يسأل معالجاً فى برنامج عن السحر فى قناة فضائية فيقول كيف أبطل السحر الخارجى فيقول له : ( ادعُ الله ثم ادعُ الله ثم ادعُ الله ونَمْ فسترى مكان سحرك ) ، نقول لهذا الرجل الطيب : نعم ياأخى الصبر ضياء ودعاء الله هو العبادة ولكن ليس كلنا أم زفر وليس كلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل هذا هو الحل للسحر والمس والعين ؟!! مالكم كيف تحكمون ؟
الذى نحتاجه فى هذا الوقت علوماً تأتِ لنا بعلوم ثم علوم ثم علوم حتى نقهر الشيطان ، لانريد شعارات وفيلم لتوبة ساحر فالساحر لايعرف كيف يسحر فشيطانه هو الذى يسحر له ؟ ولن تجد أحداً استفاد من ساحر أصلاً إلا القليل المعلوم للجميع والموجود فى كتب السحر ، ولانريد عرض لمداهمات لبيوت السحرة فهذا شأن ولاة الأمر وفقهم الله وبارك سعيهم ، و لا أن نجلس نعطر مصاحفاً بال عليها الساحر فتعطير المصحف فيه أجر عظيم ووفير ولكنه لايفك سحر من سُحر وتخلل السحر حياته وقضى عليه مع عميق تقديرنا لمن قام بذلك جزاهم الله خيراً ووددنا لو كنا معهم ، ولانريد تمائم وحروز عليها طلاسم وجداول تعرض على الشاشات أو فى الشبكات ونقول هذا هو السحر وجدناه عند ساحر فهذا كله معروف ومعلوم ولاأحد يخفى عليه كفر السحرة وخبثهم وانسلاخهم عن الدين ، نحن الآن نحتاج كيف نفك السحر فى الداخل والخارج ؟ وكيف نطرد الجنى من الأجساد والبيوت ؟ وكيف نقلع العين ونزيل الحسد ؟ هذا مايهم الناس وهذا مايريدونه وهذا مانفتقده على الفضائيات التى تأتى بحلقات تشابه بعضها بعضاً فهى مكررة المضمون والاختلاف يكون فى اسم القناة والمقدم والضيوف ، وهذا مالاتراه على الشبكات إلا بالقدر القليل مع التحفظ الشديد وماإن لمع نجم أحد منهم والتف الناس من حوله حتى جهزوا له تهمة فى مطبخ التشهير ورموه بها إما ساحر وإما مفتون بالنساء أما حرامى ولاحول ولاقوة إلا بالله !
وقد وجدنا فى الطب القديم كالطب الهندى والصينى فوائد أخضعناها للتجربة والتتبع والاستقراء وأشبعناها تثبتاً وتروياً وعرضناها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فأخذنا بالسمين الذى لايخالف الدين وتركنا الغض وحذرنا منه ، والذي أخذناه منهم جردناه من الفلسفات الشركية والاعتقادات الدينية الهالكة وجعلنا منه نبراساً يضىء لنا مسيرتنا فى حرب الشيطان وحزبه وهذا من باب الجهاد فى سبيل الله تعالى ، فكثير من الناس وجل الرقاة والمعالجين والمصابين يتداووا ويداووا بأمور حسية وبطرق الأصل أنها مباحة ولكن لايعرفون لما نفعت هذه الطريقة ولم تنفع الأخرى ، ولايعرف ليش يضغط على لمعدة فينجح وغيرها لا ؟ وليش يضغط على إصبع القدم يحضر الجنى وغيره لا ؟ وليش يضغط على موضع الحاجبين فيتأثر المصاب ويشعر بحرارة ؟ ولايعرف كيف يدخل الجنى فى الجسد وكيف سيخرج ؟ أو لما تهتز القدم ولماذا الرعشة فى اليد ؟ ولماذا ألم الأصابع ؟ ولماذا هذا استفرغ وذاك لا ؟ ولماذا هذا نطق على لسانه جنى وذاك لا ؟ وكيف نطق ؟ إلى آخر السلسلة الطويلة من الأسئلة التى نحاول أن نجد لها إجابة .
فوجدنا عند الأقدمين معلومات أفادتنا كثيراً فى معرفة هذا أو ذاك والوقوف على موطن العلة وكيفية حدوثها وماهة العلاجات الأنجع والأنفع لها فى وقت كثر فيه المرضى وقل فيه الرقاة وليس معاناة الشعبين السعودى والكويتى وبقية الخليجيين والمغاربة عنا ببعيد !!
البدو في الصحراء وكبار السن في بعض القرى يستخدمون العلاج بالكي وأنهم ينجحون في علاج بعض الأمراض التي يعجز الطب الحديث عن علاجها ، والغريب أنهم يكوون على مسارات الطاقة الصينية والمناطق الانعكاسية من غير أن يعلمون عنها شيئاً ، كأن يكوون الموضع بين الخنصر والبنصر لمرض أبو صفار وأسفل القدم للروماتيزم ..الخ ، وعلمهم واللهم اعلم مأخوذ من كتب الطب القديم مثل كتاب الحاوي والقانون وأخذ بالوراثة أو عن طريق تعليم الجن لهم ونجد أن للحجامة أكثر من ثمانين موضع فى الجسد هى ـ تقريباً ـ مواضع طب الإبر الصينية .. فتأمل !!
فالعلاجات قديمة المنشأ حديثة الانتشار كالعلاج بالإبر الصينية والعلاج بالأحجار والعلاج بالروائح الطيبة الزكية والعلاج بالتدليك أو الضغط والتربيت على مواضع معينة هى علاجات أثبت نعفها فى مجال الأمراض العضوية واستفاد منها العالم منذ 1913 وحتى الآن ، وقد اخترعت أجهزة لتصوير وقياس لبعض ماجاءت به هذه العلوم كالهالة أو المجال المغناطيسى للجسد وغيرها ، فأصبح الموضوع علمى بحث ، ودورنا كبحّاث ومعالجين أن نصبغها بصبغة علاجية من نوع آخر وهى تسخيرها فى علاج المس والسحر والعين وإبطال السحر والضغط على العارض ومعرفة زواياه وخباياه وهذا هو المرض الروحانى الذى هو أصل المرض العضوى وهذا مالا تمنعنا منه شريعتنا السمحة إذا كان مستندنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فيجوز للمسلم أن يتداوى بكل شيء إلا ما خصه الدليل بالمنع كالمسكرات ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله جعل لكل داء دواء ، فتداووا ولا تتداووا بمحرم ) رواه أبو داود ، والأدوية غير منحصرة في دواء معين ، فقد جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الناس خير ؟ قال : ( أحسنهم خلقاً ) ، ثم قال : يا رسول الله أنتداوى ؟ قال : ( تداووا فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه ، وجهله من جهله ) رواه أحمد .
وليس من الصواب الاعتقاد بأن ما ورد في الكتاب والسنة يغني عن الاستفادة من خبرات الأمم السابقة التي لا تتعارض مع أصول الدين الإسلامي ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لقد هممت أن أنهي عن الغيلة ، ولكني نظرت فإذا فارس والروم يغيلون ولا يضر أولادهم ) رواه مسلم .
فقد بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة الغيلة وترك النهى عن خبرة وتجارب لأمم سابقة من هذه الأمم من كان يعبد النار ولايجعلها تخبت !!
والآن هناك علاج منتشر فى العالم الغربى انتشار الهشيم وهو مايعرف بالعلاج ( باللمسة ) وهذا العلاج قائم على تمرير اليد على بعد سنتيمرات من جسد المريض لدقائق أو وضعها مباشرة ، وللأسف هذا العلاج كان متبعاً عند المسلمين الأوائل وهو علاج نافع ناجع فقد روى مسلم فى صحيحه عن عثمان ابن أبى العاص الثقفى أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده فى جسده منذ أسلم فقال له : ( ضع يدك على الذى تألم من جسدك ، وقل بسم الله ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ماأجد وأحاذر ) غضضنا الطرف عنه ولم نطبقه وتلقفه الغرب فجعلوا منه معاهد ومدارس لتعليم هذا النوع من العلاج والله المستعان .
فنقول للذين عندهم خوف مفرط من هذه العلوم القديمة والذين يتوقفون فى كل أمر ـ أكثر من توقفهم على إشارات المرور ـ لاتقفوا عثرة فى طريق نفعنا للبلاد والعباد فنحن فى معركة مع الشيطان لاتنتهى إلى يوم الوقت المعلوم ونحتاج فيه لعدة وعتاد من العلم والفهم وطرق باب العلوم بعد أن ندقق فيها ونصبغها بالصبغة الدينية التى تجوز لنا البحث فيها واستخدامها وإعادة تشكيلها بما يتوافق مع الشرع وقواعد الدين ، زادنا فى ذلك كتاب وسنة بفهم السلف الصالح ومااستشكل علينا نرجع فيه لعلمائنا الربانيين رحم الله ميتهم وحفظ حيهم ، والحق يقبل ممن كان وقد قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيطان فقال لأبى هريرة رضى الله عنه ( صدقك وهو كذوب ) .
سائلين الله التوفيق والسداد وأن يجعلنا كالغيث حيثما حللنا نفعنا هو ولى ذلك والقادر عليه وهو على كل شىء قدير والله تعالى أعلى وأعلم .
أبو همام الراقى